مقدمة:

أدت التغيرات العالمية التى حدثت فى العقدين الماضيين وصعود مفاهيم التنمية البشرية وحقوق الإنسان، وحق جميع المواطنين فى المشاركة فى الحقوق والواجبات المرتبطة بتنمية المجتمع على أساس حقوق المواطنة، إلى تصاعد الاهتمام بالطفل مع اعتبار حقوقه فى النمو السليم جسدياً وفكرياً ووجدانياً جزءاً من حقوق الإنسان. ووصل هذا الإهتمام إلى أعلى درجاته بعقد مؤتمر القمة العالمية للطفولة فى عام 1990، والذى صدرت عنه  الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل CRC وقد صدقت عليها حتى الآن معظم دول العالم، ومن بينها مصر، فصارت جزءًا من التشريع الوطنى. وقد تعاصر مع تصاعد الإهتمام العالمى بالطفولة ومع تنامى النظام الاقتصادى القائم على العولمة ظهور الأزمات الاقتصادية على مستوى العالم وبشكل مضاعف فى دول الجنوب النامية التى تواجه، بشكل شبه دائم، أزمة تراكم رأس المال والتى تفاقمت بسبب تصاعد أزمة الديون فى الثمانينات من القرن الماضى. وفى إطار العولمة تمت صياغة بعض الحلول للخروج من هذه الأزمة، كان من أهمها تبنى معظم دول الجنوب سياسات للإصلاح الاقتصادى تقوم على سياسات وبرامج التكييف الهيكلى. وقد أدت هذه السياسات، باعتراف العالم كله، إلى عدد من الآثار السلبية خاصة على الفقراء فى دول الجنوب كان من أهمها؛ الإستقطاب والاستبعاد الاجتماعى لكثير من الفئات الاجتماعية الفقيرة من الحصول على الحقوق والفرص الاجتماعية والاقتصادية المتاحة فى المجتمع. وكان أكثر فئات الفقراء تضرراً هم النساء والأطفال. ومع زيادة معدلات الفقر وانتشار البطالة وتضخم أسعار متطلبات المعيشة والخدمات الاجتماعية، بالإضافة إلى زيادة معدلات التحضر فى الدول النامية والاختفاء التدريجى للعلاقات الأسرية الممتدة التى كانت أساساً للمساندة والدعم، برز عدد من الظواهر الاجتماعية السلبية، التى شملت أساساً أطفال الأسر الفقيرة والمعدمة، من أهمها عمالة الأطفال دون السن القانونية، وأطفال الشوارع، وارتفاع معدلات الإعاقة بين الأطفال. كما عانى الأطفال فى بعض المجتمعات من الصراعات والحروب الأهلية بحيث أدى ذلك فى بعض الأحيان إلى استغلال الأطفال فى هذه الصراعات وفى الأنشطة الإجرامية. وقد لفتت هذه الظواهر الأنظار ومن ثم امتد الإهتمام بالطفولة بشكل عام ليشمل هذه الفئات من الأطفال بشكل خاص. و ظهرت بعض الرؤى النظرية والتحليلية لأوضاعهم بهدف تحديد أسباب هذه الظواهر والتدخلات الملائمة لمواجهتها. وكان من نتائج ذلك ظهور مفهوم "الأطفال فى ظروف صعبة" والذى تبنته الأمم المتحدة من خلال منظمة اليونيسيف، التى تبنت أيضاً فى السنوات الأخيرة مصطلح "الأطفال المحتاجون لحماية خاصة".ويشير مصطلح الأطفال فى ظروف صعبة إلى فئات من الأطفال خرجوا أو أستبعدوا من السياق الطبيعى للمجتمع نتيجة لظروف إقتصادية واجتماعية وأسرية ليس لهم يد فيها، وبالتالى يجب أن يعاملوا كضحايا لا كمذنبين، كما يجب أن تشمل التدخلات الطفل وظروفه التى دفعته إلى هذه النتيجة، بهدف تغييرها، حتى يكون علاج الظاهرة جذرياً بحيث يحمى الطفل من الإرتداد مرة أخرى لنفس السلوك نتيجة لاستمرار الظروف المسببة له. فيما  يشير مصطلح الأطفال فى حاجة إلى حماية خاصة إلى مجموعة الأطفال اللذين يتعرضون لأخطار جسيمة، تحرمهم من التمتع بحقوقهم المجتمعية، من ثم يجب منحهم حماية خاصة بهدف تأهيلهم وتمكينهم من الحصول على هذه الحقوق. وهنا يمكن القول بأن المصطلح الأول يبدو أكثر وضوحاً من حيث الإعتراف بالدور الذى تلعبه ظروف هؤلاء الأطفال ومن حيث ضرورة التعامل مع هذه الظروف، وأن المصطلح الثانى يؤكد على حق هؤلاء الأطفال فى بذل كل الجهود الممكنة لمنحهم حماية خاصة تمكنهم من الحصول على حقوقهم والعودة مرة أخرى للاندماج فى المجرى الطبيعى للمجتمع. وفى هذا الإطار يعتبر كلا من المصطلحين مكملاً للآخر ويمكن اعتبارهما أساساً لأية إستراتيجية لمواجهة هذه الظواهر. ومن المهم التأكيد على أن الظروف الصعبة التى تعانيها هذه الفئات من الأطفال هى دائماً خارجة عن إرادة الأطفال أنفسهم. ويعتبر الفقر من أهم العوامل الأساسية المشكلة لظروف أولئك الأطفال. كما يرتبط به سمات وعوامل أخرى، تشمل إفتقارهم بشكل عام إلى التعليم والرعاية الصحية والمأوى المريح والفرص الأخرى الضرورية لنموهم الطبيعى، وإلى المعارف والمهارات اللازمة للنجاح فى حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤدى إلى إفتقارهم إلى السيطرة على حياتهم وإلى إنعدام قدرتهم على الاختيار أو الإبداع. ومن الملاحظ تزايد  أعداد الأطفال اللذين يعيشون فى ظروف صعبة يوماً بعد يوم، بحيث يزداد تعرضهم للحرمان، الجزئى أو الكلى، من التمتع بالفرص والحقوق المجتمعية، كما تتعرض هذه الفئات إلى العديد من الأوضاع المستغلة داخل المجتمع. ويرجع ذلك، بالإضافة إلى العوامل التى تم ذكرها، إلى أن الاهتمام بقضايا واحتياجات الطفولة، رغم تصاعده كما وكيفاً، ما زال بعيداً عن أن يكون مكوناً أساسياً يشغل مكان الصدارة فى خطط التنمية الوطنية بناء على وعى راسخ بأن تنمية الطفولة ليست مجرد مشروعات اجتماعية أو اقتصادية جزئية سواء على المستوى الحكومى أو الخاص، أو استحداث لبعض المؤسسات أو التشريعات، ولكن تنمية الطفولة تتطلب صياغة سياسة شاملة متعددة المداخل ومتكاملة مع غيرها من السياسات التنموية بإعتبارها مكوناً أساسياً وليس تابعاً. 