بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾

صدق الله العلي العظيم

انطلاقا من الاية المباركة نتحدث في محاور :

المحور الاول:: في التكريم التكويني للانسان :

الاية المباركة دلت بشكل واضح على ان الانسان كرم تكويناً على كثر من المخلوقات

ماهو المظهر على هذا التكريم للانسان ؟ ماهو المظهر للتكريم في الانسان دون المخلوقات الاخرى؟

النظرية الداروينية ترى ان المائز بين الانسان وغيره بحيث يعتبر الانسان مكرما الى غيره هو مائز كمي .. معنى المائز الكمي هو ان حجم المخ لدى الانسان اكبر من حجمه لدى قرنائه من الحيوانات الرئيسيات مثل الششمبازي وغيره ,  فيكمن الفرق بالمائز الكمي , اما في علم الطب  وغيره لا يكمن في حجم المخ يعني اذا قارنا الوزن النسبي بين مخ الانساس وجسمه 0.2 بينما بين مخ الفار وجسمه هو 0,10 اذن ليس الفارق بين الانسان وغيره هو بلحاظ حجم المخ

وانما هناك ميزات تكوينيه اخرى ...هناك ميزتان في تكوين مخ الانسان عن غيره :

الاولى : بنية القشرة المخية الواقعة في مقدمة الفص الجبهي للانسان

المسؤولة عن اتخاذ القرارات وتحكيم الارادة .. هذه البنيه مساحتها في الانسان ضعف مساحتها في الشمبانزي الذي هو اقرب للتشبيه بالانسان , ايضا مضافا الى طبقة من الخلايا العصبية الاضافية الذي يمتلكها مخ الانسان دون غيره .

الثانية : ان عدد الخلايا الفاعلة في الجسم متساوية بين الانسان والشمبانزي بينما عدد الخلايا الفاعلة لمخ الانسان بالنسبة الى مخ الشمبانزي ثلاثة الى اربعة اضعاف

هذه جعلت المائز التكويني ليس مائز كمي وانما مائز نوعي

المسألة ليست مسأة مخ الانسان ومخ الشمبنزي ..المسألة مسألة العقل والعقل غير المخ , فالقرق بين العقل والمخ كالفرق بين النطق والمعنى

ما الفرق بين اللفظ والمعنى : مثلا عندما تقول انا احب ابي , فالفظه انا احب ابي شيء مادي صوت مسموع لكن المعنى شيء اخر اسمى من المادة

فالمخ وجود مادي أداة من الادوات يستخدمها العقل , فليس المائز بين الانسان وبين غيره من الحيوانات هو المخ بل العقل ..

 فالمخ وجود مادي والعقل وجود معنوي .. ماهو الدليل على ذلك ؟!

كما ذكر ديكارت في فلسفته : كل مادي متأطر في ابعاده الاربعة .. المخ ايضا شيء مادي لانه بالنتيجة له ابعاده الاربعة " طول وعرض وعمق وزمن "..

بينما العقل  عملية التفكير ليست مأطرة ليس لها طول وعرض وعمق وزمن بل تتجاوزها تخترق الزمن متحررة من الابعاد المادية ..

سر كرامة الانسانية التكوينية في العقل الذي يستخدم المخ اداة من ادواته ..

المحور الثاني ::

نلاحظ الاية المباركة قالت : ( ( ولقد كرمنا بني آدم )) ولم تقل كرمنا الانسان ؟!

ما الفرق بين الانسان وبني آدم ؟

الايات الاخرى تتحدث عن الانسان :

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ))

((يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ *فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ))

اما في هذه الاية تحدث عن بني آدم ..

كرمناهم بالعقل والدليل على ذلك , نلاحظ بقية الاية ..

((وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)) ..كيف استطاع الانسان ان يتجاوز البر والبحر ..تجاوزه بالعقل .. أي اخترع وسائل ليتجاوز بها البر والبحر ..اعطيناه العقل فتجاوز البر والبحر

((وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ))  لانه اعطي عقلا استطاع ان يحيي الارض ان يزرعها ان يرتزق منها ..احيائه العقل دليلا على انه يمتلك عقلا ..

حسنا, لماذا قال بني آدم بدل قوله الانسان ؟!

نقول منذ متى بدء الانسان على الارض ؟

اول انسان على الارض من 450مليون سنة ..لكنه انسان صناع ..حيث لم يكن لديه القدره اللغوية التي يمتلكها الانسان الان ..

