حال سيدنا آدم عليه السلام في الجنَّة

نفس الإنسان في الجنَّة هي المحيطة بالجسم، وإن شئت فقل في الجنة تلبس النفس الجسم وتُحيط به من كل جهاته، فهي ثوبه، ونورها محيط به، كما يُحيط لهب الشمعة بالفتيل، فإذا كان الفتيل هو الجسم، فاللهب والشعلة هي النفس.

 

ومن هنا يتبيّن لنا أنَّ حال الإنسان في الجنَّة مختلف كل الاختلاف عن الحالة في هذه الحياة الدنيا التي نحياها الآن، وإذا كانت نفس الإنسان في هذه الحياة الدنيوية تتذوق الأشياء بواسطة الفم وعن طريق اللسان، وتشاهد من وراء حجاب، ولا ترى إلاَّ خيال الأشياء وصورها بواسطة العين، وتسمع الأصوات بواسطة الأذن، فلا تدرك إلاَّ صدى الصوت، ففي الجنَّة حالها عكس ذلك كله.

 

فهي لا تتذوق بواسطة اللسان ذلك العضو الصغير، ولا تشاهد بواسطة العين، كما لا تسمع بواسطة الأذن.

 

وبما أنَّها تلبس الجسم يومئذٍ وتُحيط به، فهي تتذوق بكليَّتها وكلها أذواق، وتشاهد بكليّتها وكلها عيون، وكلها سمع، وكلها شعور، تذوق وتسمع وتنطق وترى بكليّتها بصورة مباشرة دون وساطة عضو من الأعضاء، ويكون ذوقها والحالة هذه عظيماً، وشهودها واسعاً، ونعيمها تاماً.

 

وإذا كان الإنسان في حاله الدنيوي يشبع ولا يعود يجد لذة الطعام بعد تناوله كمية محدودة منه، فالإنسان في الجنَّة لا يشبع، ولا يملّ من شيء، كما لا يجوع ولا يعطش، وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} سورة طه: الآية (118 -119).

 

ذلك لأن أشعة النفس بذاتها تسري في الجنَّة إلى الأشياء وتُخالطها، كما تسري أشعة الشمس إلى أعماق الماء فتروي رياً متواصلاً، وتسبب سحباً ممطرة فصلية، كما تمتد إلى الفاكهة والأطعمة، والنفس كلها يومئذٍ ألسنة، فتذوق ذوقاً متتالياً، وتنعم نعيماً متزايداً، دون أن تشعر بثقل أو ملل أو شبع، فنعيمها دوماً في ازدياد لا يُنغصها منغص.

 

وإلى ذلك تُشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا..} سورة الرعد: الآية (35).

 

كانت تلك هي حال سيدنا آدم عليه السلام في الجنَّة، وكذلك كان أكله مع زوجه، كانت نفساهما محيطة بجسميهما، يأكلان من الجنَّة رغداً، ورغَداً: أي تذوُّقاً نفسيّاً مترعاً بالنعيم.

 

وهما إلى جانب ذلك في شهود دائمي لجمال الخالق وكماله، يغمرهما نعيم متواصل بهذا القُرب من الله، وذلك أقصى المنى، والخلاصة:

 

إذن:

 

كان سيدنا آدم عليه السلام وزوجه يتذوقان في الجنَّة ذوقاً، دون أن يبذلا جهداً في زراعة أو حصاد أو أي عمل من الأعمال التي يتطلبها تحضير الأطعمة، فقوله تعالى يصف ذلك الحال: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}. فقد كان الحكم للنفس، وكانت لها الإحاطة والسيطرة على الجسم، وما كان الجسم إلا مركزاً لهذه النفس، أما بعد تناول الثمرة [52] ودخول مادتها إلى الجوف، فسيتغير بها الحال، إذ ستكون الإحاطة والسيطرة للجسم، وستصبح النفس ضمن هذا الجسم كما نحن عليه الآن في حالنا الدنيوي، ولا ريب أن هذا الحال مختلف كل الاختلاف عن الحال الأول، وستكون الحياة متوقفة على تغذية الجسم وتقويته وتزويده بالمادة اللازمة، وسيضعف هذا الجسم وسيجوع ويعطش، وبالتالي ستتألم النفس ساعة احتياج الجسم لهذه المادة المغذية.

 

ولا شك أن هذا يتطلب من الإنسان جهداً دائباً، وعملاً متواصلاً.

