التعامل معاه صعب جدا ومش بيسمع الكلام خالص
السلام عليكم.. أنا متزوجة ولديّ طفلان الأول عنده 10 سنوات، وده هو مشكلتي، أما الآخر عنده 4 سنوات ونصف والحمد لله هادي وكويس، لكن ابني الكبير على طول مشاغب بيعمل مشكلات برة البيت وجوة البيت، صعب جدا ومش بيسمع الكلام خالص.
ولا أنا ولا أي حد بنقدر عليه، مش بييجي لا بالذوق ولا بالعافية، مش عارفة أعمل إيه معاه، وعنده لا مبالاة مالهاش حل، بيحب يريح نفسه من كل حاجة.. من ساعة ما أخد الأجازة وهو يا إما بيلعب مع أصحابه يا إما قدام الكمبيوتر.
هو مش تخين بس دلوقتي طالع في موضوع مضايقني، إنه كل شوية يطلب أكل، يعني بياكل تقريبا سبع مرات في اليوم مش عارفة ليه، باحس إنه دايما لما بيكون عمل حاجة تضايقني وهو عارف إني باتضايق منها يفضل يعملها على طول، وكل ما أطلب منه طلب يشاور بإيده ناحية راسه، يعني كأنه بيقول لي طنشي وكبري دماغك.
ودايما يضايق أخوه، حتى لو أخوه نايم يصحيه وممكن يوقعه من على السرير.. هو من أول ما اتولد وهو صعب، يعني يوم ولادته وهو في إيد الدكتور خربش نفسه وقطع وشه، هو عصبي جدا وطول عمره صعب.
كان هدي كده حوالي شهر ورجع أسوأ من الأول.. باقول له: "إنت كنت كويس إيه اللي حصل؟!"، يقول لي: "ماعرفش" بأسلوب مستفز، كان بيغير من أصحابه لما بيكونوا أشطر منه في مادة ولما يكونوا سابقينه في حفظ القرآن ودلوقتي ولا على باله، ولما ألفت نظره إن أصحابه حفظوا كتير يقول لي: "يولعوا".. هو شاطر في المدرسة بس بيغلّبني على ما بيقعد معايا أذاكر له.
بس أهي ماشية، لكن دلوقتي مش عايز يحفظ القرآن أبدا، وبينزل يصلي بالعافية، ويقول لي: "ما اللي باعمله في الصلاة دي عملته في اللي فاتت، وهاعمله في اللي جاية".. مش عارفة أعمل له إيه.
على فكرة يمكن تقولوا لي بيغير من أخوه والمعاملة، لا هو من ساعة ما أخوه اتولد وهو مش في دماغه مسألة الغيرة دي خالص، من سنة وهو بدأ يراعي أخوه في كل حاجة.. يعني غار منه لما كبروا الاتنين.. الله يخليكم قولوا لي أعمل إيه.
e_m_3
سيدتي الفاضلة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشعر بقلقك حيال مشكلتك مع ابنك وأفهم كلامك جيدا، لكن ما أتمناه هو أن يتسع صدرك لنفهم معا أصل المشكلة لنعرف كيف نتعامل معها.. ولكي نفهم ما هو أصل المشكلة دعينا نتفق من أين يأتي سلوك الطفل؟
سلوك الطفل هو مزيج من جوانب بيولوجية تتمثل في الجينات التي يرثها من والديه، وكذلك ما يؤثر في تكوين الجهاز العصبي أثناء الأطوار الجنينية المختلفة أثناء فترة الحمل، والتي تتحكم فيها الحالة المزاجية للأم وغذاؤها وما تتناوله من أي عقاقير أو ما تتعرض له من تلوث بيئي..
