هنالك العديد من المفاهيم لهذا الفرع من فروع التربية وبينها اختلافات عديدة ، وهذا يرجع إلى المدارس المختلفة التي ينتمي إليها من عرّف هذا الفرع، فمن تلك التعريفات:
1- تعريف جوليان ( أبو التربية المقارنة ) " إن التربية المقارنة هي الدراسة التحليلية للتربية في البلاد المختلفة بهدف الوصول إلى تطوير النظم القومية للتعليم وتعديلها بما يتمشى مع الظروف المحلية" .
شرح التعريف:
• أن التربية المقارنة دراسة تحليلية تكون عن بلاد مختلفة سياسياً واقتصادياً.
• بهدف الوصول إلى تطوير النظم التعليمية بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى.
• وتعديلها بما يتمشى مع الظروف المحلية المبنية على القيم والعادات والتصورات.
يقول منير مرسي: "إن تعريف جوليان يلقى قبولاً مع مرور زمن على وفاته".
2- تعريف (كانديل) ( من أعلام التربية المقارنة في الفترة الراهنة ).
ويرى (كانديل) أن التربية المقارنة هي: "مقارنة للفلسفات التربوية المختلفة ودراستها ودراسة تطبيقاتها السائدة في الدول المختلفة" .
كما يرى (كانديل) أن الهدف من التربية المقارنة هو الكشف عن أوجه الاختلاف في القوى والأسباب التي يترتب عليها فروق في النظم التعليمية وذلك لغرض التوصل إلى المبادئ الكامنة التي تحكم تطور جميع النظم القومية للتعليم .
3- تعريف (مالنسون): هي "الدراسة المنظمة للثقافات من أجل اكتشاف أوجه الشبه والاختلاف" .
ويرى (مالنسون) أن من أهم واجبات دارسي التربية المقارنة التعرف على مشكلات التربية في الدول الأخرى ، وبهذا فقد يستطيع الباحث أن يدرس ويفهم نظام بلده وأن يخطط للمستقبل وتطويره بذكاء ، ومما أكد عليه (مالنسن) في دراسة التربية المقارنة لدى الآخرين تأكيده على دراسة الإطار الثقافي ، وهذا يعني أن (مالنسن) يرى أن النظم التعليمية تتأثر إلى حد كبير بثقافتها .
4-تعريف (لاورز) : وهو يرى أن لا يكتفي دارس التربية المقارنة بوصف النظم التعليمية ، وإنما عليه أن يحلل هذه النظم ويفسرها وأن يستهدف فهم وجود نظم تعليمية في بلد ما بالصورة التي هي عليها .
كما أن الغرض من دراسة التربية المقارنة عنده يتمثل في توفير المتعة العقلية الناتجة عن التأمل للنظم التعليمية والكشف عن العوامل التي تؤثر فيها .
الفوائد المستنبطة من مفهوم التربية المقارنة
1- أن للتربية المقارنة موضوعاً مستقلاً بذاته فهي تهتم بالتربية في جميع أنحاء العالم، أي أنها تعنى بدراسة النظم التربوية من منظور عالمي .
2- أنها تعنى بالدراسة التحليلية الثقافية أو النظم الثقافية بهدف التوصل إلى فهم معقول لجوانب التشابه والاختلاف بين الأنظمة التعليمية ومشكلاتها المختلفة .
3- أن للتربية المقارنة مناهج خاصة بها ، شأنها في ذلك شأن القانون المقارن والأدب المقارن والتشريع المقارن وهي في سبيل ذلك تسعى للتوصل إلى الطريقة السليمة كأساس للمقارنة .
4- أنها تتضمن قيمة نفعية إصلاحية لتطوير نظم التعليم القومية ( البلد ) .
5- أن التربية المقارنة تساعد في رسم السياسات التعليمية أو اتخاذ قرار أفضل أو تأييد وجهة نظر معينة .
6- أن التربية المقارنة تحقق للباحثين الفائدة العملية والمتعة العقلية .
7- أن النظم التعليمية تتأثر بالإطار الثقافي للمجتمعات التي توجد بها تلك النظم تأثيراً كبيراً .
نشأة وتطور التربية المقارنة
النشأة:
1- فترة ما قبل التاريخ العلمي للتربية المقارنة : يرجع الاهتمام بوصف النظم التعليمية أو التعرف عليها إلى زمن بعيد يصعب تتبع بدايته على وجه التحديد .
2- أول من اهتم بدراسة هذه الفترة المؤرخ الألماني (شنايدر) ثم تلاه (بريكمان) من علماء التربية المقارنة .
3- درج دارسوا التربية المقارنة على التأريخ لها بروادها الأوائل من الأمريكيين والأوربيين متجاهلين العلماء العرب والمسلمين الذين يستحقون أن يكونوا من رواد التربية المقارنة كابن بطوطة وابن خلدون وابن جبير وابن خلدون وغيرهم .