 

وفضلاً عن أن تذوّق النفس وتنعمها بالأشياء سيكون من وراء حجاب وبالواسطة، فلا تستطيع أن تتذوق الأشياء إلا عن طريق اللسان، وكذلك حالها في الرؤية والسمع والشم بواسطة العين والأذن والأنف، وإلى جانب ذلك كله لا تعود النفس تتنعم بالأشياء بمقدار واسع لا حدَّ له، فإن الجسم يكتفي بكمية معينة من الطعام والشراب، فإذا تناول أكثر من حاجته تضايق، وبالتالي تألمت النفس من هذه الزيادة، وعلى هذا فالذوق في هذا الحال محدود، والإنسان تأميناً لحاجات الجسم مرغم على العمل، لا يستطيع أن يقعد عنه، وفي ذلك ما فيه من التعب وبذل المجهود، وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى:

 

{..فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} سورة البقرة: الآية (35). وما تشير إليه الآية الكريمة في قوله تعالى:

 

{..فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} سورة طه: الآية (117). بالتعب والشغل الجسمي.

 

وقد قدمنا هذه المقدمة عن سيدنا آدم ومفهوم الجنَّة لنستطيع أن ندرك:

 

أسباب خروج سيدنا آدم عليه السلام من الجنَّة

عرف سيدنا آدم ما يتبع الأكل من الشجرة من متاعب الحياة، وما يتطلبه العيش بعد الأكل منها من جهد وعناء، وعرف أن الله تعالى إنما نهاه عن الأكل منها وقاية له من تلك المتاعب، غير أن حبه العظيم لخالقه أنساه وصية الله تعالى، وتلك هي المرتبة التي أهَّلت هذا الرسول الكريم لأن يكون خليفة الله في أرضه، وأن تسجد له الملائكة الكرام. قال تعالى: {..إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..} سورة البقرة: الآية (30).

 

وهذه الآية تبين إرادة رب العالمين من إيجاد آدم عليه السلام في الأرض، فهبوط سيدنا آدم بالأساس لا بدَّ منه، وإنما كان بهذه الطريقة ليتم معرفة عداوة إبليس له ولذريته من بعده، وليعرفنا تعالى أن الحب لله والصدق والإخلاص يجب أن يجري ضمن قانون ونظام، لأن أي شخص كائناً من كان، لو كان بموضع آدم عليه السلام لا بل أيَّ رسول لا بدَّ وأن يأكل من الشجرة، إذ هو بالحال النفسي، والذاكرة بالفكر وبالدماغ، وقبل ولوج النفس الجسم تنسى الوصية مباشرة كما بالنوم.

 

توقف (عطالة ) الفكر

إن الفكر يتعطَّل في الآخرة، لأن استعماله كان للدنيا فقط، فالنفس كانت تستخدمه لأغراضها الدنيوية، وما قول الكفرة:

 

{هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} سورة الحاقة: الآية (29). إلا تعبير عن حال النفس دون ذلك السلطان "الفكر". وهذا الفكر يظل خاملاً إن لم تسخِّره النفس في حل مشاكلها، أما إذا توجَّهت نحوه وسلَّطت أشعتها عليه فإنه سرعان ما يفكك لها الأمور التي تريد بحثها، ليُريها ما هي بحاجة إليه.

 

وفي الآخرة تبقى عملية التذكُّر للأعمال التي قام بها الإنسان في الحياة الدنيا عن طريق الملائكة، يذكِّرونه بين الحين والحين بأمر من الله إليهم، أما هو فلا يتذكَّر من أعماله شيئاً، وحينما يُذكِّرونه بعمل من أعماله الصالحة يُقبل على الله بهذا العمل، ويرقى إلى درجة سرور وجمال أعلى، أي: إلى جنَّة أعلى، وهكذا.

 

قال تعالى: {..وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ} سورة الرعد: الآية (23). من كلِّ أعماله السابقة الطيبة.

 

فالأعمال هي التي ترفعه في الدنيا والآخرة إن كانت صالحة، وهي التي تدنِّيه إن كانت متدنية.

 

وهذه الجنَّة التي ارتقى إليها تنعكس على ما دونها من الخيرات من مأكل ومشرب وغير ذلك، حينما يتذوقها مباشرة وبدون حجاب، فَيُسَرّ بها أيضاً.

 

وهذا ما كان عليه حال أبينا آدم عليه السلام عندما كان في الجنَّة، فلما تلقَّى الوصية، أي: الأمر من ربِّ العالمين بألاَّ يقرب هذه الشجرة، كان في حالة لا تسمح له أن يتذكَّر، ولمَّا أكل من مادتها تراجعت نفسه إلى جسمه، أي: تبعت مادة الشجرة بعد ما كانت خارجهُ لتتذوَّق ثمرتها، واستقرَّت فيه، وأصبحت تتصل بالكون عن طريق الحواس الخمس، وبدأ الجسم يعمل لتنفيذ رغباتها، وتصريف ما أكله، فعمل جهاز الهضم لإخراج فضلات ما أكل، والجهاز العصبي للتسيير والأمر، والمخ لتحليل مشاكلها.. الخ.

