مصر أرض الأنبياء الأستاذ مصطفى السواق

تنقسم العوامل التى ساعدت على قيام الحضارة الفرعونية إلى عوامل طبيعية (نهر النيل العظيم، والموقع الممتاز، والمناخ المناسب، ووفرة الصخور والمعادن) وعوامل بشرية (العمل الإيجابى والكفاح المتواصل).

ا – العوامل الطبيعية

النيل وفضله العظيم:

 ساعد نهر النيل على تحول مصر إلى جنة خضراء، والنيل علّم المصريين بناء السفن، فساعد على ترابطهم، وتبادل المحاصيل ونشاط التجارة.

 النيل علم المصريين الزرع والحساب، والنظام، وشق الترع، وبناء الجسور وتشييد السدود, لقد وجد المصريون القدماء فى نيلهم المعلم، ومصدر الحياة الأولى، فعظموه وقدسوه، وعبدوه فى شكل إله أسموه "حابى"، ومازلنا نحتفل بعيده "وفاء النيل" كل عام.

لقد ترك لنا المصريون القدماء الكثير من النصوص التاريخية التى تدل على أهمية نهر النيل فى حياتهم. وعن أثر نهر النيل فى حياة المصرى القديم،

 تقول أحد هذه النصوص: "سلام عليك أيها النيل … الذى يحيى بمائه أرض مصر وما عليها من مخلوقات ونباتات، سلام عليك يا رب الخير … يا من يروى الصحراء بنداه.

 إن أبطأت اضطربت القلوب وهلكت الأرواح، وإن أسرعت طابت النفوس وتفتحت الأزهار …". وعن مكانة نهر النيل فى نفوس المصريين، يقول نص آخر: "مرحى يا "حابى" … أنت يا من ظهرت على الأرض لكى تعطى الحياة إلى مصر، أنت يا من تأتى مستخفياً لكى تعطى الحياة لكل ظمآن …، سلام عليك يا رب الخيرات …". 

الموقع الجغرافى الممتاز:

 لمصر موقع جغرافى ممتاز، فهى ملتقى قارتين كبيرتين هما إفريقيا وآسيا، وهى تطل على بحرين مهمين هما البحر الأحمر والبحر المتوسط ومصر بمثابة القلب من العالم القديم، وحلقة الاتصال بين أقطاره وشعوبه.

 أيضاً تتمتع مصر بحماية طبيعية، ففى الشمال البحر المتوسط، وفى الشرق والغرب والجنوب تمتد الصحراوات الواسعة التى كانت دروعاً واقية ساعدت المصريين على الدفاع عن بلادهم ومقاومة المعتدين والطامعين فى خيراتهم

المناخ المناسب:

 وهب الله (سبحانه وتعالى) مصرنا العزيزة مناخاً معتدلاً وشمساً مشرقة، وسماء صافية، وهواء عليلاً، فساعد ذلك على نشاط الإنسان وتيقظ عقله، كما أن جفاف مناخ مصر ساعد على حماية آثارها القديمة

وفرة الموارد الطبيعية (الصخور والمعادن):

فى أرض مصرنا العزيزة يوجد الذهب والنحاس والحديد والفضة وغيرها من أنواع المعادن، كما تتنوع بها الصخور من جرانيت ورخام وأحجار كريمة، ومن هذه الصخور والمعادن صنع المصريون القدماء كل صناعاتهم، وبنوا أهراماتهم، ونحتوا تماثيلهم، وصنعوا حليّهم البديعة، فكانت الصخور والمعادن بالنسبة للمصرى القديم أغلى الثروات.

ب – العوامل البشرية

العمل الإيجابى والكفاح المتواصل:

 أحسن المصريون القدماء استخدام هذه العوامل جميعاً، واستفادوا منها، وفكروا وابتكروا، وبذلوا كثيراً من الجهد، وساد بينهم التعاون حتى حولوا واديهم إلى تلك الجنة التى نسكنها ونتمتع بخيراتها اليوم

وبذلك تكون الحضارة المصرية القديمة نتيجة التفاعل المبدع بين طبيعة الأرض وطبيعة الشعب الذى سكنها، فمصر ليست "هبة النيل" كما قال المؤرخ الإغريقى "هيرودوت" منذ آلاف السنين، بل هى أيضاً نتيجة لجهد المصريين واجتهادهم، وذكائهم، وابتكارهم، ووحدتهم، وتضحياتهم. إذن "مصر هبة النيل والمصريين"، ولولا كفاح المصريين لما ظهرت هذه الحضارة العظيمة.