1 - ظاهرة أطفال الشوارع فى مصر1-1     إطار مفهومي:ترتبط ظاهرة أطفال الشوارع- مثل أية ظاهرة اجتماعية- بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة فى المجتمع فى لحظة تاريخية معينة. وتعتبر هذه الظاهرة عرضاً اجتماعياً لأسباب اجتماعية واقتصادية أعمق من هذا العَرض. ولذلك فإن التصدى لها لا يمكن أن يحقق أهدافه إلا إذا كان على أساس نظرة شمولية تحلل وتعالج الظاهرة وأسبابها الجذرية فى نفس الوقت. كما يجب أيضاً النظر إلى الظواهر الاجتماعية على أساس ترابطها فى شبكة من علاقات السببية المتداخلة. ومن قبيل ذلك تداخل ظاهرة أطفال الشوارع مع عمالة الأطفال والدعارة والتعاطي وإدمان المخدرات والاتجار فيها والتسرب الدراسى، وارتباط كل ذلك بالفقر وإنخفاض المستوى الاقتصادي و إرتفاع معدلات البطالة، وانتشار العشوائيات كانعكاس لأزمة المساكن. و يضاف إلى ذلك التفكك الأسرى وتدهور النظام التعليمى ومحدودية شبكة الأمان الاجتماعى. وتعتبر ظاهرة أطفال الشوارع بحجمها وسماتها الحالية ظاهرة حديثة نسبياً فى مصر، ارتبط ظهورها بتزايد معدلات الفقر والإستقطاب والإستبعاد الاجتماعى كأحد النتائج السلبية لسياسات الإصلاح الاقتصادى والتنمية غير المتوازنة بين الريف والحضر التى زادت من معدلات الهجرة الداخلية. وقد أوضحت الدراسات حول هذا الموضوع أن كل أو الغالبية العظمى من الأطفال اللذين يدخلون تحت مسمى "أطفال الشوارع" فى مصر قد أتوا من عائلات تقع تحت خط الفقر المدقع وأن معظم هؤلاء الأطفال يأتون من الريف أو من المناطق الحضرية الفقيرة حيث هاجرت إليها عائلاتهم من الريف للبحث عن فرص أفضل للعيش. غير أنه نظراً لعدم توافر فرص العمل فقد أصبحت حياتهم أكثر شقاء وفقرا. كما لوحظ أيضاً أن غالبية هؤلاء الأطفال قد فقدوا أحد الوالدين أما بالوفاة أو الطلاق أو الهجر أو سفر الأب لفترات طويلة من أجل العمل. وفى حالة زواج أحد الوالدين اللذين انفصلاً، أو كلاهما، يرفض الشريك الجديد الطفل فى معظم الأحيان. ومن ثم يصبح الشارع هو البديل المنطقى. ولذلك فإن الفقر والتفكك الأسرى هما أبرز العوامل المباشرة لدفع الطفل إلى الشارع. على أنه قد لوحظ أيضاً وجود علاقة بين هذين العاملين حيث يؤدى عجز الأب عن الإنفاق على عائلته إلى الهروب من مسئولياته كلية بالهجر أو بالطلاق بالإرادة المنفردة الذى ما زال قانون الأحوال الشخصية يتيحه له حتى الآن. وفى معظم الحالات تعجز النساء الفقيرات عن اللجوء للقضاء للحصول على حقوقهن وحقوق الأطفال وإن لجأن للقضاء فإنهن يعانين من بطئ الإجراءات وإذا حكمت المحكمة لصالحهن فإن الحكم لا ينفذ فى معظم الأحوال لعدم معرفة مكان الأب. ولعدم كفاية مظلة الضمان الاجتماعى خاصة بالنسبة للنساء المسئولات عن أسرهن، فإن المرأة تضطر للزواج مرة أخرى ويضطر الأطفال، لإحساسهم بالرفض وسوء المعاملة، إلى الخروج للعمل أو الهروب إلى الشارع فى معظم الأحيان، خاصة وأنهم كثيراً ما يعانون من سوء المعاملة فى مكان العمل. وفى هذا الإطار عادة ما يستبعد الطفل من التعليم عن طريق التسرب أو عدم الإلتحاق به من البداية.ورغم أن الفقر هو السبب الرئيسى للتسرب من التعليم، فإن نظام التعليم القائم والمتاح حالياً يعانى من أوجه قصور عديدة تساهم فى ارتفاع نسبة التسرب. من هذه الأسباب إرتفاع تكاليف الدراسة و انتشار الدروس الخصوصية، وضعف القدرة الإستيعابية للمدارس وازدحام الفصول، وعدم تلاؤم المنهج مع احتياجات الطفل والأسرة وسوق العمل، وكذلك افتقار المدارس إلى العدد الكافى من المشرفين الاجتماعيين المدربين على حل المشكلات التى تواجه التلاميذ بأسلوب يختلف عن العنف الذى يمارسه المعلمون فى كثير من الأحيان. ويضاف إلى ذلك أيضاً انخفاض كفاءة التعليم والميل إلى استخدام أسلوب التلقين، واستخدام أساليب عنيفة فى العقاب مما يدفع الطفل للهروب من المدرسة، مما يؤدى بالتالى إلى تدنى الإستفادة من العملية التعليمية بحيث يرتد الطفل إلى الأمية مرة أخرى. ناهيك عن إختفاء الدور التربوى والتثقيفى للمدرسة فى الحقب الأخيرة لإنعدام المكان اللازم وقصر اليوم المدرسى بعد تبنى نظام الفترتين. وتعتبر ظاهرة أطفال الشوارع ظاهرة حضرية فى الأساس ترتبط بتزايد التحضر بسبب تصاعد معدلات الهجرة من الريف إلى الحضر. ويلاحظ أن ظاهرة أطفال الشوارع فى مصر كانت فى بدايتها ظاهرة ذكورية فى غالبيتها، على أن هناك مؤشرات تدل على تزايد الإناث ضمن أطفال الشوارع.
