http://kenanaonline.com/souha111

حينما تقبل على تنفيذ أمر الله لثقتك بعلمه، وحكمته، ورحمته يكشف لك الحكمة منه فتعود بثمرتين: ثواب الع

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم وترحيب :

الأستاذ علاء : 
 أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
 كنا قد تعرضنا في حلقات سابقة إلى مقوم من مقومات التكليف ، وهو الاختيار ، وبحثنا مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق جوانب هذا الاختيار .
 أهلاً وسهلاً سيدي الكريم .
 بكم أستاذ علاء ، جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء : 
 في الاختيار كما مر معنا ، وهو مقوم من مقومات التكليف ، ويأتي بعد الكون والعقل والفطرة والشهوة ، تبين أن التكريم جاء لتثمين العمل ، وأن الاختيار هو تكريم ، وفي التكريم في معنى الاختيار ، تثمين للعمل ، وأن الله عز وجل لو شاء لجعلنا نقوم بعبادته وبطاعته قصراً ، ومنع عنا الاختيار في طريق المعصية ، وجاءنا إلى جادة الصواب قصراً ، ولكن كما قلت في حلقات سابقة : لا يثمن العمل بالقصر .
الدكتور راتب : 
 نعم . وََلَو شََاءَ ربُّك لهَدَى النَّاس جمِيعاً
الأستاذ علاء : 
 إذاً : الاختيار معنا مفتوح ، ورائع ، ومعنى يعطي للإنسان قيمته ، ولقد كرمنا بني آدم ، ويعطي حقيقة هذا التكريم في أنه حر الاختيار فيما كلفه به ، ولذلك جاء هذا الاختيار ليثمن العمل .
 وقفنا سيدي الكريم في مسألة مفهوم المغفرة والعذاب ، ووقفنا عند الآية الكريمة الجامعة :

 

﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

( سورة البقرة )

 وقفنا عند هذه المعاني ، بدأنا بتلمس بعض المعاني من هذه الآية ، هل لنا أن نكمل في هذا المفهوم مفهوم المغفرة ، الثواب ، العقاب .
الدكتور راتب :

مفهوم المغفرة والثواب والعقاب :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

1 ـ الإنسان مخيَّرٌ :

 أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، نحن في حلقة سابقة أكدنا أن الإنسان مخير ، وهو مخير ليثمِّن عمله .

2 ـ لابد من المعالجة الربانية :

 وأن الله رب العالمين تقتضي ربوبيته ، وتقتضي رحمته أن يتابع الإنسان ، فلو اختار اختياراً سيئاً يفضي به إلى الشقاء لعالجه قبل أن يموت ، فالمعالجة واضحة في هذه الآية :

 

﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾

( سورة البقرة )

 ملكية الله ملكية مطلقة ، ملكاً حقيقياً ، وتصرفاً ، ومصيراً ، وكل ما في السماوات والأرض ، أي الكون وهو ما سوى الله ملكٌ له ، الآن الأمراض جسمية ونفسية ، الجسمية مهما تكن عضالة تنتهي عند الموت ، ونفسية تبدأ بعد الموت ، وقد تكون سبباً لشقاء الإنسان الأبدي ، فلذلك الله عز وجل يعالجنا في الدنيا ، لذلك كل ما نرى من مصائب هي تنطلق من جوهر واحد ، قال تعالى :

 

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

( سورة السجدة )

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

( سورة الروم ")

3 ـ الرجوع إلى الله طوعًا :

