قراءة نقدية في ديوان ( كلام فارغ ) للشاعرة شاهيناز فواز
هذا الديوان الذي يشتمل على عشرين قصيدة باللهجة العامية المصرية وطبع في دار (أنس الوجود للنشر ) برقم إيداع في عامنا الحالي 2012 ، ينتمي بكل جدارة إلى ما يمكن أن نسميه بأدب الثورات أو الأدب المواكب للثورات، وإن كانت القراءة المتأملة له يمكنها أن ترى عدداً من قصائده قد صيغت قبل ثورة25 يناير بفترات زمنيه مختلفة لكنها ليست بعيدة ، ويمكن ملاحظة ذلك تحديدا في قصيدة ( مافيش فايدة ) و (أنا الفارس ) و (شبح خجلان ) وغيرها من القصائد .
و الخطاب الشعري يتخذ في هذا الديوان مستويات عدة ، تبعا لموضوعاته وما تفرضه من بنيات لغوية ونفسية وجمالية مختلفة ، وتبعا للحالة والموقف الشعري الذي يسيطر على الشاعرة لحظة ميلاد القصيدة
* بنية الاستسلام والانتظار
وبرغم أن الديوان في مجمله يحتفي بالثورة ويستشرفها ويحلم بها ويتطلع إليها ، إلا أن أوجاع الذات الشخصية للشاعرة تتضفر بهذا البعد الجمعي للمجتمع المصري الذي تعيش نبضاته وأحلامه كلبنة من لبنات نسيجه النفسي والروحي وربما تنطلق من أوجاعها الذاتية بقواسم مشتركة تجمعها بغيرها من أبناء هذا الوطن في سعي دائم وحثيث نحو حلم وفرح لا يتحققان ومحفوفان بالكثير من المعاناة والمكابدة والألم كشبح يظهر ثم يتوارى في خجل
*تماما كما في قصيدتها (شبح خجلان )التي تفتتح بها قصائد الديوان
تفاجئنا الشاعرة بلغة معجونة بهده الروح المعذبة والمجهدة والمحبوسة في صراعها المرير بين ذكريات جارحة وأمل بردان ، فعلى مستوي اللغة نجد حشدا كبيرا لمفردات قاسية في دلالتها النفسية ، فهي متردده أمام فعل الكتابة والجدوى من ورائها :- فتستحضرنا جميعا أمام حالة التمزق والضيق والألم التي تعتصرها كلما همت بالكتابة أو همت بها الكتابة
(وأكتب إيه _ تاهت عناويني _ مرسالي ضايع _ وبيصارع _ قصاد عيني _ شبح خجلان _ لحن قديم _ بأوجاع _ جارح _ مجرحشي _ المجروح – بيتألم _ أنين روحه _ قعد يتأمل الصورة اللي مكسورة _ دموعه ملت خوفه _ أمل بردان _ طوى الصفحة _ شال الدمعة من عينه _ بيستكتر على نفسه _ مستني _ هيطول _ هيستنى _ لغى الضحكة _ خبى الصوره م السكة )
اللغة إذن عندها تحمل عباءة ثقيلة من مشاعر الخوف والألم والتمزق وتوحي بالحالة والتركيبة النفسية للذات المبدعة وللقاسم المشترك بينها وبين أبناء شعبها الذي يحترف انتظار المقسوم الذي قد لا يجيء ، ويؤجل الفرح ويخشى الإفراط فيه . ويستسلم في رضوخ تام لقدره المحتوم ،
كما تأتي الصورة الشعرية متسقة مع ذلك الجو الذي يشع من مفردات القصيدة وتراكيبها اللغوية الغارقة في الألم والحزن فنراها تميل في صورها إلى الكناية التي هي في جوهرها فن من فنون التلميح القولي وتزاوج بينها وبين التشبيه والاستعارة كما في قولها ( شبح خجلان ) ( لحن قديم ) ( أنين روحه ) ( أمل بردان ) ( لغى الضحكة ) ( خبى الصورة م السكة )
والحقيقة أن الخطاب الشعري داخل هذه القصيدة _ وغيرها من القصائد التي يأتي تناولها تباعا _ لا يتعمد اصطناع الصورة و الإكثار منها ولا أن يكون مثقلا بالمحسنات البديعية بقدر ما يتعمد أن يكون تلقائيا ورشيقا في الوصول إلى غاياته الفكرية والنفسية
وليس ببعيد عن هذا الجو النفسي ما قدمته الشاعرة في قصيدتها ( ما فيش فايدة) وقصيدتها ( أنا الفارس )
ففي قصيدتها ( ما فيش فايدة) يبدأ الخطاب الشعري بحالة استسلام صادمة
ما فيش فايده _ يدق الحزن ع الأبواب _ بنفتحله وبنسلم ؟!!