 

وعندئذ تذكَّر سيدنا آدم عليه السلام وصية ربّه التي كان قد نسيها عندما أكل من الشجرة. قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} سورة طه: الآية (115). على المعصية. {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} سورة طه: الآية (122).

 

وبعد أن اشتغلت عنده آلية الفكر تذكَّر سيدنا آدم عليه السلام وصية ربّه عندها خاطبه تعالى بكلمات بيَّن له فيها أنه لم يخالف أوامره بملْكه، لأنه كان في حالة من النسيان، وخروجه إنما كان بإرادته تعالى وتدبير منه، وأن نسيانه للأمر الإلهي لم يكن بملْكه ولا باختياره فلا مؤاخذة عليه، إذ كان بحالٍ نفسي مجرَّد، وكانت السيطرة الكليَّة للنفس، وكان الجسد داخلها معطَّلاً، وأجهزته بما فيها الذاكرة معطَّلة، فلا مفرَّ ولا مخلص من النسيان وهو الأمر الطبيعي.

 

وذلك ما أشارت إليه الآية: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} سورة البقرة: الآية (37). تذلل آدم عليه السلام، فألقى الله تعالى بنفسه: أن يا آدم نيتك عالية وشريفة نحن لا نؤاخذك على ذلك.

 

إذ أن هذا هو طريق المجيء إلى الدنيا، وفي الدنيا عمل المعروف والإحسان، إذ فيها تعمل العديد من الأعمال الصالحة، وغداً تدور أمام ناظريك في الآخرة، وأنت بها ترقى من حال لحال، ومن جنَّة لجنَّة أعلى.

 

إن سلكت طريق الحق صرت مؤمناً، وإن دخلت المدرسة فاجتهدت ترقى، ومن دون مدرسة تبقى بمنزلةٍ دنيا.

 

ما ذكره تعالى عن قصة آدم عليه السلام من الأمر والنسيان: كلها من أجلك، كي تسعد، لكي تفهم ولئلا تنغش بالشيطان، فتفكر وتعمل الإحسان، فترقى وتنال العطاءات.

 

الله تعالى عليم بآدم وزوجه عليهما السلام، عليم بأن آدم لا فكر له آنئذٍ، ويعلم أنه سينسى، لكنه تعالى جعل هذه الواسطة بالأمر والنسيان بغية تذكيرنا بعداوة إبليس فنحذر منه. وكذلك لنعلم أن كل من يقع عن غير قصد له سهولة بالرجعة، أما المتعمِّد فلا رجعة له حتى يتوب.

 

خذوا من هذه القصة عبرة:

المؤمن لا سبيل للشيطان عليه، الله تعالى وليُّ الذين آمنوا، إنما يدنو الشيطان ممن ليس عنده إيمان.

 

إذن اسع في الوصول إلى الإيمان. من لا يؤمن هالك، ليس الإيمان بالقول، إنما الإيمان عقل وشهود أنه تعالى سميع عليم، وأن كل حركة بيده، فإن أردت الوصول فانظر في الكون، فكِّر، تؤمن بلا إله إلاَّ الله، تكن لك من القصة عبرة وذكرى.

 

فقد وسوس الشيطان لآدم عليه السلام، أي: خاطبه خطاباً عن بعد: {..قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى} سورة طه: الآية (120).

 

والمراد بشجرة الخلد أي: الشجرة التي إن أكلت منها خلدت في الجنة، أي: في ذاك النعيم النفسي العالي الرفيع الذي تجده بالقرب من خالقك يا آدم.

 

والمراد بكلمة: {..وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى}: أي: ملكت ذلك الحال النفسي الذي أنت فيه، فلم تنقطع عن هذا الشهود للكمال الإلهي، وظللت دائم الأنس به.

 

ولعلك تقول:

 

كيف وسوس الشيطان لآدم عليه السلام والأنبياء معصومون؟!

أقول: إذا كان أحدنا اليوم يجتمع بكافر ويتحدث إليه، فليس معنى ذلك أنه سيطر على نفسه أو تسلَّط عليها، وكذلك الأمر بالنسبة لسيدنا آدم عليه السلام، كانت نفسه محيطة بجسمه، وكانت مقابلة الشيطان له مقابلة نفس لنفس عن بعد ومسافة، وليس في ذلك أدنى سيطرة أو تسلُّط نفس.

 

تشير الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} سورة الأعراف: الآية (21).

