ملخص البحث  

 

   خصص ابن سينا  في الكتاب الأول من كتاب القانون في الطب فصلا خاصا للحديث عن تربية الأطفال وأمراضهم، وقد سماه التعليم الأول في التربية، وقسمه إلى أربع مقالات. في المقالة الأولى تناول بالحديث عن تدبير المولود كما يولد إلى أن ينهض. في حين أنه بحث في المقالة الثانية عن الإرضاع، وفي ذلك ألح على أن يرضع الطفل لبن أمه ما أمكن فإنه أشبه الأغذية بجوهر ما سلف من غذائه وهو في الرحم. ثم تحدث عن موضوع الفطام، وأكد على أن يكون تدريجيا. المقالة الثالثة تتحدث عن بعض أمراض الطفولة وضرورة الوقاية منها. المقالة الرابعة تتناول تدبير الطفل وتربيته حتى سن البلوغ، وفيه يستعرض ابن سينا فصول التربية النفسية للأطفال وفق أحسن الطرق التربوية المعروفة حاليا. أما في كتابه الأرجوزة في الطب، فقد خصص ابن سينا قسما خاصا تناول الحديث فيه عن أصول تربية الطفل وتنشئته في مراحل نموه المختلفة؛ بدءا بالحياة الجنينية ثم الإرضاع وحتى مراحل متقدمة من حضانته.

    هدف هذا البحث هو التعرض لأهم مفاهيم تربية الطفل والعناية به وذلك كما وردت في مؤلفات ابن سينا، وإظهار مدى مساهماته وإنجازاته في هذا المجال.  

 

 

  مقدمة:    
 

   ابن سينا هو أبو علي الحسين ابن عبد الله الملقب بالشيخ الرئيس. ولد ابن سينا سنة 980 ميلادية في قرية أفشنة قرب بخارى في تركستان أو ما يعرف حاليا بجمهورية أزبكستان. وقد حفظ القرآن عندما بلغ من العمر عشر سنين. وعندما بلغ من العمر واحدا وعشرين عاما غادر بخارى ليقضي باقي عمره متنقلا بين مختلف المدن الفارسية. ولما توفي سنة 1037 ميلادية كان يعد وقتئذ أحد عباقرة الفلسفة في الإسلام، وفي الطب فقد وضع في مصاف جالينوس حيث أطلق عليه لقب جالينوس الإسلام. وبسبب شهرته الواسعة فقد تسابق للاحتفال بذكراه عدة شعوب، والأتراك هم أول من احتفلوا بذكراه، عندما أقاموا عام 1937 مهرجانا ضخما بمناسبة مرور تسعمائة سنة على وفاته. ثم حذا حذوهم العرب والفرس حيث أقيم مهرجانان للاحتفال به في كل من بغداد عام 1952 ثم في طهران عام 1954. وفي عام 1978 دعت منظمة اليونسكو كل أعضاءها للمشاركة في احتفال إحياء ذكرى مرور ألف عام على ولادة ابن سينا، وذلك اعترافا بمساهماته في مجال الفلسفة والطب. وبالفعل فقد استجاب كل أعضاء المنظمة وشاركوا في الاحتفال الذي أقيم عام 1980.

    ألف ابن سينا 276 مؤلفا، كلها كتبت بالعربية باستثناء بضع مؤلفات صغيرة كتبها بلغته الأم الفارسية. إلا أنه وللأسف فقد فقدت أكثر هذه المؤلفات ولم تصل إلينا. ويوجد حاليا 68 مؤلفا منتشرا بين مكتبات الشرق والغرب.

    كتب ابن سينا في كل فروع العلم التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، إلا أنه أكثر ما اهتم به هو الفلسفة والطب. وبعض المؤرخين المعاصرين يعتبرونه فيلسوفا أكثر منه طبيبا، إلا أن آخرين يعتبرونه أمير الأطباء في القرون الوسطى. وقد صنف بعضهم مؤلفات ابن سينا وفق ما تحويه فكانت كالتالي:

    43 مؤلفا في الطب، 24 مؤلفا في الفلسفة، 26 مؤلفا في الطبيعيات، 31 مؤلفا في علوم الدين، 23 مؤلفا في علم النفس، 15 مؤلفا في الرياضيات، 22 مؤلفا في المنطق، 5 مؤلفات في علوم تفسير القرآن. بالإضافة لعدة رسائل في الزهد والعشق والموسيقى وبعض القصص.  

 

 
  كتاب القانون في الطب:
   
 

يعتبر أكثر مؤلفات ابن سينا أهمية في الطب، وقد كتبه بالعربية، ووصفه أحد الأطباء الغربيين وهو William Osler بأنه أشهر كتاب طبي على الإطلاق. ويعد هذا الكتاب فريدا من نوعه، إذ يمثل وثيقة تحوي كل علوم الطب منذ أقدم الأزمنة (كالطب الفرعوني والإغريقي والهندي) وحتى عصر ابن سينا. وتميز هذا الكتاب بعرضه مواضيع الطب وفق خطة منهجية قريبة جدا لما تتبعه الكتب الطبية المدرسية الحديثة، خصوصا فيما يتعلق بطريقة سرد الأمراض من حيث التعرض لتصنيف الأمراض ثم ذكر أسبابها وأعراضها وعلاماتها وسرايتها، ثم  ذِكْر علاجها  وإنذارها. ويمكننا القول بأن حسن ترتيب كتاب القانون فضلا على شموليته جعلاه الأكثر انتشارا في الأوساط العلمية الطبية في كل من الشرق والغرب وذلك حتى أواخر القرن السابع عشر.

