السراج المنير في الطب العربي والإسلامى

 

الضغوط النفسية وعلاجها

يتعرض الأفراد في جميع مراحل حياتهم إلى مواقف ضاغطة ومؤثرات شديدة من مصادر عديدة كالبيت والعمل والمجتمع، حتى أطلق البعض على هذا العصر عصر القلق والضغوط النفسية. ويعود ذلك إلى تعقيد أساليب الحياة، والمواقف الأسرية الضاغطة وبيئة العمل، وطبيعة الحياة الاجتماعية، فالأهداف كثيرة والأماني والتطلعات عالية ولكن الإحباطات والعوائق كثيرة.

فلا شك أننا - بصفة عامة - نعيش في عصر يزخر بالصراعات والتناقضات والمشكلات وتزداد فيه مطالب الحياة، وتتسارع فيه التغيرات التكنولوجية والثقافية والقيمية، مما ينتج عنه مواقف ضاغطة شديدة ومصادر للقلق والتوتر وعوامل الخطر والتهديد.

أولا: تعريف الضغط النفسي :

الضغوط  النفسية ببساطة هي: المؤثرات أو المواقف الضاغطة من مصادر مختلفة يتعرض لها الفرد, وتخلق حالة من التوتر والانزعاج، تستدعي من الفرد التعامل معها ومواجهتها.

فمثلاً: ضغوط العمل والأمراض الصحية, والخلافات والمشاكل العائلية والديون المتراكمة, وحوادث الوفاة والبطالة, والعداوات الشخصية, كلها أمور محزنة تجعل المرء الذي يمر بها عرضة للضغط النفسي .


ثانياً: أنواع الضغوط النفسية :

1- الضغوط الشائعة : وهي التي يتعرض لها الجميع وتتلاشى بنفسها خلال أيام ولا تحتاج إلى أي تدخل .

2- الضغوط المتراكمة : وهي التي تتراكم في الجسم على فترات طويلة ويصعب معها التحكم بالأعراض الجسدية ، وقد تؤدي الى أمراض خطيرة أو آلام نفسية شديدة .

3- الصدمات النفسية الشديدة : مثل التي تحدث عادة بعد التعرض لحوادث خطيرة

كالإعتداء الجنسي أو السرقة . وهذا النوع هو رد فعل طبيعي لحوادث غير طبيعية . وقد تؤدي هذه الصدمات إلى توتر وضغط نفسيين كبيرين وإلى تغييرات دائمة .

ثالثاً: آثار الضغط النفسي على الصحة :

تؤثر الضغوط النفسية سلباً على الصحة . فهي تؤد ي إلى تصلب الشرايين والصداع النصفي وارتفاع ضغط الدم واضطرابات النوم والأكل والإكتئاب والتهابات المعدة وحب الشباب والطفح الجلدي واضطرابات الجهاز الهضمي كالإسهال أو الإمساك ، وغيرها .

إن زيادة الضغط النفسي والعاطفي تلعب دوراً ملموساً في دفع مرضى القلب إلى حتفهم ، فمعدلات الوفيات بين مرضى القلب الذين يعانون في الوقت نفسه من ضغوط نفسية وعاطفية تزداد بثلاثة أضعاف عن أقرانهم من نفس المرضى ممن لا يعانون من ضغوط متشابهة .

إن الضغط النفسي من شأنه التسبب في تقليص الأوعية الدموية ، ورفع ضغط الدم ، وزيادة عدد ضربات القلب ، وبالتالي إلى ارتفاع حاجة القلب للأوكسجين . كما أن الضغوط النفسية المزمنة تؤدي إلى زيادة إفراز مادة الأدرينالين مما يؤدي إلى تسارع نبضات القلب و التعرق وكل ذلك يمكن أن يفضي إلى ارتفاع ضغط الدم وأنواع مختلفة من أمراض القلب .

رابعاً: علاج الضغط النفسي

علاج الضغط النفسي على نوعين علاج روحي, وعلاج عملي, وكلا العلاجين يكمل بعضهما البعض.

أما العلاج الروحي, فيتمثل بالوسائل الآتية:

1 – تقوى الله تعالى والتقرب إليه بالعمل الصالح، لقوله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً) ، وقوله جل ثناؤه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)

وقصة النفر الثلاثة الذين حُبسوا في الغار ليست بعيدة عنا، فقد فرّج الله عنهم هذه الكربة حين تذكر كل واحد منهم عملاً صالحًا وخالصًا لله تعالى فتوسل إلى الله تعالى فيه.

2 – الاستعانة بالصبر والصلاة، لأنها تعين الإنسان على مواجهة التحديات والمسؤوليات بثبات ونجاح، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). يقول حذيفة رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صّلى".

