من هم الهكسوس؟


ألفت
مصر منذ أقدم عصورها منظر أولئك البدو الآسيويين الذين يهبطون إلي واديها
الظليل قادمين من بلادهم الصحراوية القاحلة التماسا لطيب العيش ورخائه .

كانت
العلاقات بين مصر والشرق قد توطدت منذ أمد بعيد .. طرق الصحراء الطويلة
الملتوية كالثعابين قد كشفت عن أسرارها منذ القدم للمصريين والآسيويين علي
السواء , والقوافل التجارية
تأتي من أعماق آسيا لتحط أحمالها علي ضفاف النيل ,وكانت مراكز الحراسة المصرية المسئولة
عن تأمين – الخط الدولي آن ذاك- وحراسته ,كانت تنبث بين مفارق الطرق الرئيسية والفرعية في
شبكة
يصعب اختراقها ,وكانت بذلك أقدم شبكة بشرية – علي الإطلاق لتأمين
طرق القوافل ونشر السلام المصري علي العالم والحضارة التي كانت في هذا
الوقت وفي ربوع العالم القديم الممتلئ بالحضارات العظيمة..

ومنذ
الأزل ألف مصريو ذلك العالم منظر الآسيويين بلحاهم الطويلة وجلودهم
البيضاء وملابسهم المصنوعة من الجلد والوبر وكافة مظاهر حضارتهم القائمة
علي حيوان الصحراء …عرفهم المصريون يبرزون فوق الهضاب الشرقية
يسوقون أنعامهم التي أضناها الرحيل والتعب ,ويضربون خيامهم التي مزقتها
الرياح ولفحتها شمس الصحراء – الآسيوية والمصرية
ويمدون يد الرجاء إلي مصر القوية الثرية آملين أن تسمح لهم بالعيش علي هامشها في أمان ..

ولم
يكن المصريين يخفون استهانتهم بشأن هؤلاء البدو الوافدين ,أولئك الذين لا
ظلال لهم من الثقافة أو الحضارة أو التاريخ ,لكن سكان الوادي لم يكونوا في
نفس الوقت يأمنون جانبهم علي طول الخط ,فقد عرفوا عن أخلاقهم – ملنا
ش دعوة- ,وأنهم جاءوا وراء النفع بأي ثمن ثم ينتهزون أي بادرة من الضعف
للقيام بكل أنواع السلب والنهب بأي حجة ووسيلة .

وقد
ورث المصريون عن أجدادهم (الفراعنة)والاسم الصحيح (قدماء المصريين )
والفراعنة نسبة إلي آل فرعون الذين أغرقوا- وطالما نحن نتحدث عن مصر
بالتأكيد سنتحدث عن شعوبها القديمة
وليس
عن شخصية في التاريخ,فقدماء المصريين ورثوا تحذيرات كافية من العصور
السابقة الأولي وحتى تمام هذا التاريخ – تحذيرات كافية عن خطر
الهكسوس أو(العامو) فالواقع أنهم أغاروا علي مصر وأنشبوا أظافرهم في
الدلتا عبر كل عصور الاضطراب الاجتماعي ونقشوا أسمائهم السورية (شماى و تلولو و عانو) علي الجعارين القليلة المتخلفة عن الاضطرابات المتفرقة علي مر العصور التي شهدتها مصر وشعوبها وأجيالها المتعاقبة المستمرة.

ومن
الأمثلة – التي صنعت تاريخ -,,كان الحكيم (أيبور) في أواخر (الأسرة
السادسة ) يتأسف علي حاله قائلا "لقد نزل قوم غرباء من الخارج إلي مصر لأن
الدلتا أصبحت بلا حماية , ولا صانع يعمل لأن العدو حرم البلاد حرفها وأصبح
الأجانب مهرة في صناعات البلاد ""

وكان (نفر – هو ) في أوائل الأسرة الثانية عشرة (الأهناسية ) يحترق من الندم قائلا …
(ان كل ماهو طيب قد ولي والبلاد خضعت للشقاء وغزاها البدو ,ان الأعداء قد ظهروا في مصر
والآسيويين قد نزلوا إلي أرض مصر )….

وكان الملك (خيتي الرابع من ملوك الأسرة العاشرة (الأهناسية) يحذر ابنه (مريكا - رع
)من خطر الغزو الخارجي ويحثه علي اتخاذ التدابير الكافية للدفاع عن الحدود
الشرقية , ويصف له المحارب الآسيوي الذي يأتي للسلب والنهب ثم ينسحب _أدق
وصف_ ""ان ساقية قد صنعتا كي تتجولا به بعيدا , انه يحارب منذ أيام
حورس(يعني من زمان جدا) وهو لايفهر ولا يقهر ,ولا يحدد يوما للقتال (زى أي
حد شريف محترم وبيكسب في الآخر برضه) ,بل هو كاللص الذي يعمل في عصابة
يهاجم الشخص إذا كان يسير بمفرده ,ولكنه لا يهاجم مدينة بها ما تستطيع
الدفاع
ولو كان الحصى…)إفهم ؟؟)

وهناك
من الشواهد -التي تثبت صدق الأمثلة – والنقوش لأعمال حربية بين
المصريين والهكسوس أو العامو أو البدو الآسيويين في مقبرتين في (دشاشة
وسقارة) تعودان إلي أواخر الأسرة الخامسة أو أوائل السادسة وتمثل
الجنود المصريين وهم يهاجمون بعض الحصون في جنوب فلسطين ويسحقون قريتين
أحداهما تسمي(مدينة العدو نديا ) والأخرى تسمي (مدينة العدو عين كا) أو
ينبوع (كا) ومن الواضح أنه اسم سامي ,وفي عهد أمنمحات الأول (مؤسس الأسرة
الثانية عشر) أرسلت (حملة عسكرية واحدة) إلي فلسطين لتأديب كل البدو أو
(العامو) المقيمين
هناك وتأمين الطريق الدولي –آن ذاك- العظيم الذي كان يخترق المنطقة حاملا التجارة من مصر
واليها ….