 الهدف الكبير أن يرجع الإنسان إلى ربه ، لأن سعادته وأمنه ومستقبله عند الله ، والشاردون عن الله عز وجل في نهاية المطاف لا بد من أن يرجعوا إليه ، وأنا أقول كلمة قالها هارون الرشيد ، وقد نظر إلى سحابة ، قال : " اذهبي أينما شئت ، فإنه يأتيني خراجك " ، أنا أقيس عليها أيها الشارد عن الله اذهب أينما شئت ، في النهاية لا بد من أن تعود إلى الدين ، لأنه مصيرك ، ولأن الأبد متعلق بالدين ، وما بعد الموت متعلق بالدين ، وأن الموت أكبر مصيبة عند أهل الدنيا ، لأن كل شيء ينتهي بالموت ، تنتهي القوة والضعف ، والغنى والفقر ، والوسامة والدمامة ، والمرض والصحة ، الموت يسوي بين الناس جميعاً ، وليست المشكلة في الموت ، بل في ما بعد الموت ، ما بعد الموت من عذاب أبدي ، أو سعادة أبدية ، فلذلك ربنا عز وجل رحمن رحيم ، رحمن في الدنيا والآخرة ، وتقتضي رحمته ألا يرد بأسه عن القوم المجرمين .
 أستاذ علاء ، صدق لو دخلت مسجدا ، ورأيت فيه عشرة آلاف ، أنا أؤكد ، ولا أبالغ أن تسعة آلاف منهم جاءوا إلى المسجد ، واصطلحوا مع الله عقب معالجة لطيفة من الله ، شبح مرض ، شبح مصيبة ، عدو قوي ، لذلك أحياناً المصائب تسوقنا إلى باب الله ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ ))

[ البخاري ]

 الأولى أن تأتي طائعاً ، هذا الأكمل والأوجه ، أنا أقول كلمة : إمّا أن تأتي ركضًا أو يحضرك ركضًا .
الأستاذ علاء : 
 الذي لا يأتي بشراب الرمان يأتي بقضبانه .
الدكتور راتب : 
 هنا الآية :

 

﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾

( سورة البقرة)

 هناك أمراض نفسية ، الأمراض الجسمية تنتهي عند الموت ، لكن الأمراض النفسية تبدأ بعد الموت .
الأستاذ علاء : 
 تسمح لي سيدي أن نشرح للإخوة المشاهدين أنه قد يظن بأنك عندما تقول : أمراض نفسية ، أن مثلاً قد يصاب الإنسان بمرض نفسي ، مثل انفصام الشخصية .
الدكتور راتب :

معنى الأمراض النفسية :

 وتنتهي عند الموت ، عيوب النفس ، النفس المستكبرة ، النفس الجاحدة ، النفس المتغطرسة ، النفس التي تبني مجدها على أنقاض الآخرين ، التي تبني أمنها على إخافتهم ، كما يفعل الطغاة في العالم الغربي ، النفس التي تبني مجدها على تهديم أمجاد الآخرين ، تبني ثقافتها على إلغاء ثقافة الآخرين ، تبني مصالحها على إلغاء مصالح الآخرين ، هذا هو العدوان ، أنا أقصد أمراض النفس ، وأمام الناس إنسان كبير وعظيم ، ولا يحتاج إلى معالجة نفسية ، لكنه من أشد الناس مرضاً .
 صدق أستاذ علاء أنني أعتقد أن أغبى البشر قاطبة الطغاة ، لأنهم ما أدخلوا الله في حساباتهم ، قال تعالى :

 

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

(سورة إبراهيم)

 شيء مخيف :

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ ﴾

 هناك من يتوهم أن الله غافل ، يقول لك : أين الله ؟ يفعلون ما يريدون ، يهدمون البيوت ، يقتلون الأبرياء ، يقتلون النساء والأطفال ، ويقولون : صدر إطلاق رصاص من هذا البيت ، قتلوا مئة طفل ، الإعلام بيدهم ، والقوة بيدهم ، والناس مقهورون ، هؤلاء أغبى خلق الله قاطبة ، لأنهم ما أدخلوا الله في حساباتهم ، قال تعالى :

 

﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ *مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾

(سورة آل عمران)

 ألم يقل فرعون :

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

(سورة النازعات )

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

(سورة القصص : 38)

 ألم يقل حينما أدركه الغرق :

 

﴿ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ *آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾

(سورة يونس )

خيارك مع الإيمان خيارُ وقتٍ فقط :

 أستاذ علاء ، هناك فكرة دقيقة جداً ، أنت خيارك مع مليون قضية خيار قبول أو رفض ، بيت ما أعجبك فرفضت شراءه ، وظيفة دخلها قليل ودوامها كثير ، سفرة الهدف غير نبيل تركتها ، إلا خيارك مع الإيمان خيار وقت ، فإما أن تؤمن في الوقت المناسب فتنتفع بإيمانك ، وإما أن تؤمن بعد فوات الأوان كما آمن فرعون .
الأستاذ علاء : 
 لذلك قال له :

﴿ أَالْآنَ ﴾

 وهذه الكلمة تتعلق بالوقت .
الدكتور راتب : 
 وهو خيار وقت ، لذلك أنا أقول : الحقائق التي جاء بها الأنبياء الستة آلاف مليون على سطح الأرض يكشفونها عند الموت ، قال تعالى :

 

﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾

( سورة ق : 22)

﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾

( سورة الفجر )

﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

( سورة الحاقة )

 لذلك القضية خيار الإيمان خيار وقت فقط .

