<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-fareast-language:EN-US;} </style> <![endif]-->
الرقمـنة في المكتبات الجامعية الجزائـرية: دراسة حالة المكتبة الجامعية المركزية "بن يوسـف بن خــدة"
باشــيوة سالم
ماجستير علم المكتبات والتوثيق
ملحق بالمكتبات الجامعية بجامعة الجزائر
وأستاذ مؤقت بقسم علم المكتبات والتوثيق بجامعة الجزائر
الاستشهاد المرجعي
باشــيوة سالم. الرقمـنة في المكتبات الجامعية الجزائـرية: دراسة حالة المكتبة الجامعية المركزية "بن يوسـف بن خــدة".- Cybrarian Journal .- ع 21، ديسمبر 2009 .- تاريح الاطلاع >أكتب هنا تاريخ الاطلاع على المقال<.- متاح في: >أنسخ هنا رابط الصفحة الحالية<
مقدمة
لقد إرتبطت التقنية ارتباطاً وثيقاً بالتطور البشري والتغيير الاجتماعي في مختلف مظاهره أيما ارتباط، وبواسطة المعلومة المتغيرة والمتنوعة في خصوصيتها العلمية والعملية، برزت التقنية عاملاً مهماً في التغيير الاجتماعي، وبالتالي في خدمات المكتبات والمستفيدين منها، والإنسان بإمكانه أن يوظّف تقنياته ومصنوعاته في تغيير أحواله، وفي تكييف أوضاعه بحسب تنبؤاته ومتطلباته.
إن الإنسان الذي كان يسجّل رموزه على الحجر قديماً، هو اليوم يسجّـل رموزه على رقائق صناعية مستخلصة من الحجر أيضاً، ولكن بطريقة مختلفة تماماً، والفرق يكمن في أن الدوائر الإلكترونية أصبحت تتجه إلى أن تحلّ محلّ الإنسان نفسه من خلال محاكاة خصائصه التي يتفرّد بها، وتحاول إلى حدّ ما من أن تسلب منه "ذاتيته ووعيه"، فهي اليوم أصغر حجماً وأكبر سعة وعلماً وأكبر عملاً، وأحدّ ذكاءً.
والمكتبات بذلك، مجالاًً وميداناً رحباً لاكتشاف علاقة المعلومة والقارئ، بحكم أنها كمؤسسة توثيقية وجدت لأجل خدمة مجتمع القرّاء الذي يكوّنها ويعيش في فلكها ولا عبرة هنا بالمسافة والقرب، وهؤلاء القرّاء تتحكم فيهم وتربطهم علاقات اجتماعية وثقافية منتظمة في أنساق وأنماط مهيكلة، وبالتالي فإن الحاجات (المعرفية) التي تتولد في هذه المجتمع تتحكم فيها عدّة تفاعلات ومؤثرات، مما يستوجب على المكتبات من التواءم والتوافق والسير بانسجام مع هذه الرغبات المعرفية (المتزايدة) بتوظيف التكنولوجيا والتقنية التي تسهم في تلبية هذه الرغبات.
إننا من خلال هذه الدّراسة إذ نعمل على توصيف النظام التقني للرقمـنة كمنتوج للنظام الاجتماعي البشري عموماً، وكتوجه يزداد يوماً بعد يوم في مكتباتنا كخطوة مرحلية اقتضتها المعطيات والمتغيرات المتسارعة، فإنّ هذا البحث يسعى إلى أن تكون هذه الحلول التقنية لبنة في صرح "البناء المعرفي" لمؤسساتنا التوثيقية والمعلوماتية، وفرصة سانحة لإمداد المستفيدين (وهم أفراد هذا المجتمع) بالمعرفة اللازمة والمناسبة والبنّاءة، سعياً إلى بناء المخزون المعرفي الكافي للكادر الجامعي الجزائري، والذي سيوظّفه في قيادة عجلة التنمية، من جهة، ومن جهة أخرى سعياً إلى درء أسباب "الفشل غير المبرر" أثناء التعامل مع هذه الحلول التقنية.