كانت لديه منطقة بروكا و هي احدى مناطق المخ اللغوية لكنها غير فاعلة

كان يمتلك القابلية لان يتكلم لكنها لم تتحول الى لغة فعلية

قبل  350مليون سنة وجد انسان نياندرتال واهو ابن عم الانسان الصناع .. بقي الى قبل 24 الف سنة ثم انقرض

هذا الانسان يمتلك الحس اللغوي وظهرت له بعض العلامات والاثار الذي تدل على قدراته العقلية لكنه لم يمتلك النضج الذي امتلكه الانسان المعاصر

الانسان المعاصر هوابن آدم ع

آدم ع بدء بالدورة السادسة للارض أي هناك دورات عاشت وانقرضت والدورة السادسة بدئها ابونا ادم ع

فجاء ابونا ادم يمثل الانسان الكامل الذي ملك النضج العقلي ملك القدرة اللغوية ملك ادوات الاتصال والتواصل ملك السمات الحيوية للشخصية الادمية , لذلك التكريم التكويني باجلى صوره واروع مظاهرة لم يتجلى بالانسان الاول بل تجلى في بني آدم لذلك قالت الاية ((ولقد كرمنا بني آدم ))

اعظم شيء ملكه الانسان الآدمي انه يمتلك القدرة على التغيير  القران الكريم يقول ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )) وهذا يدل على انه له القدرة على التفكير

لانه يمتلك الارادة , يستطيع بناء حظارة يستطيع بناء انجازات علمية , فتميز عن غيره من الكائنات ...

المحور الثالث ::

الاية المباركة عندما تتحدث عن تكريم بني آدم وانهم كرموا بالعقل لا تختص الاية بالكرامة التكوينية

الكرامة نوعان :

كرامة تكوينية وكرامة تشريعية

كرامة تكوينية هي العقل والارادة

الكرامة التشريعية ان الانسان له حرمة دمه محترم ماله محترم عرضه محترم شخصيته محترمة

اذن القران الكريم لم يتحدث عن خصوص المسلمين لا تختص بالمسلمين فقط بل كل ابن ادم له كرامة , مادام انسان مسالم

كرامة تكوينية بعقله وارادته وكرامة تشريعية بان له احترام بدمه وعرضه و...مادام انسانا مسالماً

اما اذا خرج عن المسالمة اصبح عنفواني لا كرامة له حتى لو كان مسلماً , لذلك نلاحظ القران الكريم يؤكد على الكرامة التشريعية للانسان بقوله : ((لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ))

لا ينهاك الله عن ان تقيم علاقة بر مع الانسان المسالم بل ينهاكم عن  ((إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))

الانسان العدواني هو الذي لا كرامة له

لذلك يقول القران الكريم ((وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ..)) 

بينما الانسان المسلم اذا خرج عن السلم , كما ورد عن النبي ص : ((المسلم من سلم الناس من لسانه و يده ))

القرآن الكريم  يقول : (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ )) (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَىفَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ))

هنا يأتينا سؤال / اذا كان القرآن اعطى الكرامة التشريعية لبني آدم مع غض النظر عن دينه ما معنى ان النبي الاعظم قتل في اليهود قتلاً شنيعاً .. قتل رجالهم وسبى نساءهم حاصرهم القاهم في الصحراء واحرق نخيلهم هل هذا ينسجم  مع الكرامة الانسانية ؟؟

ان اذا الانسان يقرأ التاريخ يجد ان الرسول الذي هو رمز الرحمة رمز التكريم هكذا يفعل ؟!! 

اذن ما يفعله الدواعش له اساس , اذ هم يقولون نحن على سيرة الرسول الرسول هكذا يفعل ..

منهج الابادة والقسوة منهج سياسة الارض المحروقة بدئها النبي ص ...

كثير من الباحثين الغربيين يتساءلون اين الرحمه والرسول ص يفعل هكذا ..

كيف نجيب على هذه التساؤلات ؟

نرجع الى الروايات التي تحدثت عن النبي ص بهذا الحديث ..

