تواجه البشرية في هذه الأيام محنة عسيرة ، عليها أن تجد سبيلا للخلاص منها . وهذه المشكلة التي تهدد الجنس البشري ، تهدد حياة الكائنات الحية والنباتات ، إنها مشكلة تلوث البيئة .. والتي برزت على مسرح الأحداث ، وظرهت نتيجة للتقدم التكنولوجي والصناعي والحضاري للإنسان .
وتتفاقم المشكلة مع محاولات الإنسان المستمرة ، وجهده الدءوب في البحث عن وسائل جديدة للراحة والرفاهية والمدنية ، وهو من أجل ذلك يلجأ إلى الاتساع في التصنيع ، ويتجه إلى مكننة الزراعة ، واستخدام الأسمدة والمبيدات الكيميائية ، وهذا بدوره يؤدي إلى مزيد من المخلفات والمواد غير المرغوب فيها ، والتي يتم التخلص منها إما بدفنها في الأرض ، أو إغراقها في البحر ، أو بنفثها في الجو .
لقد أصبحت مشكلة التلوث الشغل الشاغل لمعظم البلدان ، وعقدت الكثير من المؤتمرات لهذا الغرض التي تهدف إلى توعية الإنسان في كل مكان بأبعاد هذه المشكلة ، ووضع القيود والقوانين التي تهدف إلى المحافظة على البيئة .
يقول تبارك وتعالى : ' ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ' .
هذه الآية تشير بجلاء إلى التلوث الذي يفسد البر والبحر نتيجة لعمل الإنسان من تدخل في الكون ، وتشير أيضا إلى الضرر البالغ الذي يحل به من جراء عمله ، ذاك الضرر الذي يذوقه الإنسان رغما عنه ، والذي دفعه إلى ذلك هو جهله بنواميس الكون . إنه بتدخله غير المدروس في تغيير نظام البيئة ، يدفع نفسه إلى التهلكة ، والقرآن الكريم ينهى عن ذلك .
هذا وقد حفل القرآن الكريم بآيات كثيرة تتحدث عن الفساد الذي يحدثه الإنسان في الأرض ، من معصية وكفر ، أو من جور وظلم ، وانتهاك الإنسان لحقوق أخيه ، أو التلوث الذي يحدثه الإنسان بالأرض .
يقول جل وعلا : ' كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين '
ويقول تعالى : ' الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ' .
ولقد اختلف المفسرون في تفسير معنى الفساد ، في الآية : ' ظهر الفساد في البر والبحر .. ' الآية . فلقد قال القرطبي :
يقول قتادة : الفساد هو الشرك وهو أعظم الفساد . ويقول ابن عباس وعكرمة ومجاهد : فساد البر قتل ابن آدم أخاه ، وقيل : هو القحط وقلة النبات وذهاب البركة . وقيل : في معناه قولان : أحدهما ظهر الجدب في البر أي في البوادي ، وفي البحر أي في مدن البحر .
ويتضح مما سبق أن القرطبي قد ضمن تفسيره آراء القدماء ، وهي تدور حول تفسير الفساد بارتكاب المعاصي أو الجور والظلم ، أو قلة الغيث. إلا أن عظمة القرآن وإعجازه تتبين من أنه قد نزل ليخاطب كل العقول ، في كل زمان ومكان . إن الإعجاز في الآية يتضح في عرضها جوانب المشكلة بالتفصيل وآثارها على الإنسان في البر والبحر ، وكيف يتحمل الإنسان نتيجة ذلك الفساد الذي يصنع بيديه ، فيدل على أن هذا القرآن قد جاء من لدن حكيم عليم .. سبحانك اللهم .
وعموما : كل ما يفسد البر والبحر يسمى ملوثا ، ووجود أي مادة في غير مكانها الذي خلقه الله تعالى لها ، وفي غير زمانها المفروض أن تتواجد فيه ، كل ذلك يدفع إلى التلوث . وعلى الإنسان أن يحاول وضع الحلول المناسبة لمواجهة تلك المشكلة ، وحتى لا تتحقق المأساة المخيفة التي يقودنا إليها التلوث ..
ساحة النقاش