    لقد عرف الغرب كتاب القانون من خلال الترجمة اللاتينية له التي قام بها جيرارد الكريموني وذلك في القرن الخامس عشر.  وترجم أيضا إلى اللغة العبرية وطبع عدة مرات آخرها كان في بداية القرن التاسع عشر. بقي كتاب القانون قيد الاستعمال خاصة في جامعة لوفيان ومومبلييه وذلك حتى أواخر القرن السابع عشر. وقد ورد في المجلة التي تصدرها اليونسكو، في عدد تشرين الأول من عام 1980، أن كتاب القانون ظل قيد الاستخدام في جامعة بر وسل وذلك حتى عام 1909.

    قام كثير من الأطباء المسلمين بوضع شروحات لكتاب القانون، والبعض منهم قام باختصاره. وأشهر تلك الاختصارات كتاب الموجز في الطب الذي كتبه ابن النفيس الدمشقي الذي توفي عام 1288.

    ابتدأ ابن سينا كتابه القانون بتعريفه للطب قائلا: " الطب علم يتعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة ليحفظ الصحة حاصلة ويستردها زائلة".

    يتألف كتاب القانون من خمسة كتب:

    الكتاب الأول: يبحث في تعريف الطب ويشرح أغراضه، كما يتكلم فيه عن الأمزجة والأخلاط وتشريح الجسم ووظائف الأعضاء. وقد ورد فيه ذكر لبعض الأمراض وأسبابها وعلاجها.

    الكتاب الثاني: وهو خاص بعلم العقاقير، أو الأدوية المفردة، ويحتوي عددا كبيرا من النباتات الطبية أكثرها فارسي المنشأ، وبعضها من أصل يوناني أو هندي أو صيني أو عربي.

    الكتاب الثالث: تكلم فيه عن الأمراض التي تصيب أعضاء الجسم المختلفة، وذكر أسبابها وأعراضها وعلاجها وأحيانا إنذارها.

    الكتاب الرابع: تحدث فيه عن عدة مواضيع، كالكسور والخلوع وبعض الحمات كالحصبة والجدري، وتحدث في القسم الأخير من هذا الجزء عن السموم ومضاداتها.

    الكتاب الخامس: تحدث فيه عن الأدوية المركبة أو ما كان يعرف بالأقرباذين. وقد ورد في هذا الجزء ذكر لتحضير ما ينوف عن ثمانمائة دواء مركب.

    خصص ابن سينا  في الكتاب الأول من كتاب القانون في الطب فصلا خاصا للحديث عن تربية الأطفال وأمراضهم، وقد سماه التعليم الأول في التربية، وقسمه إلى أربعة مقالات. في المقالة الأولى تناول بالحديث عن تدبير المولود منذ أن يولد إلى أن ينهض. في حين أنه بحث في المقالة الثانية عن الإرضاع، وفي ذلك ألح على أن يرضع الطفل لبن أمه ما أمكن فإنه أشبه الأغذية بجوهر ما سلف من غذائه وهو في الرحم. ثم هو تحدث عن موضوع الفطام، وأكد على أن يكون تدريجيا. المقالة الثالثة تتحدث عن بعض أمراض الطفولة وضرورة الوقاية منها. المقالة الرابعة تتناول تدبير الطفل وتربيته حتى سن البلوغ، وفيه يستعرض ابن سينا فصول التربية النفسية للأطفال وفق أحسن الطرق التربوية المعروفة حاليا.

الفصل الأول في تدبير المولود كما يولد إلى أن ينهض:

    يشير ابن سينا في هذا الفصل إلى أنه حالما يولد المولود يبادر إلى قطع سرته فوق أربع أصابع، ثم تربط بصوف نقي. ثم ينصح ابن سينا بغسل جسم المولود بماء فاتر. يقول في ذلك: "ثم تغسله بماء فاتر، وتنقي منخريه دائما بأصابع مقلمة الأظفار، وتقطر في عينيه شيئا من الزيت ويدغدغ دبره بالخنصر لينفتح، ويتوقى أن يصيبه برد". وفيما يتعلق بطريقة إلباس الطفل الوليد، يشير ابن سينا إلى نقطة هامة جدا في قضية التقميط Swaddling والتي تعتبر حاليا حجر الزاوية في مجال الوقاية من حدوث خلع الورك الولادي أو معالجته، حيث يجب أن لا يقمط الطفل على نحو مشدود خصوصا بالنسبة للطرفين السفليين إذ يجب أن يتركا بوضعية الثني، وعدم شدهما لأخذ وضعية الاستقامة والتي بدورها تؤهب أو تفاقم حدوث خلع الورك الولادي. يقول ابن سينا: "وإذا أردنا أن نقمطه فيجب أن تبدأ القابلة وتمس أعضاءه بالرفق فتعرّض ما يستعرض وتدق ما يستدق وتشكل كل عضو على أحسن شكله كل ذلك بغمز لطيف بأطراف الأصابع ويتوالى في ذلك معاودات متوالية… ثم تفرش يديه وتلصق ذراعيه بركبتيه". بعد ذلك يصف ابن سينا البيت الملائم للطفل الوليد فيشير إلى أنه يجب أن يكون معتدل الهواء ليس ببارد ولا حار، ويجب أن يكون البيت إلى الظل والظلمة ما هو لا يسطع فيه شعاع غالب، ويجب أن يكون رأس الطفل في مرقده أعلى من سائر جسده، ويحذر أن يلوي مرقده شيئا من عنقه وأطرافه وصلبه. كما يؤكد ابن سينا على إحمامه بالماء المعتدل صيفا وبالمائل إلى الحرارة الغير لاذعة شتاء، كما أن أصلح وقت يغسل ويستحم به هو بعد نومه الأطول، وقد يجوز أن يغسل في اليوم مرتين أو ثلاثة، وأن ينقل بالتدريج إلى ما هو أقرب إلى الفتور إن كان الوقت صيفا، وأما في الشتاء فلا يفارقن به الماء المعتدل الحرارة وإنما يحمم مقدار ما يسخن بدنه. ويجب أن ينشف بخرقة ناعمة ويمسح برفق ويضجع أولا على بطنه ثم على ظهره.  

