حقا هى هواية الملوك وهى أحد أكثر الهوايات إنتشارا فى العالم أجمع. هواية تحمل طابع تثقيفى حيث يهتم صاحبها بالتطورات التاريخية للبلدان التى يجمع طوابعها. وهى هواية يعتبرها أصحابها من أنبل الهوايات الإنسانية على الإطلاق. ورغم قلة الهواة المهتمون بها إن قورنت بغيرها من الهوايات الأخرى الشهيرة غير أن ذلك يعوضه جنون أولئك الهواة القليلون بها. نعم هم قلة لكن شغفهم بها ربما يتفوق على شغف ملايين من عشاق لعبة رياضية لرياضتهم المحببة.
وخذ عندك هذا المثال عسى أن يوضح لك مدى تعلق هواة جامعى الطوابع بطوابعهم. ففى أحد اللقاءات معها سئلت المغنية الشهيرة " صوفى إليس بيكستور " عن أول الأشياء الثمينة التى ستصطحبها معها بأسرع ما يمكن إن توجب عليها ضرورة الهرب من منزلها فى أى حالة من حالات الطوارئ . فأجابت بعفوية شديدة وبلا أدنى قدر من التردد شأنها فى ذلك شأن أى شخصية عامة شهيرة نسائية. أول ما سآخذه معى هو صورى الفوتوغرافية .. ثم أكملت .. ثم مجموعة طوابعى !! .. فهل علمت الأن عزيزى القارئ ماذا تمثل الطوابع لصاحبها فى معظم الأحوال؟؟.
جامعى الطوابع فى البلدان العربية
ورغم قلة عدد هواة جامعى الطوابع فى البلدان العربية عموما إلا أن هذا العدد آخذ فى التزايد خاصة فى البلدان الغربية. فقد لوحظ إقبالا ملحوظا على شراء الطوابع خاصة من بين فئات الشباب والتى كانت بعيدة كل البعد عن تلك الهواية ولا يفكرون فيها مطلقا. وهى الهواية التى تم هجرها تقريبا بالفعل فى فترة زمنية ليست بالبعيدة كونها هواية قديمة لم تعد مناسبة لعصر السرعة وثورة الإتصالات والإنترنت. ذلك العصر الذى تقريبا جعل المراسلات المكتوبة مجرد ذكرى وماضى غير موجود على أرض الواقع الأن وهو بالطبع ما إنطبق بالتبعية على طوابع البريد كنتيجة منطقية متوقعة.
ولهواية جمع طوابع البريد إهتمام عالمى كبير منذ قديم الأزل. فتقام لها المعارض الدولية الكبرى التى تجمع عشاق الطوابع وتجارها أيضا من كافة أنحاء العالم. وقد شهدت بروكس عام 1852 ميلادية أول معرض للطوابع فى التاريخ. ثم توالت المعارض بعدها وتم إنشاء جمعيات هواة الطوابع المنتشرة فى بريطانيا أولا ثم فرنسا وألمانيا وبلجيكا.
ويقام بلندن أحد أكبر معارض الطوابع فى العالم وذلك كل 10 سنوات. وقد أقيم مؤخرا عام 2010 بإشراف دائرة المتاحف والأرشيف البريدى البريطانى والذى قال أحد رواده أن الإستثمار فى الطوابع التى لا تقل قيمتها بل بالعكس فإنها تزيد لهو إستثمار آمن أكثر من أى إستثمار ولا يتأثر بتقلبات وركود الأقتصاد العالمى المتقلب. وبالرغم من كونه السبب نفسه الذى أدى لعزوف كثيرين عن هواية جمع الطوابع إلا أن الحصار التكنولوجى للإنسان هوما دفعه دفعا للوراء من جديد. فهرب من تلك الشاشات المحيطة به من كل جانب سواء حاسب آلى أوتليفزيون إلى ذلك الشئ الكلاسيكى القديم ذوالعمق التاريخى الجميل ألا وهوهواية جمع الطوابع من جديد.
فعدد جامعى الطوابع الان فى العالم أجمع تجاوز ال 50 مليون فرد منهم 18 مليون فى الصين وحدها. منهم بالطبع من يتجه للإستثمار والمتاجرة فيها وذلك كى تقوم بفعله عليك دائما بحضور المزادات والمهرجانات العالمية الخاصة بالطوابع مستعبنا بأحد مستشارى الطوابع المتخصصين وأيضا أحد الوسطاء المعروفين أوالسماسرة أيضا. فالمجال ليس سهلا كما تتصور عزيزى القارئ .. ويجب عليك أن تحذر أيضا من التزويير.
من أول طابع لإحتراف واستثمار
ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا كانت صاحبة أول طابع بريد فى التاريخ وذلك عام 1840 ميلادية وهوالطابع الذى حمل صورة جانبية للملكة فيكتوريا وسمى "بينى بلاك". وبدا الناس وقتها التسابق لإمتلاكه مشكلين أول صورة من صور هواية جمع طوابع البريد. ولم تتوقف طباعة الطوابع على الورق فقط بل تم طبعها على رقائق الألومونيوم عام 1955 فى هنجاريا بمناسبة مرور 20 عاما على إدخال صناعة الألومنيوم إليها. وفعلت قطر ما يعد سبقا تاريخيا عام 1966 بطبعها طوابع على رقائق الذهب والفضة. وكذلك تخليدا لبعض المناسبات الوطنية طبعت طوابع بريد على الحرير فى دول مثل بوتان وجرينادا.
