<!--<!-- <!--
أهمية التفكير العلمي وخصائصه
تكمن أهمية التفكير العلمي في نتائجه وثماره، وتـتـجلى في خصائصه وميزاته، وتنبثق من منهجه وآليته؛ فهو يؤدي إلى الوصول إلى الحل المناسب ـ بعد توفيق الله تعالى ـ في الوقت الملائم وبتكلفة أقل. ويمتاز بأنه:
1- تفكير واضح المنهج، مترابط الخطوات.
2- تفكير موضوعي.
3- تفكير منطقي.
4- تفكير هادف.
إنــــه باختصار تفكير واعٍ، منظّم، منطقي، واضح، إنه تفكير: ماذا؟.. ولماذا؟... وكيف؟
قد لا يـــدرك أهمية التفكير العلمي من لم يتفحص طريقته في التفكير، ومن لم يعش ضمن منظومة اجـتـماعية يفكر أفرادها علمياً، كما قد لا يستشعر أهميته من لم يتلبس بمنهجية التفكير العلمي يـومــــاً من الدهر ولم يذق طيب ثمارها. وقد لا يقتنع البعض إلا بالتطبيق والمثال؛ وهذا أمر طبيعي، مما يحتم مزج الطرح النظري بالتطبيق.
منهج التفكير العلمي:
يتمخض عن التفكير إزاء مـشـكـلـــــة معينة أو مشروع معين قرار ما، بمعنى أن المفكر ـ في الأغلب ـ عندما يكدّ ذهنه في التفكير فإنه لا يخلو من حالتين:
ـ إما تفكير في مشكلة ماضية أو قمة أو متوقعة.
ـ أو في مشروع معين.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه قد يفكر الإنـســان في موضوعات جزئية كالتفكير في العلاقة بين قضيتين، وهذا ما يخرج في نظر البعض عن الحالتين السابقتين، وبالتأمل نجد أن مثل هذا التفكير عادة ما يكون حلقة في منظومة تفكير متكاملة إزاء مشكلة أو مشروع معين، وإن لم يكن كذلك، فالمنهج العلمي يشدد على أهـمـيــة أن يستحضر صاحب التفكير في مثل ذلك الموضوع الأهداف التي دفعته إلى التفكير، مع إمكانية وضرورة الاستفادة من المنهج الخاص بالحالتين السابقتين.
ومن أجل وضوح أشد في المنهج، وثمرة أطيب فـي الـنـتـائـج فإنه من المناسب أن تفرد كل حالة بمنهج خاص، وفق ما يلي من تفصيل نظري وإيضاح تطبيقي:
(أ) التفكير في حل مشكلة معينة:
دخلتُ ذات يوم المنزل بخطى استعجلها صوت والدتي: إخوتك جميعهم قد ناموا! وماذا في ذلك؟ الصغار استيقظوا من النوم ليجدوا الباب مقفلاً... والـكـبــــار أصابتهم نومة أهل الكهف. بدأنا نصرخ جميعاً: قوموا.. انهضوا.. استيقظوا.. لا أحد يجـيـب غـيــر الصغار وبـصــراخ يتزايد.. أصابتني رعشة أحسست معها بأنني أفكر بطريقة بدائية!! يـمـمــت وجهــي شطـر زاوية من الزوايا.. وأخذت أسائل نفسي... ما المشكلة؟ وما أسبابها؟ وماذا أريد بالضبط؟ وكيف أصل إلى ما أريد؟
إذاً من المهم جداً ونحن نفكر أن ندرك كيف نفكر (ما وراء التفكير)؟!
المشكلة انحبــاس الصغار داخل الغرفة... والسبب هو إغلاق الباب بالمفتاح وعدم استيقاظ الكبار لفتحه.. وما أريده هو إخراج الصغار بسرعة لئلا يتأثروا نفسياً.. فما هو الحل!
إما كسر الباب.. أو إيصال صوتنا بطريقة توقظ الكبار.. كسر الباب يبدو أنه مزعج ومكلف والحالة لا تسـتـدعـيـه.. إذاً فالحل المناسب الثاني؛ ولكن كيف؟ الغرفة في الطابق العلوي ولكن نافذتها مفتوحـــــــة.. لماذا لا أسجل صوتي في شريط كاسيت ثم أقوم بإنزال جهاز المسجل من أعلى المنزل إلـى الـنـافــذة... حل معقول! نجحت الفكرة بإيقاظهم من جراء الصوت المتطاير من الجهاز..
قصة ليست من نسج الخيال، قــصـــــدت من إيرادها فهم خطوات التفكير العلمي بعمق، والتأكيد على منطقيتها وسلامة نتائجهـا ـ بعد توفيق الله تعالى ـ، والإشارة إلى أنه يمكن للواحد منا أن يفكر علمياً بسرعة جيدة متى عوّد نفسه على المنهج العلمي وتمرّس عليه...
إذاً فعند تفكيرك في مشكلة معينة يجب اتباع الآتي:
1- تحديد المشكلة بدقة وتعرية أسبابها (بماذا تفكر).
2- تحديد الهدف من حل المشكلة (لماذا تفكر).
3- تحديد البدائل (الحلول) الممكنة (كيف تصل لما تريد).
4- اختيار أفضل البدائل ومتابعة تنفيذه. (كيف تصل إلى ما تريد على أفضل وجه).
قبل المضي قدماً أرجو أن تعيد قراءة الخطوات السابقة مرة أخرى..