1-2 تعريف ظاهرة أطفال الشوارع:تستلزم مواجهة أية ظاهرة اجتماعية إمكانية رصدها، وذلك بمعرفة حجمها وسماتها التى تميزها عن غيرها من الظواهر، حتى يمكن تحديد التدخلات الملائمة والحلول الفعالة. ورغم شيوع مصطلح أطفال الشوارع إلا أنه، بسبب حداثة الظاهرة لا يوجد لها حتى الآن تعريفاً محدداً ومتفقاً عليه. ولذلك تعامل الظاهرة قانونياً تحت مسميات أخرى وردت فى قوانين الأحداث مثل "التشرد" أو "التسول" أو "التعرض للإنحراف" ..الخ. وقد اختلفت التعريفات التى حاول البعض وضعها لهذه الظاهرة بحسب التركيز على معايير مختلفة. فقد ركز البعض على تواجد الطفل فى الشارع وممارسته لمختلف أنشطة حياته بما فيها النوم وارتباط ذلك بمدى علاقته بالأسرة. وفى هذا الإطار أعتبر طفل الشارع هو "الطفل الذى يعيش ويعمل وينام فى الشارع وينتمى إلى مجتمع الشارع، مع إنقطاع العلاقة بالأسرة أو وجود علاقة واهية بها". ويركز البعض الآخر على معيار "الخطورة" التى يتعرض لها الطفل بسبب وجوده فى الشارع دون رقابة أو حماية من الأسرة. وبناء على ذلك يعتبر الأطفال اللذين يقضون معظم وقتهم فى الشارع يتسولون أو يعملون أعمالاً تافهة، هم من أطفال الشوارع المعرضين للإستغلال والخطر دون حماية أو رعاية أسرهم، حتى ولو كانوا يعودون للنوم فى منازلهم مع إستمرار العلاقة نسبياً بالأسرة. وقد حاول البعض التقريب بين هذين التعريفين، فأكد على إرتباط هؤلاء الأطفال بالشارع، غير أنه يفرَّق بينهما بأن يطلق على الفئة الأولى " أطفال الشوارع" وعلى الفئة الثانية "أطفال فى الشوارع" حيث تتعرض كلا الفئتين لأخطار الشارع ولآليات التعايش فى مجتمع الشارع، ولكن إرتباط الفئة الثانية بالأسرة ما زال أكثر قوة ، مما يقلل من تأثرها بديناميات الشارع . وتعتبر هذه التفرقة ذات أهمية عند تحديد التدخلات لمواجهة الظاهرة. على أن ما يمكن أن يؤخذ على هذه التعريفات أنها تعريفات وصفية تركز على سمات وأعراض الظاهرة دون تحليلها بوضعها فى سياقها الاجتماعى الاقتصادى، بحيث يشمل التحليل الأسباب الجذرية للظاهرة حتى تكون المواجهة والمعالجة أيضاً جذرية. وفى هذا الإطار يلاحظ أن مفاهيم "الحدث" و "انحراف الحدث" و "طفل الشارع" قد تمت صياغتها خارج الشروط المجتمعية التى أدت إلى إنحراف الحدث أو خروج الطفل إلى الشارع.ولذلك فهى لا تشمل البعد الاجتماعى فى تعريف طفل الشارع، كما أنها لا تعبر موضوعياً عن واقع يعيش فيه الطفل، ويدفع به إلى الشارع، دون ذنب منه، مما يجعله غير مسؤول عن وضع وجد نفسه فيه. ولذلك بالإضافة إلى التعريف الوصفي السابق، ورغم فائدته فى وصف الظاهرة، فإن التعريف الأكثر قدرة على تفسير الظاهرة والدفع إلى إيجاد حلول جذرية لها هو أن:" طفل الشارع هو ذلك الطفل الذى عجزت أسرته عن إشباع حاجاته الأساسية الجسمية والنفسية والثقافية كنتاج لواقع اجتماعى اقتصادى تعايشه الأسرة، فى إطار ظروف اجتماعية أشمل، دفعت بالطفل دون اختيار حقيقى منه إلى الشارع كمأوى بديل معظم أو كل الوقت بعيداً عن رعاية وحماية أسرته، يمارس فيه أنواعاً من الأنشطة لإشباع حاجاته من أجل البقاء، مما يعرضه للخطر وللإستغلال والحرمان من الحصول على حقوقه المجتمعية و قد يعرضه للمساءلة القانونية بهدف حفظ النظام العام".  وقد أدى غياب تعريف محدد للظاهرة حتى الآنكظاهرة اجتماعية/اقتصادية و الاقتصار على معاملة هؤلاء الأطفال قانونياً، على أساس المواد الواردة في قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، تحت اسم أطفال معرضون للإنحراف، إلى عدم معرفة الحجم الحقيقى لظاهرة أطفال الشوارع بشكل دقيق، حيث تشير معظم الإحصائيات المتوافرة إلى عدد الأطفال اللذين تم إلقاء القبض عليهم وتم تسجيلهم فى أقسام الشرطة بناء على التعريف القانوني المشار إليه. ويعكس هذا الوضع إستمرار التعامل مع هذه الظاهرة باعتبارها ظاهرة قانونية إنحرافية بالأساس مما يتعارض تماماً مع الرؤية الاجتماعية الاقتصادية الحقوقية لوضع هؤلاء الأطفال والتي ترتبط بمنظور حقوق الطفل التي هي جزء من منظومة حقوق الإنسان. على أن المراقبين لهذه الظاهرة يؤكدون على تزايدها وانتشارها فى مراكز حضرية أخرى بالإضافة إلى العواصم الرئيسية التى شاهدت بداية هذه الظاهرة بشكل مكثف. ومن ناحية أخرى فإن بعض الإحصاءات والدراسات الميدانية قد كشفت عن أن حوالى ثلث عدد الأطفال فى سن التعليم الأساسى فى مصر معرضون للخطر، إما لأنهم فى سوق العمل دون السن القانونية أو فى الشوارع أو محرومين من الرعاية الأسرية والإجتماعية. وقد تزايدت نسبة التسرب من المدارس أو عدم الإلتحاق بها أصلاً بسبب الفقر وتدهور النظام التعليمى وإرتفاع تكلفته . ويعتبر وجود تعريف واضح ومحدد لظاهرة أطفال الشوارع شرط أساسي لتحديد حجمها إحصائياً. بالإضافة إلى ضرورة العمل على التغلب على صعوبات الإحصاء المرتبط بكونها ظاهرة متحركة لعدم إستقرار الأطفال فى أماكن معينة وإنتقالهم بصفة مستمرة بين الأحياء والمدن. من ثم يمكن أن يعتمد التحديد الإحصائى لظاهرة أطفال الشوارع على المنهجية المتبعة من قبل الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى المسوح الكبيرة التى يتحتم إنجازها فى وقت قصير للحصول على صورة أقرب للواقع. 