هذا عن الجوانب البيولوجية، أما عن الجوانب البيئية والتي تتمثل في طريقة تعامل الوالدين مع الطفل من لحظة الميلاد وبالأخص السنوات الست الأولى من عمر الطفل، حيث تؤثر البيئة الأسرية وطريقة التعامل مع الطفل بشكل نطلق عليه نفسبيولوجي، بمعنى أن طريقة التعامل في هذه المرحلة من العمر والتي يُكمل فيها الجهاز العصبي رحلة نموه وتطوره تؤثر في شكل الخلايا العصبية في الجهاز العصبي وطريقة تشابكها وتواصلها..
وإذا ما جمعنا العوامل البيولوجية الأولى من الوراثة ومرحلة الحمل مع التأثير النفسبيولوجي الناتج عن طريقة التعامل مع الطفل فهكذا نكون وصلنا إلى ما نسميه الطباع.. هذا الإنسان طبعه كذا.. فنقول مثلا.. عصبي.. اعتمادي.. وهكذا.
فيا ترى لو طبقنا ذلك على طفلك أين سندرج صفاته؟! حسب كلامك سيتم إدراج طبعه تحت بند عصبي، فلقد ورد في رسالتك جملة كان لا بد أن أتوقف عندها.. ألا وهي "وهو صعب، يعني يوم ولادته وهو في إيد الدكتور خربش نفسه وقطع وشه، عصبي جدا" وعصبي.. أي أنه كما قلت ووصفته عصبي وصعب من يومه.. وهذا لا ذنب له فيه.. ولا ذنب لك أيضا.
لكن أين تكمن المشكلة؟ المشكلة أننا نقول عصبي ولكن لا نعرف أبعاد هذه الكلمة، فعصبي تعني أنه قلوق، أي يعاني من حالة مستمرة من الخوف والقلق غير المميز، والقلق ظاهرة طبيعية؛ عندما يواجهنا أمر ما فنقلق حتى نؤهل أنفسنا لكي نتعامل مع موقف القلق، أما القلق غير المميز فهو حالة مفرطة من القلق تحدث مع أي أمر مهما كان بسيطا، وهذا الشخص القلوق يهرب دوما من المسئولية..
ومن هنا تبدأ المشكلة لأن الوالدين لا يفهمان طبيعة الطفل.. ويتوقعان منه أشياء وإنجازات معينة كغيره من الأطفال فلا يستطيع إنجازها، لأن طبيعته تجعله يتجنب المسئولية التي تتسبب في كثير من مشاعر القلق، وهي خبرة شعورية ينبذها الطفل، لذا لا ينجز ما يطلب منه أو يكون بطيئا، وكل ما يفعله يبدو مستفزا لمن حوله.. فتبدأ المعركة.
ويبدأ الضغط على الطفل لإنجاز ما يكلف به ثم تحدث المقارنة بينه وبين أشقائه أو أقرانه فيشعر بمزيد من الدونية وأنه أقل من غيره، وهذا يسبب المزيد من القلق والمزيد من البطء والتسويف في أداء المهام، وتزداد حالة الحنق والغضب لدى الآباء ويزيد شعور الإحباط لدى الطفل الذي يشعر بأنه مصدر إزعاج لأهله وأن أهله مصدر إزعاج له، فتبدأ مشاعر العدوان التي لا يعبر عنها بشكل صريح وإنما في شكل أعراض، مثل: العناد، تعمد مضايقة الأهل مصدر إزعاجه كما ذكرت، وهذا نطلق عليه العدوان السلبي.
هذا بالإضافة إلى أعراض القلق التي لا يعبر عنها أيضا بشكل مباشر وصريح وإنما بشكل رمزي، وهنا يظهر في طفلك عرضان في غاية الأهمية: الهروب.. وهو ما أشرت إليه بتكبير الدماغ، فهي استراتيجية اتبعها ليرحم نفسه من الخبرة الشعورية المزعجة للقلق والإفراط في تناول الطعام، والذي يُحدث نوعا من التهدئة في بعض الأشخاص الذين يعانون من
أما عن مشكلة التراخي في حفظ القرآن فهو يدخل أيضا تحت بند القلق الذي يجعله يهرب من إنجاز المهام، أما ترك الصلاة فهو نوع من العدوان السلبي عليك أنتِ، لأن الطفل أحيانا يخلط في العقل الباطن بين السلطة الوالدية والسلطة الإلهية؛ فهو يكره أي سلطة ويشعر أن الصلاة لكِ وليست لله.. إنها مسألة تبدو كأنها غاية في التعقيد ولكن متى فهمناها نستطيع التعامل معها.