 

وحيث أن آدم عليه السلام عرف عظمة خالقه وجلاله، فما كان يظن أن أحداً يجرؤ على أن يحلف بالله كذباً، لذلك أقسم له الشيطان ولزوجه بالله، والعظيم كسيدنا آدم عليه السلام يقدِّر العظيم جلَّ شأنه، صدَّقه لأنه لم يكن يظن أن أحداً يقسم بالله العظيم كذباً، فنسيَ وصية الله له بعدم الأكل من الشجرة، عندها وحبّاً بالله وطلباً للخلود بالنظر لوجهه تعالى الكريم، وهو تعالى ينبوع الجمال وخالق العظمة والجلال، وحيث أنه كان في حالة لا تسمح له أن يتذكر النهي بسبب عطالة الفكر، أكل من الشجرة، وأكلت معه زوجه، حرصاً على البقاء في ذلك الحال النفسي الجميل من الإقبال على الخالق، واستدامة لهذا الشهود للكمال الإلهي، وأنساه حب خالقه وصيَّته.

 

وإلى ذلك تشير الآية الكريمة: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} سورة طه: الآية (115). أي: نسي وصيتنا نسياناً، ولم نجد له عزماً على المخالفة، كما تشير الآية الكريمة: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ..} سورة الأعراف: الآية (22). إلى كذب الشيطان وتغريره وتحذير الإنسان منه. {فَدَلاَّهُمَا..}: أي أدناهما من الثمرة، وجعلهما يتناولان مادتها، ويضعانها في فمهما.

 

و: {..بِغُرُورٍ..}: الغرور هو أن يتوهم الشخص بأنه يكسب بفعله خيراً عظيماً أكثر مما هو في يده مع أن الحقيقة خلاف ذلك، وكذلك الشيطان إنما دلاَّهما أي: أدناهما من الثمرة بغرور، أي: بإيهامه إياهما بأن الأكل منها يكون سبباً في بقائهما في ذلك الحال من الإقبال العالي على الله بصورة دائمية، مع أن الحقيقة تخالف ذلك، إذ أن غايته أن يوقعهما في الخجل والحياء من الله بمخالفة وصيته، وبذلك يصل إلى مطلوبه من إبعادهما عن الله، ومن هنا يتبين لنا عداوة الشيطان للإنسان، كما يتبين حب سيدنا آدم عليه السلام لربه، وحرصه على دوام الإقبال عليه [53]

 

فسيدنا آدم عليه السلام كان وبفطرته العالية لا يعرف أصناف الشر بعد، ويظن أن الخلق كلهم طيبون، ولو أُعلم لنسي لأنه كان بحال نفسي بلا ذاكرة، فالذاكرة في عطالة، ولأنه وعلى عالي براءته ما صار له بهم معرفة عملية بعد، وليس في نفسه إلا الطيب والكمال، لذلك ما توقع أن يكون هناك عداوة بين خلق الله، ولم يعرف أن هناك كذباً لأنه عليه السلام كان على الفطرة، فطرة الكمال التي فطر تعالى الناس عليها، ليس بقاموسه الكذب أبداً، وخصوصاً عندما أقسم له إبليس (كذباً)، ولكن من بعد هذه الحادثة علم أن هناك عداوة وبعداً عن الله ومكراً وخيانة، وعلم بعداوة الشيطان له.

 

فلو كان يعلم إبليس ومكرهُ من قبل لتوجه إليه بنور الله، ولحرقه لخبثه وإعراضه، ولكن الفكر ما كان قد اشتغل لديه ليتذكر.

 

ولقد أدرك الشيطان بعد ذلك أنه لا يستطيع الاقتراب من الأنبياء أبداً بعد انكشافه وانكشاف نواياه الشريرة، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة في قوله تعالى:

 

{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} سورة ص: الآية (82 -83).

 

ملخص القول:

 

وردت الآية الكريمة صريحة بما تقدم ذكره، قال تعالى فيها: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ..} سورة طه: الآية (120). ولم تقل وسوس في صدره أو في نفسه، كما في الآية: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} سورة الناس: الآية (5) أي: المنقطعين عن الله تعالى، ومن الواضح أن حرف (إلى) يدل على الانفصال، وأن حرف (في) يدل على الظرفية والاشتمال، وهكذا فلا تعدُّ الوسوسة الملقاة عن بعد دخولاً من الشيطان على سيدنا آدم عليه السلام أو دنواً منه، ولا يمكن أن تعتبر هذه القصة دليلاً على إمكان دخول الشيطان على الأنبياء من أية جهة.

المصدر: برنامج كتاب كشف خفايا علوم السحره السوداء
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 54 مشاهدة
نشرت فى 21 أغسطس 2022 بواسطة trooy

عدد زيارات الموقع

543