جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
رسالة من رضيع
أكمل قرطام
بعد صلاة الفجر مباشرة وأثناء توجهى للعمل، رأيت تجمعاً من الناس يلتف حول طفل رضيع، أمام صيدلية «العبير» بشارع خاتم المرسلين بالطالبية، كانت هذه استهلالة الخطاب الذى سلمه محمد عبدالعال عثمان لمكتبى.. بعد أن انتهيت من المقال الذى كنت أنوى نشره اليوم، لم أشعر بالراحة التى تنتابنى عادة بعد الانتهاء من الكتابة، استلقيت بالمقعد إلى الخلف وأغمضت عينى وسرعان ما تذكرت الرسالة ووعدى محمد بأن أقرأها، ففعلت، ثم صرفت النظر عن نشر المقال، الذى كنت انتهيت منه، ورأيت أن ألخص موضوعه لكم..
محمد عبدالعال عثمان شاب مستقيم، ملامحه مصرية وتتزين بالجدية، عندما رأى محمد الرضيع أشفق عليه، فأخذه بعد أن اكتفى الجمع بمصمصة شفاههم، ولم يقبل أى منهم أن يتولى أمره، ذهب به إلى نقطة الشرطة، فوجهوه بالطفل إلى قسم العمرانية، الساعات تمر، والطفل يبكى بصفة مستمرة، ومحمد يريد الذهاب إلى عمله، اتصل بزوجته، حضرت وأخذت الطفل إلى المنزل، وفى فجر اليوم التالى ذهب محمد بالطفل إلى القسم، وأخطر الضابط بالقصة، فطلبوا منه الانتظار حتى الصباح والذهاب به إلى النيابة، ولأن ذلك يتعارض ومواعيد عمله، وافق الضابط له أن يعود بالطفل فى الوقت الذى يناسبه،
أخذت زوجته الطفل إلى الطبيب، وصف له لبن للرضاعة وبعض الأدوية لحساسية الصدر، يعلم الله كيف دبر ثمنها، قرر محمد وزوجته عدم تعريض الطفل للهواء، والاحتفاظ به فى منزلهم حتى يتعافى، مكث عندهم شهرين، فى كل يوم يزداد تعلقهم به، ولأنهما لم يرزقا بأطفال فاعتبراه هدية من السماء واتفقا على اتخاذ إجراء كفالته، بعد أن علما من الأزهر بحرمانية التبنى، وفى يوم ١٠ /٤/٢٠١٠ والساعة تتعدى العاشرة مساء حمل محمد الطفل بين يديه، دثره جيداً، وتوجه به إلى قسم العمرانية لاتخاذ الإجراءات الرسمية لكفالته، بعد ساعتين من الانتظار، تم تحويله إلى مستشفى الهرم للكشف على الطفل وإيداعه هناك لحين استصدار قرار النيابة،
رفض نائب مدير المستشفى قبول الطفل، تحدث المأمور إلى نائب مدير المستشفى، قاموا بالكشف عليه، ولكنهم رفضوا بياته، وقالوا له « يا عم خده معاك.. وانسى»، ولكن محمد عاد بالطفل إلى قسم الشرطة، فاستكتبوه تعهداً بأن يحضر ومعه الرضيع صباح اليوم التالى للعرض على النيابة، وانطلق محمد بالطفل وقد شارف الفجر على البزوغ، ساعات قليلة على حلول النهار، لم ينم محمد ليلته، صلى الفجر وانتظر، ذهب إلى النيابة، تقدم بطلب لكفالة الطفل، قررت النيابة إيداع الطفل إحدى دور الرعاية الحكومية بعد إجراء الكشف الطبى عليه، أعادوه هو والرضيع إلى القسم الذى قام بإرساله إلى مستشفى الصدر لتوقيع الكشف عليه وتسنينه، الساعة قاربت الرابعة عصراً، والطبيب المختص قد غادر،
عاد محمد والرضيع وحارس الشرطة إلى القسم مرة أخرى، حولوه إلى مستشفى أم المصريين، حضرت الطبيبة وقامت بالكشف على الرضيع، قالت إنه سليم ولا يعانى من عيوب خلقية، وجهوه إلى دار الأيتام بالمنيب التابعة للوحدة الصحية هناك، وافقت الإخصائية الاجتماعية بعد إلحاح على إدخال الطفل مع الاحتفاظ ببطاقة محمد لحين حصولها على صورة المحضر، أكثر من ١٢ ساعة ما بين القسم والنيابة والمستشفيات ودار الأيتام، وآن للرضيع أن يستريح، ولكن محمد لا يستريح، ذهب فى اليوم التالى إلى النيابة ليكرر طلبه بكفالة الطفل، فزوجته أصبحت لا تطيق فراقه، أدخلوه على رئيس النيابة، الذى طلب المحضر واطلع عليه،
وقال له إن وكيل النيابة الذى يتولى المحضر فى إجازة، وطلب منه العودة بعد أيام، عاد محمد وقابل وكيل النيابة، قال له إنه غير مختص بالموافقة على الطلب، وأن الاختصاص ينعقد لدار الأيتام وهو يؤشر عليه فقط، ذهب إلى الدار قالوا له إن الموضوع فى يد النيابة، هى التى تختص بالموافقة، قلب زوجته ينفطر حزناً من الفراق، تلح عليه، يقوم بشراء بعض الهدايا للأطفال ويذهب بها إلى دار الأيتام، زوجته تطير فرحاً فهى على وشك أن ترى «عبدالرحمن عبدالبارى عبدالمعز»، وهو الاسم الذى أطلقته النيابة على الطفل، بحثوا عنه لم يجدوه، سألوا عليه قالوا لهم إن الطفل قد مات... انهارت الزوجة، رفض محمد التصديق، جذب زوجته وانطلق مهرولاً إلى مستشفى أم المصريين، أكدوا له أن الطفل موجود بالثلاجة ولا يزال حتى يوم ١٨/٤/٢٠١٠، جاء الرضيع ورحل لم يشعر به أحد ولم يترك فى هذه الدنيا أثراً إلا فى نفس محمد وزوجته، لم يعد محمد إلى سابق عهده، فى نظراته حزن، وفى قلبه مرارة، يلوم نفسه، ماذا لو كان (أخذ الطفل.. ونسى)،
كما نصحه الطبيب.. إن لله فى شؤون عباده حكماً وأموراً، ولا ينبغى أن نطلب تعليلات لها، ولا أن نعترض على أمره فى باطنه أو ظاهره، ولعل الله قد أراد أن يكون الرضيع شفيعاً لمحمد ولزوجته فى الآخره، وخصيماً لآخرين وشاهداً على الجميع.
__________________
المصدر: جريدة المصرى اليوم
ساحة النقاش