الفصل الثاني في تدبير الإرضاع والنقل:

 

   في مجال إرضاع الطفل الوليد يشير ابن سينا إلى ما يعتبر اليوم أحد أهم أساسيات إرضاع الطفل الوليد، إذ يشير إلى أنه يجب بذل كل المحاولات لأن يرضع الوليد من لبن أمه، حيث أنه، وكما يعلل ابن سينا، أشبه الأغذية بجوهر ما سلف من غذائه وهو في الرحم.  ويبين ابن سينا أنه قد صح بالتجربة أن إلقام الطفل حلمة أمه عظيم النفع جدا في دفع ما يؤذيه، كما أنه يفضل أن يلعق الوليد عسلا ثم يرضع. يقول ابن سينا: "من الواجب أن يلزم الطفل شيئين نافعين أيضا لتقوية مزاجه أحدهما التحريك اللطيف والآخر الموسيقى والتلحين الذي جرت به العادة لتنويم الأطفال وبمقدار قبوله". في حالة وجود ما يمنع من تلقي الوليد حليب والدته يبين ابن سينا إلى أنه ينبغي أن يختار له مرضعة تنطبق عليها شروط معينة، بعضها في السن وبعضها في السحنة وبعضها في الأخلاق وبعضها في هيئة ثديها وبعضها في كيفية لبنها وبعضها في مقدار مدة ما بينها وبين وضعها وبعضها من جنس مولودها. أما فيما يتعلق بشرط سنها فيشير ابن سينا أن أفضل سن هو ما بين خمس وعشرين سنة إلى خمس وثلاثين سنة فهو سن الشباب وسن الصحة والكمال. أما شروط سحنتها وتركيبها فيجب أن تكون حسنة اللون قوية العنق والصدر واسعته، عضلانية صلبة اللحم متوسطة في السمن والهزال، لحمانية لا شحمانية. وأما في أخلاقها فأن تكون حسنة الأخلاق محمودتها، بطيئة عن الانفعالات النفسانية الرديئة من الغضب والغم والجبن وغير ذلك فإن جميع ذلك يفسد المزاج. وأما في هيئة ثديها فأن يكون ثديها مكتنزا عظيما وليس مع عظمه بمسترخ، ولا ينبغي أيضا أن يكون فاحش العظم، ويجب أن يكون معتدلا في الصلابة واللين. وأما في كيفية لبنها فأن يكون قوامه معتدلا   ومقداره معتدلا ولونه إلى البياض لا كمد ولا أخضر ولا أصفر ولا أحمر، ورائحته طيبة وطعمه إلى الحلاوة لا مرارة فيه ولا ملوحة ولا حموضة، ولا يكون رقيقا سيالا ولا غليظا جدا جبنيا، ولا كثير الرغوة. وقد يجرب قوامه بالتقطير على الظفر فإن سال فهو رقيق، وإن وقف عن الإسالة من الظفر فهو ثخين. بعد هذا يوضح ابن سينا حقيقة لا زال لها أهميته في مسألة إرضاع الوليد؛ وهي مسألة الفطام وهو ما تلح عليه كل المراجع الطبية الحديثة والتي تؤكد أنه لا شيء على الطفل أضر من الفطام المفاجئ، وقد ذكر ابن سينا هذه الحقيقة عندما قال أنه يجب أن يكون الفطام تدريجيا لا دفعة واحدة.

    أما فيما يتعلق بنهوض الطفل وتحركه، يقول ابن سينا في ذلك: "فإذا أخذ ينهض ويتحرك فلا ينبغي أن يمكّن من الحركات العنيفة ولا يجوز أن يحمل على المشي أو القعود قبل انبعاثه إليه بالطبع فيصيب ساقيه وصلبه آفة … وينحّى عن وجهه الخشب والسكاكين وما أشبه ذلك مما ينخس أو يقطع".  

الفصل الثالث في الأمراض التي تعرض للصبيان وعلاجاتها:

 

  في هذا الفصل يتعرض ابن سينا بالحديث عن بعض الأمراض التي يصاب بها الطفل الوليد مع ذكر علاجاتها. من ذلك تحدث ابن سينا مثلا عن أورام تعرض للرضع في اللثة عند نبات الأسنان، وأورام تعرض لهم في ناحية اللحيين، وهي في الحقيقة ما يعرف اليوم بالتهاب العقد اللمفاوية والذي يحدث في العقد اللمفاوية تحت الفكية. ثم هو يشير إلى علاج ذلك باستخدام بعض الدهون والعسل. ثم يتعرض ابن سينا بالحديث عن إصابة الوليد بما كان يسمى وقتئذ باستطلاق البطن أو ما يسمى حديثا بالإسهال، فهو يبين أنه قد يحدث ذلك عند بزوغ الأسنان، وقد أوضح أن الإصابة الخفيفة لا تحتاج إلى علاج مطلقا، أما في الحالات الشديدة فلا بد من علاجها، وهذا الأمر هو قريب جدا لما يطبق اليوم. وقد وصف لعلاج الإسهال أدوية عديدة أكثرها نباتية مثل بزر الكرفس والكمون وأصل السوسن وغيرها من الأدوية النباتية والتي كانت شائعة الاستعمال قبل عصر الصادات Antibiotics. ثم ذكر أيضا حالات الإمساك التي قد يصاب بها الوليد وذكر له عدة علاجات.  وفي حالة إصابة الوليد بالكزاز ينصح ابن سينا هنا باستخدام دهن البنفسج وحده أو مضروبا بشيء من الشمع المصفى، أما إذا ترافق الكزاز بسعال وزكام فيعالج بتلطيخ اللسان بالعسل ثم يغمز على أصل لسان الوليد ليتقيأ بلغما كثيرا فيتعافى.

