<!--<!--<!--
يوم الجمعة الماضي، كنت راكبة ميكروباص، وكانت تجلس بجواري امرأة ومعها قرنبيطة. وإذا بهذه المرأة تأكل من هذه القرنبيطة وتلقي بما لا يؤكل من الباب، فعلت ذلك مرة واثنين. قلت لنفسي: لن أسكت. فربتُّ علي كتفها وهمست لها: ممكن أقول لحضرتك حاجة؟ ممكن لو بتاكلي حاجة وفيه حاجة عاوزة ترميها، ترميها في الكيس اللي مع حضرتك عشان فيه شباب زيي كده بينزلوا ينضفوا الشوارع؟ نظرت إليّ، وابتسمت (ابتسامة الاستغراب المشوب بالخجل) وهزت رأسها دون أن تنطق بكلمة. ولم تلقِ شيئاً مرة أخري.
سعدت جداً واكتسبت ثقة بأنني أستطيع تكرار هذه التجربة مرة أخري.
وفي يوم آخر، كنت راكبة ميكروباص. وأمامي كان يجلس رجل يأكل لب أسمر، ويلقي بالقشر علي الأرض في الميكروباص. استأت جداً، ففتحت حقيبتي، وأخرجت منها منديلاً وقررت أن أجمع به هذا القشر الذي رماه لعله يخجل، عندما يراني أفعل ذلك، من أن يلقي القشر مرة أخري. ولكني وجدت أن معدل أكله سريع، وشعرت أن هذا ليس هو الحل الأمثل. ووجدت يدي تمتد إليه بالمنديل، وعلي وجهي ابتسامة عريضة، وقلت له: ممكن حضرتك ترمي القشر هنا؟ فتناوله مني، وهو يبتسم (نفس ابتسامة الست بتاعة القرنبيطة!) ودون أن ينطق بكلمة أيضاً (زي الست بالظبط باردو!). ظللت أراقب هذا الرجل لأري ماذا سيفعل. فلم أجد قشرا يلقي علي الأرض، ولم أكن أري يده تتحرك، فقلت: باين بطل أكل خالص! :))) ولكن فمه يتحرك، وهذا معناه أنه يأكل. ظللت أرقب الموقف وأنظر جيداً علي الأرض لأتأكد أنه فعلا لا يلقي شيئاً. وجاءت محطة نزولي، وكانت نفس محطة نزوله. وكان هو يتقدمني، وأنا أسير وراءه (ذاهبة إلي وجهتي طبعاً!). ثم وجدته توقف عند سلة مهملات، وطوي المنديل المحتوي علي قشر اللب وألقاه في السلة وهو ينظر إلي بطرف عينيه وكأنه يقول لي: أنا سمعت الكلام آهو :))) وكنت أنا أيضاً أراقبه بطرف عيني، وشعرت أنني أريد أن أصفق له وأقول له: برافو أو أرفع إبهامي علامة علي رضاي عما فعل. ولكني نظرت أرضاً، وكتمت ابتسامتي حتي أعطاني ظهره ومضي في طريقه، وأعطيته ظهري ومضيت في طريقي وأطلقت سراح ابتسامتي التي عكست ما في قلبي من سعادة وما في عقلي من أن الكثير من مخاوفنا أوهام. فكثيراً ما كنت أتخيل أنني لو قمت بمثل هذه التصرفات مع أحد، فإنه سوف يحرجني. وهذا رد فعل وارد طبعاً من البعض، ولكن يبدو - والله أعلم - أنه ليس القاعدة.
ساحة النقاش