إن تتبع التغيّرات التي تنشط هنا وهناك في محيط مؤسساتنا التوثيقية والمعلوماتية، أو حتى في هيكلها الوظيفي الداخلي، غالباً ما تكون مرتبطة بالتغيرات السياسية، أو أن أحدا من المسئولين السياسيين أظهر اهتماما نحو هذا النوع من التغيير، وسواء أكان هذا الاهتمام ناتجا عن إيمان فعلى بأهمية المكتبات، ككائن حيّ كما يدّعي رانجاناثان([1])في حياة الشعوب، أو عن رغبة في التغيير الشكلي، فمن هنا يمكن أن يحوز في أنفسنا أن نبحث ما إذا كان تعاملنا عبارة عن ردّات فعل أم أنها حركات تنمو عن سلوك واعي مدروس ومكتوب ضمن السياسة العامة (للمعلومات) أو للبلاد عامة.
إننا اليوم أمام تحدّي اسمه "التغيير" هذا المتغير الثابت عبر الزمان والمكان، حيث فرض أولوياته في حياتنا كلها، وفي مؤسساتنا التوثيقية والمعلوماتية بصفة خاصة، باعتبارها جزءاً من كينونتنا الاجتماعية، وإننا اليوم مختارون بين مستويين من التغيير، مستوى أفقي يتعلق بهيئة المكتبة وحالتها الحالية، وتغيير على مستوى رأسي يتعلق بالتحولات التي طرأت على مؤسسة المكتبات منذ بداية التاريخ حتى اليوم. فإننا نكون اليوم أمام فرصة استكشاف الواقع الذي نهدف من خلاله إلى ضبط إيقاع تطوره ومن ثمّ مراقبته، وبعدها رسم آفاق المستقبل في ضوء تركيبتنا الثقافية والاجتماعية ومقدرتنا الاقتصادية ونظامنا السياسي.
1- مشكـلة الدراسـة:
إن التقدّم والتطور الحاصل في ميادين شتى ومختلفة، لم يكن أبداً طفرة اجتماعية، ولا حلقات تكنولوجية عشوائية عرضية مفاجئة، وإنما هي في الحقيقة عبارة عن تلاحمات وانسجامات وتفاعلات متعدّدة بين أكثر من عامل ومؤثّر. ومن ثمّ لا يخفى على مهتمّ من أن وحدات التوثيق والمكتبات والمعلومات (كمعامل مؤثّر) من بين المؤسسات الاجتماعية التي ساهمت على مدار التاريخ الطويل للبشرية، في البحث وحفظ وإتاحة موارد المعرفة المتعددة والمختلفة تبعاً لطبيعة كل مرحلة، وكذا في البناء السليم للمنظومة المعرفية وتشييداً للتحضّر والتقدم العلمي والتقني، باعتبارها الراعي والحافظ للإنتاج الفكري والعلمي.
لكن، ومع تزايد الإنتاج الفكري العالمي أصبحت هذه الوحدات أمام تحدّي أكبر وواجب أكثر إلحاحاً تمثل في كيفية تحقيق العلاقة الطردية بين"الشمولية والدّقة" خاصة أمام "التخمة الوثائقية" أو الانفجار الوثائقي، الذي تلى اختراع غوتنمبورغ في منتصف القرن الـ15من جرّاء توظيف تقنية الطباعة بالحروف المتحركة، وبالتالي تسريع وتيرة الكمّ وتجاوز إشكالية نقص النسخ خاصّة في ظل الرّقابة التي مارستها الكنيسة على العلم بصفة عامة، بحيث وجدت المكتبات نفسها أمام تحدّي صعوبة تحقيق الشمولية في حصر الإنتاج الفكري الهائل، بالموازاة مع الدّقة التي باتت تفرضها طبيعة البحث والباحث المعاصر.