    ويشير ابن سينا إلى أنه قد يصاب الطفل الوليد بسوء التنفس وهو ما يسمى اليوم بمرض الربو أو متلازمة الكرب التنفسي Respiratory distress syndrome، ويصف لذلك علاجات مختلفة كبزر الكتان والعسل. أما إذا أصيب بالقلاع Aphthus، فيعالج بالبنفسج المسحوق وحده أو مخلوطا بورد وقليل زعفران أو بالخرنوب وحده. أما الإصابة بسيلان الأذن فينصح باستخدام صوفة مغموسة بشراب العفص مع الزعفران.

    في هذا الفصل يذكر ابن سينا أيضا أنه قد يصاب الأطفال في هذا السن بالماء في الرأس وهو ما يعرف حاليا باستسقاء الرأس Hydrocephalus وسلاق الأجفان والحميات، ويذكر عدة علاجات لها. ثم يتعرض بالحديث لوصف حالة المغص والتي تعتبر حاليا من أكثر الشكايات شيوعا عند الأطفال الوليدين، يقول في ذلك: "وربما عرض لهم مغص فيلتوون ويبكون فيجب أن يكمد البطن بالماء الحار والدهن الكثير الحار بالشمع اليسير". بعد ذلك يتحدث ابن سينا عن إصابة الأطفال بمرض الجدري، إلا أنه لم يذكره بهذا الاسم، بل وصفه بأنه مرض يتظاهر بشكل بثور سوداء تظهر في البدن وقال عنه إنه مرض قتال. وقد أشار أيضا إلى أن كثرة البكاء عند الأطفال قد تسبب نتو السرة أو الفتوق، ونصح لعلاجها باستخدام المواد القابضة. أما الفواق فنصح باستخدام جوز الهند مع السكر، والقيء المبرح باستخدام القرنفل.

    في نهاية هذا الفصل يشير ابن سينا إلى إمكانية أن يتعرض الصبي لأحلام تفزعه في نومه، ويعزوه لفساد الطعام في المعدة، ويعالجه بإلعاقه العسل. أما خروج المقعدة أو ما يسمى حاليا بهبوط الشرج Rectal prolapse فينصح لعلاجه باستخدام مغاطس مكونة من قشور الرمان والآس الرطب وجفت البلوط والورد اليابس والشب اليماني والعفص.  

الفصل الرابع في تدبير الأطفال إذا انتقلوا إلى سن الصبا:

 

    هذا الفصل يتعامل مع التكوين الخلقي والسلوكي للطفل، وفيه أيضا يستعرض فصول التربية النفسية للأطفال على أحسن الطرق التربوية. يؤكد ابن سينا في هذا الفصل على ضرورة مراعاة نفسية الطفل بحيث لا يصيبه غضب شديد أو خوف شديد أو غم أو سهر، ويبين أن في ذلك منفعتان؛ أولاهما في نفسه بأن ينشأ من الطفولة حسن الأخلاق ويصير ذلك له ملكة لازمة، والثانية لبدنه فإنه كما أن الأخلاق الرديئة تابعة لأنواع سوء المزاج فكذلك إذا انحرفت عن العادة استتبعت سوء المزاج المناسب لها، ففي تعديل الأخلاق حفظ الصحة للنفس والبدن جميعا. ثم يحدد ابن سينا أوقات حمام الطفل ولعبه فيقول: "وإذا انتبه الصبي من نومه فالأحرى أن يستحم ثم يخلى بينه وبين اللعب ساعة، ثم يطعم شيئا يسيرا ثم يطلق له اللعب الأطول ثم يستحم ثم يغذى، ويجتنبون ما أمكن شرب الماء على الطعام".

    عندما يبلغ الطفل ست سنين يرى ابن سينا أن ذلك هو الوقت المناسب لتأديب الطفل وتعليمه، ويرى أيضا أنه يجب أن يدرّج في ذلك، ولا يحكم عليه بملازمة الكتاب كرة واحدة، وفي هذا السن أيضا ينقص من إحمامهم ويزاد في تعبهم قبل الطعام.

    بالرغم من تخصيص ابن سينا هذه الفصول الأربعة للحديث عن تربية الأطفال وتدبيرهم، فإننا كثيرا ما نتلمس في باقي أجزاء كتاب القانون بعض النصائح النفيسة والإرشادات الهامة لعلاج بعض الحالات المستعصية كما هو الحال في حالة علاج التبوال الليلي في الفراش، حيث يركز فيه على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الحالة النفسية للطفل المصاب.  

الأرجوزة في الطب:  

ينسب لابن سينا عدة أراجيز في الطب، أشهرها الألفية، علما أن عدد أبياتها يتراوح بين 1326 – 1334. وتعتبر هذه الأرجوزة مختصرا لكتاب القانون في الطب، يسهل على طلاب الطب قراءتها وحفظها.

وقد وضعت عدة شروحات لهذه الأرجوزة، أشهرها التي وضعها العالم الفيلسوف ابن رشد والذي توفي سنة 595 هـ – 1198 م. وترجمت هذه الأرجوزة إلى اللغتين اللاتينية والعبرية. 