وهناك من القصص التي تدل علي الروابط الصخرية التي كانت قائمة بين مصر والشام ومن أشهر القصص في ذلك العصر ..قصة
المواطن (سنوحي)وسفره من مصر إلي الشام بعد مقتل (أمنمحات الأول ) خشية أن
يتهم لدي خليفته (سنوسرت الأول) بأنه من المتآمرين علي قتلة , ويلجأ
(سنوحي) إلي جنوب سوريا ويتزوج ويصبح سيدا ويطول الزمن ويحن (سنوحي) للوطن
الأول
فيطلب من الملك (سنوسرت الأول) أن يأذن له بالعودة – رغم معرفة الملك بمكانه علي وجه الدقة – إلي الوطن ليدفن -ورغم الظنون- يلبي الملك رغبة ابن الوطن ليموت فيه, ويعود (سنوحي) ,وعاش مدة طويلة - بعد أن كان علي وشك الموت – وانتظره الملك , حتى توفي سعيدا راضيا مكرما ..

ولتصنيف
(العامو ) نجد النوع سالف الذكر ونوع كانوا يعيشون كأقلية علي هامش مصر
,لا يكادون يزعجون أحدا بأمرهم , بل يشعرون بالعرفان لتلك البلاد الثرية
القوية المضيافة التي
هيأت لهم نعمة الاستقرار والشبع….

وتوالت
الحكايات والروايات في زمن كل الأسر التي توالت علي مصر ونختار من الأمثلة
في العادة بالأمور الوسطي ونبدأ بحكاية الدولة الوسطي
………

قامت الدولة الوسطي في مصر بعد مرحلة طويلة من الضعف والضياع والانحلال مدة طويلة
,كانت مصر قد خرجت لتوها من عصر الإقطاع الأول الذي ساد البلاد من نهاية الأسرة السادسة
إلي
قيام الأسرة الحادية عشرة ,وفي هذا العصر الذي استمر حوالي 150 عام تفتت
السلطة المركزية وانقسمت البلاد إلي عشرات من الوحدات الإقطاعية المتناحرة
,وقامت ثورة شعبية عارمة اقتلعت جذور الاستقرار الاجتماعي وهدمت الصرح
الفكري الذي قامت عليه الدولة القديمة ,وطمع (العامو) في مصر فغزوا أجزاء
من الدلتا وقوضوا صناعات البلاد , وانهارت الحالة الاقتصادية فبارت
الأراضي ,وأهمل الري ,وتوقفت التجارة الداخلية المحلية والتجارة الخارجية
الدولية نتيجة لاضطراب الأمن التجاري , وبالتالي اختفت مظاهر الرقي المعروف
عالميا عن مصر –آن ذاك- ولم يعد العظماء يبنون الأهرامات والمقابر ولم يعد الفنانون ينحتون
النقوش والتماثيل ,ولم يعد الكهنة يتعمقون أسرار العلم والدين …
…..ولكن
– وهذه احدي معجزات الشعب المصري التي بنيت علي صخور المعجزات- لم
تدمر هذه الظروف العصيبة معنويات الشعب المصري علي الإطلاق ,بل كانت
بمثابة صدمة عنيفة
جعلتهم
يفيقون إلي معان جديدة في الفكر والعلوم والتخطيط المسبق المنظم زمنيا
(باكتشافهم الوقت وتنظيمة والساعة الرملية الموجودة حتى الآن تشهد ومن
الشواهد الكثير والكثير) ,وكأنهم بعد أن خسروا كل شيء وجدوا أنفسهم
ونفوسهم خالصة من قيود الماضي ,وعقولهم المبدعة متحررة من أغلال التقاليد
العمياء التي توارثوها من العامو طوال 150 عام ,فصاغوا قيما فكرية جديدة
أشرقت علي أيديهم لأول مرة مثل علم الغيبيات والدعوة للعدالة الاجتماعية
والديموقراطية الدينية والحرية .

وخرجت
مصر من هذه الظلمات –مثل كل العثرات السابقة والآتية- بقيام الأسرة
(الحادية عشرة) حوالي عام 2132ق.م وقام شعب هذه الأسرة وموطنهم
طيبة(الصعيد) بجهود كبيرة لتحقيق المركزية وإنقاذ وأعمار الدولة وإزالة
الفوضى ,واستغرق حكم الأسرة حوالي 140 عام ثم الأسرة الثانية عشرة وحكمت
حوالي أكثر من قرنين ,وتعتبر هذه الأسرة من أمجد الأسرات
التي حكمت مصر ..إذ
عكفت علي تشييد صروح الحضارة من جديد , وارتقي عرشها سلسلة من الملوك
العظام (أمنمحات ,سنوسرت) اهتموا بالأمن وتوطيده داخل وخارج البلاد
,ولتحقيق ذلك
عنوا بتحقيق الرخاء للشعب وتحسين كل وسائل الري , وإصلاح
الأراضي الزراعية ,وبناء المعابد وحماية حدود البلاد من (العامو) ولم تكن
مصر في عهدهم بالدولة صاحبة القوة العسكرية الخرافية بالدولة الغازية
..لكن كانت تتمتع بما يشبه حقوق الدول الكبرى علي سوريا وفلسطين
,وكان حكام هذه المناطق يتقربون إلي المصريين بالهدايا حبا واحتراما لعقلية المصريين وعلومهم
ومبادئهم وعقائدهم ,وكانت خطوط التجارة المنظمة والمتشعبة تمتد كالشرايين أو الشبكة العملاقة
في تلك البقاع حتى آسيا وتقوم بحراستها حاميات مصرية خالصة –نظرا لشهرتها العلمية في تأمين الطرق التجارية ..

