تصلح واقعة إهانة الرسول، صلى الله عليه وسلم، مبرّراً كافيا لإطاحة وزير العدل المصري، أحمد الزند، من منصبه، لكنها ليست السبب الرئيس في التخلص منه.تماماً، كما لم يكن لقاء توفيق عكاشة بالسفير الصهيوني السبب الأساس في إلقائه من نافذة قطار الانقلاب، وإن كان يصلح مسوغاً مقبولاً لطي صفحته.لم نعرف أن لدى نظام عبد الفتاح السيسي، أو السيسي شخصياً، أدنى مشكلة أو حساسية، فيما يخص قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني، فبهذا المعيار السيسي تطبيعي أكثر من عكاشة، بنص تصريحاته، ومدلول سياساته، وشهادة الإسرائيليين أنفسهم.
كما لم نعرف أن لدى السيسي ونظامه تلك الحساسية المفرطة فيما يتعلق بالرموز الدينية والمقدسات الإسلامية، ويمكنك الرجوع إلى محاولة السيسي ترويج نفسه، غربيا، في سوق الحرب على الإرهاب، من خلال ربطه التعسفي بين الفكر الإسلامي والإرهاب، والتحريض على مليار وستمائة مليون مسلم، وصفهم السيسي بأنهم يحملون أفكاراً تشكل خطراً على الدنيا كلها، بل إن منبع حفاوة الأحزاب النازية واليمين المتطرف على مستوى العالم كله، بالسيسي أنه ذلك الذي يحارب الفكر الإسلامي "المتطرف".
تشير خيوط القصة إلى أن السيسي، مستشعراً الخطر على مشروعه، قرّر أن يذبح مجموعة من الكباش التي يرى فيها رجاله خطراً عليه، فداء لسلطة تتقاذفها أمواج عاتية، ولأنهم يجيدون لعبة "الشعبوية"، فليس أفضل من موضوعي "الدين" و"الوطنية" مجالاً خصباً لنثر بذور "الشعبية الجديدة"، ليظهر السيسي بعدها في هيئة "الرئيس المؤمن"، أو "كبير العائلة المصرية"، كما فعل أنور السادات في السبعينيات من القرن الماضي.
عاد السيسي من زيارته الحلم إلى السعودية، وجلس بجوار ملكها، وابتهج حد الانتشاء بالصور التذكارية، ونجح في تمرير مرشحه لأمانة جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، وعاد ليجد سقطة أحمد الزند فرصة ذهبية لنزع مخلب كبير، بل كبير مخالب دولة حسني مبارك، من ناحية، وتقديم بادرة حسن سير وسلوك لمن يحكمون أرض الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين من كل بقاع الأرض.
قبل ساعاتٍ من واقعة الزند، كان الذين يلبسون السيسي أزياء أنور السادات يستدعون من الأرشيف قصة الأخير ومراكز القوى بعد رحيل عبد الناصر، ويصرخون أن القطط السمان حول السيسي هي منبع الخطر عليه، وتكاد تفتك به، وتقضي على مستقبله السياسي، فيما كان الذين يريدونه في ثوب عبد الناصر ومحمد علي يهتفون: لا نجاة للسيسي إلا بمذبحة قلعة، على غرار ما فعله محمد علي بالمماليك، أو التخلص من "المشير"، كما فعل عبد الناصر مع عبد الحكيم عامر في أجواء النكسة.. نعم، بلغ أحمد الزند من التضخّم ما جعله يسلك، وكأنه "مشير السيسي"، أو الرجل الثاني في النظام، فكان لا بد من قطع رقبته، في هذا الطقس المملوكي النموذجي.
طار الزند، كما طار عكاشة، كلاهما يعرف عن السيسي ونظامه أكثر مما يجب، وكلاهما طامح وحالم بأكثر مما يحتمل السيسي، وكلاهما تضخّم وانتفخ إلى درجة الخطر على ما تبقى من شعبيةٍ أخذت في التآكل. وعلى ذلك، كان محتماً أن تتخلص حافلة النظام من الأوزان الثقيلة، لتدرأ خطراً، وتجتذب هتافاً شعبياً للزعيم الذي يطرد الأرواح الشريرة التي تصادق إسرائيل، وتتطاول على رسول الإسلام، عليه الصلاة والسلام.هنا، تدهشك رموز يناير الثورية، تسلقت أكتاف أحمد الزند، وحجّت، فرادى وجماعات، إلى نادي القضاة، حين كان يرأسه، نكاية ومكايدة وسعياً إلى إسقاط محمد مرسي، الرئيس القادم من الثورة، وتعتبر أن دلالة خلع أحمد الزند هي أن "الثورة مستمرة". حسناً، فلتهتف الجموع للزعيم/ السيسي الذي جعل "الثورة مستمرة" و"الإسلام بخير".لن يكون غريباً لو بدأت وسائل إعلام الزعيم، المنتصر للإسلام وللثورة، في تعديل اسمه إلى "محمد عبد الفتاح السيسي"، كما كان محمد "أنور السادات" ومحمد "حسني مبارك".
نشرت فى 15 مارس 2016
بواسطة tarek2011
قصاقيص الصحافة البيضاء
متابعة مقالات تترجم وتلخص أحداث مصر والعالم وكذلك مواضيع أخرى متنوعة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
33,467
ساحة النقاش