كل إنسان يكشف الحقيقة عند الموت :

 مرة ثانية ، الستة آلاف مليون إنسان على سطح الأرض عند الموت سوف يكتشفون الحقيقة العظمى التي جاء بها الأنبياء .
 هناك حالات نادرة جداً لإنسان غاب عن الوعي ، أو مات سبع دقائق ، ثم نبض قلبه ، فكتب ماذا رأى ، وكتب شيء لا يصدق .
 وهناك إنسان في العالم الغربي ، وهو عالَم شرد عن الله أيقن أن هناك جنة ونارًا ، وحسابًا ، والعمل الصالح هو كل شيء ، هذا الطبيب عنده رغبة جامحة أن يتابع هذه الحوادث ، طاف القارات الخمس ، وجمع سبعين حالة ، وألّف كتاب " الحياة بعد الموت " ، الشيء الذي لا يصدق أن كل هذه الحالات متشابهة ، بوذي ، وثني ، مؤمن ، كافر ، مسلم ، غير مسلم ، فاسق ، غني ، فقير ، الأقوال متشابهة ، كتاب باللغة الإنكليزية ، وله ترجمة إلى اللغة العربية ، والآن لا أدري أين مصيره ؟ 
 لكن رجلا قبل أن يموت جمع أولاده ، وأوصاهم ، عنده مكتبة ضخمة جداً من الأرض إلى السقف ، أربعة جدران ، قبل أن يموت قال : إياكم أن تعيروا كتابا من هذه الكتب ، لأنها كلها كتب معارة ، أنا أعرته إلى إنسان ، ولا أدري مَن هو الإنسان ، وكل كتابٍ نادرٌ جداً ، الستة آلاف مليون إنسان على وجه الأرض عند الموت كما قال فرعون سوف تكشف لهم الحقيقة التي جاء بها الأنبياء ، والأنبياء جميعاً جاءوا بحقيقة واحدة ، والدليل :

 

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

( سورة الأنبياء )

 فلذلك الإنسان عند الموت يكتشف الحقيقة الآن ، قال تعالى :

 

﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾

( سورة البقرة : 284)

هذا هو واقع الأقوياء الطغاة :

 تفضلت ، ونوهت تنويها رائعا جداً ، أنا لا أقصد الأمراض العصبية ، هذه تنتهي عند الموت ، أقصد أمراض الكِبر ، الاستعلاء ، العنصرية ، هذا أكبر مرض ، أنا يحق لي أن أمتلك سلاحا نوويا ، ولا يحق هذا للآخرين ، مَن أنت ؟ مَن قال هذه الكلمة ؟ مَن أعطاك هذا الحق ؟ أنا ممكن أن أقتل ستمئة ألف في العراق ، طبعاً يحاسب مَن قتل .
 أن تكيل بمكيالين ، هذه العنصرية ، لبنان بأكمله هدم من أجل أسيرين ، ولا يحاسبه أحد ، ولا أحد يستنكر هذه المشكلة ، فلذلك مشكلة الإنسان في الدنيا إذا طغى وبغى ، ونسي المبتدى والمنتهى ، وقع في شر عمله ، وهو أغبى الأغبياء .
 أستاذ علاء ، الله عز وجل حينما يرينا من آياته نعرف معرفة يقينية أن هناك حسابًا ، أنا أقول ثلاث كلمات إذا آمنا بها لا يمكن أن نعصي الله .
 مرة دعي الني الكريم إلى أن يمثل ببعض أعداءه ، وقد مثلوا بعمه حمزة ، ماذا قال ؟

(( لا أمثل بهم فيمثل الله بي ، ولو كنت نبياً ))

[ ورد في الأثر ]