 

ثانيا: عصر الدولة القديمة – عصر بناة الأهرام

الأسرات 3-6 (2780-2280 ق.م):

نجح الملك "مينا" فى تحقيق وحدة مصر السياسية وأسس أول أسرة حاكمة، وقد تدعمت وحدة البلاد فى عهد الأسرة الثانية، وشهدت مصر تقدماً فى جميع نواحى الحياة، كما تطور استعمال الكتابة المصرية القديمة التى سماها الإغريق "الهيروغليفية".

 هكذا أصبحت مصر مهيأة لاستقبال عصر جديد، هو عصر الدولة القديمة، والذى يضم الأسرات (3-6).

يطلق المؤرخون على عصر الدولة القديمة اسم "عصر بناة الأهرام"، إشارة إلى تلك الأهرامات الضخمة التى نراها جميعاً، والتى بنيت فى بطن الصحراء عن يمين الوادى، من إقليم الفيوم جنوباً إلى الجيزة شمالاً

ولكن لماذا بنيت الأهرامات وما هو الغرض منها؟

 ترجع الفكرة فى بناء الأهرامات إلى اعتقاد المصريين القدماء فى خلود الروح، وإلى اعتقادهم فى البعث مرة أخرى وبوجود حياة أبدية, لهذا بنى المصريون القدماء مقبرة حصينة توضع فيها الجثة بعد تحنيطها، وتزود بمجموعة كاملة من حاجيات الميت كالأدوات وقطع الأثاث وأنواع الأطعمة والشراب التى كان يستعملها فى حياته، حتى إذا ما جاءت الروح وحلت فى الجثة، عاد الإنسان إلى حياته الأبدية. ونقشت جدران المقبرة بالمناظر المعتادة، لتدخل السرور على الميت.

1- أحوال البلاد فى عهد الدولة القديمة:

كانت مصر على جانب كبير من الخير والرخاء، وكان الأمن سائداً وحياة الناس هادئة مستقرة. وازدهرت الآداب والعلوم والفنون، وتقدمت الرحلات على أيدى الرحالة من أبناء مصرنا العزيزة, كما قامت حركة بناء ضخمة، وذلك بفضل ما توافر لمصر من ثروات طبيعية, وهكذا عاشت مصر أزهى عصورها فى عصر الدولة القديمة، هذا العصر الذى اجتمع فيه نشاط الفكر إلى جانب نشاط العمل والتنفيذ.

2- أشهر ملوك الدولة القديمة وإنجازاتهم

1 - الملك زوسر Zoser:

هو مؤسس الأسرة الثالثة الفرعونية بداية الدولة القديمة، وصاحب القبر العظيم فى "سقارة" المعروف باسم "الهرم المدرج"، وقد اتخذ "منف" عاصمة للبلاد، واهتم باستخراج النحاس من سيناء، ومد حدود البلاد جنوباً إلى ما بعد الشلال الأول بعد أن بسط نفوذه على النوبيين.

ومن اهم اعماله- هرم زوسر المدرج

هو أول بناء حجرى ضخم عرفه التاريخ، يتكون من ست مصاطب شيدت فوق بعضها، مكسوة كلها بالحجر الجيرى الأبيض، ومحاط بسور ضخم كذلك من الحجر الجيرى, يبلغ ارتفاع الهرم المدرج حوالى 60 متراً، وقد بنيت غرفة دفن الملك من الجرانيت.