وطوال
هذه الفترة خلفت لنا آثار ذلك العهد دمي وأواني من الفخار تحمل أسماء
أعداء الدولة الأزليين (العامو) ,وكان الغرض من هذه الآثار المقرونة
بلعنات يطلق عليها (نصوص أللعنة ) وكان الغرض منها هو تحطيمها فباحتفالات
ومراسم خاصة وسحرية معينة في حضور الملك
والكهنة لجلب أللعنة علي أسماء أصحابها والدعوة عليهم بالخراب( دعوة حجرية
(يخرب بيتكم ياولاد ال.. العامو) كما جلبوه يأخذوه …

…وتمكن المؤرخون من معرفة الكثير عن أحوال مصر من هذه النصوص عن الأعداء الدخيلة أو من الداخل فبالطبع
كانت هناك خلافات في البيت المالك ومؤامرات من سيدات القصر لتولية أبنائهم
دون أبناء غيرهم ,كان الملوك يتزوجون بالكوم وينجبون بالكوم_ وتظهر في بعض
النصوص أسماء سامية (من الدم السامي)وهي أسماء آلهة سامية مثل (شمش)
و(هدد)و(ايل) ,وأسماء مدن سورية مثل (بيبلوس ويافا وعسقلان)…

والملاحظة
التي ينبغي استنتاجها بسهولة انه حينما تضعف الدولة المصرية
–بالذات- تلجأ للسحر لمحاولة سحق أعدائها بدلا من أن تلجأ إلي العقل
والقوة التي يمتلكها هذا الشعب..
فإذا
كان الملوك في الماضي يجردون السيف علي الأعداء والتماسيح للمذنبين وتقام
الحصون المنيعة في الصحراء … أصبحت تكتفي بصب اللعنات علي خصومهم ..

وفي
عهد (الأسرة الثالثة عشرة الغامضة) بدأت السلسلة المخربة في القضاء علي
مصر ,وكان معظم ملوك هذه الفترة يحكمون مددا قصيرة لا تعدو عاما أو اثنين
,ونجد أمام أثنين منهم في قائمة (تورين)عن هذه الأسرة مدة الحكم ثلاثة
أيام ,وقد أمكن إحصاء 180 ملكا تكالبوا علي العرش في هذا العصر الحالك
السواد خلال قرن ونصف قرن من الزمان ,وكان من كثرة الإهمال والضعف كان
البعض منهم يحكمون متعاصرين في نفس الوقت.

وتدهورت
الحالة الاقتصادية تدهورا شديدا نتيجة لعدم الاستقرار السياسي وعدم وجود
حكومة قوية تشرف علي نظام الري وتفرض الأمن الداخلي والأهم الأمن التجاري
,وتدهورت التجارة
وتوقفت
التجارة الخارجية ,وانصب البلاء علي الشعب نتيجة لضغط الفئات المحاربة
,وما يفرضه الأسياد المتنافسون علي فرض الضرائب الباهظة لتمويل منازعاتهم
عل كراسي السلطة….

وهكذا
أصبحت الظروف مهيأة تماما لغزو (العامو) المبني علي الفتن والسرقة وضياع
التاريخ والانتماء وتأكيد الشك والضعف بدلا من السيف والسهم والدرع وحتى
الحجارة,
ولم يكن غزو (الهكسوس) –وأنا أفضل لقب (العامو)- لمصر من قبيل الفتوحات الإمبراطورية
كالتي
تلحق – مثلا – بدولة عظيمة (ألمانيا )لما(اتخبلت) في عقلها
وسمعت كلام (هتلر)وزى ما حنا بنقول – باظت الدنيا –فعلا ,بل
إن الهكسوس أنفسهم كانوا قوما مجهولى المصدر ليست لهم دولة مثل حضارة
الصين مثلا -,وكان غزوهم أشبة بما يسمي في العصر الحديث (باستعمار
الاستيطاني) – ناس ملهاش بيوت ومقاطيع اتلموا وعملوا لمه سموها
(أمه)- المهم حاجة تشبه اليهود في القدس أو سيطرة الإنجليز وايطاليا علي
بعض البلاد الأفريقية وهذا النوع من الاستعمار
من أسود أنواع الاستعمار المعروفة وأكثرها استغلالا ….

وتعد فترة احتلال العامو لمصر من أسود فترات التاريخ المصري وأشدها غموضا,بل قد تكون الأكثر سوادا وغموضا علي الإطلاق ,ولذلك فان محاولة تأريخ هذه الفترة تقديرية وترجيحية
إلي
حد كبير,وليس أدل علي ذلك من أن المؤرخ المصري (مانيتون) يبالغ –إلي
حد الخطأ الجسيم- في تقدير طول هذه الفترة ,فهو يزعم أنها تبلغ 1566 سنة
منها (المفتري) 929 سنة حكم

فيها (العامو) منفردين أو مشتركين مع حكام طيبة

فيقول
(مانيتون) : إن الأسرة (13) ضمت 60 ملكا حكموا 453 سنة ,وتلتها الأسرة
(14) في (سخا) بالدلتا وضمت 76 ملكا حكموا 184 سنة , وتلتها أسرة هكسوسية
هي أل(15) وعدد ملوكها (6) ,تلتها الأسرة (16) وملوكها (32) , أل(17)
وقسمها (مانيتون) إلي أسرتين أحداهما مصرية في طيبة والأخرى هكسوسية في
(أواريس) وعدد ملوك كل منهم (43) ..

,وسر الخطأ الذي وقع فيه (مانيتون) وجعله يبالغ إلي هذا الحد يرجع إلي غموض هذه المرحلة
وفوضي
الأرقام حتى بالنسبة للذين عاشوا بالقرب من هذه الفترة ,فقد عاش (مانيتون
) في العام الثالث ق/م –أي بحوالي 1200 سنة فقط …

والوثيقة المصرية الوحيدة التي تذكر ملوك فترة الانحلال – التي نحن بصددها هي بردية (تورين)
,فقد
أوردت البردية بعد انتهاء الأسرة (12) بالذات خمسة صفوف من الأسماء يمثل
كل صف منها احدي الأسر الخمس التي حكمت في هذه الفترة ,ولكن ما أصاب
البردية من التهشيم والتلف يعوق تحديد فترات الحكم ,ومعرفة تسلسل الأسرات
بالتحديد وملوك كل أسرة ,,

ويبدو
أن الزميل(مانيتون) اطلع علي هذه البردية أو ما يشابهها –والظاهر
كان ضارب منقوع من المنقوعات التي تشتهر بها شعوب مصر أو محروق-من السري
المتبادل بين مختلف الفئات- وخدع في كثرة الأسماء وطول الفترة , ومن
الواضح أن الزميل اعتبر جميع هؤلاء الملوك قد حكموا متعاقبين ولمدد طويلة ….