قسّم ابن سينا أرجوزته إلى قسمين؛ الأول نظري، والثاني عملي. وابتدأ
الأرجوزة بتعريفه للطب قائلا:  

 

 

  في هذا الفصل يتعرض ابن سينا بالحديث عن بعض الأمراض التي يصاب بها الطفل الوليد مع ذكر علاجاتها. من ذلك تحدث ابن سينا مثلا عن أورام تعرض للرضع في اللثة عند نبات الأسنان، وأورام تعرض لهم في ناحية اللحيين، وهي في الحقيقة ما يعرف اليوم بالتهاب العقد اللمفاوية والذي يحدث في العقد اللمفاوية تحت الفكية. ثم هو يشير إلى علاج ذلك باستخدام بعض الدهون والعسل. ثم يتعرض ابن سينا بالحديث عن إصابة الوليد بما كان يسمى وقتئذ باستطلاق البطن أو ما يسمى حديثا بالإسهال، فهو يبين أنه قد يحدث ذلك عند بزوغ الأسنان، وقد أوضح أن الإصابة الخفيفة لا تحتاج إلى علاج مطلقا، أما في الحالات الشديدة فلا بد من علاجها، وهذا الأمر هو قريب جدا لما يطبق اليوم. وقد وصف لعلاج الإسهال أدوية عديدة أكثرها نباتية مثل بزر الكرفس والكمون وأصل السوسن وغيرها من الأدوية النباتية والتي كانت شائعة الاستعمال قبل عصر الصادات Antibiotics. ثم ذكر أيضا حالات الإمساك التي قد يصاب بها الوليد وذكر له عدة علاجات.  وفي حالة إصابة الوليد بالكزاز ينصح ابن سينا هنا باستخدام دهن البنفسج وحده أو مضروبا بشيء من الشمع المصفى، أما إذا ترافق الكزاز بسعال وزكام فيعالج بتلطيخ اللسان بالعسل ثم يغمز على أصل لسان الوليد ليتقيأ بلغما كثيرا فيتعافى.

    ويشير ابن سينا إلى أنه قد يصاب الطفل الوليد بسوء التنفس وهو ما يسمى اليوم بمرض الربو أو متلازمة الكرب التنفسي Respiratory distress syndrome، ويصف لذلك علاجات مختلفة كبزر الكتان والعسل. أما إذا أصيب بالقلاع Aphthus، فيعالج بالبنفسج المسحوق وحده أو مخلوطا بورد وقليل زعفران أو بالخرنوب وحده. أما الإصابة بسيلان الأذن فينصح باستخدام صوفة مغموسة بشراب العفص مع الزعفران.

    في هذا الفصل يذكر ابن سينا أيضا أنه قد يصاب الأطفال في هذا السن بالماء في الرأس وهو ما يعرف حاليا باستسقاء الرأس Hydrocephalus وسلاق الأجفان والحميات، ويذكر عدة علاجات لها. ثم يتعرض بالحديث لوصف حالة المغص والتي تعتبر حاليا من أكثر الشكايات شيوعا عند الأطفال الوليدين، يقول في ذلك: "وربما عرض لهم مغص فيلتوون ويبكون فيجب أن يكمد البطن بالماء الحار والدهن الكثير الحار بالشمع اليسير". بعد ذلك يتحدث ابن سينا عن إصابة الأطفال بمرض الجدري، إلا أنه لم يذكره بهذا الاسم، بل وصفه بأنه مرض يتظاهر بشكل بثور سوداء تظهر في البدن وقال عنه إنه مرض قتال. وقد أشار أيضا إلى أن كثرة البكاء عند الأطفال قد تسبب نتو السرة أو الفتوق، ونصح لعلاجها باستخدام المواد القابضة. أما الفواق فنصح باستخدام جوز الهند مع السكر، والقيء المبرح باستخدام القرنفل.

    في نهاية هذا الفصل يشير ابن سينا إلى إمكانية أن يتعرض الصبي لأحلام تفزعه في نومه، ويعزوه لفساد الطعام في المعدة، ويعالجه بإلعاقه العسل. أما خروج المقعدة أو ما يسمى حاليا بهبوط الشرج Rectal prolapse فينصح لعلاجه باستخدام مغاطس مكونة من قشور الرمان والآس الرطب وجفت البلوط والورد اليابس والشب اليماني والعفص.  

الفصل الرابع في تدبير الأطفال إذا انتقلوا إلى سن الصبا:

 

    هذا الفصل يتعامل مع التكوين الخلقي والسلوكي للطفل، وفيه أيضا يستعرض فصول التربية النفسية للأطفال على أحسن الطرق التربوية. يؤكد ابن سينا في هذا الفصل على ضرورة مراعاة نفسية الطفل بحيث لا يصيبه غضب شديد أو خوف شديد أو غم أو سهر، ويبين أن في ذلك منفعتان؛ أولاهما في نفسه بأن ينشأ من الطفولة حسن الأخلاق ويصير ذلك له ملكة لازمة، والثانية لبدنه فإنه كما أن الأخلاق الرديئة تابعة لأنواع سوء المزاج فكذلك إذا انحرفت عن العادة استتبعت سوء المزاج المناسب لها، ففي تعديل الأخلاق حفظ الصحة للنفس والبدن جميعا. ثم يحدد ابن سينا أوقات حمام الطفل ولعبه فيقول: "وإذا انتبه الصبي من نومه فالأحرى أن يستحم ثم يخلى بينه وبين اللعب ساعة، ثم يطعم شيئا يسيرا ثم يطلق له اللعب الأطول ثم يستحم ثم يغذى، ويجتنبون ما أمكن شرب الماء على الطعام".