ما فيش عبره من الحكايات _ ودنيتنا ملاها الخوف _ وحذفت م القاموس كلمه
بتعلنها العيون وتفوت _ ونبلعها ف أروحنا _ تطوحنا _ أغاني البؤس والحرمان
وتشجينا قوي الألحان
انه استسلام كاستسلام الموتى لا إرادة لأصحابه ولا طاقة لهم بدفعه عنهم ، فهذا الحشد والتكثيف لكل مشاهد الحزن والألم بمفرداته وصوره أنما يأتي كمقدمه وإرهاص لليل المظلم الذي يسبق الفجر المنير، للحلم الذي لا يتحقق منذ زمن بعيد وربما شعرت الشاعرة باقترابه ودنوه منهم ، ولا تجد الشاعرة في ذلك الوقت طريقا تشير عليه وتومئ به غير القرآن الكريم باعتباره جامع الأمة وموحدها
وننسي كتاب _ بيتكلم عن الدنيا وع الاخره _ وكيف نوصل لبر أمان _ لكن ف القلب مهما كان
دموع بتنضف المطحون ف ليالينا _ وتدعي لخالق الأكوان يعدينا.. ويحمينا _ نفوق لحظة
نلاقي المعضلة اتحلت _ ونستنى بقي المكتوب .
وهي هنا كما في القصيدة السابقة تميل في خطابها الشعري إلى حشد الألفاظ والتراكيب والصور الموحية
بالحزن والقهر والألم والاستسلام ولا ترى مخرجا من هذه الحالة إلا من خلال انتظار المقسوم مرة والمكتوب مر أخري ، ولأنها فقدت الثقة في وجود رغبة جمعيه في الخلاص فإنها تنتظر تلك الحلول القدرية التي تأتي بسعي أقل
( وهو الدعاء) وبإرادة إلهية أكبر ( وهي القدر )
غير أنها في قصيدتها( أنا الفارس) تبدو أكثر تصميما على إرادة الفعل من الاستكانة والرضا بالدعاء ، ويبدو الخطاب الشعري منولوجا ( دراميا ) بين الشاعرة والوطن ( في صورة المحبوبة الأسيرة ) ويتجه إلى تبني اتهاما كلاسيكيا للوطن بإقصاء أبنائه المخلصين . تماما تفعل المحبوبة التي تجحد أشواق عاشقها . ولكنه خطاب شعري ثري بالتساؤلات المدهشة على الرغم من غرقه في السمات الأسلوبية السابقة ، لكنه يتحلل منها في لمحة تفاؤل خاطفة في آخر القصيدة إيذاناً باقتراب لحظة الخلاص ( هييجي اليوم وأقولهالك وأكون ليكي أنا الفارس )
* بنية الرفض والتمرد
هذه المرحلة إن جاز إن نسميها بذلك تسلمنا لمرحلة جديدة في هذا الديوان كتحول تدريجي من مرحلة الاستسلام والخضوع إلى مرحلة الرفض والتمرد وتتمثل في قصائد عديدة داخل الديوان كقصيدة ( مافيش تجريح ) و ( مشتاق قوي ) و ( من غير شعاع )
و( يعجبك ؟!) و ( ما تلومش حد ) ، وفيها تفاجئنا الشاعرة شاهيناز فواز بأنها كرهت رداء الخنوع والاستسلام وإنها عازمة على التحول لحالة الرفض والتمرد على سلطان الشائع والمألوف الذي كبلها وكبل شعبها في قيود الذل
والهوان ، فتختلف تبعا لذلك البنية الشعرية وتنفتح على خطاب شعري يعكس إصرارا وتحديا للقهر والخزي وتشع مفرداته وصوره بكثير من الإرادة والتفاؤل كما هو الحال في قصيدة ( مافيش تجريح ) :_
ولا هقبل أكون إنسان على الهامش _ وهزرع جوه أيامي حياه تانيه ولا الأساطير_ يا عصر مفسر الأحلام _ يلاقي القلب حراسه _ ويتلاقى مع ناسه يا أم الدنيا يا غالية .. _طب ادعلنا _ نلم الشمل فى الجنه على أرضك _ ما فيش سجان على بابك _ وأنا بقرا يدوب عنوان
هنا نلحظ لغة جديدة وتراكيب مختلفة ومفردات تعكس إصرارا وتحديا كبيرين فالمفردات والصور الشعرية لا تنفصل عن الحالة النفسية لتلك النصوص بل تفسرها وتصبح جوادا تمطيه الشاعرة لتصل إلى ما تريد ،