في
حين أن بعض الأسرات كانت متعاصرة –أي تحكم في نفس التوقيت- مثل
الأسرة (14) التي كانت تحكم في (سخا) في نفس توقيت الأسرة (13) التي كانت
تحكم في (منف) ,,,
وأيضا
الأسرة (17) التي عاصرت أسرة الهكسوس الحاكمة في (أواريس) ..مما دعا
(مانيتون ) نفسه إلي تقسيم الأسرة (17) إلي مصرية وهكسوسية,(واللي زاد
وغطى) الاضطراب الذي أدي
إلي تعاقب محموم من الملوك وحكام للأقاليم بسرعة فائقة , ويحكمون مددا قصيرة …..

والمؤرخون
المحدثون يتفقون علي أن عوامل انهيار الأسرة (12) حدثت حوالي عام (1785)
ق/م , وان الأسرة (18) قامت في الربع الأول من القرن (16) ق/م ..,, أو علي
وجه التحديد (1575) ق/م ,أي أن الفترة المتوسطة لا تعدو (210) عاما ..

والمتفق
عليه أن الهكسوس (العامو) حكموا مصر (150) عام انتهت بطردهم من البلاد
–شر طردة- علي يد أحمس مؤسس الأسرة (18) ,أما الباقي –أي
– الستون عام استغرقتها الأسرة (13) وجزء من الأسرة (14) وهي التي
عاصرت احتلال (العامو)والغزو الذي بدأ في الخفاء
إلي
أن جاء الأسطورة (أحمس) صاحب أول ثورة تحريرية في التاريخ – ده غير
مينا موحد القطرين – وتمكن من قطع يد ورجل ودماغ ورقبة (العامو)
واسم الشهرة (الهكسوس).
ويمكن تلخيص ,وتحديد كل الأسرات التي حكمت في تلك الفترة علي النحو العقلاني الصحيح والمثبت في كل كتب التاريخ…

· الأسرة (13) …مصرية ..العاصمة ,,(منف) ..ورثت الأسرة (12) بعد انهيار الدولة الوسطي دون أن تحافظ علي نقاء الرمز الملكي فكثر التنازع علي العرش وضعفت البلاد وتفاقم الإقطاع وتهيأت مصر لغزو السواد الأعظم وأصحاب الألف وجه (العامو)
· الأسرة
(14)… إقطاعية مصرية –شوف إزاي- حكمت في(سخا) بغرب الدلتا
وعاصرت أواخر الأسرة (13) وجزءا من حكم الهكسوس في الشرق.
· الأسرة
(15) … هكسوسية خالصة حكمت في (أواريس) والعاصمة القديمة (منف)
وعدد ملوكها (6) ( ادعي بعضهم السيطرة علي كل أجزاء البلاد شمالا وجنوبا )
.
· الأسرة
(16)…. هكسوسية رغم بدء اختلاطها بالدم المصري –وما أدراك
بالدم المصري وشهرته العالمية قبل وأثناء وبعد –ان شاء الله-
التاريخ,وحكمت في نفس المكان ولم تترك أي أثار فيما عدا بعض الأسماء
المتفرقة علي الجعارين (خدت بالك من اللي بيحصل يا ابن عمي) ويبدو أن هذه
الأسرة بدءوا يتكيفوا –من المحروق الشعبي السري – نتيجة لطول
عهدهم (من أكثر وأقدم وأعرق الشعوب التي تمتص أي ثقافة وتتعلم كيف تبني
نفسها من جديد) بالمصريين وزواجهم منهم , ويبدو أنهم هجروا سياسة العنف
المتبعة لدي الغزاة وهي من المباديء المكونة لأي غازي محترم ,وانتهجوا
سياسة الملاينة وحسن الجوار (وتمام كدة وأنت في حالك وأنا في حالي ).
· الأسرة (17) ….مصرية خالصة ..العاصمة …(طيبة ) والغريب أن هذه الأسرة تنتمي إلي بيت (طيبة ) الأصل الملكي
العريق لبيت طيبة الاقطاعى الذي نشأ منذ عصر الإقطاع الأول وظهر فيه ملوك
الأسرة (11) الذين أقاموا الدولة الوسطي القوية , والظاهر أن الأسرة (17)
كانوا يحكمون برضا (العامو) في أول الأمر وتحت ولائهم ,ولكن لم تلبث الروح
المصرية أن ظهرت في أواخر أيام هذه الأسرة وشق ملوكها عصا الطاعة علي
(العامو) وأضمروا تخليص البلاد منهم فظهرت الأسطورة (أحمس) بقيادة لملوك
عظام …(سقنن رع ..كامس) .

ولكن من هم الهكسوس أو (العامو) ؟ ومن أين جاءوا بالتحديد ؟



مين بجد الهكسوس)

…..,
حتى يمكن الإجابة علي هذا السؤال الذي يعد من أكثر مسائل التاريخ غموضا
ولذلك سنبدأ بالرجوع لإلقاء نظرة علي تكوين (العامو) منذ البداية وسنعود
حتى عام 2000ق/م منطقة الهلال الخصيب (بابل) ,استطاع (حمو رابي ) أن يجعل من (بابل ) دولة عظمي علي وادي (دجلة والفرات) و ما حوله من مناطق في الغرب والجنوب ولكن (بابل) لم تستمر في قوتها بعد وفاة (حمو رابي ) بل عادت - كعادتها إلي التمزق في عهد خلفاءه , وانفرط التحالف البابلي القوي إلي فتات من الممالك الصغيرة المتنافسة .
وهنا
وبالطبع لابد من غزو أو احتلال أوماشابه , بالفعل واجهت (بابل) خطرين
–وليس خطر واحد- هائلين في الخارج حولها,الحيثيون ذوو الميول
العسكرية في (الشمال الغربي ) والكاسيون
رجال القبائل الجبلية في (الشمال الشرقي ) .