    عندما يبلغ الطفل ست سنين يرى ابن سينا أن ذلك هو الوقت المناسب لتأديب الطفل وتعليمه، ويرى أيضا أنه يجب أن يدرّج في ذلك، ولا يحكم عليه بملازمة الكتاب كرة واحدة، وفي هذا السن أيضا ينقص من إحمامهم ويزاد في تعبهم قبل الطعام.

    بالرغم من تخصيص ابن سينا هذه الفصول الأربعة للحديث عن تربية الأطفال وتدبيرهم، فإننا كثيرا ما نتلمس في باقي أجزاء كتاب القانون بعض النصائح النفيسة والإرشادات الهامة لعلاج بعض الحالات المستعصية كما هو الحال في حالة علاج التبوال الليلي في الفراش، حيث يركز فيه على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الحالة النفسية للطفل المصاب.  

الأرجوزة في الطب:  

ينسب لابن سينا عدة أراجيز في الطب، أشهرها الألفية، علما أن عدد أبياتها يتراوح بين 1326 – 1334. وتعتبر هذه الأرجوزة مختصرا لكتاب القانون في الطب، يسهل على طلاب الطب قراءتها وحفظها.

وقد وضعت عدة شروحات لهذه الأرجوزة، أشهرها التي وضعها العالم الفيلسوف ابن رشد والذي توفي سنة 595 هـ – 1198 م. وترجمت هذه الأرجوزة إلى اللغتين اللاتينية والعبرية. 

قسّم ابن سينا أرجوزته إلى قسمين؛ الأول نظري، والثاني عملي. وابتدأ
الأرجوزة بتعريفه للطب قائلا:  

 

 

   في مجال إرضاع الطفل الوليد يشير ابن سينا إلى ما يعتبر اليوم أحد أهم أساسيات إرضاع الطفل الوليد، إذ يشير إلى أنه يجب بذل كل المحاولات لأن يرضع الوليد من لبن أمه، حيث أنه، وكما يعلل ابن سينا، أشبه الأغذية بجوهر ما سلف من غذائه وهو في الرحم.  ويبين ابن سينا أنه قد صح بالتجربة أن إلقام الطفل حلمة أمه عظيم النفع جدا في دفع ما يؤذيه، كما أنه يفضل أن يلعق الوليد عسلا ثم يرضع. يقول ابن سينا: "من الواجب أن يلزم الطفل شيئين نافعين أيضا لتقوية مزاجه أحدهما التحريك اللطيف والآخر الموسيقى والتلحين الذي جرت به العادة لتنويم الأطفال وبمقدار قبوله". في حالة وجود ما يمنع من تلقي الوليد حليب والدته يبين ابن سينا إلى أنه ينبغي أن يختار له مرضعة تنطبق عليها شروط معينة، بعضها في السن وبعضها في السحنة وبعضها في الأخلاق وبعضها في هيئة ثديها وبعضها في كيفية لبنها وبعضها في مقدار مدة ما بينها وبين وضعها وبعضها من جنس مولودها. أما فيما يتعلق بشرط سنها فيشير ابن سينا أن أفضل سن هو ما بين خمس وعشرين سنة إلى خمس وثلاثين سنة فهو سن الشباب وسن الصحة والكمال. أما شروط سحنتها وتركيبها فيجب أن تكون حسنة اللون قوية العنق والصدر واسعته، عضلانية صلبة اللحم متوسطة في السمن والهزال، لحمانية لا شحمانية. وأما في أخلاقها فأن تكون حسنة الأخلاق محمودتها، بطيئة عن الانفعالات النفسانية الرديئة من الغضب والغم والجبن وغير ذلك فإن جميع ذلك يفسد المزاج. وأما في هيئة ثديها فأن يكون ثديها مكتنزا عظيما وليس مع عظمه بمسترخ، ولا ينبغي أيضا أن يكون فاحش العظم، ويجب أن يكون معتدلا في الصلابة واللين. وأما في كيفية لبنها فأن يكون قوامه معتدلا   ومقداره معتدلا ولونه إلى البياض لا كمد ولا أخضر ولا أصفر ولا أحمر، ورائحته طيبة وطعمه إلى الحلاوة لا مرارة فيه ولا ملوحة ولا حموضة، ولا يكون رقيقا سيالا ولا غليظا جدا جبنيا، ولا كثير الرغوة. وقد يجرب قوامه بالتقطير على الظفر فإن سال فهو رقيق، وإن وقف عن الإسالة من الظفر فهو ثخين. بعد هذا يوضح ابن سينا حقيقة لا زال لها أهميته في مسألة إرضاع الوليد؛ وهي مسألة الفطام وهو ما تلح عليه كل المراجع الطبية الحديثة والتي تؤكد أنه لا شيء على الطفل أضر من الفطام المفاجئ، وقد ذكر ابن سينا هذه الحقيقة عندما قال أنه يجب أن يكون الفطام تدريجيا لا دفعة واحدة.

    أما فيما يتعلق بنهوض الطفل وتحركه، يقول ابن سينا في ذلك: "فإذا أخذ ينهض ويتحرك فلا ينبغي أن يمكّن من الحركات العنيفة ولا يجوز أن يحمل على المشي أو القعود قبل انبعاثه إليه بالطبع فيصيب ساقيه وصلبه آفة … وينحّى عن وجهه الخشب والسكاكين وما أشبه ذلك مما ينخس أو يقطع".  