والآن من المناسب أن أتعرض لهذه الخطوات على نحو مفصّل كما يلي:
1- تحديد المشكلة بدقة وتعرية أسبابها:
(أ) تحديد المشكلة بدقة:
ما هي المشكلة؟ وكيف يُشعر بوجودها؟ ولماذا تُحدد؟ وكيف؟
بعبارة بليغة موجزة يعرّف د. سيد الهواري المشكلة بأنها: (انحراف الواقع عما يجب)(1)، وهذا التعريف إن إردنا أن يتضمن المشكلة الماضية والمتوقعة إلى جانب المشكلة القائمة فيجب أن نقول:
المشكلة هي: (الانحراف عما يجب).
ولا يمكن أن تشعر بوجود المشكلة إلا من خلال:
* معرفة واقع الحال.
* ومعرفة ما يجب أن يصير إليه ذلك الواقع.
فإذا كان هناك انحراف بين ما هو قائم واقعاً وبين ما كان يجب أن يقوم، فإنه بإمكانك إدراك أن ثمة مشكلة معينة تحتاج إلى حل.
ويمثل تحديد المشكلة بوابة العبور إلى جزيرة الحلول الملائمة، والقنطرة إلى الوصفات الناجعة؛ إذ لا وصف للدواء إلا بعد تشخيص الداء؛ وهذا أمر بدهي لا يعوزه برهان. لقد أجمع علماء الإدارة على أن من أهم أسباب نجاح الإدارة اليابانية (أو التفكير الياباني) هو التركيز على تحديد المشكلة بدقة، وإمضاء وقت طويل لتحقيق ذلك بعكس البعض؛ إذ يفترضون دوماً أن المشكلة واضحة لدرجة لا يجوز معها أن يضيعوا شيئاً من الوقت في تحديدها! مع أنهم في حالات كثيرة يفكر كل واحد منهم في مشكلة تختلف عن تلك التي يفكر فيها الآخر!
هل اعتاد الواحد منا أن يسأل من يفكر معه عن المشكلة: ما هي المشكلة التي نفكر فيها؟
ولقد ثبت لديّ بالتجربة العملية أنّ من طالبتهم بالتفكير الجماعي في مشكلة معينة لم يسأل أحدهم الآخر عما يفكرون فيه؛ مع أنه بسؤالي بعضهم تبين لي أن البعض كان في الشمال والآخر في الجنوب! أو في الشمال الغربي!
وهنا نتلمس سبباً رئيساً من أسباب إخفاق التفكير الجماعي:
(يفكر بعضنا غرباً وبعضنا الآخر شرقاً!).
ويجب في حالة التفكير الجماعي أن تكون القناعة بأهمية المشكلة متجانسة، أو متقاربة، ولا بد أن يكون إلمام المشاركين في التفكير الجماعي بتفاصيل المشكلة وأجزائها كذلك، كما أنه من البدهي تقارب مستوياتهم الفكرية والثقافية، وإلا فإنه يجب أن يُصار إلى التفكير الفردي؛ إذ إنه حينذاك يصبح أكثر كفاءة وأعظم جدوى(2).
من الأمور الـمُعِينة على تحديد المشكلة أن توجه مجموعة من الأسئلة لنفسك، على أن تتناسب مع طبيعة المشكلة، فمثلاً:
ما هو الخلل؟ ما هو النقص؟ ما هو الانحراف؟ ما هو الخطأ؟
ما هو الشيء الذي وقع فيه الخلل؟ وكيف؟
وأين يوجد الخلل في الشيء نفسه؟
متى لوحظ الخلل أول وآخر مرة؟
هل الخلل في ازدياد أم في نقص؟ ماذا كان يجب أن يكون؟ وكيف كان؟
من هو المسؤول عن الخلل؟
هل أنا جزء من المشكلة أم من الحل؟؟!!
وعندما تتلمس المشكلة يجب أن تفرق بين:
1- المشكلة الظاهرية (العرضية): وهي تلك التي تبدو في الوهلة الأولى بأنها هي المشكلة التي يجب حلها، غير أنه بالتركيز والعمق يتبين لك زيفها ويتعرى خداعها.
في التطبيق الأول: ما هي المشكلة... أهي تعاطي الابن للدخان(3)!
وفي التطبيق الثاني: ما هي المشكلة.. أهي خسارة ذلك الموظف(4) الجاد في قسمه وعدم وجود من يخلفه فيه؟
وفي التطبيق الثالث: ما هي المشكلة.. أتراها إخفاق الطالب في جعل الخطين متساويين(5)!
2- المشكلة الحقيقية: وهي ما يجب حلها والتركيز عليها، وهي قد لا تجود بنفسها لمن أصيب بـ (العجلة الذهنية) وقد تحتاج لكي تكتشفها إلى ارتداء (نظارة ذهنية ثاقبة).
في التطبيق الأول: ألا توافق أن المشكلة أعمق من تعاطي الابن للدخان، وأنها تتمثل بحدوث تغير فكري لدى ذلك الابن، تمخضت عنه رؤية القبيح حسناً؟
وفي التطبيق الثاني: ألا تعتقد أن المشكلة قد تكمن في معاملة مدير القسم القاسية لذلك الموظف، أو لعدم وجود الحوافز في القسم كما هي في الأقسام الأخرى، أو غير ذلك من المشاكل التي توجد داخل القسم نفسه!!
وفي التطبيق الثالث:... ألم تسأل نفسك بدءاً عن مدى وجود هذه المشكلة أصلاً... لو قمت بقياس الخطين لاكتشفت أنه ليس هناك مشكلة... فالخطان متساويان! ألا زلت توافق المعلم؟
ترى كم من المشاكل المتوهمة استهلكتنا فكرياً واستنزفتنا مادياً ونفسياً؟
ساحة النقاش