أمام الميلاد والموت تسقط كل الأقنعة، ويقف الإنسان ليرى إنسانيته وإنسانية الآخرين، وليؤكد تضامنه الشامل معهم ضد ما هو غير إنسانى."
هذا المعنى الذى ذكره د.عبد الوهاب المسيرى رحمه الله كان حاضرا فى نفسى بشدة بعد "مذبحة ماسبيرو" ، وقد كنت أرى دائما أن الموت له حضور قوى فى وجدان أى إنسان يزيل الحواجز النفسية والفوارق الأيدلوجية والدينية فلا يبقى منها شئ إلا التراحم والمواساة وغيرها من العواطف الإنسانية النبيلة.
غير أننى قد لاحظت فى لهجة البعض تعاميا مقصوداًعن هذه الحقيقة الواضحة وتجاهلاً متعمداً لهذا الشعور الفطرى الذى خلقنا الله عليه ،بل هو يذهب إلى أبعد من ذلك فيمعن فى تحليل الأمور ليخرج علينا بعد ذلك قائلاً:"إن الخطأ من البداية كان خطأ الأقباط فهم فعلوا وفعلوا..."
ولست ميالاً لمناقشة أمثال هؤلاء - ممن نزع الله الرحمة من قلوبهم وأعمى أبصارهم بغشاوة من الطائفية المقيتة –فيما يحملون من أقكار ،خاصةً وأنا أبصر بعينىَ ما جرى لإخواننا المسيحيين فى فترة قصيرة تلت الثورة من هدم للكنائس وتهديدات بالحرق لدور العبادة وترويع وقتل واعتداءات على أفراد وكل هذا يمر بلا عقاب وبلا محاسبة من السلطة وتحت سمع وبصر العسكريين، وكأنهم يتعمدون - لا والله بل هم يتعمدون- إثارة فتنة طائفية بين المسيحيين والمسلمين فلما استعصى عليهم الأمر افتعلوا تلك المشكلة ولما ثار الشباب القبطى كان لهم رد الفعل العنيف والدموى الغير مبرر وكأنهم كانوا يأملون أن يتعاطف المسلمون مع الجيش فتشتعل الفتنة ويلتهم أوارها الحديث عن الانتخابات وتسليم السلطة ...هذا الحديث الذى يقض مضاجعهم منذ فترة.
من منظور إنسانى وعقلانى بحت أقول إن هؤلاء الشباب الذين قتلوا تحت جنازير المدرعات وبالرصاص هم بشر مثلنا ...شباب فى نفس أعمارنا...كانت لهم أحلام بمستقبل أفضل وبحقوق كاملة فى بلدهم مثلهم فى ذلك مثل كل الشباب ،وهم مهما أتوا من أفعال فهم لم يرتكبوا أبدا ما يبرر هذه العقوبة وهذه الوحشية فى التعامل...هؤلاء الشباب لهم أهل ومعارف وأصدقاء وربما زوجات وأطفال يستشعرون مرارة فقدهم ويتألمون لمقتلهم بهذه الوحشية المفرطة ويقطع الغيظ أفئدتهم أكثر عندما يعلمون أن قاتلى أبنائهم لن يعاقبوا بل ربما يكرموا على ما فعلوه!!
أيها الراضون بما حدث...لسنا نحن من نزكى نار الفتنة حين نعلن غضبنا ،وألمنا مما حدث ،ونستنزل الرحمة على من مات ،وننادى بالقصاص العادل ،ولكنكم أنتم بتخاذلكم ودعواتكم للتهدئة من تشعلون النار حقاً فى قلوب من بقى من أهل هؤلاء الشباب ومن أصدقائهم.
إن كراهية الناس للظلم والظالمين لا تنفك عن كراهيتهم لمن برر الظلم ورضى به ،ولا عن احتقارهم لمن جبن أن يقول كلمة حق.
إلى متى ينبغى على المظلوم أن يستشعر مرارة القهر فى حلقه ولا يجوز له أن يمجها فى كلمات يبث فيها غضبه وحنقه؟!!
لماذا ينبغى على المقتول أن يموت فى صمت كيلا يزعج قاتله؟!!
وإن لم نقم نحن لمناصرة إخواننا من المسيحيين فلماذا نتهمهم بالخيانة حين يستعيضون عنا بالخارج!!!
لماذا نجبن عن حل مشاكلنا وعن إعلانها ونرضى بالسكوت الذى يفجر المشكلة ولا يحلها؟!!
أما بالنسبة للمنظور الإسلامى لهذا الأمر فالمسألة تختلف....
إننى أرى أن دماء هؤلاء الشباب فى أعناقنا قبل أن تكون فى أعناق قاتليهم،وستلاحقنا صور جثثهم المسحوقة فى قبورنا وسيسألنا عنهم الله عز وجل يوم القيامة وسيحاسب الصامتين والراضين عما حدث ولا نجاة لنا من حسابه تعالى إلا ببذل كل جهد ممكن للقصاص لهم وتحقيق ما خرجوا من أجله..
ألا هل بلغت؟!! اللهم أشهد...اللهم أشهد.
بقلم : أحمد طاهر عبد العزيز
ساحة النقاش