الطاقة الشمسية... وتخفيف الأحمال على شبكات الكهرباء
د. زياد موسى عبد المعطي أحمد
الطاقة الشمسية هي أحد أهم مصادر الطاقة المتجددة وهي أحد أهم البدائل للوقود الحفري الذي سوف ينضب خلال عقود قليلة، والاعتماد على هذه الطاقة سوف يتزايد خلال الأعوام القادمة، والطاقة الشمسية لها استخدامات كثيرة أخرى عبر تاريخ الإنسانية لن نتطرق لها خلال هذا المقال، فقط سوف نركز على استخدام الطاقة الشمسية كبديل للوقود الحفري ومصدر للطاقة الصديقة للبيئة.
الشمس هي واحدة من بلايين النجوم في الكون، وهي كرة هائلة من الغاز المتوهج، والشمس هي النجم الذي تدور حوله كواكب المجموعة الشمسية الثمانية، والأرض هي أحد هذه الكواكب، فبدون حرارة الشمس، وضوئها، لا يمكن أن توجد حياة على الأرض. يبلغ قطر الشمس) أي المسافة بين طرفيها مارة بالمركز) 1,392,000 كم، وهو ما يعادل قطر الأرض 109 مرات، ولما كانت الشمس تبعد عن الأرض بمسافة قدرها 150 مليون كم، فهي لا تظهر لنا أكبر من القمر، يبلغ قطر الشمس 400 ضعف قطر القمر، كما أن بُعْدها عن الأرض يصل إلى 400 ضِعف بُعدها عن القمر، أشعة الشمس تصل إلى الأرض في أكثر من ثمان دقائق بسرعة الضوء 300 كم/ ساعة.
والطاقة الشمسية يمكن تحويلها إلى طاقة كهربائية وطاقة حرارية من خلال نظامي التحويل الكهروضوئي والتحويل الحراري للطاقة الشمسية، ويقصد بالتحويل الكهروضوئي تحويل الإشعاع الشمسي أو الضوئي مباشرة إلى طاقة كهربائية بوساطة الخلايا الشمسية (الخلايا الكهروضوئية أو خلايا Photovoltaic أو اختصاراً PV)، ويتم تصنيع هذه الخلايا من مواد تسمى أشباه الموصلات كالسيليكون والجرمانيوم وغيرها. وقد تم تصنيع نماذج كثيرة من الخلايا الشمسية تستطيع إنتاج الكهرباء، وتتميز الخلايا الشمسية بأنها لا تشمل أجزاء أو قطع متحركة، ولا تستهلك وقوداً، ولا تلوث الجو، وله عمر افتراضي طويل، ولا تحتاج إلا القليل من الصيانة، ويمكن تثبيتها على أسطح المباني بغرض إنتاج الكهرباء (سواء أكانت هذه المباني بها شقق سكنية أو مكاتب أو شركات أو مصانع)، كما تستخدم الخلايا الشمسية في تشغيل أنظمة الاتصالات المختلفة، وفي إنارة الطرق والمنشآت، وفي ضخ المياه وغير ذلك كثير.
أما التحويل الحراري للطاقة الشمسية فيعتمد على تحويل الإشعاع الشمسي إلى طاقة حرارية عن طريق المجمعات (الأطباق) الشمسية والمواد الحرارية، فإذا تعرض جسم داكن اللون ومعزول إلى الإشعاع الشمسي فإنه يمتص الإشعاع، وترتفع درجة حرارته، ويستفاد من هذه الحرارة في التدفئة والتبريد وتسخين المياه وتوليد الكهرباء وغيره ذلك، وتعد تطبيقات السخانات الشمسية هي الأكثر انتشاراً في مجال التحويل الحراري للطاقة الشمسية، وكذلك يمكن الاستفادة من الطاقة الحرارية في طبخ الطعام، حيث أن هناك أبحاث تجري في هذا المجال لإنتاج معدات للطهي تعمل داخل المنزل بدلا من تكبد مشقة الجلوس تحت أشعة الشمس أثناء الطهي.
