<!--<!-- <!--

سيكيولوجية التفكير:

التفكير عملية ذهنية تتأثر بالعامل النفسي سلباً أو إيجاباً ، وبمدى الاقتناع بالقضية محل التفكير ، فإذا ما تمتع الإنسان بصحة نفسية رائقة حال تفكيره في قضية توافرت أسباب اقتناعه بها ، فإنه يندفع للتفكير فيها بحماس وانفتاح بطريقة قد توصل إلى الحل المناسب بعد توفيق الله ـ تعالى ـ له ، في حين أنه قد يعجز ذلك الإنسان عن مجرد إقناع نفسه بأهمية استمراره في التفكير في تلك القضية في حالة اعتلاله نفسياً!! ويمكن تسمية تلك الحالة بـ »الانغلاق الذهني النفسي« ، وربما يجد أحياناً أن لا مفر من هجر التفكير حينـذاك والانهماك في عمـل آخر ريثما تعاوده صحته النفسية!!

كيف نفكر؟

على الرغم من كون التفكير عمل لا ينفك عنه إنسان حي ، إلا أنه حقيقة معقدة من حيث تفاصيلها وخطواتها ، ويتفق علماء الجهاز العصبي على أن الدماغ الإنساني هو أعقد شيء في كون الله الواسع(6) ، غير أن هذا لا يعني استحالة الإحاطة العامة بمثل تلك التفاصيل والخطوات بعيداً عن تعقيدات بعض المناطقة ، وسفسطة جُل الفلاسفة التي يمكن تلخيصها بما يلي:

1- وجود مثير في قوالب مختلفة تنجذب إليه عقولنا من خلال حواسنا (الانتباه). والعوامل التي تؤثر على قوة ذلك الانتباه ما يلي:

ـ عوامل داخلية: كالدوافع ، والقيم ، والميول.

ـ عوامل خارجية: كطبيعة المثير وقوته وموضعه ومدى حداثته.

2- ترجمة ذلك المثير في المخ بمساعدة الذاكرة والمخيلة إلى رموز يدركها العقل (أشخاص ، أشياء ، معاني) (الإدراك)(7).

3- إعمال العقل لتلك الرموز من أجل الوصول إلى نتيجة معينة.

ويمكن تقسيم العقل البشري في ضوء العملية الذهنية التي يقوم بها إلى: (8)

أ - العقل الواعي (الوعي): وعن طريقه يمكننا إدراك الأشياء والمعلومات ، وتخزينها وربط بعضها ببعض على نحو مفيد ، واتخاذ القرار بالفعل أو عدمه.

ب - العقل الباطن (اللاوعي): وهو الذي يتحكم بالوظائف التلقائية (اللاإرادية) ، وتخزين الأحداث ودفع الإنسان لممارسة ما اعتاد عليه (العادات).

وهناك تواصل بين الوعي واللاوعي وتكامل في الأدوار.

ومن الشرود ما قتل:

كثير من الناس يشكون من »الشرود الذهني« أثناء تفكيرهم ، مع أنهم يدّعون مجاهدة أنفسهم للظفر بنسبة من التركيز تمكنهم من إنهاء عملية التفكير بسرعة قبل أن يفترس الشرود بنات أفكارهم!!

فما هو التركيز؟ وكيف نظفر به؟

لا يعني التركيز ـ كما هو شائع ـ أن يبقى العقل عاكفاً على قضية واحدة ، أو حول فكرة واحدة ، أو في مكان واحد ، وإنما يعني تناول مشكلة أو موضوع باستمرار ووضعه نصب عيني الشخص حتى يتم التوصل إلى نتائج معينة. ويرجع أغلب التشتت الذهني إلى عدم الاقتناع بأهمية ما نفكر به ، او إلى أن هناك ما هو أهم منه(9).

والآن كيف السبيل إلى التركيز؟

إذا رغبت في اصطحاب التركيز دائماً فعليك:

1- أن تعتاد على التركيز؛ فالتركيز هو عادةٌ قبل أي شيء آخر ، كما أن الشرود عادةٌ! فجاهدْ نفسك وكن صارماً مع الأفكار التي تحاول أن تصدك عن تفكيرك ، وقم بقطع حبالها قبل أن تخنقه ، ولا تكن عينك رقيباً يجوب أطراف المكان ويتعاهد أجزاءه ، ولا تكن أذنك جهاز ترصّد للأصوات المشتتة!!.

2- أن تقتنع بما تفكر به ، ثم تختار الوقت المناسب للتفكير.

3- أن ترخي ذهنك وبدنك. وبعضهم يقول بأن عدم الاسترخاء أفضل للتركيز ، وقد يكون الرأي الأرجح أن الناس يختلفون في ذلك ، فاختر الأنسب لك(10).

