حلم الخلود
د. زياد موسى عبد المعطي
باحث – معهد بحوث أمراض النباتات - الجيزة
الخلود هو استمرار الحياة بلا موت وأن تكون الحياة أبدية بلا نهاية، حلم الخلود حلم يراود كل البشر منذ أبونا آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حلم الخلود قد يكون حلم قد يدفعنا إلى العمل الصالح، وقد يكون حلم الخلود دافع للمعصية والتكبر على خلق الله، حلم الخلود قد يوؤدي بنا إلى الجنة يوم القيامة، أو قد يؤدي إلى عكس ذلك، حلم الخلود صحح مفهومه الاسلام، فلا خلود في الدنيا ، وكل نفس سوف تموت. حلم الخلود بلا موت تحلم به النفس البشرية منذ بدء الخلق، فهذا الحلم هو الذي أخرج أبونا آدم وأمنا حواء من الجنة نتيجة إغواء الملعون الرجيم إبليس، "فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى، فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى، قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى" (طه: 120 – 123)، وقال الله تعالى " فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ، قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ". (الأعراف 20 – 24). ولذلك حلم الخلود هو أحد أهم أسلحة الشيطان في غواية البشر ودفعهم إلى معصية الله، فكما أن حلم الخلود كان سلاح إبليس اللعين في إخراج أبوينا (آدم وحواء) من الجنة في بداية حياتهما، فهو أحد أهم أسلحته لعدم دخول الكثير من البشر للجنة يوم القيامة. ونحن نعلم جميعاً أنه لا خلود في الدنيا ولابد من الموت لا محالة، فالله سبحانه وتعالى أخبرنا أن كل مخلوق سوف يموت " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" (العنكبوت: 57) ، "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ" (الرحمن: 26 - 27)، وأخبر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وأخبر البشرية كلها أنه لم ولن يخلد أحد في الدنيا "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ" ( الأنبياء : 34). ونحن المسلمون نؤمن بأن الخلود يكون يوم القيامة، الخلود في الجنة للصالحين، والخلود في النار للعاصين، وذكر الله سبحانه تعالى في قرآنه في أكثر من موضع آيات تدل على ذلك، منها قوله سبحانه وتعالى "بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة : 81-82 ). وفي ذلك يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة خلود بلاموت ، ويا أهل النار خلود بلا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنا على حزنهم" (متفق عليه). والموت وعدم الخلود في الدنيا هو دافع للعمل الصالح لكي ننال الجائزة يوم القيامة بالخلود في الجنة بإذن الله، فالله عز وجل يقول "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" (الملك:2). فيجب علينا الاستعداد للموت والاستعداد ليوم الرحيل، وفي ذلك نجد الحديث الشريف الذي رواه أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قلنا : يا رسول الله! كلنا يكره الموت، قال: ليس ذلك كراهية الموت، ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه، وإن الفاجر أو الكافر إذا حضر جاءه ماهو صائر إليه من الشر، أو ما يلقى من الشر، فكره لقاء الله، فكره الله لقاءه ." (حديث صحيح – الألباني- صحيح الترغيب)، بل إن حب الدنيا وحب الخلود فيها وكراهية الموت من أهم أسباب الوهن والضعف في الأمة الاسلامية، فكما يروي ثوبان مولى رسول الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يوشك الأمم أن تداعى عليكم ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل : و من قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، و لينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، و ليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل : يا رسول الله و ما الوهن؟ قال حب الدنيا و كراهية الموت" (حديث صحيح – الألباني – السلسلة الصحيحة). فيجب أن نستعد للموت وأن نتزود بالعمل الصالح الذي ينتج عن تقوى الله (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).(البقرة: من الآية197)، وكما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تعريف التقوى بأنها: "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل"، وقال رجل لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه : ما التقوى؟ قال: أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم . قال: كيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه. قال: ذاك التقوى ( رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى) وعن التقوى أنشد ابن المعتز فقال: خل الذنوب صغيرها ........ وكبيرها ذاك التقى واصنع كماش فوق أر ..... ض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة ........... إن الجبال من الحصا إذا لم يكن هناك خلود في الدنيا والموت حتمي لكل مخلوق، فالأعمال تخلد ذكرى صاحبها بعد موته، وأعمال الانسان أطول منه عمراً، وخلود الأعمال والذكرى إما أعمالاً صالحة وذكرى طيبة، أو غير ذلك. فكما يقول الشاعر: دقات قلب المرء قائلة له................إن الحياة دقائق وثوان فاعمل لنفسك قبل موتك ذكرها.......