وتوجد عدة طرق تكنولوجية لتخزين الطاقة الشمسية تشمل التخزين الحراري الكهربائي والميكانيكي والكيميائي والمغناطيسي، وتعد بحوث تخزين الطاقة الشمسية من أهم مجالات التطوير اللازمة في تطبيقات الطاقة الشمسية وانتشارها على مدى واسع، حيث أن الطاقة الشمسية رغم أنها متوفرة إلا نها ليست في متناول اليد وليست مجانية بالمعني المفهوم. فسعرها الحقيقي عبارة عن المعدات المستخدمة لتحويلها من طاقة كهرومغناطيسية إلى طاقة كهربائية أو حرارية، وكذلك تخزينها إذا دعت الضرورة، ورغم أن هذه التكاليف حالياً تفوق تكلفة إنتاج الطاقة التقليدية إلا أنها لا تعطي صورة كافية عن مستقبلها الواعد، حيث أن أسعار هذه الطاقة سوف تواصل الانخفاض بفضل البحوث الجارية والمستقبلية.
ومن المجالات الواعدة لاستخدام الطاقة الشمسية استعمالها في تشغيل السيارات، فقد تم تصنيع سيارات بكفاءة عالية تعمل بالطاقة الشمسية، ففي الولايات المتحدة هناك سباق سيارات يسمى "سباق التحدي الشمسي" لسيارات سباق تعمل بالطاقة الشمسية تتسابق لمسافة أكثر من 3000 كم، وكذلك الطاقة الشمسية سوف تستعمل كوقود للطائرات، حيث نجحت بالفعل طائرة تعمل بالطاقة الشمسية أن تحلق لمدة 24 ساعة، وهذه الطائرة أطلق عليه اسم سولار امبالس “Solar Impulse” "أي الاندفاع الشمسي"، وأنعش نجاح التجربة الأولى من نوعها على مستوى العالم، الآمال في دوران هذا النوع من الطائرات حول العالم خلال عام 2013، دون استخدام الوقود، وهذه الطائرة "سولار إمبالس" تستند إلى تقنية حديثة وتصميم مبتكر، وساهم في صنعها نحو ثمانين شركة، واستغرقت صناعتها سبع سنوات بتكلفة 88 مليون دولار.
وهناك سباق كبير بين دول العالم للاستفادة من الطاقة الشمسية، فالصين أصبحت واحدة من الدول المتقدمة في استخدامات الطاقة الشمسية حيث أقامت ما يسمى "وادي الطاقة الشمسية" في مدينة دوجو شمال البلاد، وتعد أكبر قاعدة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، ويقام وادي الطاقة الشمسية على ما يزيد على 300 مليون متر مربع من أراضي مدينة دوجو الصينية، حيث تنتشر مشاريع بناء وحدات سكنية مزودة بأنظمة تستخدم الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى أعمدة الإنارة في الشوارع والحدائق المجهزة بمصابيح حديثة تعمل بالطاقة الشمسية، أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد شرعت في بناء محطة توليد كهرباء تعمل بالطاقة الشمسية تقدر تكلفتها بنحو مليار ونصف المليار دولار وسوف تقام في ولاية اريزونا الأمريكية، ومن المتوقع أن تصبح هذه المحطة أكبر محطة في العالم.
وتشهد دول مجلس التعاون الخليجي ظاهرة غير مسبوقة تتمثل في إنشاء ما يعرف بـ"المباني الخضراء" غير المضرة بالبيئة، وتتمثل أبرز المعايير والمواصفات المستخدمة في الأبنية الخضراء في تقليل استخدام الكهرباء قدر المستطاع، باستخدام بدائل الطاقة الشمسية من مكيفات خاصة اقتصادية في استهلاك الطاقة، ووضع عوازل معينة للزجاج للمحافظة على درجة الحرارة داخل المبنى، وتأتي دولة الإمارات العربية في المقدمة، حيث أنه تم الإعلان في إمارة دبي أنه اعتباراً من شهر يناير 2008 قد تم تطبيق معايير المباني الخضراء على كل المنشآت والمباني في الإمارة، كما صرح بذلك المسئولون عن الإمارة، وهو ما سوف يجعل من دبي أول مدينة في الشرق الأوسط وواحدة من مدن قليلة في العالم تسعى لتطبيق هذه المعايير، وتأتي إمارة أبو ظبي بعد دبي في العمل بنظام المباني الخضراء، حيث شهدت الإمارة أخيرًا إطلاق أول مدينة في العالم خالية من الانبعاثات الكربونية والنفايات والسيارات، وستكون "مدينة مصدر" التي يصل إجمالي تكلفتها إلى نحو 15 مليار دولار، أول مدينة في العالم خالية من الكربون والنفايات والسيارات، وسيتم توليد الكهرباء في المدينة بواسطة ألواح شمسية كهروضوئية، في حين سيجري تبريدها باستخدام الطاقة الشمسية المركزة، أما المياه فسيتم توفيرها بواسطة محطة تحلية تعمل بالطاقة الشمسية، على أن يتم ريّ الحدائق التي تقع ضمن نطاق المدينة والمحاصيل التي ستزرع خارجها، بالمياه العادمة بعد معالجتها في محطة خاصة تابعة للمدينة، ولا ينتهي مد الطاقة النظيفة عند مدينة مصدر، بل امتد ليصل لمدينة رأس الخيمة الإماراتية، حيث يعكف خبراء سويسريون على بناء نموذجٍ لجزيرة صناعية بتقنية عالية تهدف إلى توليد الطاقة الكهربائية وإنتاج الهيدروجين من أشعة الشمس، وستتمكن هذه الجزيرة من الدوران بسهولة بفضل هيكلها العائم، لتكون في مواجهة الشمس في شكل دائم لتوليد أقصى قدرٍ من الطاقة بأقل كلفة.