1-3 سمات أطفال الشوارع:رغم أن هناك سمات عامة تميز أطفال الشوارع من حيث الأسباب العامة لخروجهم إلى الشارع ومن حيث نمط حياتهم فيه وكذلك من حيث إشتراك هؤلاء الأطفال فى الحرمان من الفرص والحقوق المجتمعية بسبب وجودهم فى الشارع، غير أنه لا يجب النظر إليهم باعتبارهم فئة متجانسة حيث أن هناك إختلافات كثيرة بينهم كأفراد، بالإضافة إلى أن وعيهم الذاتى لا يعبر عن رؤيتهم لأنفسهم باعتبارهم أعضاء فى جماعة واحدة إسمها "أطفال الشوارع" أو تحت أى مسمى آخر. ويعد الوعى بعدم تجانس هؤلاء الأطفال من العوامل المهمة فى تحديد التدخلات الملائمة، مع التأكيد على أهمية تفريد المعاملة فى إطار عمليات التأهيل لإعادة إدماجهم فى المجتمع. ويختلف أطفال الشوارع على أساس إختلاف المتغيرات والمعايير المرتبطة بظروفهم الذاتية والموضوعية وظروف تواجدهم فى الشارع بحسب المعايير التالية: ·        فمن حيث سبب التواجد فى الشارع قد يكون البعض مطروداً من أبويه بسبب الفقر أو التفكك الأسرى، وقد يكون مدفوعاً من أبوية ليعمل فى الشارع للحصول على دخل للأسرة، وقد يهرب البعض إلى الشارع بسبب إساءة معاملة الأهل لهم، أو بسبب تخليهم عنه.·        أما من حيث الأعمال التى يقومون بها، فقد يعمل بعضهم فى أعمال هامشية فى القطاع غير الرسمى لحساب نفسه أو لحساب غيره من الكبار مثل مسح العربات وجمع البلاستيك أو الكرتون من القمامة وبيعه، أو حرق البخور أو التسول أما البعض الآخر فقد يقوم بأنشطة تقع تحت مسمى الجرائم الصغيرة وقد يكون بعضها جرائم خطيرة مثل بيع المخدرات. وقد يستغل بعضهم من قبل تنظيمات سياسية غير شرعية تتبنى العنف كوسيلة للتغيير.ومن المهم هنا التمييز بين عمالة الطفل العادية وعمالة طفل الشارع. حيث تتميز عمالة الطفل فى الشارع بأنها تقوم على الأنشطة الهامشية التى تقترب إلى حد كبير من التسول، والتى يؤديها فئة من الأطفال يوجدون بصفة مستمرة فى الشارع لقاء أجر أو عائد معين من أجل استمرار بقائهم. ويلاحظ هنا أنها أنشطة تسهم فى استنزاف قوة عمل شريحة عمرية غير مرتبطة بالعملية الانتاجية، مما يؤثر سلبياً على تكون مهارات وبناء قدرات هذه الشريحة على المساهمة مستقبلاً فى تطور المجتمع وتنميته. بالإضافة إلى ما ينتج عن هذا الوضع من إستبعاد للطفل من الحصول على حقوقه الإنسانية والاجتماعية التى تضمن نموه نمواً سليماُ مثل التعليم والتدريب واللعب والترفيه. وبالإضافة إلى ذلك، فإنوضعهم الاجتماعى يكون أكثر حرجاً وأكثر مشقة؛ حيث أنهم يعيشون فى ظل غياب أى نوع من أنواع الرعاية، سواء الأسرية أو القانونية أو حتى المجتمعية. فالقانون يعتبر هؤلاء الأطفال جانحين أو مشردين، والجميع يلفظهم باعتبارهم شريحة أدنى من المواطن العادى وأيضاً تضر بالمجتمع. ومن ثم تكون النظرة إليهم غير إنسانية. وذلك على عكس الطفل العامل فى نطاق أسرته، أوفى إطار منشأة أو ورشة، حيث يمنحه القانون بعض الحماية. فضلاً عن أنه يعوض بعض مشقة العمل من خلال انتمائه الكامل لأسرته ورعايتها له فى نهاية الأمر.ورغم هذا الاختلاف لم تلق عمالة طفل الشارع أى اهتمام بوصفها عمالة لها خصائصها والتى يمكن أن يتم تنظيمها بالشكل الذى يجعلها أحد المداخل لمواجهة ظاهرة أطفال الشوارع. ولكنها ما زالت تقع فى نطاق التجريم من المجتمع والقانون. فضلاً عن الاستهجان الذى يواجه الطفل أثناء وجوده فى الشارع و التعامل معه بوصفه طفلاً منحرفاً ينبغى تقويمه بتدابير تقرب من العقاب فى كثير من الأحيان.·        ومن حيث المعيار الخاص بمدة البقاء فى الشارع والعلاقة بالأسرة فإن بعض الأطفال يعيش وينام فى الشارع طوال الوقت، ومن ثم تضعف علاقته بالأسرة. والبعض الآخر ينام فى الشارع بعض الوقت أو يبقى فى الشارع طوال اليوم ثم يذهب إلى بيته للنوم، وبذا تستمر علاقته بالأسرة وإن كان بعيداً عن رعايتها معظم الوقت مما يعرضه لأخطار الشارع أسوة بالأطفال الآخرين.·        من حيث الحالة التعليمية فإن بعضهم ترك المدرسة أو لم يدخلها عل الإطلاق، والبعض الآخر يخرج إلى الشارع فى فترة العطلات المدرسية للحصول على دخل يساعده أثناء فترة الدراسة.·        ومن حيث المكان الذى يأتون منه فإن بعضهم يعيش فى الحضر سواء من أسر حضرية أو ريفية مهاجرة، وبعضهم من أسر ريفية فقيرة ما زال تعيش فى الريف.·         أما من حيث قدرات هؤلاء الأطفال فإن البعض منهم شديد الذكاء وسريع التصرف، والبعض الآخر قد يتسم بانخفاض قدراته العقلية.·         ويقع أطفال الشوارع بين الفئة العمرية 7-18 سنة وتزيد النسبة فى الفئة من 11-14 سنة. ويلاحظ تزايد عدد الإناث وقيامهن بنفس الأنشطة، إلا أن الاستغلال الذى يتعرضن له يؤدى إلى عواقب وخيمة . كما أن درجة رفض المجتمع لهن أعلى من الذكور وذلك بسبب النظرة التقليدية للأنثى التى ترى أن مكانها الطبيعى هو البيت وأن وجودها خارج البيت هو إستثناء لا يجب التوسع فيه. ومن المهم هنا ملاحظة أن فقر أطفال الشوارع يتسم بأنه يتخطى الفقر الاقتصادى إلى فقر القدرات، الذى يعتبر بدوره نتيجة وسبباً لعدم حصول الطفل على الفرص المجتمعية المتاحة. ونتيجة لذلك يدخل هؤلاء الأطفال فى الحلقة المفرغة للفقر الدائم. 