فالذكر للإنسان عمر ثان نعم أعمال الانسان أطول من عمره، فقد يكون العمل عمر ثان أو أكثر أو أقل، نعم هناك من يخلد ذكراهم إلى قيام الساعة، خلدهم ذكراهم القرآن الذ تعهد الله بحفظه، منهم من تم تخليد ذكراه بذكرى حسنة ومنهم غير ذلك، نعم هناك الخالدين أبد الدهر بالعمل الصالح أو غير ذلك. أفضل من تم تخليد ذكراه من البشر هو خاتم المرسلين وأفضل بني آدم أجمعين سيدنا محمد النبي الأمين، وبعده الأنبياء المرسلين خلدهم الله في كتابه الكريم. وعلى النقيض هناك من خلد القرآن ذكراهم كرموز للشر ودعاة إلى النار، على رأس هذه الفئة إبليس اللعين، ومعه من تبعه إلى يوم الدين، ومن هؤلاء فرعون، وهامان، وقارون. وهناك من خلد ذكرهم الطيب في السيرة النبوية المطهرة، من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وأهل بيت رسول الله الذين نصلي عليهم وندعو لهم في كل صلاة في التشهد. وعلى الجانب الآخر نرى من خلدت ذكراهم السيرة النبوية كأعداء لله وللرسول، ومنهم أبو لهب، وأبو جهل، وأمية بن خلف وغيرهم من صناديد الشرك، وغيرهم من المنافقين. وخلد التاريخ في صفحاته الناصعة بحروف من نور سيرة حكام عادلين على رأسهم الخلفاء الراشدين، وعمر بن عبد العزيز خامسهم الذي ملأ الأرض عدلاً، وعلى النقيض سطر التاريخ ذكرى الكثير من الحكام الطغاة الذين ملأوا الأرض ظلماً وجوراً. ويخلد في الدنيا بالذكرى الصالحة العلماء، سواء علماء الدين، أو علماء الفروع الأخرى من العلوم التجريبية أو النظرية، فخلد الله ذكرى علماء الدين الأولين أصحاب كتب الحديث مثل الأئمة مسلم والبخاري وغيرهم، وأصحب الفقه مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل، وخلد الله ذكرى غيرهم من العلماء الذين حفظ الله بهم علوم الدين المختلفة، وجزى الله خيراً علماء المسلمين وقت النهضة الاسلامية مثل ابن سينا والخوارزمي وجابر ابن حيان وغيرهم من العلماء، وغيرهم كثيرين عبر مختلف العصور منهم المسلمين، وغير المسلمين. وحلم الخلود بالأعمال الصالحات حلم مباح ومتاح لنا جميعاً وميسر لمن أراد الله ذلك، ووفقه الله لعمل الخير وعمل الطاعات، فيجب علينا جميعاً أن نحلم ونخطط لخلود أعمالنا بعد موتنا، ونسعى من أجل الحصول على مزيد من الحسنات بعد الموت، التي ترفع من درجاتنا يوم القيامة، ويرشدنا الحديث التالي إلى حلم الخلود، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: من صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له" صحيح النسائي" وفي رواية أخرى "إذا مات ابن آدم ....." (ابن تيمية: مجموع الفتاوي – حديث صحيح). فالصدقة يدعونا الله عز وجل أن نؤديها في مواضع كثيرة من القرآن منها: "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة" (البقرة: 245)، و "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم" (البقرة: 261)، ويبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم استمرار ثواب الصدقة في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله" (رواه مسلم). أما عن العلم فيقول الله عز وجل " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (المجادلة: من الآية 11)، وعن أبي الدراء رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقا إلى الجنة، و إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، و إن العالم ليستغفر له من في السماوات و من في الأرض، حتى الحيتان في الماء، و فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، و إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر" (حيث حسن – صحيح الترغيب – الألباني)، والعلم المقصود هنا ليس العلم الديني والشرعي فقط، بل أيضاً يشمل فروع العلم المختلفة من العلوم النافعة النظرية والعملية، وعن استمرار وخلود العلم بعد موت صاحبه أنشد الامام الحافظ الذهبي الدمشقي في نهاية كتابه الكبائر يقول: كتبت وقد أيقنت يوم كتابي ............ بأن يدي تفنى ويبقى كتابها فإن عملت خيراً ستجزى بمثله .... وإن عملت سوءً عليها حسابها وفي ذلك يقول الشاعر : ما من كاتب إلا ويفنى............وتبقى ما كتب يداه فلا تكتب إلا ما ............يسرك يوم القيامة أن تراه وأما عن الوالد الصالح ودعاه لوالديه فنجد أن الله عز وجل يأمرنا بالدعاء للوالدين "وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا" (الاسراء: من الآية 24)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك" (حديث صحيح – الألباني – صحيح الجامع)، فأولادنا كالزرع إن تعهدناهم بالرعاية والتربية الحسنة حصدنا الخير الوفير والحسنات الكثيرة في الدينا، واستمر حصولنا على الحسنات من دعواتهم بعد الممات، وفرحنا يوم القيامة بحصاد ما زرعنا. ولكن يجب علينا أن نحترس، فقد يكون المال والعلم والولد أسباباً لدخول جهنم ( والعياذ بالله) إذا سببت هذه الأشياء الغرور للانسان، وجعلته ينسى فضل الله عليه. فالمال والولد أنسيا صاحب الجنتين فضل الله وجعلته يظن أنه لن يموت، وإن مات فسوف يدخل الجنة، "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا، وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا" (الكهف: 32 – 43) والعلم والمال قد يكون الطريق إلى النار يوم القامة والهلاك في الدنيا كما حدث مع قارون " إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ، وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ، فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ، فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ، وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ" (القصص: 76 – 82) وكذلك هناك طريق آخر يرشدنا له رسول الله صلى الله عليه وسلم لخلود الأعمال الصالحات في الدنيا، وزيادة الأجر والثواب، وفي نفس الوقت ينهانا عن طريق آخر قد يؤدي بنا إلى غير ذلك، حيث أن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" (حديث صحيح: الألباني – صحيح الجامع). اللهم ارزقنا مالاً ننفقه في سبيلك، ونكثر من الصدقات، وارزقنا علماً نافعاً ينتفع به، وارزقنا ذريةً صالحةً تدعو لنا، وارزقنا الأعمال الصالحات التي يتم تخليدها في الدنيا وتكون استمرار لمزيد ومزيد من الحسنات ترفع درجتاتنا يوم القيامة واحشرنا في الفردوس الأعلى بفضلك وكرمك ورحمتك ، اللهم آمين.