 فإيمان القوي بالفطرة ، أستاذ علاء ، حينما فتحت القدس من قبل الفرنجة ذبحوا في يومين سبعين ألفا ، ولكن لمّا فتحت من قبل القائد المؤمن صلاح الدين لم يرق قطرة دم واحدة ، هذا هو الإيمان ، لذلك ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب المسلمين ، هنا أستاذ علاء :

 

﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾

( سورة البقرة : 284)

 أنت سواء أعلنت عن الكبر والحسد ، والغطرسة والعنجهية ، والكيل بمكيالين والعنصرية ، والطغيان ، وأن هؤلاء ضعاف ، وأن معي الإعلام ، ومعي القوة والدولارات ، ومعي القوى والأسلحة الفتاكة ، وأقول ما أشاء ، وأنا أعطي أوامر للدول الأخرى .
 مرة قال وزير الخارجية : نحن سياستنا الخارجية كالداخلية تماماً ، دول السياسة الداخلية أوامر للوزراء ، أما الخارجية فمحاورة واتفاقيات ، أما الطغاة فيعطون أوامر للدول الأخرى وإملاءات فقط .
الأستاذ علاء : 
 ويتحول مجلس الكونجرس والنواب إلى أمم متحدة فهو إلى مجلس أمن يحكم الكرة الأرضية .
الدكتور راتب : 
 هناك قول قديم ، أنه : أسلمْ تسلَمْ ، فالآن أمرك تسلم :

 

﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾

( سورة البقرة : 284)

 الآن أنت أمام خيارين ، خيار سلمي وخيار علاجي ، العلاج مؤلم ، والعملية الجراحية مؤلمة ، وعدم التخدير مؤلم ، وبعد انتهائه ألم ، فإذا اختار الإنسان الطريق الأول يتوب إلى الله ، يصطلح معه ، يقبل عليه ، يطبق أمره ، يقيم الإسلام في بيته ، في عمله ، في بيته ، وأولاده ، يتقي ربه ، يؤدي الصلوات الخمس ، يذكر الله ، يتلو القرآن ، يقدم من ماله للفقراء والمساكين ، يبني مجده على العطاء لا على الأخذ ، اصطلح مع الله ، الآن يعالجه معالجة نفسية ، وتزال من نفسه كل هذه الأمراض والأدران ، فيغدو كبره تواضعاً ، وبخله كرماً ، وغضبه حلماً ، هذا معنى قوله تعالى :

 

﴿ فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾

( سورة الفرقان : 70)

 أنا أقول للإخوة المشاهدين ، إياكم أن تفهموا هذه الآية كما يفهمها بعضهم ، أَكْثِر من السيئات ، لأنها سوف تبدل حسنات ، هذا معنى مرفوض كلياً ، لكن المعنى أن الغضب صار حلما ، والقسوة أصبحت رحمة ، والبخل أصبح كرما ، والجحود أصبح إنصافا .

طريق المعالجة الإلهية :

 حينما يصطلح الإنسان مع الله تتبدل أخلاقه ، والحقيقة الفرق الكبير بين مؤمن وغير مؤمن ، ليس أن المؤمن يصلي ، الفرق جوهري ، الفرق بأخلاقه ، بمعاملته ، بحلمه ، بطهارته ، بعفته ، بورعه ، بدقته ، فلذلك يغفر لمن يشاء ، إذا ركب إنسان رأسه ، وبقي على شهواته ، وبقي على أمراضه ، وتقتضي رحمة الله أن يسوق له بعض الشدائد ليحمله على التوبة ، ويعذب من يشاء ، فالخيار بيده ، والله عز وجل له في سياسته مع خلقه ـ إن صح التعبير ـ أربع حالات ، والحالات متصاعدة .

1 ـ الهدى البياني :

 أنت جالس تسمع ندوة ، تسمع خطبة في الجامع ، تسمع شريطا ، تقرأ كتابا ، هناك حق ، وسبب وجودك ، وغاية وجودك ، ونهي عن المعاصي ، ودفع إلى الطاعات ، هذا الهدى البياني ، وأنت صحيح معافى في جسمك وأولادك ، وفي بيتك ما عندك مشكلة ، جاءك الحق برسالة لطيفة من الله عز وجل ، أسمعك الله ندوة كهذه الندوة إن شاء الله ، نرجو أن تكون خالصة لوجه الله ، أو سمعت خطبة من خطيب آتاه الله قلبا ولسانا ، فصيحا وعلما غزيرا ، وإيمانا عميقا ، أو قرأت كتابًا ترك أثرا كبيرا في المجتمع ، أو سمعت شريطًا ، هذا الهدى البياني ، وأكمل موقف في الهدى البياني أن تستجيب لله ، قال تعالى :