وقد بدأت قطر أولى الخطوات الجدية في إنتاج الطاقة الشمسية، حيث تسعى لإقامة واحد من أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم للمساعدة في تلبية الطلب على الطاقة الذي يتوقع أن يزيد لأربعة أضعاف خلال الثلاثين عامًا القادمة.
أما أوربا التي لا تنعم بسطوع الشمس مثل كثير من الدول السالفة الذكر فتخطط لأن تستفيد من الطاقة الشمسية المتوفرة في شمال إفريقيا في مشروع أطلق عليه ديزرتك “Desertec" "أي تكنولوجيا الصحراء"، ويهدف المشروع إلى توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في صحراء شمال إفريقيا ونقلها إلى أوربا، ومن خلال هذا المشروع تهدف أوربا إلى أن تضيء شمس شمال إفريقيا ليالي أوربا، وأن تكون الشمس الساطعة في صحراء شمال إفريقيا مورد رئيسي للطاقة في أوربا، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من هذا المشروع عام ٢٠٥٠.
أما عن مصر فأكدت الإحصاءات أن مصر تستقبل سنويا من ٢٣٠٠ إلى ٤٠٠٠ ساعة سطوع شمسي في العام، وطبقا لدراسة صادرة عن وزارة البيئة ومركز الفضاء الألماني، ضمنت ٢٥ دولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكدت أن مصر تأتي في المرتبة الأولى من حيث مؤشرات الأداء الخاصة بتوليد الكهرباء من الخلايا الشمسية (الكهروضوئية)، وينتظر هذا العام تشغيل أول محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في منطقة الكريمات جنوب القاهرة، بتكلفة ١٢٥ مليون دولار طاقتها ١٥٠ ميجاوات.
فالطاقة الشمسية ثروة عالمية سوف تساعد في تخفيف التلوث البيئي الناتج عن احتراق الوقود الحفري، وهي طاقة متوافرة طالما وجدت الحياة على الأرض، طاقة تستفيد منه الدول والأفراد، تولد الطاقة لشبكات الكهرباء، وتولد الكهرباء للبيوت للأغراض المنزلية، طاقة تستعمل للسيارات وللطائرات، طاقة تستعمل لتسخين المياه، وتستعمل في تحلية مياه الشرب، طاقة واعدة استعمالاتها سوف تتزايد.
ولذلك فإن فصل الصيف فرصة لتخفيف الأحمال على شبكات الكهرباء إذا نشرنا في مصر أجهزة منزلية تعمل بالطاقة الشمسية، ويجب أن نتبع سياسة الأبنية الخضراء في التخطيط للمدن الجديدة، فيجب الإسراع بالاستفادة من هذه الثروة التي أنعم الله علينا بها، وأن ندخل السباق في الاستفادة من الطاقة الشمسية، ولدينا في مراكزنا البحثية وجامعاتنا علماء أفاضل يستطيعون توطين هذه التكنولوجيا في بلادنا، فبمزيد من الاهتمام بهذه الطاقة نستطيع أن نكون في طليعة الدول التي تستفيد بها، ليس فقط للاستهلاك المحلي بل لتصديرها أيضاً لتكون مصدر لزيادة دخل البلاد.