أمام هذه الحاجات المتزايدة بالموازاة مع التزايد الرهيب في حجم المعلومات المتدفقة عبر أنحاء العالم، وما صاحب هذه المرحلة من تاريخ تطور المكتبات، ومن الاهتمام الكبير بعمليات الحوسبة أو الأتمتة أو التألية التي وفّرت وسهلت الكثير من إجراءات "العلـبة السـوداء" فيها، جاءت مبادرات "الرقمنة" في المكتبات الجامعية (بالخصوص) باعتبارها مؤّثر أساسي في النسيج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وحتى السياسي للبلاد، وبالنظر –أيضاً- إلى موقعها الإستراتيجي بإشرافها على التكوين الجامعي لإطارات المستقبل.
وبإعتبار أن الغاية الأسمى للمكتبات هي خدمة جميع فئات المستفيدين وبالكيفيات المطلوبة، بالموازاة مع التطور السريع في منظومة وتركيبة الإنسان المعاصر والذي يبحث دائماً على الأهمّ من المهمّ وبالسرعة المرغوب فيها، وبالتالي فإن المستفيدين باتوا يفرضون مبدأين الأول على مستوى المجموعات، والثاني على مستوى كفاءة المتخصصين([2])، وقد تكون المكتبات في خضم الدقة المطلوبة في المجموعات والسرعة المرغوب فيها لدى الأمناء، إرهاص مباشر ببروز مصادر المعلومات من الدرجة الثانية كالأدلة والببليوغرافيات.. ثم المصادر من الدرجة الثالثة كمحاولة للسيطرة على "الثانية" في ظل عجزها عن التوفيق بين الإنتاج الفكري من جهة والدقة والشمولية التي تتطلبها مرافق المعلومات من جهة ثانية، محاولة لتقليص الفجوة الزمنية بين الباحث والمعلومة. ([3]) ما يعني أن التوجه نحو استثمار الرقمنة في الإجابة على هذه الحاجيات مطلباً ملحاً في الوقت الراهن.
وقد رأينا من خلال بعض الدّراسات أن المكتبات الجامعية بوجه خاصّ قد تأثرت بهذا المناخ المتفاعل والمتداخل، باعتبارها جزء فاعل ومؤّثر في النسيج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وحتى السياسي للبلاد. وبالنظر –أيضاً- إلى موقعها الإستراتيجي بإشرافها على التكوين الجامعي لإطارات المستقبل. فكانت مبادرات مشجعّة لمواكبة الركب والسياق الطبيعي للتكنولوجيا، رغم النقائص الكثيرة والمتكررة أثناء عملية التوطين والتنصيب، ورغم شبه الإجماع العلمي –على وجود هذه المشاكل– الذي عقّلته التحقيقات العملية والدّراسات الأكاديمية النظرية والميدانية والتي ألّحت بشدّة على العمل بخلاصات هذه البحوث واقتراحاتها، إلاّ أن الاستفادة منها تبقى بعيدة، بالنظر إلى غياب سياسة وطنية ناجعة في مجال تثمين هذه البحوث وخلاصاتها وإلى ضعف فعّالية "شبكة" للإعلام العلمي والتقني ومخابر البحث بالجامعات. بالإضافة إلى الصعوبات والعراقيل التنظيمية، ونقص الكوادر البشرية الكافية والملائمة، ووجود مهارات في عطالة وبطالة وكذا عدم كفاية الموارد المالية([4]).