وفي قصيدة ( من غير شعاع ) يستمر نفس الخطاب الشعري في تبني لغة متفائلة بشوشة برغم المخاوف النفسية المألوفة التي طغت على المحور الأول من الديوان ، فالرغبة في الانعتاق والخلاص واضحة وجلية داخل نفس الشاعرة وهي تستنهض بها الهمم وتبشرها باقتراب لحظة الإشراق والنور :-
مع كل طلة يوم جديد ارسم شعاع بيبص لعيون السما _ ما هو مش غريب انك تلاقي النفس صاحبة مملكة _ أو طير بيسبح ف الفضا من غير جناح _ أو قلب مليان بالفرح من غير سبب _ وبينشر الفايض من الأفراح
برغم أنها لا تخفي مخاوفها المشروعة في مصارحة ومكاشفة مع نفسها ومع ضميرنا الجمعي في تساؤلات مدهشة وملحة( فكر وقول _ لو قلب عاش عمره جبان.إزاي هتقدر توصله بقلب عطشان للأمان؟! )
إلا أنها تساؤلات شعرية لا تبحث عن جواب بقدر ما تطرح حالة من الرفض والاستنكار والاندهاش والتعجب .من تلك التركيبة النفسية المتجزرة داخل الشخصية المصرية و المتمثلة الرضوخ و الخنوع والاستسلام للقهر والظلم دون الرغبة في الخروج عليه ورفضه
ويستمر تدفق هذه البنية اللغوية والشعريه في قصيدتها ( ما تلومش حد )
(الوقت لسه مانتهاش _ ضاع منه كام ؟! _ داير سؤالك ع المدى وأنت فمكانك متهم _ ما تلومش حد _ أنت اللي واقف مطرحك .. _ تاه الطريق لكن ما ضعش _ خليك جرئ وأحلم تكون ح تكون بجد ... _ مليون غريق ح يعلمك إزاي تفوت وسط الغمام وتحس إن المر شهد )
هذا الخطاب الشعري الرافض والمتمرد تعززه الشاعرة بالكثير من المحفزات العقلية كما سبق وطرحنا من تساؤلاتها المتلاحقة التي لا تطلب الإجابة عليها ومن تراكيبها وصورها التبشيعية لحالة الاستسلام وتعززه أيضا باستلهامها للمفردات الدينية باعتبارها قاسما مشتركا بيننا جميعا كما في قصيدتها ( يعجبك ؟!)
( ومّا سجادة صلا يوم توحشك _ تبقى فاكر إن قدامك ركوع _ وإن اللي فاتك من سجودك الخشوع وقلب حافظ دعوه شايلها القدر _ يبقى الدعاء اللي ف حياتك عمره ما هيروح هدر )
*بنية التحدي والنصر
هنا تنتقل الشاعرة إلى مرحلة جديدة كتبت فيها قصائدها مع الثورة وبعدها ونلاحظ في خطابها الشعري أن التحدي ممتزج بفرحة النصر وهي دائما تستخدم تقنية العودة للخلف (الفلاش باك) لاستحضار المشاهد المحزنة في فترات الاستسلام والخضوع لتظهر روعة ما تحقق من انجاز على يد الثورة التي وحدتنا جميعا بعد شتات ، وجعلت كل منا يدرك أن همومه ما هي إلا جزء صغير في هرم هموم هذا الوطن ، وأنه لا خلاص لنا إلا بخلاص محبوبتنا مصر من قيدها الذي طال عليه الأمد ففي قصيدتها ( حبيبتي اللي كانت ) تبدو سمات هذا الخطاب الشعري واضحة :
( حبيبتي اللي كانت متكتفه _ وأولادها ياما متشتتين _ مابين الحياة وبين الممات _ وقف قلب صامد حاف ميت يمين _ يحصن حدودها _ يعدّل ف عودها ....._ يا عز العروبة وصبر المصير _ وصلتي لبرك بروح التحدي _ بنحلم ونرسم طريقك يا نيل _ ولا يوم هنرضى بأي بديل _ كلامنا سلام _ وروحنا سلام _ ولحظة وئام بتنهي اللقا )
وتستمر نفس البنية في قصيدة ( يا ميدان التحرير )