الفصل الثالث في الأمراض التي تعرض للصبيان وعلاجاتها:

 

  في هذا الفصل يتعرض ابن سينا بالحديث عن بعض الأمراض التي يصاب بها الطفل الوليد مع ذكر علاجاتها. من ذلك تحدث ابن سينا مثلا عن أورام تعرض للرضع في اللثة عند نبات الأسنان، وأورام تعرض لهم في ناحية اللحيين، وهي في الحقيقة ما يعرف اليوم بالتهاب العقد اللمفاوية والذي يحدث في العقد اللمفاوية تحت الفكية. ثم هو يشير إلى علاج ذلك باستخدام بعض الدهون والعسل. ثم يتعرض ابن سينا بالحديث عن إصابة الوليد بما كان يسمى وقتئذ باستطلاق البطن أو ما يسمى حديثا بالإسهال، فهو يبين أنه قد يحدث ذلك عند بزوغ الأسنان، وقد أوضح أن الإصابة الخفيفة لا تحتاج إلى علاج مطلقا، أما في الحالات الشديدة فلا بد من علاجها، وهذا الأمر هو قريب جدا لما يطبق اليوم. وقد وصف لعلاج الإسهال أدوية عديدة أكثرها نباتية مثل بزر الكرفس والكمون وأصل السوسن وغيرها من الأدوية النباتية والتي كانت شائعة الاستعمال قبل عصر الصادات Antibiotics. ثم ذكر أيضا حالات الإمساك التي قد يصاب بها الوليد وذكر له عدة علاجات.  وفي حالة إصابة الوليد بالكزاز ينصح ابن سينا هنا باستخدام دهن البنفسج وحده أو مضروبا بشيء من الشمع المصفى، أما إذا ترافق الكزاز بسعال وزكام فيعالج بتلطيخ اللسان بالعسل ثم يغمز على أصل لسان الوليد ليتقيأ بلغما كثيرا فيتعافى.

    ويشير ابن سينا إلى أنه قد يصاب الطفل الوليد بسوء التنفس وهو ما يسمى اليوم بمرض الربو أو متلازمة الكرب التنفسي Respiratory distress syndrome، ويصف لذلك علاجات مختلفة كبزر الكتان والعسل. أما إذا أصيب بالقلاع Aphthus، فيعالج بالبنفسج المسحوق وحده أو مخلوطا بورد وقليل زعفران أو بالخرنوب وحده. أما الإصابة بسيلان الأذن فينصح باستخدام صوفة مغموسة بشراب العفص مع الزعفران.

    في هذا الفصل يذكر ابن سينا أيضا أنه قد يصاب الأطفال في هذا السن بالماء في الرأس وهو ما يعرف حاليا باستسقاء الرأس Hydrocephalus وسلاق الأجفان والحميات، ويذكر عدة علاجات لها. ثم يتعرض بالحديث لوصف حالة المغص والتي تعتبر حاليا من أكثر الشكايات شيوعا عند الأطفال الوليدين، يقول في ذلك: "وربما عرض لهم مغص فيلتوون ويبكون فيجب أن يكمد البطن بالماء الحار والدهن الكثير الحار بالشمع اليسير". بعد ذلك يتحدث ابن سينا عن إصابة الأطفال بمرض الجدري، إلا أنه لم يذكره بهذا الاسم، بل وصفه بأنه مرض يتظاهر بشكل بثور سوداء تظهر في البدن وقال عنه إنه مرض قتال. وقد أشار أيضا إلى أن كثرة البكاء عند الأطفال قد تسبب نتو السرة أو الفتوق، ونصح لعلاجها باستخدام المواد القابضة. أما الفواق فنصح باستخدام جوز الهند مع السكر، والقيء المبرح باستخدام القرنفل.

    في نهاية هذا الفصل يشير ابن سينا إلى إمكانية أن يتعرض الصبي لأحلام تفزعه في نومه، ويعزوه لفساد الطعام في المعدة، ويعالجه بإلعاقه العسل. أما خروج المقعدة أو ما يسمى حاليا بهبوط الشرج Rectal prolapse فينصح لعلاجه باستخدام مغاطس مكونة من قشور الرمان والآس الرطب وجفت البلوط والورد اليابس والشب اليماني والعفص.  

الفصل الرابع في تدبير الأطفال إذا انتقلوا إلى سن الصبا:

 

    هذا الفصل يتعامل مع التكوين الخلقي والسلوكي للطفل، وفيه أيضا يستعرض فصول التربية النفسية للأطفال على أحسن الطرق التربوية. يؤكد ابن سينا في هذا الفصل على ضرورة مراعاة نفسية الطفل بحيث لا يصيبه غضب شديد أو خوف شديد أو غم أو سهر، ويبين أن في ذلك منفعتان؛ أولاهما في نفسه بأن ينشأ من الطفولة حسن الأخلاق ويصير ذلك له ملكة لازمة، والثانية لبدنه فإنه كما أن الأخلاق الرديئة تابعة لأنواع سوء المزاج فكذلك إذا انحرفت عن العادة استتبعت سوء المزاج المناسب لها، ففي تعديل الأخلاق حفظ الصحة للنفس والبدن جميعا. ثم يحدد ابن سينا أوقات حمام الطفل ولعبه فيقول: "وإذا انتبه الصبي من نومه فالأحرى أن يستحم ثم يخلى بينه وبين اللعب ساعة، ثم يطعم شيئا يسيرا ثم يطلق له اللعب الأطول ثم يستحم ثم يغذى، ويجتنبون ما أمكن شرب الماء على الطعام".

    عندما يبلغ الطفل ست سنين يرى ابن سينا أن ذلك هو الوقت المناسب لتأديب الطفل وتعليمه، ويرى أيضا أنه يجب أن يدرّج في ذلك، ولا يحكم عليه بملازمة الكتاب كرة واحدة، وفي هذا السن أيضا ينقص من إحمامهم ويزاد في تعبهم قبل الطعام.