*** الوزير إيمحوتب الحكيم Imhotep:

فى عهد الملك "زوسر" ظهر أحد النوابغ المصريين الذين تركوا آثاراً بارزة فى تاريخ مصر وحضارتها، هو الوزير "إيمحوتب"، وإليه يرجع الفضل فى وضع تصميم هرم سقارة المدرج وتنفيذه

على هذا الوزير اعتمد الملك "زوسر"، واسند إليه كثيراً من الأعمال، فكان "إيمحوتب" يتولى الإشراف على كل صغيرة وكبيرة، وإلى جانب شهرته فى فن العمارة، اشتهر بالحكمة والطب، فأحبه المصريون القدماء وشيدوا له التماثيل. وعن وصف الوزير "إيمحوتب" وزير الملك "زوسر" قيل: "كان "إيمحوتب" كاهن الملك ووزيره وبناءه، عرف الإغريق تاريخه فقدروه، واعتبروه خالق عمارة الحجر، وأول علماء الدنيا وطبيبها الأول، وكان "إيمحوتب" خريج أول مدارس العلم والدين والسياسة فى هذه الدنيا…".

2 - الملك سنفرو Snefru :

مؤسس الأسرة الرابعة، تلك الأسرة التى واصلت رسالة الأسرة الثالثة، فاستمرت فى اتخاذ "منف" عاصمة للبلاد، كما كانت أيامها أيام سلام ورخاء, أشتهر "سنفرو" بالإصلاح والقوة،

 ومن أهم أعماله:

 إرسال أسطول بحرى إلى فينيقيا على ساحل بلاد الشام (لبنان حالياً) لإحضار خشب الأرز لاستخدامه فى بناء السفن وعمل أبواب القصور. شيد "سنفرو" لنفسه هرمين بـ"دهشور" جنوب "سقارة"، كما عمل على تأمين حدود مصر الشرقية والجنوبية.

3 - الملك خوفو :Cheops: 

هو أحد ملوك الأسرة الرابعة، وترتبط شهرته بهرمه الأكبر الذى يعتبر أحد عجائب الدنيا السبع لضخامة بنائه، وروعة منظره، وجمال هندسته، وبراعة تصميمه, ويبلغ ارتفاع الهرم الأكبر حوالى 137 متراً، وعدد أحجاره نحو 2,300,000 حجر، فهو بذلك أضخم بناء قديم أقيم على وجه الأرض، ويرى المؤرخ الإغريقى "هيرودوت" أن بناء هذا الهرم استغرق عشرين عاماً, وقد شيد خلفاء خوفو (خفرع و منكاورع) هرمين أقل حجماً من الهرم الأكبر.. 

(تمثال أبو الهول)

أمر الملك "خفرع" بنحت هذا التمثال من صخرة ضخمة على هيئة جسم أسد له رأس إنسان، وهذا التمثال من الراجح أنه يمثل الملك "خفرع" نفسه, يبلغ طول التمثال 57 متراً، وارتفاعه 20 متراً، وطول وجهه خمسة أمتار، وطول أذنه أكثر من متر واحد، وفمه متران وثلث.

4 - أوسر كاف:

منذ أواخر الأسرة الرابعة، أخذ نفوذ كهنة الإله "رع" بمدينة "عين شمس" (هليوبوليس) يزداد، حتى استطاعوا إسقاط الأسرة الرابعة، وتولية أحد رجالهم وهو "أوسر كاف" الحكم، وبه تبدأ الأسرة الخامسة.

أقام ملوك الأسرة الخامسة المسلات الضخمة التى ترمز لإله الشمس "رع"، كما أقاما المعابد التى سميت معابد الشمس، يوجد معظم هذه المعابد فى "أبى صير" و"دهشور" بمحافظة الجيزة.

*** ازدياد سلطة أمراء الأقاليم وانهيار الدولة القديمة - الأسرة السادسة:

عاشت مصر فى عهد الدولة القديمة قوية متحدة متماسكة لفترة طويلة، إلى أن دب فيها الضعف، وقلت هيبة ملوكها، وبدأت تزداد سلطة حكام الأقاليم خاصة فى الأسرة السادسة.