1-4 الطفل ومجتمع الشارع:تؤثر علاقة الطفل بمجتمع الشارع غالباً على شخصيته وسلوكياته، حيث أنه يتعرض لخبرات سلوكية وصراعات قد تؤثر على نموه النفسى مما قد يفقده تدريجياً القدرة على التمسك ببعض القيم الاجتماعية كالأمانة والصدق والانتماء للأسرة بل والإنتماء للمجتمع. وقد يجد نفسه مدفوعاً لممارسة أفعال وأنماط سلوكية مخالفة للقانون ومتعارضة مع منظومة القيم الاجتماعية. ويمثل تواجد الأطفال فى الشارع فى حد ذاته أقصى أنواع المخاطر باعتباره عملاً مجرماً فى نظر السلطات مما يهددهم بالقبض عليهم دون إعتبار للمشكلات التى دفعت بهم إلى البقاء أو العمل فى الشارع. وبالإضافة إلى التعرض لحوادث العنف والتحرش الجنسى من جانب الكبار كأحد مخاطر التواجد فى الشارع بالنسبة للأطفال، يتعرض الأطفال لحوادث الطريق وللأمراض وسوء التغذية. كما أن عنصر الخطورة يتمثل أيضاً فى طريقة المعاملة التى يلقاها هؤلاء الأطفال عند القبض عليهم، من حيث إحتمالات تعرضهم للإيذاء البدنى والنفسى داخل الحجز من أفراد الشرطة ومن المجرمين الكبار أيضا. بالإضافة إلى معاملتهم كمنحرفين في إطار مؤسسات القضاء. على أنه كما أن هناك عوامل تساهم فى إبعاد طفل الشارع عن مجرى المجتمع، وهى المشار إليها سابقاً وتسمى عوامل الطرد (الفقر والتفكك الأسرى وسوء المعاملة..الخ). فإن هناك عوامل مساعدة على جذب واستمرار الأطفال فى الشارع وهى الحرية والشعور بالاستقلال والانتماء لمجموعات أخرى وهى بذلك تسهم فى استمرار الظاهرة. ولذلك عند تعريف ودراسة الظاهرة من المهم عدم النظر إلى أطفال الشوارع على أنهم مجموعات من الأطفال يوجدون فى الشارع بشكل منفصل عن مجتمع الشارع نفسه، فهم جزء من هذا المجتمع يتفاعلون معه ويتأثرون به ويؤثرون فيه. وفى هذا الإطار من المهم لفهم ظاهرة أطفال الشوارع فهماً صحيحاً، أن يفهم هؤلاء الأطفال فى إطار العلاقات التى تربطهم بالفئات والمجموعات المختلفة فى الشارع، حيث أن هذه العلاقات تمثل الوسط الذى يتعايشون فيه ويكتسبون أنماطاً سلوكية مختلفة فى إطار مجتمع الشارع. فطفل الشارع لا يعيش حياة فوضوية لا حيلة له فيها كما يمكن أن يتصور غالبية الناس. فرغم أنهم يتعرضون للخطر إلا أن حياتهم فى الشارع منظمة طبقاً لقواعد وأنماط محددة قد تختلف من مكان إلى آخر. فمن أجل البقاء فى الشارع على الطفل أن ينضم لمجموعة شبه منظمة، تمثل له الحماية وتزيد من فرصته فى البقاءSurvival . كما أن لأطفال الشوارع أيضاً علاقات مختلفة ببعض الأشخاص الكبار فى الشارع، مثل الباعة المتجولين وبائعى الجرائد والبقال..الخ وتأخذ هذه العلاقات شكل الصداقة والتعاطف أحياناً، وقد تأخذ شكل الشراكة فى بعض الأنشطة الإجرامية. وتظهر أهمية دراسة مجتمع الشارع عند تحديد السياسات والتدخلات. فقد تفيد بعض التدخلات إذا أخذت فى الاعتبار النقاط الإيجابية المرتبطة بحياة الطفل فى الشارع والتى تتمثل فى قدرته على التعايش مع الظروف الصعبة بذكاء ومهارة، والقدرة على التعامل مع أنماط مختلفة من البشر. كما يجب أن تؤخذ كذلك فى الاعتبار النقاط السلبية المتعلقة بأخطار الحياة فى الشارع لحمايتهم منها. ومن المهم أن تشمل هذه السياسات أيضاً المتعاملين مع هؤلاء الأطفال، والمجتمع بشكل عام، من حيث النظرة إلى هذه الفئة من الأطفال والأنماط السائدة فى التعامل معهم. 2- استراتيجية حماية وتأهيل أطفال الشوارع فى مصر وإدماجهم فى المجتمعتستند إستراتيجية حماية وتأهيل أطفال الشوارع إلى فكرة "حقوق الطفل" كجزء من حقوق الإنسان، كما وردت فى القوانين الوطنية الخاصة بالطفل، وفى الاتفاقيات والقواعد الدولية التى صدقت عليها الحكومة المصرية وعلى قمتها "إتفاقية حقوق الطفل"، حيث أن التصديق على هذه الإتفاقيات يجعلها جزءً من البناء التشريعى الوطنى يجب الإلتزام به. ويتحدد الهدف البعيد أو النهائى للإستراتيجية فى القضاء على ظاهرة أطفال الشوارع وذلك من خلال الإلتزام بحماية هؤلاء الأطفال ومواجهة الظروف التى دفعت بهم إلى الشارع، وتوفير آليات إعادة تأهيلهم وتمكينهم من الإندماج فى المجتمع بالشكل السليم الذى يمكنهم من الحصول على حقوقهم الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والترفيهية، وكذلك حقهم فى المشاركة فى صنع القرارات الخاصة بهم، وذلك بهدف توفير الفرص فى النمو السليم الذى يجعل منهم فى المستقبل مواطنين منتجين وفاعلين مشاركين فى تطوير المجتمع وتنميته مثلهم مثل غيرهم من الأطفال الأكثر حظاً فى المجتمع. وتعتمد الإستراتيجية لأجل تحقيق هذا الهدف على تبنى عدداً من الأهداف طويلة المدى تترجم إلى أهداف عملية متوسطة وقصيرة المدى. وعند التطبيق العملى لهذه الأهداف يتم صياغة خطط للعمل لتطبيق السياسات والبرامج والمشروعات المقترحة، بحيث تتضمن خطط العمل: ·        الأنشطة المطلوب القيام بها لتحقيق الهدف بحسب الأولوية.·        الفئات المستهدفة من النشاط.·        النتائج المتوقعة من النشاط.·        المدة الزمنية للنشاط.·        النطاق الجغرافي.·        الجهات المسئولة والمنفذة.·        الموازنة التقديرية.·        مصادر التمويل.·        خطة المتابعة والتقييم. وتقوم الإستراتيجية على مبدأ التدرج فى تحقيق الأهداف بمعنى إعطاء الأولوية للإحتياجات والأهداف الأكثر إلحاحاً، والممكن تحقيقها فى إطار ظروف الواقع، وذلك بشرط أن يمهد تحقيق كل هدف التربة لتنفيذ الأهداف التالية عليه. ويفرض ذلك على صناع السياسات والمنفذين أن يكونوا على وعى بالأهداف النهائية للإستراتيجية، وبالأهداف العملية متوسطة وقصيرة المدى. وذلك حتى يمكن ضمان أن تكون جميع الأنشطة متسقة مع الرؤية العامة للإستراتيجية بحيث لا يكون أياً منها عائقاً عن تحقيق الأهداف التالية والبعيدة. وقد أظهر تحليل واقع أطفال الشوارع وجود بعض المعوقات الأساسية لمواجهة الظاهرة. نعرضها فى الجزء التالى. 