وفي ظل هذه المتغيرات تكون المكتبات الجامعية الجزائرية غير بعيدة عن هذا المحيط ذو الحركية التكنولوجية المتسارعة، من خلال اعتمادها على الخطط والاستراتيجيات الهادفة إلى تحصيل هذه الإتاحات والاستفادة منها بقدر ما تقتضي بها الحاجة والظروف، فكانت بذلك"مبادرات" و"تجارب" فردية وحرّة من طرف بعض المكتبات (الجامعية) كمحاولة منها للتقرّب ومحاولة استثمار هذه التقنية كواقع يفرضه الواقع التكنولوجي العالمي وكحتمية سوسيومهنية مفروضة على المكتبات التعامل بها في خدمة روّادها. ومهما قيل عن هذه المبادرات والتجارب إلاّ أنها تبقى في سيرورتها غير القارة خطوة نحو خدمة المستفيد بما يتلاءم ومستجدات محيطه.
ونلمس هذا التحوّل من خلال تطور مفهوم "منطـق النشـر" القائم على تلبية الاحتياجات وفق الدّراسة المتأنية لطلبات المستفيدين ودراستها جيّدا من أجل تلبيتها على أحسن وجه، إلى مفهوم "منطـق الخضـم" القائم على إمداد المستفيد بكم هائل من المعلومات والوثائق، حيث تكون له الحرّية في اختيار وانتقاء ما شاء.([5])
واليوم تتجه هذه المكتبات إلى محاولة الاستفادة من إتاحات تكنولوجية "الـرقمـنة" La Numérisationكحل يمكن أن تلجأ إليه([6])وتشجعه في فرض هذا المنطق –ولو مرحلياً- حيث يتجلى هذا الاتجاه في ظل تزايد الاهتمامات وتنوعها وتعددها وتداخلها لدى الإنسان المعاصر مع مراعاة –طبعا- السرعة اللازمة في توفير هذه الاحتياجات.
وقد تكون هذه "الظاهرة" رؤى صادقة لنظرية "ماكلوهان" التي لخصها في اعتبار أن "الوسيلة هي الرسالة" فإذا كانت الرقمنة كوسيلة تكنولوجية توفر الكثير من الخدمات والاتاحات للمجتمع، فإنها بذلك تحمل خصائص الرسالة([7]). مما يعني أن المكتبات الرقمية كمنتوج مباشر لتكنولوجية الرقمنة، ونتيجة للتحول الرقمي تكون البديل الذي يمكن أن يمتص احتياجات المستفيدين من الخدمات المعلوماتية([8])
لهذا، ومن هذا المنطلق يمكن طرح إشكالية هذه الدراسة كما يلي:
ما هو واقع الرقمنة في المكتبات الجامعية الجزائرية، وكيف يمكن تصوّر مستقبلها؟
هذا وتندرج تحت هذه الإشكالية العامة عدّة تساؤلات فرعية، كالآتي:
- ما هو واقـع الرقمـنة في المكتـبة الجامعـية الجزائـرية؟
- هل الشروط التقنية، المادية، المالية والبشرية في المكتبات الجامعية الجزائرية، كافية لتطبيق تكنولوجية الرقمنة؟
- هل هناك إستراتيجية وطنية تهتم باستثمار تكنولوجيا المعلومات في المكتبات؟
- هل تعدّ "الرقمنة" مطلبا "اجتماعياً" جديداً يستجيب لرغبات المستفيدين من المعرفة؟ وهل يمكن اعتبارها خياراً إستراتيجيا في بيئة مكتباتنا الحديثة ؟
2- الفرضــيات:
- هناك مبادرات ومحاولات للاستفادة من تكنولوجية الرقمنة.
- تملك المكتبات الجامعية الجزائرية الشروط التقنية، المادية، المالية والبشرية لتطبيق تكنولوجية الرقمنة.
- هناك إشراف وتنسيق جماعي رسمي مشترك لجهود الرقمنة في المكتبات الجامعية الجزائرية.
- تعدّ الرقمنة خياراً وحتمية سوسيومهنية في تحسين خدمات المستفيدين في المكتبات الجامعية الجزائرية.