أدركتِ الآن أن طفلك يعاني ولا يقصد مضايقتك.. إنما هو طفل وهذه هي الآليات التي لا يعرف أكثر منها ليواجه مشاعر القلق بمزيج من الرغبة في الانسحاب والهروب والانتقام ممن يزج به في مواقف القلق.. إذن بعد أن عرفنا مشكلته وهدأنا وهدأت ثورتنا تجاهه لنستطيع التفكير بموضوعية أكثر حتى نتمكن من مساعدته.. وأذكرك بأنه ليس مريضا ولكنه ذو طبع خاص ويحتاج طريقة مختلفة في التعامل.. فدعينا نعرف كيف نتعامل معه.
1- الصداقة الحقيقية والتقرب منه وجعله يشعر بالحب بغض النظر عن إنجازاته أو سلوكه.. دائما يجب أن يعرف الأبناء أننا نحبهم حتى وإن كانت تصرفاتهم لا تروق لنا، لأن الطفل يربط دوما بين نقد سلوكه وفقدان الحب من الأسرة والذي يعني له فقدان مشاعر الأمان بالطبع.
ولعل أكثر ما يقربك منه ومن أفكاره هو أن تعيشي معه اهتماماته حتى وإن كنت غير مقتنعة بها، وأقصد بذلك مثلا مشاركتك له فيما يفعله أمام الكمبيوتر، ويا حبذا لو كانت لعبة تحتاج إلى اثنين فتكوني أنت الطرف الثاني وتظهري اهتمامك وحماسك للعبة وكأنك طفلة في مثل سنه.. هكذا نقترب من أبنائنا ويشعرون أننا حقا أصدقاءهم، إن قدرتك على إقامة علاقة مثل هذه مع طفلك لجديرة بأن تكون أول خطوة على طريق الشعور بالأمان والطمأنينة لدى طفلك.
2- الإيمان بمشكلة الطفل واختلافه وأنه قد يحتاج وقتا أكبر لإنجاز أي مهمة يُكلف بها، أقصد لو بطيء في المذاكرة فلنبدأ في المذاكرة قبل بدء العام الدراسي لكن بشكل مخفف وتدريجي.. وليكن ساعة يوميا.
3- تجزئة المهام التي يُكلف بها الطفل حتى نصل إلى تحقيق الهدف الذي نرى أنه يجب أن يحققه..
4- بناء ثقة الطفل في نفسه من خلال تشجيعه المستمر على أي مهمة يقوم بها مهما كانت ضآلتها وتجنب النقد والمقارنة بينه وبين أقرانه، لأن ذلك يهدم ثقته بنفسه ويعزز مشاعر القلق.
5- ساعدي طفلك على التعبير عن مشاعره، فالطفل الذي يعاني من القلق يعاني من عدم القدرة على أن يصف مشاعره، فهو قد يمل سريعا من المذاكرة مثلا، فإذا حدث ذلك وأنت معه لا تصري على الاستمرار ولكن انظري في عينيه.. وامسكي يديه مثلا أو ضعي يدك على كتفه وقولي له "زهقت؟"، وأعطي له الفرصة لكي يجيب.