2-1 معوقات مواجهة ظاهرة أطفال الشوارع:1-              أول هذه الصعوبات هى النظرة أو الرؤية المشوهة نحو أطفال الشوارع والتى تسود، ربما بدون وعى، المجتمع ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية. وتتسم هذه الرؤية- التى تشمل كل الأطفال اللذين يعانون من عدم التكيف الاجتماعى والمخالفين للقانون- بغياب النظرة إلى الطفل بإعتباره ضحية لظروف خارجة عن إرادته وبالتالى غياب سياسات إعادة التأهيل الملائمة لهذا المفهوم. وذلك لأن المفهوم السائد والحاكم للطفل غير المتوافق مع المجتمع هو مفهوم "الجناح" أو الإنحراف الذى يركز على الفعل الذى يرتكبه الطفل وليس على الطفل والظروف المجتمعية التى دفعته إلى هذا السلوك. ولذلك يعتبر مرتكب الفعل مخطئاً مما يعرضه فى هذه السن لمواجهة إجراءات التحقيق من الشرطة والنيابة والمحكمة وتوقع عليه من الناحية العملية أحكام يراها الطفل كعقوبة وإن سميت قانونياً تدابير احترازية. وتشيع هذه الرؤية فى المجتمع كله، حتى أن الأطفال أنفسهم يحسون بأن المجتمع يسئ معاملتهم ويرفضهم، مما يقلل من إحترامهم لأنفسهم ومن ثقتهم فى الآخرين، الوضع الذى يؤثر بالسلب على إمكانيات إعادة تأهيلهم وإدماجهم فى المجتمع.2-              غياب سياسة إصلاحية تأهيلية شمولية تشمل كل فئات الأطفال فى ظروف صعبة. فعلى الرغم من أن الخطاب الرسمى للدولة وللجهات التى تتعامل مع هؤلاء الأطفال قد يعكس الاعتراف بأن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التى يعيش فيها هؤلاء الأطفال قد ساهمت فى إنحرافهم، إلا أن ذلك لا يظهر فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، ولا فى سياسات وأساليب إعادة التأهيل التى يجب أن تشمل منطقياً الظروف الخاصة بالطفل و بأسرته، كما يجب أن تشمل التصدى للأسباب الجذرية التى أدت إلى ظهور المشكلة، وإلا سوف يرتد الطفل إلى نفس السلوك بمجرد إنتهاء التدبير المطبق عليه. ويؤدى هذا النقص إلى إستمرار التعامل مع طفل الشارع بأساليب غير ملائمة و بعيدة عن فهم الظاهرة كظاهرة اجتماعية اقتصادية حقوقية، و إستمرار التعامل معها على أساس الوصف القانونى المختزل بإعتبار هؤلاء الأطفال مرتكبين لفعل التشرد أو التسول اللذان يخالفان القانون، أو فى حالة من حالات التعرض للإنحراف، و من ثم يعاملون بأسلوب أقرب إلى الأساليب الأمنية التى تؤدى إلى إستبعاد الطفل من المجتمع أكثر من مساعدته على التكيف والإندماج فى المجرى الطبيعى له. ومن الجدير بالذكر أن هذه الأساليب المشار إليها لم تحقق حتى الآن أى نجاح ملموس فى علاج ظاهرة أطفال الشوارع.3-              نتيجة لغياب هذه النظرة الشمولية للطفل فى إطار ظروفه، كان من الصعب أن تتضمن السياسات الحالية ظاهرة أطفال الشوارع منصوصاً عليها بشكل محدد وواضح، بحيث يشار إليها كمكون فى إطار السياسات الاجتماعية والاقتصادية العامة و سياسات وبرامج الظروف المؤثرة على وضع الفقراء. خاصة وأن القضاء على الظاهرة بشكل عام لا يمكن أن يتم بشكل كامل إلا إذا كان التصدى لها فى إطار استراتيجية أشمل للقضاء على الفقر والتفاوتات الإجتماعية وتحسين مستويات المعيشة ومؤثرات التنمية البشرية بشكل عام.4-              ندرة الموارد الوطنية اللازمة لإعداد البنية الأساسية الضرورية لإعادة تأهيل أطفال الشوارع وتمكينهم من الحصول على الفرص والحقوق المجتمعية التى نصت عليها القوانين وإتفاقية حقوق الطفل. وحيث أنه من المتوقع إنحسار التمويل الأجنبى تدريجياً، فإن تمويل المشروعات اللازمة لمواجهة الظاهرة يجب أن يعتمد فى المستقبل على الموارد الوطنية. ويستلزم ذلك توعية المواطنين بهذه الظاهرة وبالمسئولية الاجتماعية لكل فئات المجتمع للمشاركة فى مواجهتها. كما يستلزم ذلك أيضاً إنشاء الآليات التى تمكِّن وتدفع القطاعات الاجتماعية المختلفة، وبشكل خاص قطاع رجال الأعمال، على أساس المسئولية الاجتماعية للمواطنين القادرين، للمساهمة فى تمويل البرامج والمشروعات اللازمة للقضاء على الظاهرة.2-2     المبادئ العامة للإستراتيجية: ·         يرتبط القضاء الكامل على ظواهر الأطفال فى ظروف صعبة، بما فيها أطفال الشوارع، بالقضاء على الظروف الإقتصادية والإجتماعية والثقافية التى أنتجت هذه الظواهر. على أنه لما كان القضاء على هذه الظروف عملية اقتصادية واجتماعية وسياسية متشابكة وذات أبعاد محلية وإقليمية ودولية مما يستغرق وقتاً طويلاً، فإن الإستراتيجية تركز على الحلول الممكنة فى إطار الواقع الحالى، دون تجاهل أو إهمال للهدف البعيد الذى يجب أن يراعى أخذه فى الإعتبار تدريجياً من قبل السياسات الاجتماعية والاقتصادية العامة. ولذا يجب أن تكون التدخلات المقترحة حالياً متسقة و غير متناقضة مع هذا الهدف فى المدى القريب أو البعيد.