هناك ثلاث روايات :

الرواية الاولى//  انه قاتل بني قريظة فقتل رجالهم  واطفالهم سبى نسائهم , هذه الرواية من اين جاءت .. هذه الرواية جاءت من اليهود.. ولم توجد في المصادر الامامية ابدا بل صدرت من اليهود وقبلها بعض صحاح المسلمين 

نجد عطية القرظي ,, محمد القريظي هم اول من روى هذه الرواية .. فنجد ان هؤلاء هم من بني قريظة 

كيف يقبلها بعض صحاح المسلمين وتلصق بالنبي ص فهذه الرواية ساقطة سنداً وطريقاً .. هذا اولاً

ثانياً  الرواية الصحيحة بني قريظة وبني قينعاع كانوا من اهل المدينة .. كانوا يعيشون قبل دخول النبي ص للمدينة ..دخل النبي وعاش في المدينة فعقد عقداً مع اليهود ان لا يتأمروا على الدولة الاسلامية ان لا يتعاونوا مع مشركين قريش .. يبقوا في المدينة محترمين لهم طقوسهم .. القرآن يحترم طقوس الاديان الاخرى لاحظوا عندما يقول : (( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ ..)) يعني لولا ان الله يهيئ جماعة يدافعون عن اماكن العبادة لانتهت هذه الاماكن يعني نص على هذه الاماكن صوامع وبيع وصلوات ومساجد يعني القرآن يحترم اماكن العبادة لكل الاديان 

فيهود بني قريظة والقينقعاع نقضوا العهد فتحالفوا مع مشركي قريش .. وجاءوا معهم الى غزوة الخندق على النبي والمسلمين فلما نقضوا العهد انتهت الذمة بين النبي وبينهم , فالنبي حاصر بني قريظة الرواية الصحيحة لا قتل 900 ولا 600 ولا حتى 40 بل قتل مقاتلتهم يعني الجماعة الذي بدءوا بالقتال مع النبي ص فلا سبى نساء ولا قتل اطفال

ثالثاً هم حكموا سعد بن عبادة .. اليهود عندما حاصرهم النبي ص اعطاهم خيارات اما ان يقاتلوا او ان يخرجوا من المدينة ولهم الامان فقالوا نحن لا نقاتل ولا نخرج فالنبي ص أصر ان يخرجوا لانهم نقضوا العهد والميثاق فقالوا بيننا وبينك حكم فقال من ترضون قالوا نرضى بسعد بن عبادة فجاء وحكم ان يقتل المقاتلون فقتلوا 

اما ان النبي قتل 600 او 900 كلها روايات مصدرها اليهود ولا صحة لها..

الرواية الثانية //  انه احرق نخيل يهود بني النظير .. وهم ايضا نقضوا العهد وتحالفوا مع قريش 

الرواية التي يرويها بعض  صحاح المسلمين مع الاسف ان النبي ص قام بسياسة الارض المحروقة فحرق كل شيء فيها ولم يترك لهم باقية وهذه الرواية ايضاً ليست صحيحة

النبي ص عندما حاصر حصن بني النظير .. كانوا يهود بني النظير  في تل وبين التل وبين النبي ص نخيل تحجب الرؤيا وكانوا يرمون السهام على المسلمين ولا يستطيع الرسول ص وجيشه الدفاع عن نفسه لوجود النخيل الطوال المحيطة بالحصن , فأمر النبي ص بقطع بعض النخيل .. القرآن الكريم ذكر الحادثة ..(( مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ )) 

ماهي اللينة ؟

هناك نخلة عجوة وهناك لينة ..

النخلة العجوة هي النخلة المثمرة , اللينة هي الغير مثمرة 

يعني النبي لم يمارس سياسة ابادة الزرع او ابادة الغذاء بل قطع بعض النخل غير المثمر ..

الرواية الثالثة : 

يرويها صحيح البخاري وصحيح مسلم عن انس بن مالك 

انس بن مالك يقول ان النبي جاءه العرينيون شعثاً غبراُ قد انكهم التعب والفقر 

النبي امرهم ان يشربوا من البان النياق وان يهنئوا في المدينة .. بعد ان شربوا وهنئوا جاروا على الرعاة وقتلوهم .. هذه الحادثة صحيحة 

اما ردة الفعل من النبي ص .. ردوا اليهم جماعة فسملوا اعينهم وقطعوا ايديهم وارجلهم وتركوهم في الصحراء حتى  ان احدهم يخرج لسانه من شدة العطش و يضعه على الارض .. الى ان ماتوا ( ردة الفعل هذه رواها فقط انس بن مالك ) 

هذا وجه لضعف الرواية ..

عندما نتتبع مصدر الرواية نجدها في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي .. هذا كان كل يوم يتفنن بطريقة في التعذيب الى ان انتهت الطرق عنده ..

استدعى انس بن مالك فقال له عندي جماعة اريد تعذيبهم فهل لديك طريقة شرعية لتعذيبهم .. فقال له انس بن مالك ان النبي قد فعل هذا التعذيب مع العرنيين ..

فمن هنا كان مصدر هذه الرواية ..

والذي لا تنسجم مع شخصية الرسول ص الذي هو مصدر الرحمة ..