والحيثيون
هم أجداد الأرمن الحاليين ومن أصل –وأكرر أصل- هندي أوربي اختلط
بالآشوريين الساميين وكانوا أقرب إلي البربرية ,ويعتمدون علي (القوة
العسكرية)-وليس هكذا تبقي الأمم ولكن بالحضارة , ويستفيدون حضاريا من
الشعوب التي يقهرونها في تقدمهم الممهد إلي الجنوب , وامتزجت لغتهم الهندو
أوروبية الأصلية بلغة سكان الأناضول ونشأت عن هذا الامتزاج (اللغة الحيثية) التي تعلموا من الآشوريين كتابتها بالخط المسماري علي ألواح من طين
,وكان الحيثيين من أكثر الشعوب شهرة واختصاص في (لم الآلهة طوال طريق الغزو) حتى يقال
أن الحيثيين لهم "ألف اله " وهذا يدل من التحليل العملي البسيط أنهم (أي الحيثيين) لم يكونوا غزاة
عقائديين أو حتى مثل التتار إنما كانت أمه سياسيين وعسكريين فقط(يعرف يفتح دولة ومالوش دعوة بالباقي) وقد كان الشيء الوحيد الذي يؤديه أي عسكري في أي حتة في الكوكب هي الطاعة
ولذلك الشيء الوحيد الذي يعرفه الحيثيون و أنه لا أحد من المقهورين الذين احتلوهم يخرج عن الطاعة الحيثية .

…..وكان
الحيثيون في أول الأمر ممزقين بين عدد من الممالك الصغيرة ثم توحدت تحت
زعامة ملوك (هاتو شاش ) التي أصبحت عاصمة الدولة الحيثية وتعرف الآن باسم
(بوغاز كوي).

….وقد
بدأ الحيثيون في زمن خلفاء (حموا رابي) يتوسعون جنوبا فأخضعوا جانبا من
سوريا الشمالية واستولوا علي (جلجميش) و(حلب) فأصبحت (بابل) هي الحد
الشرقي المتبقي للتوسع
,وأخيرا دخلوا(بابل) فدمروها عن بكرة أبيها ,ولم يحاولوا الاستقرار فيها أو ضمها إلي المقهورين
وإنما
اكتفوا بالابادة واسترقاق نسائها وأبنائها وانسحبوا (وبالطبع لم ينس
الحيثيين التذكار وهو الإله (مر دخ) كبير الآلهة البابلية – سابقا ..

ولم
يكن البابليين من أصحاب الحظ الرفيع –فقد تبقي فضل وبواقي الشعب
البابلي( للكاسيين) المنتظرين للدور بمنتهي الدقة والذوق لباقي التورتة
البابلية ,وهم فرع منبثق من الهجرة الهندية
–الأوروبية بس (ستا يل تاني) التي
كانت تتغلغل جنوبا في تلك الحقبة , فنزل (الكاسيون) من تلالهم الشمالية
الشرقية في (زاجوراس) إلي السهول البابلية الخصبة ,وظلوا يحكمون بابل عدة
قرون تميزت (سبحان الله علي الصدف) بالغموض الشديد ,ولكن حقيقة واحدة كانت
واضحة –زى عين الشمس –هي أن الطبقة الحاكمة منهم كانت تتكلم
بلسان (هندي أوروبي) كما تدل أسماء ملوكهم وآلهتهم .

ولم
يلبث أن استولي( ستا يل ثالث) من الهجرة الهندية الأوروبية إلي المنطقة
السامية هم (الخور يون) الذين واصلوا زحفهم إلي سهل (خابور) ,ووسط الفرات
حيث كونوا مملكة
(ميتانى)….

ولم يتوقف الزحف (الآري) عند ذلك بل استمر الضغط الهندو أوروبي من الشمال دافعا أمامه
تدفقات جديدة متعددة الأجناس إلي الجنوب والغرب مما أدي إلي اضطراب اجتماعي هائل بين الشعوب والأقوام المستقرة في الهلال الخصيب.

….وكان العامو البدو احدي هذه التدفقات …
وقد
أتوا في الأصل من آسيا الصغرى وفتحوا سوريا وفلسطين كخطوة نحو الهدف
الأساسي الضخم (المبطرخ) مصر ومما يدل علي أنهم فرع من الهجرة الهندية
الأوروبية أنهم دخلوا ومعهم الحصان والعربة الحربية وهي من مقومات الحضارة
(الآرية)….
كما
كانوا يستخدمون أسلحة مصنوعة من البرونز والحديد وهذا يدل علي أنهم علي
اتصال بمناجم (أرمينية),(وطوروس) من ناحية, وبالمنطقة العشبية في روسيا
وسيبيريا الوسطي
من ناحية أخري.

وبالطبع
تميز الجنس الهكسوسي الأصلي بميزة أبدية ,فهم لديهم (سبحان الله )عقلية
واتفقت العقول علي فتح صفوفهم لكل من يسير في الركب بشرط أن يرضي بسيادتهم
وزعامتهم ,ولم تكن لهم حضارة خاصة إلا أنه تم الاتفاق العام لتكوين وكتابة
تاريخ لهم و اغتصاب أي حضارات جاهزة ,وأي مظاهر حضارية لدي الشعوب الخاضعة
لهم ,ولذلك عندما استقروا بعض الوقت في سوريا وفلسطين امتزجوا بالكنعانيين
وأخذوا منهم الكثير والكثير حتى وصولهم إلي مصر ..


