لنا ثورتنا أبية شامخة لا يلوي عنقها الخوالف والأدعياء، ولهم أغراضهم ومطامعهم، لا يُهدأ من سعارها غير المطرقة. لنا قيمنا ومبادئنا جبل أشم لا تزحزحه عواصف المصالح، ولا تهزه أنواء الأحقاد، ولهم أخلاقهم ادعاء كاذب يحتجب وراء نقاب شفاف من الغفلة.
ما أحوجنا لأن نتوقف عن الحركة لنفكر قليلا، فنتساءل: أهذه المعركة التي تدور رحاها اليوم بين العسكر والفلول من جانب، والإخوان من جانب آخر؛ هي معركتنا؟!، ليسلمنا هذا السؤال إلى ثانٍ، الرد عليه يحوي في جوفه إجابة الأول؛ هل انتصر لنا العسكر حبا في قيم الحرية والديمقراطية أم كراهية في حكم الإخوان؟.
لن نخوض في التذكير بما كان، بل نكتفي بالإشارة إلى كون طبيعة المؤسسة العسكرية لا تتيح لأفرادها أن ينحازوا لقيم الديمقراطية وإطلاق الحريات، لذا فانحياز قادتها للموجة الثانية للثورة كان حافزه الأساسي كراهية حكم الإخوان، وإدراك هذه الحقيقة يجلعنا لا نركن إلى حسن النية، فسوءها في السياسة من حسن الفطن، بل هو فرضٌ، التكفير عن إغفاله باهظ الثمن.
إذن فالدعوات المتكررة للنزول بزعم دعم الجيش هي دعوات خرقاء غير مسؤولة، تستنزفنا في معركة ليست معركتنا، علاوة على أنها تمنح الإخوان الفرصة لإشعال الموقف باشتباكات تصطنعها، ولا يغيب عن فطنة اللبيب أن التجاهل هو الأسلوب الأمثل، حتى تخور قواهم فيذعنوا منهكى القوى للموضوع على مائدة التفاوض.
ولسنا بحاجة إلى هذه الفطنة هنا لنقرر أن الأولى صرف جهدنا إلى الإعداد للمعركة القادمة مع الفلول، الذين أصبحت لهم وزارة مزينة بوجوه ثورية.
وإعمالا للمبدأ الذي أرسيناه، القائل بأن سوء النية ـ في هذه المرحلة بالذات ـ من حسن الفطن، فمن المحرم علينا تكرار الأخطاء التي وقع البعض في حبائلها بالموجة الأولى للثورة، فلا يدفعنا الشعور بالامتنان تجاه القوات المسلحة إلى الاقتراب منها للدرجة التي يحمل معها التراجع فقدان للمصداقية (وهو قائم بدرجة ما للأسف الشديد)، كذا على القوى الشبابية العمل على تنظيم صفوفها وإقامة كيانات حقيقية، تتبنى مشروعات واضحة المعالم، فانقشاع الحالة الثورية التي تظلل تحركات كافة القوى السياسية على الأرض، يعني أن البقاء سيكون للأكثر تنظيما، ليتمايز من عمل بجد طوال الفترة الماضية عن ذاك الذي كانت تستخفه تلبية أعداد خفيرة لدعوته على مواقع التواصل الاجتماعي، فاعرض عن بذل أي جهد.
ولنصغي إلى قول الإمام الشافعي: ما حك جلدك مثل ظفرك*** فتول أنت جميع أمرك.
نصيحة يقدمها لنا الإمام صادقا، أن هي عقولنا وحدها التي علينا أن نحك بها الواقع، فالصورة التي صنعها الآخر ليست سوى سراب ـ خادع للأبصار ـ يمنينا بحمر النعم، لنسلم لصانعها أمرنا فيتولاه، له لا لنا. دعونا لا نحث الخطى وراء سرابه، لنسقط بعدها دفعة واحدة بعد أن تكون شفاهنا قد تشققت من الظمأ.
محمد السيد الطناوي
ساحة النقاش