السراج المنير في الطب العربي والإسلامى

 

عداوة الشيطان للإنسان

الكـاتب : صلاح الدين سلطان

لقد استقرأت الآيات التي تتحدث عن عداوة الشيطان للإنسان فلم أجد آية واحدة تذكر أن الشيطان عدو للإنسان، بل تنص كلها على أن الشيطان للإنسان عدو، وإليك هذه الآيات لنستطيع أن نتدبر معا هذه النصوص التي تتحدث عن عداوة الشيطان للإنسان:

- (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ)[الأعراف: 22].

- (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)[يوسف: 5].

- (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا)[الإسراء: 53].

- (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)[فاطر: 6].

- (وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)[الزخرف: 62].

والذي استنبطه من هذا التقديم لحرف اللام المضاف للإنسان، أو لآدم وحواء، أو للإنسان عامة، والناس جميعا، هذه تفيد بكل وضوح أن هذه العداوة ذات خاصيتين:

1- الاختصاص.

2- التفرغ.

فالشيطان إذن متخصص فقط في إغوائنا، منشغلٌ فقط بتضليلنا، لا يشغله شيء آخر عن دفعنا إلى نسيان ذكر ربنا أو عصيانه. وهذا ما يوجب تمام اليقظة وكامل الوعي بمدى عداوة الشيطان للإنسان اختصاصاً وتفرغا تاما للحرب على الإنسان، وأحب هنا أن أورد ما نقله الشيخ أكرم كساب، من تصور هذه الصورة من الصراع العسكري كي يهزم الشيطان الإنسان ويأسره ليكون شريكا له في قعر النيران، كما قال - تعالى -: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر: 6]. ننقل - باختصار وتصرف وإضافة أيضا - هذه الصورة من الحرب الحقيقية بيننا وبين الشيطان تبدو فيما يلي:

"منذ أن خلق الله الخلق ـ أعني آدم، وإبليس يتربص به كل التربص، وأدار إبليس المعركة بصورة قتالية بكل مقاييس الحرب، من جنود لهم حزب وللحزب قائد، وللقائد كل الولاء، ولهم خطة، وبالخطة هجوم وتسلل واغتيال وأسر وشراك ومصائد، وهذه هي الصورة، بشيء من التفصيل بأدلتها الثابتة بالكتاب والسنة:

1- القائد والجنود: القائد هو إبليس والشياطين هم جنوده سواء كانوا من الجن أو من الإنس، قال - تعالى -: (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ)[الشعراء: 94 - 95].

2- الولاء للقائد: وهو العلاقة بين إبليس وجنوده وهي علاقة ولاء وطاعة، وهما أول الضرورات التنظيمية، قال - تعالى -: (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ) [النساء: 76].

3 - الحزب: وعندما يكون الولاء من جنود لقائد يتكون الحزب، كما قال - تعالى -: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المجادلة: 19].

4- السرايا: وحين تتجمع الجنود، ويتم الولاء، ويتكون الحزب، يقوم بإرسال السرايا والهجوم على الضحايا، وفي الحديث الذي رواه مسلم بسنده عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً)).

5- تجهيز أدوات الحرب، ومنها:

أ الخيل، كما في قوله - تعالى -: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ)[الإسراء: 64].

ب - السهام: كما أورد الجلال السيوطي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، مَنْ تَرَكَهَا مَخَافَتِي أَبْدَلْتُهُ إيماناً يَجِدُ حَلاَوَتَهُ فِي قَلْبِهِ)).

ج - رفع الرايـة: وهي من تقاليد الحروب فلكل فئة راية تقاتل تحتها، أورد الجلال السيوطي في جامعه أن َ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَا مِنْ خَارِجٍ يَخْرُجُ إِلاَّ بِبَابِهِ رَايَتَانِ: رَايَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ، وَرَايَةٌ بِيَدِ شَيْطَانٍ، فَإِنْ خَرَجَ فِيمَا يُحِبُّ اللَّهُ - عز وجل - تَبِعَهُ الْمَلَكُ بِرَايَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ تَحْتَ رَايَةِ الْمَلَكِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ، وَإِنْ خَرَجَ فِيمَا يُسْخِطُ اللَّهُ تَبِعَهُ الشَّيْطَانُ بِرَايَتِهِ فَلَمْ يَزَلْ تَحْتَ رَايَةِ الشَّيْطَانِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ))، وروى ابن ماجه بسنده عَنْ سَلْمَانَ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((مَنْ غَدَا إِلَى صَلاَةِ الصُّبْحِ، غَدَا بِرَايَةِ الإِيمَانِ. وَمَنْ غَدَا إِلَى السُّوقِ، غَدَا بِرَايَةِ إِبْلِيسَ)).

6 - اختيار موقع الاحتلال: وفي الحديث الذي أورده الهيثمي عَنْ سَلْمَانَ - رضي الله عنه -، قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تَكُنْ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْها، فَفِيها بَاضَ الشَّيْطَانُ وَفَرَّخَ))، فدل ذلك على أن السوق موضع احـتلال للشيطان للهجوم على الإنسان.

7- العنف والشدة في هذه الحرب: قال - تعالى -: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)[مريم: 83]، والأزّ الحركة العنيفة للماء عند الغليان.

8- الحصار حول الفريسة: قال - تعالى -: (ثُمَّ لآَتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف: 16- 17]، والمحاصر هنا هو الإنسان بالوساوس والحث على الفسوق والعصيان.