وهذا ما أدي إلي الخلط الشديد والخطأ المقصود بأن الهكسوس هم العبرانيين ,ولكنهم امتزجوا
بالكنعانيين ثم امتزج بهم العبرانيون مما أدي إلي الخلط بين الأنساب الثلاثة- خلطة سبايسى-
ولذلك يمكن القول أن العبرانيين: أحفاد الهكسوس من هذا الخلط –لاحظ- ,


….الكنعانيون
من أقدم وأعرق الأقوام السامية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية
–مهد السامية- والمؤكد والثابت أنهم أقدم الأقوام وشهرتهم
(الفينيقيين).
كانت
حضارة عظيمة تحدث عنها (الزميل "هيرودوت) أنهم جاءوا في القرن الثامن
والعشرين قبل ميلاد المسيح ,كانت حضارتهم عظيمة وتقوم علي التجارة البرية
والبحرية ,بنوا المدن الكبيرة (طرابلس- بتريس- بيبلوس-بيروت
–صيدا-صور-سميرة- عسقلان-مجدو)
وكانت بلادهم منذ القدم –وحتى الآن- معبرا للغزوات من مصر واليها ؟لأنها شريط ساحلي بين الصحراء في الشرق والبحر في الغرب.

وبعد استقرار الكنعانيون في بلادهم بحوالي (1500) عام ,وبعد احتلال الهكسوس لمصر
بحوالي(200)عام تدفقت هجرة سامية هي العبرانية.

…. ولنا أن نتخيل هذا الكوكتيل الآتي/:
· الحضارة المصرية التي تمتص ثقافات الغزاة قبل أن تنحرهم
· الحضارة الكنعانية المفتوحة علي الحضارة المصرية
· (العامو) حاملين مختلف الحضارات المنهوبة إلي فلسطين وسوريا ثم مصر

وأترك لكم النتيجة.


عقيدة الهكسوس

تشير
بعض الآثار إلي أن الهكسوس كانوا يعبدون الرمز المصري (ست) ملك الشر أو
كما ينطقون (اله الشر) والصحراء والعاصفة والبلاد الأجنبية – لائق
جدا- والمؤكد أنهم اعتنقوا هذه العقيدة بالطبع أثناء إقامتهم السلمية
الأولي وتأثرا بثقافتها .أما إلههم الأصلي (تشوب) هاهاها –sorry-نكمل-
اله العاصفة والرعد والحرب –استني- اله الحيثيين سابقا وغيرهم من
الشعوب الأناضولية القديمة ,وكانوا يسمونه أيضا (اسم الدلع) (سو تخ), -عقلية؟- وهو شديد الشبه بالمقارنة بالإله المصري (ست) اسما وموضوعا ولا يختلف عليه (الغزاة والصعاليك).

ونجد الدافع لاعتناق ديانة (ست) هو ….الرمز …
الصحراء والعاصفة والرعد والبلاد الأجنبية والقحط والحرب والخراب والدمار…إلخ..
وهي
البيئة التي يعيش فيها المناخ الفكري - الذي يحتاج بالطبع للخلق والإبداع
مثل أي دولة عظيمة- ويملك هذا المناخ الفكري مقومات وأدوات الدمار الشامل
وكره –خاص –من الطبيعة اذ تخلت الطبيعة عن العاصفة والرعد
والقحط هدية للهكسوس أبدية في بيئة الهكسوس والباقي يمتلكه
المناخ
الفكري ,ونري - من وجهة نظر المصريين عن الرمز (ست) – عدو (أوزوريس)
رمز الخصوبة والنماء والعالم الآخر لدي قدماء المصريين ,وكانت ديانة الشعب
جميعا (واخد بالك من المناخ الفكري).

ونتيجة
المناخ الفكري (الفاضي)والعقلية المسلوبة بالخوف من الرعد الدائم في
الطبيعة ,ومن أقوال (مانيتون) ومن بعض الآثار المصرية القديمة عرفنا
المعاملة من أصحاب العقائد الممسوخة
قسوة الغزاة لمساواة من ليس له عقيدة وحضارة بالعظماء كتْاب التاريخ أصحاب (المناخ الفكري)
,,ولذلك عامل الهكسوس - في المرحلة الأولي من الغزو- المصريين بقسوة ,وبالرغم من الضعف
السياسي والعسكري كان
شعب مصر عريق في أصول وقواعد الحضارة وشديد الإحساس بامتيازه وتفرده عن
باقي العظماء ,وكانوا لا يخفون احتقارهم بالعامو التي كانت تقبع إلي عهد
قريب ذليلة علي حدود البلاد تقتات من المصريين (رايح جاي شحاتة علي
القوافل-أول شحاتة منظمة في التاريخ(عادة هكسوسية أصلي) وكانوا يدركون
الفارق الحضاري الرهيب ,ولذلك
ساقوا
العذاب للشعب ودمروا ما وقعت عليه أيديهم من إنجازات الحضارة المصرية
كالمعابد والمنشآت العامة للقضاء علي أهم مظاهر وعوامل الحضارة المصرية
المتفردة , والمؤكد أن احتلال الهكسوس لمصر كان من أهم عوامل ضياع نصف
كنوز مصر الأثرية والتي اختفت
علي أيديهم ..

وقد أشارت إلي ذلك الملكة (حتشبسوت) الأسرة(18) ,وتناول المخطوط الآتي:
""لقد
أصلحت ما تخرب .وأقمت ما كان قد أصبح حطاما عندما كان الآسيويين يقيمون في
(أواريس) وكان يقيم بينهم (الأفاقون) الذين يحطمون ما كان قائما""


…..لكن
يبدوا أن الهكسوس لم يستمروا علي هذا العداء للمصريين ,والأرجح أنهم
حاولوا بعد ان استقروا ودانت لهم البلاد (فاكرين كده) حاولوا كسب ود
المصريين وحاولوا التكيف مع الحضارة المصرية وعبدوا (رع) ,بسبب احتكاكهم
بالمصريين في كافة شئون (الحياة الاجتماعية) مما جعل الجيل الثاني والثالث
متمصرا .

غير
ان المصريين لم ينسوا أبدا أن الهكسوس (البدو العامو) غزاة ويجب الخلاص
منهم حتى تهنأ الحياة في الوادي وتعود إلي طيب مجراها ومرساها إلي أرض
مصر,ولم ينخدع الشعب المصري
بمظاهر التودد والتمصير التي كان يبديها الهكسوس,وحينما سنحت الفرصة لم يتردد المصريين
لحظة واحدة في التنفيذ لأعظم خطة تحريرية في التاريخ.