(السد اللي ما بيني وبينك راح ينهد _ والصبر اللي زرعته ف ليلك حر وبرد بريقه اتمد _ يا ميدان التحرير سمعنا _ كملنا العنوان بالمعنى _ ولا حد هيقدر يمنعنا _ صادقين النية والوعد )
هنا تسيطر أيضا الغنائية برشاقتها على الخطاب الشعري كإحدي سمات حالة الفرح التي يوحي بها النصر في تحقق الحلم بنجاح الثورة ، هذا الحلم وهذا الفرح الذي ما تحقق إلا بانصهار الكل في واحد ، وبذوبان أحزاننا جميعا في حزن واحد هو حزن الوطن ، وكأن الإحساس بالحزن هو السعي الدائم نحو الفرح كما في قصيدة ( دليل )
و( جرحك يا وطن ) التي تقول فيها :-
( الدموع نازله تعاني ليه كده ؟! _ نازلة بتشكل معاني للفدا _ أصل همك يا وطن غطى على كل الهموم ....._ حزن بيجمع قلوب من طوائف البشر _ لف واتحرك وشوف كل نبض وله أثر _ .. هو إيه ف العمر فاضل يستخبى وراه القمر )
وفي هذه المرحلة من عمر الديوان تعاود الأحزان مرة أخري ظهورها داخل الخطاب الشعري ، فهي أحزان ومخاوف مشروعة من عدم اكتمال الثورة ومن خيانة المتربصين بها، هؤلاء الذين يشعلون الفتنه ويؤججون نارها بين أبناء الشعب الواحد ، ويختلقون العراقيل في وجه التيار الثوري ويظهر هذا واضحا في قصيدة ( وبتصعبي عليا قوي) :_
وبتصعبي عليا قوي _ لما بشوف ف عنيكي نظرة دربكه _ .. صوت الأذان صوت الجرس _ عايشين سنين من غير حرس _ طب هم مين اللي بيتأمروا علينا ف مسجدك وف معبدك ؟! _ كنا زمان بنقول يجوز أو احتمال _ بس النهارده الشر بان _ والحق ردد الجبان مش مننا )
لا يمكن أن نتجاهل إذن تلك البنية الثالثة للقصيدة والتي تجيء كنتيجة للبنيات الشعرية السابقة عليها في تطور منطقي وفني مقبول ونلاحظ ذلك في اللغة والصورة المعجونة بالتحدي والنصر المشوب بالخوف في بعض الأحيان ، على أن الشاعرة لازالت تحافظ على سمات عامة لإبداعها داخل كل هذه المراحل والبنى المتدرجة داخل قصائدها ، أهمها أنها لا تتعسف في اصطناع صورتها وتأتي تراكيبها اللغوية تلقائية وبلا أي افتعال .. وإن كانت في بعض الأحيان وهي قليلة تأتي بلفظة فصحي داخل سياق قصيدتها العامية .
* بنية التمزق والاغتراب في عالمنا المعاش
والديوان يعبر في مجمله عن تجربة واحدة بأصوات مختلفة ومتنوعة وتبعا لحالة وميقات كل قصيدة ، إلا أن هناك بعض القصائد التي بثتها شاعرتنا في تضاعيف ديوانها تعبر عن تجربة خاصة تحمل ولاشك قواسم مشتركة مع غيرها من القراء وتعبر عن حالة من الغربة والاغتراب داخل واقنعا المعاش وتتسم بنزوعها نحو رومانسية جديدة ربما كانت أقرب للواقعية السحرية فهي تقتحم موضوعا ربما لا تكون بطلته الأولى لكنها تعايشه وترقبه بحسها الشعري فعالمنا اليوم يتجه إلى نزعة الاستهلاكية حتى في مشاعره وأحاسيسه فالحب أصبح خداع كاذب والحبيب صار مخادعا يرى في الحب نزوة أو تسليه ولا يتحمل مسؤولياته تجاه من يحب ، فيفرض ذلك صراعا قاسيا على النفس بين رغبتها في ترك مشاعرها تنمو في حديقة الحب وبين عقلها المدرك لفشل تلك التجربة من بدايتها وتتجسد تلك المرحلة في قصائد (نبض حاير) و (مسألة ) و ( إحساس مريب)ومن الأخيرة نقرأ :- (كدبك خلاص ليا انكشف _ ما أنتاش صديق ومفيش أسف بس الغريب رغم إني رافض مبدئك _ بلاقيني عاوز أبدئك _ وألقى انجذابي ليك بجد إحساس مريب )