3- منهجية الدراسة:
إن أي عمل بشري إلا ويدفعه جانبان أساسيان نحو تحقيقه في الميدان، وهما يكملان بعضهما البعض، ألا وهما الدوافع الموضوعية والذاتية.
حيث تمثلت الأسباب الموضوعية في حاجة المؤسسات التوثيقية الجامعية إلى دراسات وصفية نقدية وتحليلية تشرّح واقع التقنيات والتكنولوجيات الأكثر تداولاً في محيط المكتبات الجامعية الجزائرية، وخصوصا استكشاف مدى مساهمة "الرقمنة" في تحسين خدمات المستفيدين، وإلى محاولة تشخيص واقع تعامل المكتبات الجامعية الجزائرية مع الرقمنة، وإبراز حاجتنا الفعلية لهذه التكنولوجية في الوقت الراهن، وتبيان مدى صلابة أنظمتنا التوثيقية أمام التطورات الجارية.
في حين كانت الأسباب الذاتية في كون أن أي جهد وعمل بشري لا يمكن أن يدفع نفسه بنفسه، فالدواعي الموضوعية وحدها غير كافية على أن تجعل من الموضوع محل الدّراسة يسير بالوتيرة الطبيعية وينساق في سيرورته المنطقية العادية ويحقق القيمة المضافة المنشودة، وإنما هناك الحوافز والدوافع الذاتية التي تنبعث من روح الاستكشاف والبحث والاستطلاع، والتي تكون صمّام "الصبر" أمام الصعوبات والعراقيل، ومن هذه الدوافع الذاتية ما يلي:
- بحكم أن مكتباتنا أصبحت بغير منأى عن التكنولوجيات الحديثة، فإنه من المهارات الجديدة المطلوبة من أخصّائي المكتبات، تمكّنه وإلمامه بأهمّ مبادئ هذه التكنولوجيا والتقنيات الحديثة التي يجري العمل بها.
- الفضول البشري الرامي دائما إلى التمكن والإلمام بالأشياء الجديدة.
تتمحور هذه الدراسة حول "المكتبات الجامعية الجزائرية" كمؤسسات علمية وثقافية وحتى سياسية، وباعتبارها كيان أساسي في المخطط التنموي الشامل للبلاد، ولا يمكن بدونها تصوّر دورا رياديا للنخبة الجامعية، وتأطيراً فعّالاً للتكوين الجامعي. وبالتالي فإن الجامعة والمكتبة الجامعية مجالان لاكتشاف القيمة المضافة، التي يكون محلها المجتمع الرحب.
وقد اقتصرت عيّنة مجتمع الدراسة على المكتبة الجامعية المركزية لجامعة الجزائر، ويرجح هذا الاختيار إلى كون أن هذه "الحالة" تُعَدّ من النقاط المركزية المحورية في الجزائر، من الناحية الإدارية والتنظيمية وحتى التاريخية، ولكونها أنها تمثل الجغرافية المركزية للجزائر، بالموازاة على اعتبارها تقع في قلب عاصمة البلاد، بالإضافة إلى كون حالة الدراسة تحتمي بمحيط أكاديمي لا يقل أهمية، بكونها يستقر بين جنباتها قسم من الأقسام الثلاثة لعلم المكتبات والتوثيق بالجزائر، مما يوفّر التغطية الفكرية والتنظيرية الكافية، ولكونها –بصورة معينة- مجالاً خصباً لتجريب وتطبيق مبادئ وتطبيقات علم المكتبات في هذه المؤسسات التوثيقية، مما يعني بذلك أن "الصواب المنهجي" له الحظ الأوفر في مثل هذه الحالات.