مقومات التحرير

المقومات الأساسية لبناء حضارة لا تهتز علي مر العصور…
1. أرض ذات مناخ خصب .
2. مناخ فكري بلا حدود كالبحر وأطول الأنهار .
3. شعب صخري لشق التاريخ .
4. عقليات التخطيط المنظم .
5. عقليات القيادة والتأمين الدفاعي
6. السواعد المنفذة
تلك المقومات وجدت علي أرض مصر علي مر العصور وستظل محفورة في كل طفل يولد علي أرض مصر وكل نقش كتب عن مصر.

لعبت
(طيبة) -الأرض- دورا هاما في تاريخ مصر القديمة , كانت(طيبة)عاصمة للإقليم
الرابع من أقاليم الصعيد ,ونشأ منذ الأسرة (6)- وحتى الأسرة (10) في
(أهناسيا)- نزاعات بين الحكام وبدأت ( طيبة ) تنافس علي السيادة وفازت بها
علي (أهناسيا),وأصبحت (طيبة ) عاصمة للوجهين وزاد الثراء الشعبي والملكي فيها ,وعكف (منتو حتب) وخلفائه علي توسيعها وتجميلها
بالحدائق
ومعابد اله (طيبة) - المحلي المقدس - (آمون),واصل (أمنمحات الأول) العملاق
مؤسس الأسرة (12) نهج سياسة التجميل في ( طيبة وآمون)رغم أنه نقل العاصمة
إلي (منف) – عقليات التخطيط المنظم- التي تبعد (500) كم شمال
(طيبة)وذلك للموقع الجغرافي بين الوجهين .

وجاء
الهكسوس واحتلوا الدلتا ,لكن احتفظت (طيبة) بالشخصية واستطاعت الحفاظ
بالروح الوطنية والتراث المصري ,وساعدها طول المسافة بين الشمال والجنوب
والإمكانيات المحلية المتاحة- عقليات القيادة والتأمين الدفاعي –
فكانوا يصنعون التوابيت الريشية علي هيئة الجسم البشري من أخشاب أشجار
الجميز لا الأحجار ,وكذلك الأهرام الصغيرة من الطوب (النيئ) –
السواعد المنفذة..
ورغم عهد الاضمحلال السياسي والاجتماعي شهد ازدهارا في الأدب والمعرفة,إذ عكف كهنة
(
طيبة) وكتبتها علي كتابة ونسخ روائع الأعمال الأدبية , والواقع المؤكد أن
معظم ما نعرفه من أعمال أدبية عن القدماء المصريين إنما كتب في (طيبة) وفي
عهد الهكسوس.

..ولا نعرف بالتحديد الأمراء الأوائل في الأسرة (17) وعاصمتها (طيبة ) سوي أسمائهم الأوائل
المنقوشة علي الجعارين .لكن من أبرز هؤلاء الأوائل (نب – خبرو ) والأشهر (رع) والذي ترك
مخطوط في غاية الأهمية يدل علي روح العصر وسياسته وهو مرسوم كتب في أحوال غريبة فقد أصدره (رع) يلعن فيه أحد الأشخاص(لا نعلمه) ,ويحكم بموته سياسيا ومدنيا لارتكابه فيما يبدوا جريمة الخيانة العظمي والتخابر مع الأعداء كما يذكر المخطوط, وفي الحال الملك
(نب خبرو رع) أمر بتشكيل لجنة للتحقيق (اتحاد العقول والسواعد )في معبد
(مين) واليكم النص بالكامل ..بدون تدخل.." بعد أن جاء موظفو (مين) إلي جلا
لتي ليذكروا أن أمرا سيئا حدث في هذا المعبد ألا وهو إيواء الملعون (بيتي
بن منحتب – علي اسمه لقب الملعون – ويضيف .. ألا فليطرد
,وليلق به أرضا خارج معبد (أبي مين ), ليخلع من وظيفته ,ولتحرم علي ابنه
ووريث وريثه …. ليطردوا جميعا ويلقوا علي الأرض… ليستولي
علي خبزه
ولحومه المقدسة , ألا يذكر اسمه في هذا المعبد جزاء وفاقا لمثله في استعدائه الخصم علي الآلهة.
…….الخ..
وكانت هذه بداية الجد المباشر لأبطال التحرير (سانخت ان رع ) وقد تزوج من
عامة الشعب فتاه هي (تيتي - شري) التي لعبت دورا كبيرا في بعث الروح
الوطنية ,وعاشت حتى أدركت أسرة حفيدها (أحمس) , ورزق بذكر هو (سقنن رع)
وتزوج من أخته (أياح - حتب)
التي أنجبت( كامس – أحمس) بطلي التحرير.

ونتيجة المقومات والعقائد الراسخة تبدأ دائما من داخل البيت الحاكم ..الأم الشجاعة التي تقدم
أبناءها إلي المعركة المقدسة – دائما هي الأنوثة والأمومة لقالب الرجولة الأسطورية
هكذا فعلت (تيتي – شري) فقدت ابنها (سقنن – رع) في المعركة ,وهكذا فعلت ابنتها وزوج ابنها (أياح - حتب ) وقدمت العظيمين (كامس وأحمس ) .
وقد
منحت هذه السيدة العظيمة لقب - تتشرف به نساء الشعب المصري – ربة
الجزائر,وهو لقب منحها لها سكان جزر البحر المتوسط إخلاصا وإعجابا ,ويبدوا
ان هذه الجزر قد تحالفت مع مصر
ضد الهكسوس ,وعثر في كفنها - مع الحلي والجعارين – علي بلطة ذهبية وخنجر..؟؟