التطور:
1) تعتبر التربية المقارنة كميدان من ميادين التربية حديثة النشأة نسبياً، وقبل الحرب العالمية الثانية كانت ما تزال في طفولتها على الرغم من وجود رواد مهمين أمثال: (ماثيو أرنولد) في القرن التاسع عشر والذي عرف بتقاريره عن التربية في أوربا و(كانديل) في القرن العشرين الذي عرف بكتاباته عن النظم التعليمية في البلاد المختلفة.
2) ومنذ عام 1945م بدأت اليونسكو تسهم بنشاط كبير في الدراسات المقارنة وذلك من خلال مطبوعاتها التي تنشرها عن التربية ومشكلاتها في البلاد المختلفة.
3) بعض الكتب التي صدرت عن التربية المقارنة:
1. ما كتبه (هانز) و (هنسن) عام 1930م عن السياسة التعليمية في روسيا.
2. ما كتبه (كاندل) عام 1933م بعنوان دراسات في التربية المقارنة.
3. في سنة 1939م نشر (ماير) كتابه عن تطور التعليم في القرن العشرين.
4. في سنة 1949م نشر (هانز) كتابه عن التربية المقارنة.
5. في سنة 1950م نشر كل من (موهلمان) و (روسك) كتاب التربية المقارنة.
6. في سنة 1956م نشر (كرامر) و (براون) كتابهما بعنوان دراسة مقارنة للنظم التربوية.
7. في سنة 1960م نشر (كير) كتابه المدارس الأوربية.
4) ظهرت بعد ذلك دراسات أكثر جدية مثل:
1. كتاب (بيردي) عن الطريقة المقارنة في التربية.
2. كتاب (هولز) بعنوان مشكلات التربية دراسة مقارنة.
3. كتاب (غراند) عن المجتمع والمدارس والتقدم في أوربا.
5) المراكز والجهات التي قامت بدور كبير في تطور التربية المقارنة:
1. المركز الدولي للتربية في جنيف.
2. معهد التربية في جامعة لندن.
3. المعهد الدولي لكلية المعلمين بجامعة كولمبيا.
4. ما قامت به منظمة اليونسكو من جهود وأنشطة تربوية مقارنة.
5. ما قامت به المنظمات الإقليمية في مختلف الدول مثل منظمة التعاون الاقتصادي لدول أوربا.
6. من التطورات الهامة والحديثة في التربية المقارنة ظهور البنك الدولي للتنمية في مجال البحوث والدراسات المقارنة.
7. جهود المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في مجال التربية المقارنة.
6) من التطورات الهامة في تاريخ التربية المقارنة ظهور موسوعات التربية الدولية والمقارنة والتي تعتبر مرجعاً رئيساً لكل باحث في الميدان ومن أهمها:
1. موسوعة التربية الدولية العالمية للتربية المقارنة.
2. موسوعة التربية المقارنة ونظم التعليم القومية.
3. الموسوعة الدولية للتعليم العالي المقارن.
7) من التطورات الحديثة في مجال التربية المقارنة ظهور العديد من مجلات التربية المقارنة منها:
1. مجلة التربية المقارنة التي تصدر عن الجمعية الأمريكية للتربية المقارنة والدولية.
2. مجلة التربية الكندية والتربية العالمية.
3. مجلة التربية المقارنة التي تصدر من بريطانيا.
4. مجلة التربية المقارنة التي تصدر عن اليونسكو.
5. المجلة البريطانية للدراسات التربوية.
أهداف التربية المقارنة
1) الهدف العلمي الأكاديمي: فللتربية المقارنة قيمتها من حيث أن العلم قيمة في ذاته حيث العمل العقلي المحبب إلى نفس كل باحث وطالب علم، وإن المتعة العقلية من مداومة التأمل والتفكير والبحث والاطلاع عملية يحس بها كل عالم.
2) الهدف الحضاري: حيث تتيح التربية المقارنة التعرف على ثقافات الشعوب الأخرى، وحضاراتها في أبعادها المختلفة، فعن طريق التربية المقارنة يمكن التعرف على كثير من عادات الشعوب وطبائعها ونظمها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومن ثم تساعد التربية المقارنة على تقارب الشعوب وتفاهمها، كما تساعد في التخفيف من غلواء دارسيها وتقديرهم المبالغ لنظمهم التعليمية بما يؤدي إلى استثارة الحماس فيهم من أجل تحسين نظمهم التعليمية وتطويرها كما تساعد على تنمية الاتجاه الموضوعي في دراسة المشكلات التعليمية المشتركة بين الدول بما يحقق الفائدة للجميع.
3) الهدف السياسي: ويتمثل في الكشف عن علاقة الفرد بالدولة وتركيب الدولة السياسي وما يرتبط بذلك من النظريات والأهداف السياسية للدولة ونواياها تجاه الدول الأخرى ومن أمثلة الأهداف السياسية:
1. إدخال هتلر لنظام التدريب العسكري الإجبار على طلاب المدارس وما كشف عنه من نوايا عدوانية ضد الدول الأوربية الأخرى.