 انتهز هؤلاء الحكام فرصة ضعف الملوك، وأخذوا يعملون على تركيز السلطة فى أيديهم، والاستقلال بحكم أقاليمهم، ومحاولة الانفصال عن فرعون, وخيم الظلام على مصر، وتدهورت أحوالها، وحلت بها الفوضى، حدث ذلك فى عهد الملك "بيبى الثانى" الذى حكم البلاد حوالى قرن من الزمان، الأمر الذى أدى إلى سقوط الأسرة السادسة فى عهد خلفائه، وانتهاء عهد الدولة القديمة

وعن وصف مصر الفرعونية بعد سقوط الأسرة السادسة، يقول أحد الحكماء: "انظر، لقد تغيرت البلاد، وتبدلت أحوالها وساءت، وليس أدل على ذلك من أننا نرى النيل يوافينا بفيضه، والناس على الرغم من ذلك نيام لا ينهضون لخير، ولا يعملون فى زرع أو ضرع، لا لأنهم يكرهون الزرع الضرع، ولكن لأنهم لا يعرفون ماذا يطالعهم به الغد من شرور وأهوال …".

ثالثا- عصر الاضمحلال الأول (2280-2052 ق.م) الأسرات 7-10:

عصر الاضمحلال الأول هو عصر الأسرات (7-9). وسبب هذه التسمية هو أنه قد انتشرت فى البلاد فى هذه الفترة الفوضى والاضطرابات، وطمعت فى أرض مصر قبائل البدو الآسيويين الذين هاجموا حدود البلاد، وسيطروا على بعض أجزائها.

*** ملوك أهناسيا - الأسرتان التاسعة والعاشرة

ظهرت أسرة قوية فى "أهناسيا" (بمحافظة بنى سويف)، استطاعت تأسيس الأسرتين التاسعة والعاشرة، وبسطت نفوذها على أقاليم مصر الوسطى وعلى الدلتا، غير أن أسرة "أهناسيا" لم تنجح فى إعادة الوحدة إلى البلاد، إذ نافستهم أسرة قوية ظهرت فى "طيبة" (الأقصر حالياً)، واستطاع أمراؤها القضاء على الأسرة العاشرة فى "أهناسيا"، وإقامة أسرة جديدة هى الأسرة الحادية عشرة، التى بها يبدأ عصر الدولة الوسطى..

رابعاا- عصر الدولة الوسطى – عصر الرخاء الاقتصادى:

الأسرتان 11 و12 (2124-1778 ق.م)؛

اهتم ملوك الدولة القديمة ببناء الأهرامات، وإقامة المعابد، ونحت التماثيل، على عكس ملوك الدولة الوسطى الذين اهتموا بالمشروعات التى تعود على جميع أفراد الشعب بالخير والرخاء، مثل مشروعات الرى، والاهتمام بالزراعة والتجارة، والنهوض بالبلاد نهضة شاملة فى جميع نواحيها.

أشهر ملوك الدولة الوسطى وإنجازاتهم:

1 - الملك منتوحتب الثانى:

هو مؤسس الأسرة الحادية عشرة، اتخذ موطنه "طيبة" عاصمة لمملكته، وإليه يرجع الفضل فى نهضة البلاد، وإعادة الوحدة إليها، ونشر الأمن والقضاء على الفتن، لهذا قدره المصريون القدماء، وصوروه بجانب الملك "مينا" موحد القطرين، والملك "أحمس" قاهر الهكسوس ومؤسس الدولة الحديثة.

2 - الملك إمنمحات الأول:

كان "إمنمحات الأول" وزيراً لآخر ملوك الأسرة الحادية عشرة، ولما مات الملك دون وريث، أعلن "إمنمحات" نفسه ملكاً على مصر, وبذل جهداً كبيراً لإخضاع حكام الأقاليم لسلطانه, كما اتخذ عاصمة جديدة فى موقع متوسط بين الوجهين القبلى والبحرى هى "إثيت تاوى" ومعناها القابضة على الأرضين، ومكانها حالياً قرية "اللشت" جنوب مدينة "العياط" بمحافظة الجيزة

قضى "إمنمحات الأول" على غارات الآسيويين والليبيين على أطراف الدلتا، ونجح فى تأديب العصاة فى بلاد النوبة.