3 – حسن الظن بالله تعالى, بأنه وحده كاشف الضرّ عن الإنسان، وأن الشدة مهما طال أمدها فإن الله متبعها بفرج ويسر، يقول الله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام: (لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).

ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: "إن الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني".

وصدق الشاعر القائل:

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ** فرجت وكنت أظنها لا تفرج

4 – ذكر الله تعالى بالقلب واللسان, فهو سبب عظيم لتفريج الهموم واستقرار النفس وطمأنينتها، لقوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). وكان من أذكار النبي صلى الله عليه للهموم والكرب: «لا إله إلا الله الحليم العظيم لا إله إلا الله رب العرش العظيم, لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم».

5 – لزوم الاستغفار والدوام عليه، فإنه من أسباب السعادة والطمأنينة النفسية، كما أنه يفرج الكربات ويذهب الهموم والغموم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همّ فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب".

6 - اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، لأنه يذهب الهموم ويفرج الكروب، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال:" يا أبا أمامة مالي أراك جالسًا في المسجد في غير صلاة ؟" قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله. قال:" أفلا أعلمك كلامًا إذا قلته أذهب الله همّك وقضى عنك دينك؟ " قال: بلى يا رسول الله. قال: " قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن والعجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".

وكان من دعاء موسى عليه السلام لله تعالى أ ن يشرح صدره وييسر أمره، ليذهب ما به من همّ وغم، قال الله تعالى على لسانه عليه السلام: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) .

7 – العمل بالأسباب المعينة على النجاح في الحياة، ثم التوكل على الله تعالى والاستعانة به من أجل تحقيق الغايات وحصول أفضل النتائج، فالعمل والتوكل أمران متلازمان لتفادي الضغوط النفسية وآثارها السلبية، يقول الله تعالى: ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ، ومن كان الله حسْبُه فلا يضل ولا يشقى أبدًا.

 

أما الجانب العملي للتخفيف من تأثير الضغط النفسي على الجسم فيتمثل بانتهاج أسلوب حياة صحي يبعث على الاسترخاء . وهذا يشمل الغذاء الصحي ، والرياضة ، وتنظيم الحياة ، وضبط الانفعالات، وأخذ قسط من الراحة ، والترفيه عن النفس .

إن التقليل من تناول الملح والسكريات والكافيين ، والإكثار من تناول الخضروات والفواكه وشرب كميات مناسبة من الماء يومياً يساعد على المحافظة على الجسم من أثر الضغوط النفسية كذلك فإن النوم لست ساعات متواصلة على الأقل خلال الليل يبعث على الاسترخاء . كما أن الغفوة لمدة قصيرة ( من 15- 30 دقيقة ) خلال النهار تساعد على تجديد النشاط .

كما أن ممارسة الرياضة (20 دقيقة في اليوم على الأقل ، خمس مرات في الأسبوع ) مهمة في مساعدة الجسم على الإسترخاء.

- إن التحدث عن الأمور التي تضايق المرء مع شخص يثق به من عائلته أو أصدقاءه يعينه على التخلص من الضغوط . وكذلك فإن الاستعانة بالآخرين لمساعدته والقيام ببعض الأعمال عنه من شأنها أن تخفف عنه كثيراً .

- ومن المقرر طبياً أن الغضب والانفعال من الأمور التي تضعف جهاز المناعة مما يعرض الجسم للإصابة بالأمراض ، ولهذا فيجب أن يتعلم الإنسان كيف يضبط انفعالاته وخاصة الغضب . فنحن غالباً ما نشعر بالغضب عندما لا يفعل الآخرون ما نتوقعه منهم ، لذا فعلينا أن نكون أكثر مرونة ، ونتذكر دائماً أن الغضب يجعل ردود أفعالنا غير منطقية فنتحلى دائماً بالحلم فهو سيد الأخلاق .

- إنّ شغل الوقت بالأنشطة التي تجعل الإنسان سعيداً ، والتحلي بروح الدعابة والمرح تعين على التخلص من الضغوط .

- التوازن في الحياة والاعتدال ، وتنظيم الإنسان لحياته يساعده على الشعور بأنه هو المسيطر على حياته ، فلا تكون حياته مجرد ردود فعل لما يعترض طريقه من ضغوط .

- معاقرة الخمر أو إدمان الحبوب المهدئة أو المخدرات ليست حلولاً سهلة للتخلص من الضغوط ، بل هي طريق سريع للدمار والخراب.

- الاسترخاء يجب أن يكون من نمط الحياة اليومية ليتمتع الإنسان بالصحة ويتغلب على الضغوط النفسية .

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 3648 مشاهدة
نشرت فى 30 يوليو 2012 بواسطة tebnabawie

سالم بنموسى

tebnabawie
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,196,456