«طوابع البريد» .. قطع ورقية صغيرة مُشرشرة، كانت تلصق على جوانب أظرف الخطابات، لكنها ظلت لأكثر من قرن ونصف القرن أجمل السفراء بين شعوب العالم، تنقل رموزها الحضارية، والسياسية، والشعبية،
في صور ذات دلالات موحية. ورغم توقفها تقريبا الآن بعد تراجع دور البريد التقليدي، الذى بات عُرضة للاختفاء تماما، إلا أنها ستظل حافظة لجوانب مهمة من تاريخ البلدان والشعوب.
ـ وسينسب الفضل في هذا لهواة جمع طوابع البريد، الذين دفعتهم الهواية إلى اقتناء الإصدارات المختلفة من الطوابع.
ـ والموتيفات الشعبية التى أصدرتها هيئة البريد المصرية عبر تاريخنا الحديث فى مناسبات متفرقة، كانت حدثا فنيا جميلا فى ذاتها، فطوابع البريد من الأشياء التى أُحسن استخدامها فى تجسيد تواريخ الأمم وأحداثها السياسية، والاحتفالات والمؤتمرات، والعلماء والشخصيات العامة، والفنانين والكُتَّاب، والآثار، وطبيعة البلاد، ومحاصيلها، والزهور، والطيور، ودور العبادة، والمتاحف، والقلاع والحصون ، وفنونها الشعبية من الرقصات، والأشغال اليدوية، وغير ذلك.
ــ وكانت أول مجموعة للآثار المصرية عام 1925 من ثلاثة طوابع، عليها إله فرعوني بمناسبة معرض الجغرافيا، وكانت آثار مصر وقتها محط أنظار العالم لتوالى الاكتشافات الأثرية المهمة، وكانت الطوابع المصرية محبَّبة للأجانب ويقبلون على اقتنائها بشغف.
ــ وفى 1926 وبمناسبة افتتاح مدينة بورفؤاد، صدرت مجموعة طوابع خاصة بها، وفى العام نفسه صدر طابع تذكارى لفيضان النيل، وهو من الطوابع النادرة لتصميمه الفنى وجمال الحروف المكتوبة عليه، ومن أشهر الطوابع المصرية الشعبية صدر 1951 وعليه صورة «فلاحة تجمع القطن» بمناسبة مؤتمر القطن الذى عقد ذلك العام، ومجموعتا « الفلاح الكبير» عام 1953، و« الفلاح الصغير» وهى مثل المجموعة السابقة، ومجموعة الجندى فى العام نفسه، وفى 1956 طابع تذكارى عن الدفاع عن بور سعيد الباسلة، والفلاحة المصرية 1957، ومشكاة من القرن الرابع عشر على طابع عام 1958تمت محاكاته فيما بعد فى الصناعات الشعبية.
ــواحتفالا بعيد ثورة يوليو فى 1958 أصدرت هيئة البريد طابعا عليه « الراقصات حاملات السلال»، وفى 1967 أصدرت بطاقة بريدية احتفالاً بالثورة أيضا عن الصناعات الشعبية التقليدية.
ـ ــوفى 1970 أصدرت طابعا عليه لوحة «بنات بحري» للرسام «محمود سعيد» بمناسبة يوم البريد. وفى العام نفسه أصدرت طابعا للتعبير عن مأساة» أطفال مدرسة بحر البقر» التى قصفتها إسرائيل، وفى العام نفسه أيضا صدر طابع عليه صورة «رقصة التحطيب من على ظهر الخيل».
ــ وفى العيد الخمسيني لإنشاء «الجمعية المصرية لهواة طوابع البريد» أصدرت الهيئة طابعا تحية للجمعية والهواة، وفى 1979 أصدرت طابعا عليه «عازفو الموسيقى الشعبية»، و1980 طابعا مماثلا عليه « النقرزان» و«بائع العرقسوس»، و1985 طابع «عروسة المولد»، وفى 1988 «جندى وخلفه العلم المصري» احتفالاً بمرور 15 عاما على نصر أكتوبر، وفى 1988 طابعا تذكارى بيوم وفاء النيل، وفى 2003 طابعا بمناسبة الاحتفال بمهرجان النيل لأغنيات الأطفال
ـــ وكان لثورة يوليو تأثير كبير فى اختيار موضوعات طوابع البريد حيث صدرت طوابع تذكارية فى مناسبات مثل عيد العمال وعيد الفلاح، وعن السد العالي، وما إلى ذلك، لقدرة طابع البريد على تسجيل وإحياء التراث، وحفظه كقيمة معنوية، وتذكير الناس بالرموز الوطنية.
ــ وامتاز طابع البريد دائما باجتذابه الأنظار بهدوء ودون مزاحمة، كونه يحمل قيمة فنية تشكيلية، وهو ما شجع الدول على استخدام الصور والرموز الشعبية بحثا عن التميز والإبهار التاريخى والثقافى بطوابعها. وكانت مصر سبَّاقة منذ أوائل النصف الثانى من القرن 19 فى إنشاء هيئة عامة للبريد، وأسعفها الزخم التراثى والشعبى برموز تاريخية وفولكلورية وسياسية وضعتها على طوابعها، كوَّنت منها مجموعات طوابع نادرة تزينها صور الآثار المصرية القديمة أو لوحات فنية فريدة، أو موتيفات شعبية رائعة، مما دفع هواة جمع الطوابع للتسابق فى اقتناء واستكمال تلك المجموعات، على أساس التتابع التاريخى لصدور هذه الطوابع .
وأى طابع بريد صدر فى أى مكان من العالم أو أى وقت هو فى النهاية لوحة فنية رسمها فنان تشكيلي، وتتنوع طوابع البريد خاصة الطوابع ذات الصلة بالفنون الشعبية بما تعكسه من عادات وتقاليد مرتبطة بالحياة اليومية للإنسان المصرى