وتبعاً لطبيعة موضوع الدراسة المتضمن "تشخيص واقع الرقمنة في المكتبات الجامعية واستشراف آفاق هذه التقنية وتطبيقاتها في مكتباتنا الجامعية في المستقبل" فإن منهج دراسة الحالة يعدّ أكثر المناهج ملائمة في تشريح حالة بعينها، حيث يسمح بتشخيص الواقع، ورسمه وتوصيفه كما هو بسلبياته وإيجابياته، وبالتالي تكوّن الصورة الذهنية والنظرية لهذه التقنية في الميدان وتشخيصاً للأبعاد التي تأخذها في الواقع المعاش، في حين يتم الاعتماد على أساسيات المنهج التحليلي (باعتباره أداة لمنهج دراسة الحالة) في اختبار المعطيات المجمعة من الميدان ومن ثم قياس العلاقات القائمة بين جميع المتغيرات بحثاً عن الدور المستقبلي والمتوقع أدائه، وذلك توجيها وترشيداً للجهد والوقت والمال وضماناً أكثر للاستثمار الأمثل وفي الانسياب المناسب ومشاركة في التنمية الشاملة للبلد.
وحتى نجمع معلومات الميدان فقد تمّ الاعتماد علىأداتي المقابلة وتحليل المحتوى، ولأن الدراسة عبارة عن دراسة حالة للمكتبة الجامعية المركزية لجامعة الجزائر، ومحاولة التعرف على هذه المشاريع يكون بالتقرب من المشرفين على هذه المكتبات من جهة، ومن جهة أخرى التقرب من الأعضاء المشاركة هذه صياغة وتجسيد هذه المشاريع، فإن توظيف أداة "المقابلة" تعد وسيلة ملائمة للتقرّب أكثر على الخلفيات المتعددة والمتنوعة لدى إدارة المكتبات الجامعية، باعتبار أن أعضائها هم مؤثري العلبة الخفية لهذه المرافق، وبإمكانهم إعطاء معلومات كافية حول خلفية موضوع حالة الدراسة، وبهذه المعلومات يمكن رسم مخطط حول محور اهتمام السلطة الإدارية بمثل هذه المشاريع، ومحاولة معرفة ما إذا كانت هناك إرادة ونية مشتركة في صياغة إستراتيجية المكتبات الجامعية.
بالإضافة إلى أنه يمكن الاستعانة بتقنية تحليل المحتوى في محاولة استكشاف وقراءة الاهتمام الذي يوليه المشرّع الجزائري لمثل هذه القضايا، بحثاً عن الغطاء القانوني الذي يلعب دوراً مهمّاً في صياغة الإطار الرسمي للإستراتيجية العامة للبلاد حول المعرفة والحق في المعلومات.
إن موضوع الدراسة الذي بين أيدينا، يهــدف إلى تحقيق جملة من الأهداف التي يرجى من ورائها رسم الواقع الذي تعيشه مكتباتنا بصفة عامة والجامعية بالخصوص ولاعتبارات موضوعية كثيرة ومتعددة، والى توضيح الآفاق التي ينبني عليها العمل المكتبي في المستقبل، وبالتالي فإن هذه الدراسة ستوضح التوجهات القريبة والمتوسطة والإستراتيجية للمكتبات الجامعية الجزائرية خلال مسيرتها نحو تحقيق التنمية المنشودة وفي بناء وإعداد القيادة الكفءة لمجتمع يعتمد في أدنى جزئياته على ما تملكه وتتحكم فيه من معلومات.
4- الرقمنة كشكل من أشكال التطور الأفقي في مؤسسات التوثيق والمعلومات
تمثل المتغيّرات التكنولوجية والتقنية بصفة عامة مرحلة انتقالية تمر بها البشرية في خضم التفاعلات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية.. وبات صريحا في كواليس الفكر العالمي وحتى منتدياته العلنية أن العالم يعيش في مرحلة جديدة يتحكم فيها "النظام الرقمي"، ومن صور هذا التحول أصبح قطاع المعلومات القطاع الرابع بعد الزراعة والصناعة والخدمات، ومن صوره أيضاً عوّض الضوء الحبر بدرجة كبيرة سواء في التسجيل أو في القراءة والاسترجاع، ومن صوره كذلك ظهور ما يسمى "بالأمية الثالثة" والتي تعني عدم السيطرة على الإبداعات والاختراعات المبنية على الحاسوب، بعدما كانت الأمية الألفبائية الهمّ الشاغل الذي ساد فترة كبيرة من تاريخنا الطويل، ثم بعدها الأمية الآلية والمرتكزة على مدى قدرة الأفراد في التعامل مع الأجهزة الإلكترونية.