9- نصب الشراك لاصطياد الإنسان: وهـي الحيـل والشباك التي يوقع فيها بني آدم، ومـن أدعية الرسول -صلى الله عليه وسلم -: ((أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرْكِهِ)).

10- الحصون: وفي هذه الحرب حصون يلجأ إليها الجنود من كلا الطرفين حماية لأنفسهم، وفي الحديث الذي رواه الترمذي بسنده عن الحارث الأشعري عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ الله أَمَرَ يَحْيى بنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ))...وفيها: ((وآمَرَكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا الله فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ في أَثَرِهِ سِرَاعاً حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ العَبْدُ لاَ يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ الله)).

11- الأحلاف: وهو ما يعني الحماية وجمع قوى الشر لمواجهة الإنسان، كما قال - تعالى -: ((وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ))[الأنفال: 48].

12- الأسر: كما في كل حرب ويكون من الطرفين، وفي الحديث الذي أورده الهيثمي من حديث جابرِ بنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قال: صلّيْنا معَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- صلاةً مَكْتُوبَةً فَضَمَّ يَدَهُ في الصَّلاةِ فَلمَّا قَضى الصَّلاةَ قُلْنَا: يا رسولَ الله، أَحَدَثَ في الصَّلاةِ شَيءٌ؟ قالَ: ((لا، إِلاَّ أَنَّ الشَّيطانَ أَرادَ أَنْ يَمُرَّ بينَ يَدَيَّ، فَخَنَقْتُهُ حتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لِسَانِهِ على يَدِي، وَأَيْمُ الله لَوْلاَ مَا سَبَقَنِي إِليهِ أَخِي سُليمانُ لَنِيْطَ إِلى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ حتَّى يَطِيفَ بِهِ وِلدانُ أَهلِ المدينةِ)).

وقد روى البخاري بسنده أن النبي – صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة - رضي الله عنه - عندما أتاه الشيطان وهو يحرس بيت المال: ((يا أبا هريرةَ ما فعلَ أسيرُكَ البارحةَ؟ )).... إلى أن قال – صلى الله عليه وسلم-: ((أما إنّه قد صدَقَكَ وهوَ كَذوب. تَعلمُ مَن تُخاطِبُ مُذ ثلاثِ ليالٍ يا أبا هريرة؟ قال: لا. قال: ذاكَ شيطان))، ومن ذلك أسرهم في شهر رمضان من قِبل الله - سبحانه -، وفي الحديث الذي رواه البخاري بسنده عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا دخَلَ رمضانُ فتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ وغُلِّقَتْ أبوابُ جهنمَ وسُلسِلَتِ الشياطين)).

13- السحق الشامل: أي الإبادة الكاملة، وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم بسنده عن عياض بن حمار المجاشعي عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال: قال - تعالى -: ((وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ)).

14- نتيجة المعركة: بعد تحديد الصورة القتالية للحرب بيننا وبين الشيطان يحسن أن نرى النتيجة النهائية لتلك الحـرب، لنرى خسائر البشر فيها مـن كـل ألـف ينجو واحد ويهلك تسعمائة وتسعة وتسعون، (أي بنسبة 1: 999)؛ يدل على ذلك ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري بسنده عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ - رضي الله عنه - قال: قال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم- : ((يَقولُ اللَّهُ - عز وجل - يومَ القيامة: يا آدم، فيقول: لَبّيك ربَّنا وَسَعدَيك. فيُنادَى بصوتٍ: إنَّ اللَّهَ يأمُرُك أن تُخرِجَ من ذرِّيتكَ بَعثاً إلى النار. قال: يا ربِّ وما بَعثُ النار؟ قال: من كلِّ ألفٍ ـ أُراهُ قال ـ تِسعَمِائةٍ وتسعةً وتِسعين))انتهى.

وإذا كانت هذه هي العلاقة وتلك هي النتيجة، فلا نفقد الأمل أبدا فإن رحمة الله تدرك العبد إذا تاب وأناب ولو في النزع الأخير ليحوِّل الله برحمته سيئات العبد إلى حسنات، لقوله - تعالى -: (وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)[الفرقان: 68-70]، ولما رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: ((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَت الْكَبَائِرُ)) والحج عامة وخصوصاً يوم عرفة يوم لهزائم ضخمة للشيطان، وكسر أنفه، وإضاعة عمله، ويوافق ذلك ما رواه مالك بسنده عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول – صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمَاً هُوَ أَصْغَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّ رَحْمَة اللَّهِ تَنْزِلُ فِيهِ فَيَتَجَاوَزُ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ)).

نحن إذن أمام معركة حقيقية، وصراع رهيب، وضحايا كثر، ورب رحيم ودود بمن يقع فريسة وأسيرا للشيطان أن يرفع كفيه بليل أو نهار: رباه زلت بي القدم بعد ثبوتها، فاغفر الزلات، وأقِلْ العثرات، وكفر السيئات، وبدّلها إلى حسنات، واحفظني من الشيطان والهوى حتى الممات، وارفع لنا الدرجات، فيجيبه رب العزة من فوق سبع سماوات: لبيك عبدي وسعديك، قد غفرت لك ما قد مضى، وأعينك على نفسك وشيطانك فيما بقى، وأمحو اسمك من أصحاب الشمال، وأكتبك عندي من أهل اليمين، فإن أقبلت أكثر رفعتك إلى منازل الصديقين المقربين.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 695 مشاهدة
نشرت فى 10 يوليو 2013 بواسطة tebnabawie

سالم بنموسى

tebnabawie
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,214,441