وهناك مخطوط هام نجا من الزمن ليحكى لنا الفصل الأول من حرب التحرير ضد الهكسوس ,
هذا
المخطوط عبارة عن بردية تشير إلي نزاع حدث بين (أبو فيس)ملك الهكسوس
المقيم في (أواريس) و(سقنن رع) أمير (طيبة), وقد كتب هذا المخطوط أحد
تلامذة المدارس في الأسرة (19) أي بعد طرد الهكسوس بمئات السنين ,لكنها
كانت فيما يبدوا قصة شعبية تناقلها الأجيال ولا يعرف بها سواهم ,وكان الطالب واسمه (بيتا عور) وقام بنسخ القصة من باب التمرين علي الكتابة
,وضاع النص الأصلي للقصة ,وبقيت تلك البردية بخطه وتحوي التمرين (بأسلوب القصة), وهي تعرف الآن باسم (ساليه) نسبة إلي العالم الذي اكتشفها وترجمها ,ولكن – لسوء الحظ – لم يتم (بيتا عور )كتابة القصة
, وإنما بترها في مرحلة غاية في التشويق , وهو الذي لم يقصد سوي التمرين
ولم يكن يعرف أن هذه البردية هي الدليل القاطع لقيام (أمة ) من بعده ,-
المهم- كانت النتيجة أن حرم البشرية – مش أنا لوحدي – معرفة
نهاية القصة وتركنا معلقين جميعا .

…. وتبدأ القصة بوصف حالة البلاد في ذلك الوقت ..
(أبو
فيس) كان يحكم (أواريس) بالدلتا ,وكانت الفاقة والبؤس يخيمان علي المدينة
بالرغم من الجزية القادمة شمالا وجنوبا مما يدل علي سوء حال البلاد التي
حط عليها سواد (العامو ) – من المبادئ الهكسوسية- ,فلم يكن ملوك
الهكسوس ينفقون الأموال علي الشعب وإنما لعشيرتهم وقواتهم ,وكان (أبو فيس
)يتنكر لآلهة البلاد ,ويفضل (سو تخ) ويقدم له الذبائح والقرابين.
وتمضى القصة..
بعث (أبو فيس ) برسالة يتحدى فيها (سقنن رع) فأوفد بها رسولا ,ولما مثل
أمام الأمير قال الأمير :لماذا جئت إلي مدينة الجنوب؟ولم قمت بهذه الرحلة
حتى مثلت بين يدي؟ فأجاب :انه أميري بوبي (الدلع لأبي فيس)الذي أرسلني
إليك لأقول – مميزات الغباء- لك : اخل البركة الواقعة شرقي المدينة
(وجفف عرق السفر والرحلة الطويلة) ثم أخد نفس عميق – من أفراس البحر
لأنها تحول بيننا وبين النوم ليلا ونهارا ولأن ضوضاءها تملأ آذان السكان.

المفيد.. طبعا الدم الصعيدي الملكي … غلي في اليافوخ العلوي واعتبر
الكلام ده إهانة لا يداويها إلا الدم الهكسوسي بعشيرته بحاجته كلها وده
أمر غير قابل للنقاش وما أن سمعت البلاد برسول الإهانة الموجهة للملك
المقدس ,وبدون مقدمات بدأ الاستعداد الفوري في خطة الابادة والطرد كحل
بديل للاستسلام .

وبالفعل تكمل القصة
: ان الدهشة عقدت لسان الأمير الجنوبي وقتا غير قصير حتى أنه عجز عن الرد
في حينه ثم قال له (بأسلوب الوقوع في الكذب لتحليل الانتقام القادم):هل
سمع سيدك –بص الأدب- حقيقة وهو في تلك البلاد النائية عن بركة أفراس
البحر الواقعة شرقي مدينة الجنوب ؟ وأجابه بذكاء نادر :فكر فيما بعثني من
أجله مولاي .
ونعرف من سياق القصة
أن الأمير تمالك وأمر بواجب الضيافة وأن تقدم له كل الأشياء الطيبة من
لحوم وفطائر ثم طلب منه أن يعود إلي سيده ويبلغه أن (سقنن رع ) سوف يستجيب
لمطلبه.
ونفهم من السياق أنه استدعي كبار مستشاريه وأطلعهم علي ما حدث ويطلب المشورة ,ويقول النص أنهم جميعا وجموا .

هنا وينتهي النص وكانت النتيجة أننا لا نعرف لماذا فشل (سقنن رع ) وبعده (كامس) ونجح (أحمس) في طرد الهكسوس.
ولدينا لحسن الحظ نص كامل يصور جهاد الملك (كامس) ويعطى صورة لأفكاره وكفاحه
والأحداث
التي واجهته , ويصور النص اجتماع (كامس)مع مستشاريه وهو يقول: سوف أكافحه
وابقر بطنه ..إنني أرغب في تحرير مصر وأقضي علي الآسيويين,نراه يعقد العزم
علي القسم
فيقول
:سأبحر شمالا بقوة لأقضي علي الآسيويين وذلك بأمر (آمون) صادق المشورة, ثم
يمضي النص قائلا : ان جيشي أمامي مثل الريح المتقدة , وسرعان ما وصل إلي :
لقد قضيت الليل في سفينتي وقلبي مسرور, ولما أضاءت الدنيا انقضضت عليه
فمحوت حصونه ,وقتلت رجاله ,وأخذت حريمه ..وكان عساكري كالأسود ,ومعهم
الغنائم والعبيد والماشية واللبن والزبد والعسل
,وقد تقاسموها فيما بينهم (عادي) ,وكان إقليم (نفروسي) علي وشك السقوط .

….وإذا كنا لا نعرف لماذا فشل (سقنن رع ) و(كامس) ولكننا نعرف – علم اليقين- أنهم التمهيد الأول والثاني للاكتساح .

ويكمل (كامس) مخاطبا – الشملول ملك الهكسوس- بأدب الملوك المعروف لدي المصريين :
"
ان قلبك قد انحل ..الذي تعود أن يقول أنني ملك ولا يوجد من يعادلني من(
الأشمونيين) وحتى (أواريس)..إنني قضيت علي مدنهم ,وحرقت أمكنتهم,فأصبحت
بقايا حمرا إلي الأبد ,وذلك انتقاما













  • Currently 76/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
26 تصويتات / 4170 مشاهدة
نشرت فى 6 يونيو 2010 بواسطة shrouk4

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

80,186