لقد أصبحت "الآلة" أو "التقنية" مظهراً يوميا في الحياة المعاصرة، وربما أصبح من الصعب إنجاز الكثير من الأعمال والأشغال من دون توظيف التكنولوجيا. وغدت بذلك سلوكاً اجتماعيا جديداً يحتمّ نفسه داخل شبكة العلاقات الاجتماعية بين الأفراد.
وفي هذه الورقة سنحاول أن نرسم السياق المفاهيمي للرقمنة كحل تكنولوجي مرحلي في مؤسسات التوثيق والمعلومات الحديثة، باعتبار أن المكتبة كائن اجتماعي ينمو بنمو البيئة التي تحتضنه، فحينما ننظر إلى المسار التاريخي لتطور المكتبات، ندرك تمام الإدراك أنها صورة مشرّفة لتطور الحياة البشرية عموما، فالمكتبة كمرفق للمعلومات تعكس صورة من صور التطور البشري، وقد تكون هذه الخاصية هي التي دفعت العالم الرياضي الهندي "رانجاناثان" صاحب "تصنيف الكولون أو الأوجه" إلى اعتبار أن المكتبة "كائن حيّ"(*) فمن مكتبات البردي، والألواح الطينية ثم المكتبات الورقية مع بدايات القرن الخامس عشر، وصولا إلى المكتبات الإلكترونية، التي مهدت للمكتبة الرقمية وأخيراً مكتبة المستقبل مكتبة افتراضية تخيّلية.
4-1-الخلفية النظرية للرقمنة
إن الدارس لحركة مرافق المعلومات منذ فجر التاريخ ووجود الإنسان على وجه الأرض، يكتشف ويدرك ذلك التناغم بين نمو هذا "الكائن" واحتياجات المجتمع من المعرفة بشكل عام، ولم تكن المكتبات أبدا مقصّرة في واجبها، ولكن بقدر طاقاتها وإمكاناتها، فكانت مهماتها ووظائفها جليّة وواضحة، وبالتالي لم يكن أبدا على الدارسين لها أي خلل في تصنيفها وتقعيدها وتأصيلها وإعطائها خصائصها وخصوصياتها المرحلية.
لكن بعد القرن الخامس عشر، وما حمله هذا التاريخ من آفاق لكافة مجالات الحياة، بدأت خصوصيات هذه المرافق تأخذ أبعاد أكثر تعقيدا، ومهاما ووظائف أكثر تخصصاً. وقد ازداد هذا الخيار، مع التطورات المذهلة التي حملها القرن الثامن عشر(*)ليجعل من مرافق المعلومات مؤسسات "ذات طابع مادي" أكثر منه إنساني، من خلال توظيف "الماديات" والعتاد والتجهيزات الإلكترونية.. مما جعل دور الإنسان يقلّ ويقصر ويضعف، في الأعمال التي كانت تستهلكه نشاطات المكتبة التقليدية التي لم يختلف فيها اثنان من ناحية تصنيفها وتحديد أبعادها.
ومع بدايات الثمانينات بدأت هذه المرافق تأخذ هذه الحلة "الميكانيكية" لتتحول إلى مخبر من التجهيزات والمعدّات الكبيرة والضخمة، رغم أنها بدأت تصغر وتزداد قوة إلى قوتها، مع مرور الوقت، الواقع الذي أفرز نوعاً من الالتباس الوظيفي في تحديد سيرورة تطور هذه المرافق في السياقات المختلفة للمجتمع.