2. ما حدث في أمريكا بعد إطلاق أول سفينة فضاء روسية من ردود أفعال عنيفة ضد نظام التعليم في أمريكا والتوجه في نفس الوقت إلى دراسة النظام التعليمي الروسي.
3. سياسة إسرائيل في الجزء المحتل بعد (67) وتطبيق نظام المدارس الإسرائيلية على المدارس العربية لتوضيح النوايا الإسرائيلية في احتلال القدس كاملة.
4) الهدف النفعي الإصلاحي: وذلك من أجل:
1. الاستفادة من خبرات الآخرين في رسم سياسة تعليمية رشيدة.
2. فهم مشكلات التربية في بلاد دارسي التربية المقارنة والتعمق في تحليل جوانبها وأبعادها وتزويدهم بالحلول التي اتبعتها الدول الأخرى في علاج المشكلات المماثلة.
3. التزام الحذر والحرص عند استعارة حلول المشكلات التعليمية فلا يأخذ بها إلا بعد تكييفها وملائمتها للظروف المحلية، ويضرب مثال على بالتجربة الهولندية في اندونيسيا بإسقاط نظام التعليمي الهولندي على اندونيسيا ففشل فشلاً ذريعاً للاختلاف في القيم والعادات بين الدولتين.
ميادين التربية المقارنة
1- دراسة الحالة: ويقصد بها دراسة شاملة لنظام تعليمي واحد في بلد واحد بحيث يتوفر لهذه الدراسة الأساس التحليلي الذي يشرح ويفسر النظام التعليمي في إطاره الثقافي.
2- الدراسة المجالية أو المنطقية: ويقصد بهذا المجال الدراسة الشاملة لمجال معين من النظم التعليمية في منطقة ما يربط بينها قواسم مشتركة كالتعليم في البلاد العربية أو في أوربا أو في أمريكا.
3- الدراسة المقطعية أو دراسة المشكلات: ويقصد بها مشكلة معينة في أكثر من بلد واحد كدراسة التعليم الابتدائي أو الثانوي في بلدين أو دراسة نظم الامتحانات والنقل والبرامج والمناهج لمرحلة معينة، أو تعليم اللغات الأجنبية أو تعليم الفتيات أو مشكلات التسرب.
4- الدراسة العالمية: ويقصد بها الدراسة التي يقوم بها عادة هيئات أو منظمات على مستوى عالمي ولا مقدور لفرد واحد على القيام بها ومن أمثلة هذه الدراسات ما قامت به منظمة اليونسكو سنة (1970م) من دراسة عالمية عن خفض الفاقد في التعليم، وما قام به المكتب الدولي للتربية سنة (1967م) من دراسة عن النقص في معلمي التعليم الثانوي.
مصادر التربية المقارنة
1- المصادر الأساسية: وتتمثل في الدراسات والأبحاث والمؤلفات والجهود التي تتم على أيدي الدارسين والباحثين والمختصين في التربية المقارنة، ويدخل في هذا المصدر المنظمات والمؤسسات ذات الاهتمام بالنظم التعليمية، كما يدخل فيها الموسوعات والمجلات المتخصصة في التربية المقارنة.
2- المصادر الأولية: وهي المصادر التي لا تمثل معالجة علمية شاملة منظمة وكاملة للموضوعات المدروسة ومن أمثلتها: تقارير اللجان العلمية،والتقارير الرسمية التي تصدرها الوزارات والمصالح الحكومية، ومحاضر جلسات اللجان أو المؤتمرات والندوات والمجالس المتخصصة والعامة والتشريعية والقوانين والنشرات والصحف والمجلات وما شابهها من المواد التي تعتبر مادة مباشرة من الميدان.
3- المصادر الثانوية: وتشمل الكتب والمطبوعات والملخصات التي تعتبر من الدرجة الثانية،وهذه المواد ينبغي أن يحترس منها الباحث في التربية المقارنة لما قد يتعرض له من مزالق في النقل عنها، ولذا ينبغي أن يوازن الباحث بين ما يكتبه دارسوا النظام التعليمي من الخارج وما يكتبه عنه أهله حتى يحقق نوعاً من التوازن في الأحكام والتعميمات.
4- المصادر المعينة: وهي تتمثل في الكتب والمقالات والمطبوعات التي لا تتعلق بالتربية مباشرة ولكنها تتصل بها في جانب أو أكثر من جوانبها، ومثال ذلك: الكتب التي تتناول الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية والتي يكون لها أهميتها في الدراسات المقارنة لأنها تلقي الضوء على الأبعاد المختلفة للجوانب التعليمية ويعطي لها معنى مفهوماً.
ساحة النقاش