الناس التى يرد على ألسنتهم هذا المثل يتسمون بالتعقل فى أمورهم ، والواقعية . ويقال أحياناً من الحب ماقتل ، وهو تعريف مشابه للمثل ( الحب أعمى ) ، وذلك أن الحياة العاطفية تمثل أعتى القوى الداخلية ، أى القوة التى هى أكثر قوة من الغريزة الجنسية ، لأن الغريزة الجنسية قابلة دائماً للضبط والارضاء بطريقة ما ، بينما نجد الحياة العاطفية على العكس منها تماماً . والواقع هو أن الصفة الجوهرية فى الحياة العاطفية هى أنه لايمكن ضبطها وارضاؤها .

ويشعر الناس أنهم يحبون إذا ماوقعوا فى غرام أحد ، ويسمون اتكالهم وتملكهم لشخص آخر حباً . ويعتقدون فى الواقع أن لاشئ أسهل على المرء من أن يحب ، وأن الصعوبة تنحصر فقط فى إيجاد الشريك الصحيح . والواقع هو عكس جميع هذا التفكير المرتبك التواق ، فالحب هو شعور محدد جداً ، وبينما لايخلو مخلوق من القدرة على الحب ، فإن تحقيقه لمن أصعب ما يمكن التوصل إليه . والحب الحقيقى متأصل فى قوة الانتاج ، ولذلك يمكن تسميته بالحب المنتج. وهو واحد فى جوهره ، سواء أكان حب الأم للولد أو حبنا للانسان أو الحب العشقى بين الاشخاص .. ومع أن أهداف الحب تختلف ، وبهذا تختلف شدته وصفته نفسها ، إلا أنه يمكن القول أن بعض العناصر الأساسية يمكن أن تعتبر من مميزات جميع أنواع الحب المنتج .

أننا نعرف اليوم أن الحب قد يصبح غطاء للكراهية ، أو قد يمتزج بقدر كبير منها . وتكفى الإشارة إلى أن هذا لايحدث إلا إذا كان الانسان يستشعر قدراً من الحب الأصيل ، وإلا لما تكلف عناء اصطناع المزيد من الحب يسترد به الكراهية . فكأن الحب العظيم عندئذ رحمة بالحبيب المكروه وسد يقى المحبوب من فيضان الكراهية ، ويدل البحث على أن الكراهية فى هذه الحالات تصدر عن بواعث مختلفة من الطفولة الأولى .

يعمل المحب إلى خلق صورة ، أو يرسم لوحة تعتبر هى الموضوع الحقيقى للحب أو البغض ، وكثيراً ما تبدو هذه الصورة واقعية أكثر من الواقع ، وكثيراً ماتعبر عن الوضع الأهم لموضوع الحب أو الكره . صحيح أنه يوجد هنا قسط من الوهم وافر ، وذلك أن المحب ثبًت ماهو دائم التغير فى الطبيعة ، ولكنه رغماً عن ذلك وفى كثير من الأحيان ، هو وحده الذى يرى الشخص أو الشئ الحقيقى الذى لايحسن الغير رؤيته ، وهكذا يصبح للحب حظ البقاء والخلود . أما إذا كانت الصورة خاطئة فإن الحب نتيجته أمل وألم كبيران .

إن المحب يسعى إلى تخليد هيجان الحب : لنفرض أن رؤية احدى الفتيات بعثت فى نفسك متعة قوية لدرجة حرصت على تخليدها فأنت إذا قد بدأ حبك ، ولقد كان أثر فعلة هذا الانسان بغيضاً ، لدرجة حرصت معها على تسجيلها ، وهكذا بدأت حبك الآخر . وأرى أن لاتنسى أن الهيجان الأول ليس من الضرورى أن يحدث أول مرة تقابل شخصاً أو تتحدث إليه ، فقد يحدث بعد ذلك بكثير. وهذا تعليل عيش انسان مع آخر مدة طويلة دون أن يحبه ، ثم حبه الفجائى له .

ضمن هذا الاطار قيل هذا المثل ، وأًريد به أن المحب لايكون بحالة طبيعية فى كافة شؤونه ، ولذا قيل عن الحب أعمى ، أو من الحب ما قتل .

 

المصدر: كتاب : علم النفس الأدبى تأليف : د/ أكرم زيدان د/ حسين سعد الدين
  • Currently 138/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
47 تصويتات / 1644 مشاهدة
نشرت فى 2 فبراير 2010 بواسطة tulipe

ساحة النقاش

tulipe

tulipe
IDB »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

291,502