·         تعتبر استراتيجية أطفال الشوارع، كفئة من فئات الأطفال فى ظروف صعبة، مكوناً من مكونات الخطة القومية للطفل وفى إتساق معها، حيث أن هدف الإستراتيجية هو تأهيل وإعادة إدماج طفل الشارع فى المجرى العام للمجتمع، بحيث يصبح مرة أخرى موضوعاً للاستراتيجية القومية للطفل بشكل عام. وتعتبر الأخيرة بدورها من مكونات الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والإقتصادية للدولة. ولما كانت ظاهرة أطفال الشوارع ترتبط بتدنى الظروف الاقتصادية والاجتماعية للطفل وأسرته فإنه من الضرورى أن تتبنى خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية أهداف القضاء على الفقر والإستبعاد الاجتماعى للفئات الفقيرة التى ينتمى إليها تقريباً كل أطفال الشوارع. وكذلك القضاء على الفجوة التنموية بين الريف والمدينة، و العمل على تحقيق التنمية الشاملة المستدامة. ومن شأن ذلك أن يؤدى إلى القضاء على الأسباب الجذرية التى تفرز مشكلة أطفال الشوارع من عند المنبع.·         تتبنى الاستراتيجية التوجه التنموى القائم على بناء قدرات الأطفال وأسرهم. وفى هذا الإطار تدعو كل الوزارات والمؤسسات الحكومية، والمؤسسات والهيئات غير الحكومية ذات العلاقة إلى أن تتخطى التوجه الرعائى، الذى يحكم معظم السياسات والبرامج حالياً، والذى من شأنه أن يؤدى إلى تكريس وضع الأطفال المستهدفين وعائلاتهم كمستقبلين سلبيين للمساعدة والخدمات، والاتجاه إلى تبنى المنظور التنموى القائم على مفهوم "الحقوق الاجتماعية" وعلى تمكين الفئات المستهدفة، وعلى إعتبار هؤلاء الأطفال مواطنين لهم الحق فى الحصول على طفولة آمنة ونمو سليم عن طريق حصولهم على جميع الفرص والحقوق الإقتصادية والاجتماعية المتاحة فى المجتمع.·         تؤدى الرؤية الشمولية والمتكاملة لظاهرة أطفال الشوارع إلى الوعى بأن مواجهتها هى مسئولية قومية تقوم على الجهد الجماعى المنظم والمتكامل لعدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمحلية والقطاع الخاص، والمواطنين بشكل عام. ولذلك يجب بناء وتنفيذ إستراتيجيات المواجهة على أساس إنشاء الآليات التى تضمن أكبر قدر ممكن من التنسيق والفاعلية فى المشاركة بين جميع الأطراف المجتمعية. وفى هذا الإطار يقوم المجلس القومى للطفولة والأمومة بدور المحفز Catalyst والمنسق بين هذه الجهود.  ·         تضع الإستراتيجية ظاهرة أطفال الشوارع فى الإطار الإقتصادى والاجتماعى والثقافى للمجتمع المصرى بشكل عام، وفى إطار ظروف الأطفال وأسرهم بشكل خاص. كما تضع الظاهرة فى إطار مفهوم "الأطفال فى ظروف صعبة"، وبناء على ذلك تنظر إلى الطفل بإعتباره نتاجا لهذه الظروف، أى أنه ضحية وليس مذنباً. ولذلك فإن إستراتيجية مواجهة الظاهرة بناء على هذه الرؤية تجعل من تغيير رؤية المجتمع السلبية والرافضة لهؤلاء الأطفال هدفاً إستراتيجياً مهماً.·         حتى يمكن تحقيق أهداف الإستراتيجية بفاعلية يجب العمل على ضمان تعاون الفئات المستهدفة مع منفذى هذه الأهداف. ولذلك تتبنى الإستراتيجية المشاركة كأسلوب لتحقيق الأهداف. ومن ثم يجب إيجاد الآليات التى تساعد على مشاركة الأطفال وأسرهم فى تخطيط، وتنفيذ ومتابعة وتقييم الأنشطة والبرامج المرتبطة بتحقيق الأهداف التى تتضمنها الإستراتيجية.·         تنظر الاستراتيجية إلى طفل الشارع باعتبار أنه لا يعيش فى فراغ، وإنما فى إطار شبكة من العلاقات الديناميكية التى يتكون منها مجتمع الشارع، حيث يدفع الطفل إلى إبداع إستراتيجيات للبقاء Survival Strategies يجب أن تؤخذ فى الإعتبار عند تحديد التدخلات. كما تنظر الإستراتيجية إليهم أيضاً بإعتبارهم فئة غير متجانسة مما يدعو إلى تفريد المعاملة وتنوع التدخلات.·         حتى تتسق الإستراتيجية مع الرؤية التنموية الشاملة يجب أن تكون واعية وحساسة للنوع. ولذلك يجب أن تقوم الأهداف الإستراتيجية وخطط العمل والبرامج على استعمال منهجية تحليل النوع عند رصدها لظروف الأطفال وعائلاتهم، وذلك حتى يمكن للتدخلات أن تؤدى إلى تحقيق المساواة بين الذكور والإناث من حيث تمكين الأطفال من الجنسين من الحصول على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. خاصة وأن نسبة الإناث فى أطفال الشوارع قد أخذت فى التزايد بشكل ملحوظ. 2-3 الشركاء المسئولين عن مواجهة الظاهرة وأدوارهم:لما كانت ظاهرة أطفال الشوارع تتسم بتعدد الأبعاد وتداخلها، وكذلك بارتباطها بالسياسات العامة المؤثرة فى حركة المجتمع، فان مواجهة هذه الظاهرة بشكل فعال وجذري يستلزم تضافر الجهود الحكومية والشعبية على أساس من التنسيق والتنظيم من أجل تحقيق أهداف الاستراتيجية. ولذلك يجب أن تتعاون الوزارات والمؤسسات المعنية كلها فى ترجمة الاستراتيجية التى ترسم سياسة شاملة ومتكاملة لمواجهة ظاهرة أطفال الشوارع بناء على النظرة الإيجابية نحو الطفل، إلى خطط للعمل يقوم فيها كل طرف بمسئوليته فى تناغم مع الأطراف الأخرى على أن تلتزم كل الوزارات والمؤسسات والمنظمات المعنية فى تدخلاتها بتحقيق الأهداف العامة لهذه السياسة. ويجب أن يتم العمل على أساس التنسيق المستمر بين الوزارات المختلفة منعاً لتكرار الأنشطة أو تعارضها، ولخلق درجة من الاتساق بين التدخلات القطاعية حتى تصب كلها فى مجرى السياسة الشاملة من أجل تحقيق أهدافها المتكاملة. وفى هذا الإطار يلزم إنشاء لجنة تنسيقية تشرف على تنفيذ الإستراتيجية تمثل فيها الوزارات والهيئات المعنية، والمنظمات غير الحكومية العاملة فى هذا المجال وبعض الخبراء وممثلي قطاع