3 - الملك سنوسرت الثالث Senusret III:

من أهم ملوك الأسرة الثانية عشرة، نظراً لقدرته الإدارية والعسكرية, قاد الحملات بنفسه إلى بلاد النوبة، وأقام بها سلسلة من الحصون أهمها قلعتا "سمنة وقمنة" فيما وراء الجندل الثانى على حدود مصر الجنوبية عند "وادى حلفا"ومدّ حدود مصر إلى ما وراء حدود آبائه، وزاد فيها، وناشد خلفاءه أن يحافظوا على تلك الحدود:

"إن من يحافظ من أبنائى على هذه الحدود التى أقمتها فإنه ابنى وولدى … وإنه لأشبهه بالابن الذى حمى أباه والذى حفظ حدود من أعقبه …، أما الذى يهملها ولا يحارب من أجلها فليس بابنى ولم يولد منى…" – من نقش للملك "سنوسرت الثالث" على أحد النصب التى أقامها فى بلاد النوبة.

أمر الملك "سنوسرت الثالث" بحفر قناة فى شرق الدلتا تصل بين أقصى فروع النيل شرقاً، وخليج السويس،وهى أقدم اتصال مائى بين البحرين الأحمر والمتوسط، وقد سماها الإغريق "قناة سيزوستريس" نسبة إلى الملك "سنوسرت الثالث".

 ومن الفوائد التى عادت على البلاد من حفر "قناة سيزوستريس" ازدياد النشاط التجارى وتوثيق الصلات التجارية بين مصر وبلاد "بونت" (الصومال الحالية)، وأيضاً ازدياد النشاط التجارى بين مصر وبلاد الشام، وجزر البحر المتوسط، مثل كريت وقبرص.

4 - الملك إمنمحات الثالث:Amenemhet III 

وجه الملك "إمنمحات الثالث" (من ملوك الأسرة الثانية عشرة) جهده للتنمية واستثمار موارد البلاد الطبيعية, وارتبط اسمه بعمله العظيم فى منطقة الفيوم، إذ بنى سداً لحجز المياه عند "اللاهون" أنقذ به مساحة كبيرة من الأراضى كانت ضائعة فى مياه الفيضان، وأضافها إلى المساحة المزروعة فى مصر، وقد عرف هذا السد فيما بعد بـ"سد اللاهون", كما أقام الملك "إمنمحات الثالث" مقياساً فى الجنوب عند قلعة "سمنة" للتعرف على ارتفاع الفيضان، والذى كان يتم على أساسه تقدير الضرائب, وبنى هرمه الشهير عند بلدة "هوارة" بالفيوم، وأقام معبداً ضخماً أطلق عليه فيما بعد "قصر التيه" لتعدد حجراته، حيث كان من الصعب على الزائر الخروج منه بعد دخوله.

 كتب المؤرخ اليونانى "هيرودوت" يصف قصر التيه: "إنه يفوق الوصف، يتكون من 12 بهواً، ومن 3 آلاف غرفة، نصفها تحت الأرض، ونصفها الآخر فوقها، والغرف العليا تفوق ما أخرجه الإنسان من آثار، إذ أن سقوفها كلها قد شيدت من الأحجار، ويحيط بكل بهو أعمدة مصنوعة من الأحجار البيضاء …".

خامسا- عصر الاضمحلال الثانى (1778-1570 ق.م) الأسرات 13-17:

نهاية الدولة الوسطى:

كانت نهاية الدولة الوسطى شبيهة إلى حد كبير بنهاية الدولة القديمة، فبعد وفاة الملك "إمنمحات الثالث" ضعفت قوة فرعون، وبدأ الصراع بين حكام الأقاليم، وحلت الفوضى، وعادت البلاد إلى التفكك, وسقطت البلاد فريسة فى يد الأجانب، فقد دخلتها قبائل من البدو أتوا من غرب آسيا يعرفون باسم "الهكسوس" احتلوا شمالها ووسطها، وظلوا بها قرنين من الزمان.

