إن ما ظهر حتى الآن من بواطن حياتنا السياسية ـ من سلبياتها تحديدا ـ ليس سوى عارضا من عوارض ما كتم ـ منها ـ حتى الآن، ولسوف تشهد الفترة القادمة طفو كل ما علق في تلك الأعماق. وهذه ليست دعوة للتشاؤم، إذ ما سيطفو هو الزبد، ليذهب جفاءا أما ما ينفع الناس فسيمكث في بلدنا بإذن الله تعالى.
قد علقنا مع مجلس عسكري لم يخض بعد معركته الوجودية، التي يأمل أن يكون مغنمه منها، تأمين نفسه أولا من أي ملاحقة قضائية، ربما تطارد أفراده في المستقبل، بسبب ما هو معلوم للكافة من جرائم قد ارتكبت في حق الثوار بعيد الموجة الأولى للثورة، وما هو غير معلوم للكافة ـ بعدُ ـ من فساد قد مورس ـ من قبلهم ـ طوال العهد السابق على الثورة، ثانيا المحافظة على ما تمخض عن هذا الفساد من ثروات متضخمة، بدأت تفوح روائحها العطنة عبر تقارير صحفية نشرت مؤخرا، يلي ذلك ـ في ترتيب المغانم التي يأمل المجلس أن يتحصل عليها ـ الحفاظ على وضعية المؤسسة العسكرية وامتيازاتها، كخط تأمين ثان لهؤلاء.
إذن ستكون هذه المعركة ـ وهي مرتبطة بموقعة الرئاسة لا شك ـ الأبرز والأكثر شراسة بين كل المعارك التي خاضتها الثورة طوال الفترة الماضية، لكنها لن تكون الأخيرة. ستكون الفاصلة ـ نظريا ـ بين عصر وآخر، لكن ليس بالضرورة أن تعقد قطيعة مع العهد الذي نأمل أن يبيد.
وقد ابتلانا القدر بنخبة لم تستحق القيادة يوما، وإن رفعت لواءها طويلا. جل هم أفرادها تسويق ذواتهم المتضخمة على حساب أفكارهم ورؤاهم الضامرة. لم يملكوا يوما سوى أقلاما تنفيسية، وألسنة "حنجورية" يلوونها بأحاديث فارغة أو يتبارزون بها على "المصاطب الفضائية" (برامج التوك شو)، وإزاحتهم عن مواقع القيادة هي معركة مؤجلة.
وقد شاءت عبقرية رجل تخليق جماعة هي عند أبناءها الوطن. فهذا المفهوم؛ مفهوم الوطن لا وجود له في أدبياتها، وبديله، مفهوم "الأمة"، غير متعين على أرض الواقع، لذا فالجماعة هي الأمة والوطن معا، وويل لنا إذا ما اشتبكت ـ مجددا ـ مصلحة الجماعة ـ بحجمها الكبير الذي هي عليه اليوم ـ مع مصلحة الوطن! (لعل اللحظة النماذجية لهذا الاشتباك بين المصلحتين قد وقعت أثناء الموجة الأولى للثورة، وتمثلت في الصفقة التي عقدت مع عمر سليمان ـ وأزاح الستار عنها عديدون، منهم القيادي السابق بالجماعة م.هيثم أبو خليل ـ وحاول الإخوان إتمامها عن طريق إخلاء الميدان من عناصرهم، غير أن المولى المقتدر الرحيم قد سلم)، وأشك أن قياداتها لن يهدأ لها بال إلا بعد أن تُلبس الوطن لباس الجماعة الضيق، أو يتمزق، ليذهب ريحها إلى الأبد. .
وقد تراصت عقول قاصرة جامدة لتشكل تيار سلفي ألقى بظله المستطيل على الساحة السياسية. ولجها ـ مؤخرا ـ برؤى ومقولات ومصطلحات وفقه و زي ينتمي إلى الماضوية، وهذه الماضوية ستُقبل ـ حتما ـ على خوض معركة مع الحاضر والمستقبل، وهي في اعتقادي لن تكون معركة عنيفة، إذ لن تعدو كونها مناوشات و شد وجذب، شد ـ للوطن ـ من قبل هؤلاء إلى ماضويتهم، وجذب ـ للوطن ـ من قبل التيار الرئيسي بالمجتمع إلى المعاصرة، وستقل حدة وعنف الشد والجذب بالموازاة مع زيادة فاعلية التيار الرئيسي في الحياة السياسية.
لهذا كله أقول أن ما ظهر حتى الآن من بواطن حياتنا السياسية ليس.سوى عارضا من عوارض ما كتم ـ منها ـ حتى الآن
بقلم
الكاتب / محمد السيد الطناوى
ساحة النقاش