معك تتداعى كل أشيائي الثمينة، كلماتي، ذاكرتي وقلبي، أشياء لا تتوهج إلا في حضورك، وكلمات لا تنصاع إلا إلى زمنك ولحظاتك وحروف صادقة تنهمر مني بشكل يثير الدهشة والريبة في زمن الفواجع والحروب والنكبات والخيبة، زمن أعيش فيه مع كلماتي أكثر مما أعيش فيه مع البشر، زمن لم أكن يوماً فيه، بل علقت سهواً به وكنتُ أقف على هامشه وحافته وسوره الخارجي... متأرجحة بين المُضي وبين العبور، أعجز عن القفز وعن السقوط، لا شيء رائع... لا شيء يثير الدهشة لا شيء طيب في حياتي إلا أنت... لا أعياد... لا مناسبات لا شيء حتى الوطن بدا غائباً يتم استحضاره بشكل عسير من الذاكرة وبشكل نائح من القلب  واستعادته بشكل مفجع من العروق... اختفى الوطن بين الأوردة وأصبحت هناك ألف حقنة وحقنة تجعله يختفي بعيداً بين الأنسجة، الدليل الحسي الوحيد للوطن... علم ونشيد. 

على هامش المسافات بيننا ثمة حنين عاصف يحرك ستائر غرفي ومنافذي  الهائجة، المساء يغرق في العتمة الباهتة، القمر يسقط في فخ اللعبة، يتوارى خلف السواد يغزل وينكث الحب ليجعل من ثوب الليل أكثر كثافة ودفئاً يتوارى خلف سحابة قاتمة فيخفي كل عريّ التفاصيل الزائدة في الكون، تدلت النجمات كي تُسقط الوميض لحظة بلحظة، وتحصي خسارتها من خيوط الضوء المتساقط هدراً فوق الطرقات التي تبدو مرتبكة قلقة تحت أقدام المارة التائهة في الأفاق صوب المجهول، أبواق سيارات، أصوات، ضجيج ينتشلني من الحلم ويجرح خدر الغفوة اللذيذة المتدثرة بالحنين إليك فيسقط القلم وأنتبه، لقد سولت لي نفسي الكتابة هذه الليلة، كانت مساحة الورقة فاتنة بما يكفي وناعمة لإيقاظ الرغبة في التأمل والتوجس ثم الانهمار بغزارة تحت طقس الشغف والانتشاء واحتساء كأس الشاي المهيب بمذاق عشبة النعناع في مأدبة بوح فاخرة واستقبال حضورك بسقف مرتفع وباذخ من الحفاوة وكان صهيل الحنين خافتاً على الورق المبلل قلقاً رحت أمرر سبابة الدمع على صدر الورق المكتظ بحبري وعطري ودمعي والمزدحم بقصيدة مبعثرة الأطراف، شهية صعبة المنال. معلقة على طرف دهشة القلم، أقطفها، وعلى طرف سبابتي تنزلق القصيدة، تستلقي بدلال فتتمايل ستائر غرف القلب ومنافذ الروح والنخلات الباسقات  خلف الوريد تدعوك لعدم مغادرة واحتي وتكثيف الحضور ساعة التلاوة. 

وأعتذر عن كل لحظات السهو السابقة، عن كل ثانية سهوت فيها عن الإيقاع الخافت لدقات قلبك, عن أحلامك في القبض على ظلي الغافل الهارب دوماً خلف تلابيب البوح، اللاهث، الراكض الجاثي أمام ينابيع القصيدة.

أعتذر عن كل سطر عاشق حميم أختزل عشقه في زخّات من شتاء حبري تسقط مع ما تأخر من دمع لحظة انتظار طويلة لرائحة عطرك أمام ستائر غرفتي وسبابتي ترسم طيفك أمام زجاج نافذة تنغلق بقسوة لا مبالية، اصطفاق نافذة خلف لقاء  مفتوح بلا أمل.

أعتذر لأكتبك بقلم مغاير، ورائحة حبر تختلف ومذاق باذخ اللذة في زمن استثنائي، جميل، صاخب، يشبه الحلم أعد لك فيه ما استطعت من عشق خارج  مدارات الحكمة والعقل ومنطق الأشياء المألوف ، كنت بحاجة إلى جرعة ولو بسيطة منك تكفيني دهراً من الكتابة.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 77 مشاهدة
نشرت فى 24 نوفمبر 2015 بواسطة wahalibya

عدد زيارات الموقع

1,573