وثمة طريقة قد تؤدي إلى التركيز خاصة عند من يعانون من نوبات التشتت المزمنة ، وهي الإمساك بقلم والاستعداد لتدوين أمالي العقل وتدفقات الفكر ، وهي طريقة مجربة استخدمها بعض النابهين ، وأشادوا بجدواها وأبانوا عن طيب نتائجها ، وقد يشعر من يمسك بقلمه لتدوين أفكاره في حالات خاصة بأنها تتدفق بقوة دافعة ، وحينئذ قد يحسن إلقاء القلم والاسترسال في عملية التفكير ، ريثما تخف درجة التدفق ، ومن ثم معاودة التدوين ، فإن في وسعك أنت تجريبها(11)!

فيروسات يعتل بها تفكيرنا:

ثمة فيروسات خطيرة متناثرة في بيئتنا الثقافية بمنظوماتها المختلفة ، أصابت تفكيرنا بفقر الدم ، وأذهاننا بالشلل ، وعقولنا بالكساح ، مما يظهر أهمية تفعيل جملة من النصوص الشرعية في عقلنا الجمعي والفردي للاستشفاء والتداوي بها ، والتي من شأنها إجراء عملية (جراحة ذهنية) نتمكن بها من إزالة تلك الفيروسات وإزهاقها ، كقوله ـ تعالى ـ في الحث على الثتبت والتحري: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فََتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)) [الحجرات: 6] ، وقوله: ((إنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً)) [يونس: 36] ، وقوله ـ جل وعز ـ في الحث على العدل ومجافاة الهوى: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إن يَكُنْ غَنِياً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) ))[النساء: 135] ، وقوله ـ تعالى ـ في بيان سبب المصائب: ((وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)) [الشورى: 30] ، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في النهي عن الانتفاش الكاذب: »لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، قيل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً؟ قال: إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس«(12).

ومع أهمية استحضار هذه النصوص وغيرها وتفعيلها في العقول ، يجب تعاهد تلك العقول بالتربية والإنضاج ، والحزم في إزالة ما علق بها من تلك الفيروسات لسبب أو لآخر ، والجرأة في »الإنكار الذهني« على المعتلين والمتلبسين بها ، والديمومة في تذكير الغافلين أو المتغافلين!!.

ومن أهم هذه الفيروسات ما يلي(13):

1- التفكير القائم على أساس الهوى (اللاموضوعية).

2- التفكير القائم على مشاعر الكمال الزائف (الانتفاخ الذهني).

3- التفكير المستند على المواقف المسبقة (التحيز المسبق).

4- التفكير المبني على المشاعر وكأنها حقائق ثابتة (المراهقة الذهنية).

5- التفكير المبني على التمنيات وكأنها توقعات حقيقية (التوهم الذهني).

6- التفكير المتكئ على العادة (الجمود الذهني).

7- التفكير الذي يعتقد صاحبه دوماً أن جهة ما مسؤولة عن كل ما يحدث (عقدة المؤامرة).

8- التفكير الذي يعتقد صاحبه أنه يستطيع دائماً أن يعرف ما يفكر فيه الآخرون (الفراسة المتوهمة).

9- التعميم في التفكير من خلال رؤى محدودة غير كافية (الأرنبة الذهنية).

10- التردد والبطء في التفكير (السلحفة الذهنية).

11- التردد والبطء في اجترار الأفكار (الاجترار الذهني).

التفكير المعلّب:

أصحاب هذا اللون من التفكير هم أولئك الذي يستنتجون قواعد عامة من حوادث شخصية ، أو تجارب ناقصة ، أو ملاحظات سطحية ، فيخلصون منها إلى تعميمات متسرعة ، وأحكام جاهزة ، وقوالب جامدة ، وهم لا يعترفون بتغير الظروف والملابسات ،... وترى الواحد منهم يسألك عن مسألة شائكة ويطالبك بجواب يتلخص بنعم أو لا!! ، وإذا خالفته قاطعك ، وحسم القضية بقوله: »إن المسألة كلها تتلخص في...« ، ثم يصدر حكماً نهائياً...وربما التفت إليك مستطيلاً حديثك، مستغرباً عجزك عن حسم المسألة،ومستجدياً عينيك نـظـــــرة إعجاب وإكبار على قدرته الفائقة على الحسم!!.. إن نتائج تفكير أولئك أشبه ما يكون بما نخرجه من جوف المعلبات التي نشتريها من الأسواق(14)!!

المصدر: صيد الفوئد
wahed152002

سـبـحان الله وبـحـمـده سـبـحان الله الـعظـيـم

  • Currently 135/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
45 تصويتات / 525 مشاهدة
نشرت فى 13 يناير 2010 بواسطة wahed152002

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

153,149