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

( سورة الأنفال )

 دعوة الله إلى الحياة الحقيقية ، إلى الحياة التي تليق بالإنسان ، إلى الحياة التي تليق بهذا المخلوق الأول ، إلى حياة القلب ، إلى حياة العمل الصالح ، إلى حياة الاتصال بالله ، إلى حياة الطهر ، إلى حياة العفاف ، إلى حياة العفة ، إلى حياة الإنصاف ، إلى حياة مكارم الأخلاق ، الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ، قال تعالى :

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

( سورة الأنفال )

الأستاذ علاء :

 ( إذا ) هنا بمعنى عند .
الدكتور راتب : 
 مرة سمع شاب من شيخه أن لكل سيئة عقاباً ، فزلّت قدمه ، وبدأ ينتظر من الله العقاب ، مضى أسبوع وأسبوعان وثلاثة ، لا شيء في بيته ، وزوجته ، وأولاده ، هو ينتظر كما قال الشيخ ، وهي قصة من أصحاب أهل القلوب ، قال : في أثناء مناجاته لله قال : يا رب ، لقد عصيتك فلم تعاقبني ، قال : فوقع في قلبه : أن يا عبدي ، عاقبتك ، ولم تدرِ ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ 
 إذا كان للإنسان اتصال بالله يشعر أنه أسعد الناس ، وقد تكون حياته خشنة جداً ، وقد يكون في الدرجة الدنيا من السلم الاجتماعي ، وقد يكون فقيرا ، وقد يكون حاجب أحياناً .
 والله مرة كنت في مؤتمر إسلامي في المغرب في أفخر فندق ، ونحن عشية المؤتمر جاءت وفود الدول الإسلامية كلها ، وأنا كنت مندوب سورية ، والله في صلاة الفجر استمعت إلى قراءة قرآن أبكتني ، أطللت من النافذة فإذا عامل الحدائق يصلي الفجر في وقته ، وبصوت شجي ، وبقلب حي ، والله خطر في بالي ـ سامحني بهذا الخاطر ـ لعله عند الله أقرب من كل هؤلاء المؤتمرين ، هناك مقاييس عند الله نحن لا نعرفها ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))

[ الترمذي ]

 يدعوك إلى الحياة ، حياة القلب .
 إبراهيم بن الأدهم كان ملكًا ، أنا لا أصدق غيره ، لو ما ذاق أحدُهم الموتَ لا يعرفه ، كان ملكا ترك المُلك ، واتجه إلى الله ، وقال : " لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف " . 
 والله في قلب المؤمن من السعادة ، من الطمأنينة ، من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم .

2 ـ التأديب التربوي :

 هذه مرحلة أولى ، ما استجاب بالهدى البياني ، الآن يخضع إلى معالجة أصعب ، وهي التأديب التربوي ، يسوق له بعض الشدائد ، إما في صحته ، أو أهله ، أو أولاده ، أو في عمله ، أو شبح مرض عضال ، خطط كان في التخطيط آفة قلبية ، أجرى فحصًا فرأى كتلة متورمة ، وكان الورم خبيثا فانهارت معنوياته ، هذه كلها حِكم ، ساق الله له من الشدائد ما يدفعه إلى التوبة ، هذا التأديب التربوي ، وأكمل موقف في التأديب التربوي أن تتوب إلى الله .
 أول مرحلة الهدى البياني ، المرحلة الثانية التأديب التربوي .