 يقول المؤرخ المصرى "مانيتون" عن أسباب سقوط مصر فى أيدى الهكسوس: "إن الرعاة قد استولوا على مصر فى سهولة، واجتاحوها فى غير حرب، لأن المصريين كانوا يومئذ فى ثورة واضطراب …".

***غزو الهكسوس لمصر***

من هم الهكسوس؟

 الهكسوس فى اللغة المصرية القديمة معناها "حكام البلاد الأجنبية"، وهم قبائل بدوية آسيوية، جاءت من فلسطين، وأسماهم المصريون الرعاة، لأنهم اغتصبوا بلادهم دون حق.

 تسللت تلك القبائل إلى شرق الدلتا، واستقرت فى مدينة "أواريس" ("صان الحجر" قرب مدينة الزقازيق الآن) واتخذتها عاصمة، وواصلت زحفها جنوباً حتى احتلت مدينة "منف"، ومصر الوسطى، وفى الوقت نفسه سيطر النوبيون على الجزء الجنوبى من البلاد، ولم يبق مستقلاً سوى جزء يحكمه أمراء طيبة.

ومن الأسباب التى ساعدت الهكسوس على احتلال مصر بسهولة:

 اضطراب الأحوال فى مصر بسبب الفوضى وضعف الحكام، وتفوق الهكسوس نتيجة كثرتهم العددية، ومهارتهم فى فنون القتال، فقد كانوا يستخدمون الخيول والعجلات الحربية التى تجرها الخيول، والسيوف والأقواس البعيدة المدى، وهى أسلحة لم يعرفها المصريون من قبل.

*** موقف الهكسوس من المصريين وموقف المصريين منهم:

أساء الهكسوس معاملة المصريين، فأحرقوا المدن والقرى، بغير رحمة، وهدموا المعابد، وذبحوا بعض السكان، واجبروا المصريين على دفع ضرائب جديدة، وشيدوا القلاع والحصون. وبمرور الزمن، تأثر الهكسوس بالحضارة المصرية، فتمصروا وقلدوا الفراعنة فى أسمائهم وأزيائهم وتقاليدهم، وتكلموا اللغة المصرية، واعتنقوا ديانة المصريين.

لم يطمئن المصريون القدماء للهكسوس، وظلوا يكرهون حكمهم، وينظرون إليهم نظرة احتقار لأنهم سلبوهم استقلال بلادهم وحرية وطنهم. وأخذت تقوى الروح الوطنية بين المصريين مع الأيام، وصمموا على طرد الهكسوس وتحرير الوطن.

**كفاح المصريين ضد الهكسوس**

قاد أمراء طيبة الكفاح ضد الهكسوس، بعد أن بسطوا سيطرتهم على صعيد مصر وأسسوا الأسرة السابعة عشر، وعندما خاف الهكسوس من ازدياد قوة المصريين، رأى ملكهم أن يستفز أمير طيبة، وأرسل إليه رسولاً يقول له: "أسكتوا أفراس الماء فى البحيرة الشرقية بطيبة، فضجيجها يحرمنى من النوم نهارى وليلى، وأصواتها تطن فى مسامع مدينتى",

كان هذا الطلب غريباً وخاصة إذا علمنا أن "طيبة" تبعد عن "أواريس" بمئات الكيلومترات، ولكن الذى كان يقلق ملك الهكسوس هو نشاط "سقنن رع" أمير طيبة ورجاله, رفض أمير طيبة هذا الطلب الغريب، وقامت الحرب بين الهكسوس وإمارة طيبة، سقط خلالها "سقنن رع" شهيداً على أرض المعركة, فكان "سقنن رع" أول حاكم يستشهد فى سبيل تحرير وطنه, وخلفه ابنه "كاموزة" فى قيادة الكفاح ضد الغزاة، وكانت أمه العظيمة "أياح حتب" تشجعه إلى أن استشهد كذلك فى معركة الحرية.

 

***أحمس وطرد الهكسوس***

دعت "أياح حتب" ابنها الثانى "أحمس" لقيادة شعبه الثائر، فأعد جيشاً قوياً مدرباً على فنون الحرب واستخدام العجلات الحربية (التى كان يستعملها الهكسوس)، وانضم إلى جيش التحرير الكثير من المواطنين.