وإذا أقر بحالة الملل فأخبريه أن معه حقا، فالمذاكرة أمر مرهق لكن لا يعني ذلك أن نتركها.. ويُمكن أن تجعليه يأخذ استراحة قصيرة وأخبريه أنكما ستعودان لتكملا بعد قليل.. إنكِ بهذا توصلين إليه رسالة أن ما يشعر به أمر مقبول، فهذه المشاعر التي يُنكرها أمر لن يزعجك فيعتاد أن يعبر لك عما يشعر به دون خوف.. ويتعلم أيضا أننا لا نسير تحت قيادة مشاعرنا، فأنت لك أن تشعر بالملل وأنا أقبل ذلك ولن أضغط عليك لكن يجب أن ننهي مهمتنا حتى لو احتجنا إلى وقت طويل.. الأمر يحتاج منك إلى الصبر والهدوء.
6- بقدر المستطاع ينبغي أن نجعل للطفل الذي يعاني من القلق نظاما أو روتينا يوميا مع انتظام مواعيد الطعام والنوم، ومع تجنب التغيير المتكرر في نمط الحياة، لأن ذلك يزيد من التوتر والقلق.
7- أما عن حفظ القرآن.. فلا ينبغي أبدا المقارنة بينه وبين زملائه، ولكن عليكِ بترغيبه وتشجيعه ومشاركته.. بمعنى أن تجلسا معا مثلا لمشاهدة قصص القرآن على أقراص مضغوطة على الكمبيوتر.. وتتناقشا معا فيها وتبحثا معا عن الآيات التي ذكرت فيها القصص المختلفة.. وأنتِ تحفظين وتجعلينه يقوم بالتسميع لك ولا بأس أن تشعريه أحيانا أنه أصبح أفضل منك في الحفظ.
8- لو شعرت أن طفلك يحب ممارسة الرياضة فلا بأس أن تجعليه يطوّر ذلك، خاصة الألعاب الجماعية لأن لها تأثيرا إيجابيا في التخلص من القلق، حيث إن الألعاب الجماعية تتميز بتوزيع المسئولية على الفريق وهذا يشعره بمتعة الرياضة ويخفف عبء المسئولية ويشعر بالإنجاز متى فاز الفريق الذي هو جزء منه.
9- وماذا عن مخاوفك أنتِ شخصيا؟ هنا قد تكون العقبات التي تواجهنا في التعامل مع الطفل الذي يعاني من القلق أن يكون أحد والديه أو كلاهما يعاني من القلق فيصدر له مزيدا من هذه المشاعر السلبية أثناء التعامل معه، فمثلا أنا ألاحظ في كلامك أنك تشعرين بأن نهاية الكون أن الطفل يقضي وقته في اللعب والكمبيوتر.
مع أن الأسر الأخرى لا ترى عيبا في ذلك، أليس من حقه أن يلعب ويعوض ما فاته من أوقات المتعة طوال فترة الدراسة؟! خاصة أن مناهجنا تشكل عبئا ثقيلا يغتال براءة أطفالنا.. تكرر في حوارك.. لقد كان يفعل ولم يعد يفعل.. لقد تغير.. لقد.. كلها عبارات تشير إلى أنك قلقة للدرجة التي تبالغين فيها دون قصد في توصيف المشكلة.. ولكي ألخص لكِ أنتِ أيضا بحاجة إلى التخلص من القلق، فقط ذكري نفسك بعبارة لا بد أن تقتنعي بها "الدنيا ماتهدتش وكل مشكلة بإذن الله لها حل" وذلك حتى تستطيعي أن تتعاملي مع طفلك، وإلا سيكون كل منكما مصدر قلق مستمر للآخر ولن تنتهي المعركة بينكما.
10- بقي أن أقول لكِ يجب أن توحدي أنت وزوجك استراتيجيات التعامل مع طفلك، فلا يجوز أن يكون أحد الوالدين مصدر ضغط مستمر على الطفل والآخر يدللـه ويعفيه من المهام المكلف بها، لأن ذلك يجعل الطفل مشوشا ولا يعرف ماذا يفعل بالضبط وعندئذ ربما يفضل الانسحاب والهروب من أي مسئولية.
وفقك الله وبارك لك في أبنائك.
د. نهلة نور الدين حافظ
اخصائي الطب النفسي
ومستشار نفسي بالمواقع الالكترونية