وكالعادة وكما يحدث فى معظم إن لم يكن كل الهوايات تحول الأمر لإحتراف ما بين مؤيد لذلك التحول تماما وما بين رافض كلاسيكى من هواة جمع الطوابع القدماء خاصة الذين يرفضون إستبدال و"إفساد" تلك الهواية العتيقة التاريخية بالأمور المادية والتجارية. وهو ما يعتبرونه تدميرا لرومانسيتهم وعالمهم الحالم الرومانسى المميز لتلك الهواية الهادئة عندهم.
فالأن يسهل عليك أن تجد تجار طوابع ومستثمرين كبار فى ذلك المجال وهم من يقولون أنهم يحققون أرباحا تصل إلى 45% من رأس المال المتاجر به سنويا مجهزين لذلك دفاتر شيكاتهم مؤمنين على طوابعهم الثمينة التى يصطحبون على الأقل 4 أو 5 منها فى محفظتهم حتى فى كل رحلاتهم الخارجية وحضورهم للمؤتمرات مطمئنين على إستثماراتهم التى يرونها غير ذات أدنى صلة بأى وضع للإقتصاد العالمى وما يعيشه من ركود أوإزدهار فهوإستثمار من نوع وبين فئة "خاصة جدا".
وإنتشرت مزادات الطوابع فى العالم أجمع جاذبة لها كلا الطرفين الهاوى الكلاسيكى والمتاجر المستثمر لماله. وهناك فئة قليلة تجمع ما بين الجانبين فى مزيج مدهش فهوهاوى حقيقى ومتاجر لا يشق له غبار فى نفس الوقت. وهناك من بدأ متاجرا وهوى الأمر ومن بدأ هاويا وتحل لمستثمر أيضا. والكثيرين من الهواة أكدوا أن كثرة الشغف بالظوابع تحول الأمر إلى تجارة مع مرور الوقت.
وللتجار آراء كثيرة بخصوص هذا الشأن ولكنهم إتفقوا جميعا على أنه كلما توفر الطابع كلما قل ثمنه والعكس .. كلما ندر وجوده كلما إرتفع ثمنه وزاد وصار محل رغبة كافة التجار وأيضا الهواة. والمثير فى الأمر أن معظم هواة وتجار الطوابع توارثوا تقريبا حب تلك الهواية عن آبائهم أوأجدادهم سواء كانوا عرب أوغربيين كلهم تقريبا تجمعهم نفس الصفة من وراثة تلك الهواية.
نذكر منهم كمثل جمال مدبولى أحد أشهر 3 تجار طوابع بمصر والذى ورث المهنة عن والده. ذلك الوالد الذى دخل المجال بمحض الصدفة. فقد شاهد طابورا طويلا يقف فإصطف ورائهم من باب الفضول. فإذ بهم يشترون " طابع الزفاف " الشهير الذى كان ثمنه جنيه مصرى واحد وهو ثمن كبير بتلك الفترة غير أنه عندما باعه أبيه بعدها بفترة بجنيه وربع أعجبه الأمر وتحول لتاجر محترف يقيم أى طابع من أى دولة بمجرد النظر رغم جهله بالقراءة والكتابة. والإبن الأن يضرب مثلا بمكاسب الطوابع بمجموعة بورفؤاد التى كانت ب 5 مليم والأن ثمنها 12 أف جنيه مصرى !!.
الدكتور إبراهيم شكرى - طبيب عيون مصر محترف طوابع حزين على الهوة ما بين هواة الطوابع فى فرنسا وعددهم وما بين مصر مؤكدا أن الفارق رهيب غهناك أكثر من 55 ألف وعندنا 500 فقط !! قال أن أبيه أصيب بوعكة صحية عام 1937 فطلب منه الأطباء الراحة وإشغال نفسه بجمع الطوابع ليخفف من الضغوط النفسية على نفسه. فتعلق بالهواية وأورثها لإبنه. ويؤكد الدكتور إبراهيم إمكانية تحقيق ثروة من الطوابع. فصديقه إبراهيم بك شفتر أحد أقدم هواة جمع الطوابع فى مصر باع مجموعته وإشترى بها فيللا بسموحة أرقى مناطق إسكندرية بثمن تجاوز عدة ملايين من الجنيهات.
بقى أن نذكر أن من أشهر جامعى الطوابع فى العالم أجمع شخصيات تاريخية مثل جون لينون وسيمون ويزنتال وفرانكلين روزفلت ومعاصرين بارزين كالرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى بالإضافة إلى من ورثت الهواية عن أجدادها الملوك ملكة بريطانيا العظمى الملكة إليزابيث الثانية.