 زحف "أحمس" إلى الشمال، وشدّد الهجوم على الهكسوس فى عاصمتهم "أواريس" حتى دخلها، وظل يطاردهم عبر شمال سيناء حتى فلسطين، وتشتت شملهم عند حصن "شاروهين" ولم يظهر اسمهم بعد ذلك فى التاريخ, عاد "أحمس" إلى وطنه منتصراً، واستقبله شعب مصر استقبالاً رائعاً, وبذلك انتهت من تاريخ مصر فترة احتلال أجنبى بغيض، وبدأت فترة جديدة من المجد والفخار بقيام عصر الدولة الحديثة.

سادسا- عصر الدولة الحديثة – عصر المجد الحربى:

الأسرات 18-20 (1570-1085 ق.م).

ذكرنا كيف خضعت مصر نتيجة لضعفها لحكم الهكسوس الأجانب، ولكن المصريين ما كانوا ليخضعوا لمحتل أجنبى، فقد قاوم المصريون بزعامة أمراء طيبة هؤلاء المعتدين، واستشهد الكثير من أبناء مصر، حتى تمكن "أحمس" Ahmose I بطل الاستقلال ومؤسس الدولة الحديثة من هزيمتهم وتشتيتهم, هكذا أعاد "أحمس" لمصر اتحادها، وبدأ فجر عهد جديد زاهر، هو عصر الدولة الحديثة بقيام الأسرة الثامنة عشرة التى أسسها "أحمس" قاهر الهكسوس.

***حالة البلاد فى عهد الدولة الحديثة***

كان فى غزو الهكسوس لمصر ثم طردهم عظة كبيرة للمصريين، فأنشئوا جيشاً كبيراً منظماً لحماية البلاد من الطامعين، وتسابق أبناء مصر فى الالتحاق بالجيش بعد أن أدركوا أن الانتساب إليه شرف, وتكونت لمصر أول إمبراطورية عرفها التاريخ، امتدت فى قارتى آسيا وأفريقيا، من نهر الفرات شمالاً حتى الجندل الرابع جنوباً. كما تقدمت حضارة مصر فى مجالاتها المختلفة من اقتصادية واجتماعية وفنية وعلمية وأدبية.

أشهر ملوك الدولة الحديثة وإنجازاتهم

1 - الملكة حتشبسوت Hatshepsut:

هى أشهر ملكات مصر، امتاز عصرها باستقرار الأمن والسلام فى الداخل والخارج، فى ظل جيش قوى ساهر، كما تميز عهدها بالبناء والنهوض بالفنون والتجارة.

 كانت "حتشبسوت" تمثل دور الفراعنة من الرجال، فتخلت عن ألقاب الملكات، واستخدمت ألقاب الملوك، ولبست زيهم فى الحفلات الرسمية, اتجهت سياسة مصر فى عهدها نحو قارة أفريقيا، فأرسلت بعثة تجارية إلى بلاد "بونت" (الصومال الحالية).

******رحلة حتشبسوت التجارية إلى بلاد بونتفى العام التاسع من حكمها******* 

أرسلت الملكة "حتشبسوت" بعثة تجارية إلى بلاد "بونت" مكونة من عدة سفن شراعية عبرت البحر الأحمر حتى وصلت "بونت"، فاستقبلها حاكم "بونت" وكبار رجالها، وقدمت البعثة الهدايا إليهم، ثم عادت محملة بكميات كبيرة من الذهب والبخور والعطور والأبنوس والعاج والجلود وبعض الحيوانات.

 صورت أخبار تلك البعثة على جدران معبد الملكة "حتشبسوت" بـ"الدير البحرى" قرب "طيبة".

***بعثة حتشبسوت إلى أسوان***

margin-bottom: 7.15pt; text-align: right; direction: ltr; unicode-bidi: embed; background-image: i

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 216 مشاهدة
نشرت فى 11 يناير 2018 بواسطة zena55

الأستاذ مصطفى كامل السواق

zena55
هذا الموقع يهتم بكل مل يخص التعليم و التعلم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

9,859