3 ـ الإكرام الاستدراجي :

 المرحلة الثالثة النجاح فيها صعب ، في المرحلة الثانية نسب الناجحين فيها في المئة تسعون ، أما المرحلة الثالثة فالناجون في المئة عشرة ، الإكرام الاستدراجي أنْ تأتيه الدنيا ، أموال لا تعد ولا تحصى ، مكانة ، جمال ، وسامة ، سيطرة ، عنجهية ، غطرسة ، يفتخر بنفسه ، الحديث كله عن ذاته ، الأضواء كلها مسلطة عليه ، يضحك ملءَ فمه ، يذهب إلى أهله يتمطى ، قال تعالى :

 

﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾

( سورة القيامة )

 هذا الإنسان ترقص الدنيا له ، يعجبه من النساء ما يعجبه ، بالحلال أو بالحرام ، كيفما كان ، لا يدقق ، يجمع الأموال من حرام ، لا يدقق ، هو الآن راجت أسهمه ، ولمع نجمه ، وعلا سيطه ، هذا إكرام استدراجي ، والعياذ بالله ، إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك ، وأنت تعصيه فاحذره ، هناك ضربة ساطور ، ضربة قاتلة ، إن بطش ربك لشديد .
 أستاذ علاء ، دقق في هذه الآية :

 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا ﴾

( سورة الأنعام )

 هذه الآية تفسر تناقضا عجيبا يعاينه المؤمنون .

 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

( سورة الأنعام )

 أبواب ، وكل شيء ، البلاد الخضراء ، والإعلام والمليارات ، والأموال بين أيديهم ، لوحة زيتية كهذا الكومبيوتر ثمنها ثمانية وخمسون مليون دولار ، الذي يشتري لوحة زيتية بثمانية وخمسين مليون دولار ، مركبة الفضاء ( أبولو )ثمنها أربعة وعشرون مليارًا ، كلفتها لأهداف لا تقدم ولا تؤخر في أهل الأرض ، والله لو أنفق معشار ما ينفق على الترف في العالم الغربي لكان العالم كله كتلة واحدة محبة للأغنياء ، أما هذه الأموال أربعمئة مليار على حرب العراق مثلاً ، لذلك قضية الطغيان ، تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ، فيأتي أخي عيسى فيملأها قسطاً وعدلاً ، قال تعالى :

 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

( سورة الأنعام )

 الشذوذ ، الزنا ، اللواط ، السحاق ، المخدرات ، نوادي العراة ، شعوب شردت عن الله فشقيت ، الجريمة ، المخدرات ، تفكك الأسرة .
 والله مرة كنت في أستراليا ، وفي أثناء الوداع قال لي رئيس الجالية الإسلامية هناك : قل لإخوتنا في الشام : إن مزابل الشام خير من جنات أستراليا ، أستراليا جنة على وجه الأرض ، أستاذ علاء ، فلما سألته : ما السبب ؟ قال : لأن ابنك قد تراه بحلقة في أذنه بالمئة خمسون ، ومعناها سيئ جداً ، وباليسار أسوء ، وبالاثنتين أسوء وأسوء ، نحن نعاني ما نعاني ، لكن الأسرة منضبطة عندنا إلى حد كبير ، والحمد لله ، وزوجتك وأولادك ، لذلك أنا أقول هذه الآية :

 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

( سورة الأنعام )

الأستاذ علاء : 
 شبهت هذه المسألة سيدي بمن عاينه الطبيب فوجد عنده السرطان من الدرجة الأخيرة فقال له : كل ما شئت .
الدكتور راتب : 
 الذي معه التهاب معدة يقيم عليه الدنيا ، لو أكل قطعة حامضية ، لأن هذه مادة تحدِث له قرحة ، والآن :

 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾

( سورة الأنعام )

4 ـ مرحلةُ القصمِ :

 المرحلة الرابعة القصم ، فجأة بعدما هدم سبعين ألف بيت رئيس الوزارة السابق ، بعد أنْ بالغ في الطغيان ، بعدما قتل النساء والأطفال ، مذبحة صبرا وشاتيلا ، بثانية ، والله يمد في عمره ، قصمه الله ، لا أحد يتعظ

المصدر: لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-12-11
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 95 مشاهدة
نشرت فى 25 يناير 2018 بواسطة souha111

samir el bekkaye

souha111
أيها الأخوة الكرام, شيئان يحرص عليهما كل إنسان, حرصاً لا حدود له, أجله ورزقه, والآجال والأرزاق: لا علاقة للعباد بهما, وأي إنسان يعصي الله, من أجل أن يطول أجله, أو أن يزداد رزقه, فهو جاهل جهلاً كبيراً, لأن كلمة الحق لا تقطع رزقاً, ولا تقرب أجلاً, الأجل بيد الله, والرزق »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

93,964