الأعمال كمنظمات وكأفراد، على أن يقوم المجلس القومى للطفولة والأمومة بدور المنسق وذلك من خلال تشكيل لجنة خاصة تقوم بالتنسيق و المتابعة لتنفيذ أهداف الإستراتيجية. ونطرح فى الجزء التالى تصورا عاما للأدوار التى يمكن أن تشارك بها الهيئات المعنية فى مواجهة الظاهرة ثم يلى ذلك عرضا تفصيليا لبعض الأهداف وكيفية تحقيقها فى إطار الجهود المشتركة للأطراف المسئولة. وزارة التربية والتعليم:1-   العمل على تطوير نظام التعليم من حيث القدرة على الاستيعاب بهدف تحقيق الاستيعاب الكامل كأحد أهداف العقد الثاني للطفل المصري، ومن حيث ملاءمته لاحتياجات سوق العمل و على نحو يشجع على التعليم الذاتي والإشباع والابتكار.2-   العمل على تعميم التعليم غير الرسمى الذى يمكن أن يؤدى إلى التعليم الرسمى، على أن تكون هناك أكثر من فترة تعليمية فى اليوم، حتى تتلاءم مع ظروف عمل الطفل للحصول على دخل.3-   تبنى نظام المدرسة الشاملة فى التعليم الرسمى بحيث يحصل التلميذ على تدريب وتأهيل مهنى فى نفس الوقت، مع الاهتمام بالدور الإنتاجي للمدرسة.4-   التأكيد على تحقيق مجانية التعليم فعلياَ بالنسبة للفقراء ، وتحسين العملية التعليمية بهدف القضاء على الدروس الخصوصية ، وتعميم التأمين الصحي على كل التلاميذ بدون أية رسوم.5-   منح الأسر الفقيرة منحة للتعليم توقف إذا لم يلتزموا بتعليم أولادهم. و تعميم نظام اليوم الكامل مع توفير وجبة غذائية مناسبة للأطفال مما يشجع على الإلتحاق بالمدارس ومنع التسرب.6-   توفير الأماكن والأدوات لممارسة الأنشطة الرياضية والفنية والثقافية. وزارة الضامن الاجتماعى :1-   توسيع شبكة الضمان الاجتماعى ورفع قيمة الضمان لتوفير الاحتياجات الأساسية للأسر الفقيرة.2-   تطوير نظام فعال لتحديد الفئات المستهدفة Targeting System من شبكات الضمان الاجتماعى لضمان وصوله إلى المستحقين، مع ضرورة أن يشمل العائلات التى تعول أطفالاً، وخاصة النساء العائلات. كما يمكن أن تزيد الفاعلية بتفريد السياسات بحيث تتلاءم مع الفئات الاجتماعية ذات الظروف المختلفة.3-   تشجيع تأسيس الجمعيات الأهلية التى تهدف إلى مساعدة أطفال الشوارع وإعادة تأهيلهم.والعمل على تأسيس مراكز استقبال وإيواء مؤقت فى المناطق الحضرية الفقيرة، وكذلك دور للإيواء الكامل على أساس أن تسند وزارة التضامن إدارة هذه الدور إلى جمعيات أهلية متخصصة. ويجب أن تطبق فى هذه المؤسسات فلسفة وأساليب للتعامل أقرب إلى الأسرة من دور الإيداع الخاصة بالأطفال فى نزاع مع القانون.4-   إعداد الكوادر من الأخصائيين الاجتماعيين المتخصصين فى التعامل مع أطفال الشوارع، بناء على فهم سليم للمشكلة، ونظرة إيجابية للطفل، وتتولى وزارة التضامن الاجتماعى مهمة إعداد الكوادر اللازمة لتأهيل وتدريب وتعليم الأطفال فى كل مراحل التأهيل بدءً من الشارع وحتى تمكينهم من الإندماج فى المجرى الطبيعى للمجتمع. 5-   على وزارة التضامن الاجتماعى ( قطاع التموين ) العمل على تشجيع وزارة التربية والتعليم على تقديم وجبة تتوافر فيها عناصر التغذية الأساسية لتلاميذ المدارس، فإن ذلك مما يشجع الأسر على إرسال الأطفال إلى المدارس، وكذلك تساعد الطفل على الاستيعاب حيث أن ذكاء الطفل يتوقف بسبب سوء التغذية مما يترتب عليه الفشل والتسرب الدراسى.6-   كذلك يمكن أن توفر الوزارة بعض إحتياجات الكساء لأطفال الشوارع سواء كانوا مع أسرهم، أو كانوا في مراكز الإيواء النهارية أو الشاملة. وزارة الصحة:1-   توفير الرعاية الصحية لأطفال الشوارع وإعطائهم أولوية فى المؤسسات الصحية الحكومية. ويمكن أن يبدأ ذلك بمنح الأطفال بطاقات صحية يمكنهم بمقتضاها الحصول على الخدمة من مراكز محددة قريبة من أماكن تواجدهم.2-   توفير بعض الوحدات الصحية المتنقلة، تذهب إلى أماكن تجمع أطفال الشوارع وتعطيهم الفرصة لطلب المساعدة. وقد يلى ذلك مرحلة أخرى -بعد أن يطمئن الأطفال للمعاملة- وهى الكشف الطبى على هؤلاء الأطفال وتحديد من يحتاج لرعاية خاصة وتوفيرها لهم. كما يمكن للوحدات المتنقلة أيضاً القيام بتطعيم هؤلاء الأطفال ضد الأمراض المعدية. وزارة العدل:1-   العمل على تغيير فلسفة القانون من فكرة الجناح والخطورة الاجتماعية للطفل إلى فلسفة الأطفال فى ظروف صعبة، مما يترتب عليه تغيير النظرة إلى أطفال الشوارع وإصدار مواد خاصة بهذه الظاهرة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالى جعل القانون أداة شاملة لمعالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية المؤدية إلى الظاهرة. كما يجب أن يوفر القانون معاملة خاصة لأطفال الشوارع تبتعد عن الأساليب الأمنية القاهرة وتقترب من الأساليب الاجتماعية التربوية.2-    تقنين إتفاقية حقوق الطفل، وإزالة كل ما يتناقض معها من قوانين خاصة بالطفل.3-   تغيير قانون الأحوال الشخصية بما يحمى العائلة من التفكك. وإذا لم يمكن تغيير القانون، فيجب النص على بعض الشروط الإجرائية التى تنظم حق الرجل ف

المصدر: منقول
shamselhoday

kote

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 1114 مشاهدة
نشرت فى 20 نوفمبر 2010 بواسطة shamselhoday

ساحة النقاش

باحثة في مجال الطفولة

shamselhoday
.......من مواليد الثورة المصرية ... »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

39,541