وفي قصيدة نبض حاير تستمر تلك العلاقة المتوترة مع الحبيب الخادع والمخادع :-
( وعاوزني أكون ليك البديل ؟! _وما فيش دليل _ صدق النوايا معاك حفر... _ فبلاش تقوّلني كلام _ حتى السام بتشكلّه تملاه ملام ... )
وتستمر أيضا نفس الإشكالية في قصدة مسألة :-
( دمعه مني تشتكي كتر الجحود _ كمل بقى أهو كل حبة ذكريات _ حمل على أكتافي الآهات )
هذه المعاناة و هذا الصراع المتجسد في هذه القصائد الثلاث يقود شاعرتنا إلى طرح رؤيتها العامة ونظرتها الشاملة للكون والحياة من حولها في رؤية ربما تكون مثقلة بالمواجع والهموم لكنها تحمل قيما سامية ونبلا شامخا وتتجسد تلك الرؤية في قصائدها (صراع كداب ) و (جوه صندوق الحكايا ) و ( بين الغيوم .. طله )
والقصيدة الأخيرة تعبر أصدق تعبير عن رؤيتها وفلسفتها للحياة التي لا تخلو من ألم وحيرة لكنها لا تلبث أن تلوذ بإيمانها الراسخ بأننا نسلم الحياة لغيرنا كما تسلمناها ممن قبلنا في واقعية صادمة :- ( ومن بين الغيوم طله _ وبتفرج على الكائن وع المكنون ف قلب الكون _ حكاوي الناس بتنهي الشكل والمضمون _ وبتأمل ألاقي سكون _ وليل مسكون بجبن من القلم والفكر _ وقتل الحرف للمعنى مالوش ديه ........ _ وعمر حزين بيتندم على اللي كان _ وصوت حرمان _ ووقت أدان _ يارحلة وبعدها فوقان _ يقول للجي كان يا ما كان )
لأول مرة عبر قصائد هذا الديوان أقف مشدوها ومنبهرا أمام هذا الحشد من الصور الجديدة والمبتكرة والمعبرة في عمق عن مأساة هذا الإنسان الذي يجسدنا جميعا
ثم تأتي الخاتمة قوية ومعبرة عن ذات كبيرة وسامقة في اعتداد بذاتها الشاعرة التي تكتب بنض وريدها ودمائها الحارة فتكون قصيدة العنوان للديوان ( كلام فارغ ) :
( انا مش بكتب الأشعار _ ولا بختار كلام موزون _ أنا بنزف على الورقة _ وأسيب الدم للمضمون _ أنا قادرة أقول أكتر _ ولكن مين ح يسمعني ؟! _ كلام فارغ ومتقدر _ أقوله وحسي يوجعني _ عشان هو _ كلام فارغ من الزلات _ كلام فارغ من النزوات _ كلام فارغ من احتمالات _ ماهي كلمات ....._ وتتشكل معاه أنات_ بترسم م الدموع فرحة _ وتنهي الباقي م الحكايات )
هكذا تستمر الشاعرة في صنع الدهشة عندما تستخدم سياقا مبتورا أو تستخدم تقنية الإيجاز بالحذف مثل
مثل تسميتها للقصيدة كلام فارغ ... (من أي شيء هو فارغ ) وحينما تجيب تصيبنا بالدهشة أكثر
كلام فارغ من الزلات
كلام فارغ من النزوات
كلام فارغ من احتمالات
هذه سخرية مريرة من رؤية الناس للأدب بأنه كلام فارغ لأنه لا يشتمل على ثمار نشوتهم التي لا تبرح أن تكون زلات ونزوات واحتمالات . هكذا أبدعت شاهيناز في حشد الصور الرائعة المبتكرة في هذه القصيدة والتي تسبقها
وطرحت رؤية مغايرة لواقعنا لا تخلو من سخرية حكيمة وبناءة في محاولة منها لحثنا على إعادة قراءة مشاهد حياتنا اليومية بشكل يتناسب مع احترامنا لقيمنا وثوابتنا ومقدساتنا العقلية والروحية
ولا يسعني إلا أن أقدم لها باقة ورد عطرة على هذه التجربة الثرية وأمنيات خالصة بمزيد من الإبداع والتميز
الشاعر والناقد / أحمد صلاح كامل
في 12/10/2012
ساحة النقاش