لقد تسببت هذه التطورات التكنولوجية المتلاحقة وبسرعة جارفة، في اختلاط الكنيات والكينونات الوظيفية والاسمية لمرافق المعلومات على المهتمين بشؤونها، حتى أنك إذا اطّلعت على أكثر من ثلاثة مراجع أو مصادر في علوم المكتبات (خاصة من ناحية المفاهيم) فإنك ستجد نفسك محاصراً بالكثير من المصطلحات "المترادفة" والمتداخلة فيما بينها، والتي يخيّل إليك أنها توظّف لنفس الغرض، ولكن هي مصطلحات يحمل كل منها معناً مستقلاً يختلف عن الآخر.(**)مما قد يؤثر في استيعاب المعنى الحقيقي، واحتمال عدم التفرقة بين التسميات الحقيقية لهذه المكتبات، ويأخذ الأمر أبعاد أشدّ مع القارئ الذي –غالبا- ما يكون "محتاراً"، وتصعب عليه إدراك القيمة الحقيقية لهذه المرافق، مما يعرّض هذه المرافق إلى عدم وضوح رؤيتها، وفلسفتها بشكل واضح وجلي، وبالتالي ضياع الكثير من الجهد.
ومن بين هذه المصطلحاتالتي يجدها الباحث أو القارئ في طيات الكتب والموسوعات والملفات الالكترونية..، مصطلح "الأرشفة الإلكترونية، المكتبة الرقمية، المكتبة الإلكترونية،المكتبة الافتراضية، المكتبة التخيّلية، مكتبة بلا جدران، المكتبة المهيبرة، المكتبة الذكية/...الخ.فهذه المصطلحات منها ما نجده كمرادف لبعضها البعض، ومنها ما يتشابه في بعض الخصائص، أو التطبيقات. وبالتالي فإنه من ناحية المصطلح هناك إشكالاً في الضبط، والتقعيد والتأصيل، فالكثير من الدراسات التي تتناول موضوع "المكتبات الرقمية" لا تضع فروقاً بين هذه الأنواع من التسميات، بل وتقع في دوامة اصطلاحية مفرغة.
إن معرفة هذا الخلل –إن صحّ التعبير- يمهّد لمرحلة "صحـيّة" بالنظر إلى أن البيئة التي يعشها العالم الثالث أو النامي تعيش مرحلة المخاض والتشكّل ولكن تبقى غير واضحة. ومهما تعددت هذه المفاهيم والمصطلحات، في الأدبيات التي تتطرق إلى "المكتبات" كمرافق للمعلومات، فإنها تتغير وتتطور بتطور المحيط ذو المتغيرات الكثيرة والمتفاعلة فيما بينها ككتلة واحدة. وربما قد يتفق القارئ رغم هذا التيه الاصطلاحي على أن المصطلحات الأكثر تواترا في أدبيات علم المكتبات نجد ثلاثة مصطلحات أساسية، وذات توظيف عالي كمفهوم المكتبة الإلكترونية، المكتبة الرقمية والمكتبة الافتراضية. مع الإشارة إلى عدم وجود لبس في باقي المصطلحات، كالمكتبة الهجينة(*) أو المختلطة..
وقد ندعي الصواب، إذا قلنا بأن التعاريف التي تقدم في هذه الأدبيات هي نتيجة للترجمة غير المنضبطة من الكتابات الأجنبية، وعدم ضبط المصطلح انطلاقا من الخلفيات الفكرية والموضوعية المختلفة للباحثين. والى التأثيرات التكنولوجية التي لا تكاد تراعي أنفاس البشر. وسنستعرض في هذا الإطار بعض التعاريف المقدمة، لهذه المصطلحات. مع محاولة مناقشتها لأجل الخروج بما يخدم مو