    بالرغم من تخصيص ابن سينا هذه الفصول الأربعة للحديث عن تربية الأطفال وتدبيرهم، فإننا كثيرا ما نتلمس في باقي أجزاء كتاب القانون بعض النصائح النفيسة والإرشادات الهامة لعلاج بعض الحالات المستعصية كما هو الحال في حالة علاج التبوال الليلي في الفراش، حيث يركز فيه على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الحالة النفسية للطفل المصاب.  

الأرجوزة في الطب:  

ينسب لابن سينا عدة أراجيز في الطب، أشهرها الألفية، علما أن عدد أبياتها يتراوح بين 1326 – 1334. وتعتبر هذه الأرجوزة مختصرا لكتاب القانون في الطب، يسهل على طلاب الطب قراءتها وحفظها.

وقد وضعت عدة شروحات لهذه الأرجوزة، أشهرها التي وضعها العالم الفيلسوف ابن رشد والذي توفي سنة 595 هـ – 1198 م. وترجمت هذه الأرجوزة إلى اللغتين اللاتينية والعبرية. 

قسّم ابن سينا أرجوزته إلى قسمين؛ الأول نظري، والثاني عملي. وابتدأ
الأرجوزة بتعريفه للطب قائلا:  

 

 

  في هذا الفصل يتعرض ابن سينا بالحديث عن بعض الأمراض التي يصاب بها الطفل الوليد مع ذكر علاجاتها. من ذلك تحدث ابن سينا مثلا عن أورام تعرض للرضع في اللثة عند نبات الأسنان، وأورام تعرض لهم في ناحية اللحيين، وهي في الحقيقة ما يعرف اليوم بالتهاب العقد اللمفاوية والذي يحدث في العقد اللمفاوية تحت الفكية. ثم هو يشير إلى علاج ذلك باستخدام بعض الدهون والعسل. ثم يتعرض ابن سينا بالحديث عن إصابة الوليد بما كان يسمى وقتئذ باستطلاق البطن أو ما يسمى حديثا بالإسهال، فهو يبين أنه قد يحدث ذلك عند بزوغ الأسنان، وقد أوضح أن الإصابة الخفيفة لا تحتاج إلى علاج مطلقا، أما في الحالات الشديدة فلا بد من علاجها، وهذا الأمر هو قريب جدا لما يطبق اليوم. وقد وصف لعلاج الإسهال أدوية عديدة أكثرها نباتية مثل بزر الكرفس والكمون وأصل السوسن وغيرها من الأدوية النباتية والتي كانت شائعة الاستعمال قبل عصر الصادات Antibiotics. ثم ذكر أيضا حالات الإمساك التي قد يصاب بها الوليد وذكر له عدة علاجات.  وفي حالة إصابة الوليد بالكزاز ينصح ابن سينا هنا باستخدام دهن البنفسج وحده أو مضروبا بشيء من الشمع المصفى، أما إذا ترافق الكزاز بسعال وزكام فيعالج بتلطيخ اللسان بالعسل ثم يغمز على أصل لسان الوليد ليتقيأ بلغما كثيرا فيتعافى.

    ويشير ابن سينا إلى أنه قد يصاب الطفل الوليد بسوء التنفس وهو ما يسمى اليوم بمرض الربو أو متلازمة الكرب التنفسي Respiratory distress syndrome، ويصف لذلك علاجات مختلفة كبزر الكتان والعسل. أما إذا أصيب بالقلاع Aphthus، فيعالج بالبنفسج المسحوق وحده أو مخلوطا بورد وقليل زعفران أو بالخرنوب وحده. أما الإصابة بسيلان الأذن فينصح باستخدام صوفة مغموسة بشراب العفص مع الزعفران.

    في هذا الفصل يذكر ابن سينا أيضا أنه قد يصاب الأطفال في هذا السن بالماء في الرأس وهو ما يعرف حاليا باستسقاء الرأس Hydrocephalus وسلاق الأجفان والحميات، ويذكر عدة علاجات لها. ثم يتعرض بالحديث لوصف حالة المغص والتي تعتبر حاليا من أكثر الشكايات شيوعا عند الأطفال الوليدين، يقول في ذلك: "وربما عرض لهم مغص فيلتوون ويبكون فيجب أن يكمد البطن بالماء الحار والدهن الكثير الحار بالشمع اليسير". بعد ذلك يتحدث ابن سينا عن إصابة الأطفال بمرض الجدري، إلا أنه لم يذكره بهذا الاسم، بل وصفه بأنه مرض يتظاهر بشكل بثور سوداء تظهر في البدن وقال عنه إنه مرض قتال. وقد أشار أيضا إلى أن كثرة البكاء عند الأطفال قد تسبب نتو السرة أو الفتوق، ونصح لعلاجها باستخدام المواد القابضة. أما الفواق فنصح باستخدام جوز الهند مع السكر، والقيء المبرح باستخدام القرنفل.

    في نهاية هذا الفصل يشير ابن سينا إلى إمكانية أن يتعرض الصبي لأحلام تفزعه في نومه، ويعزوه لفساد الطعام في المعدة، ويعالجه بإلعاقه العسل. أما خروج المقعدة أو ما يسمى حاليا بهبوط الشرج Rectal prolapse فينصح لعلاجه باستخدام مغاطس مكونة من قشور الرمان والآس الرطب وجفت البلوط والورد اليابس والشب اليماني والعفص.  

الفصل الرابع في تدبير الأطفال إذا انتقلوا إلى سن الصبا:

 

    هذا الفصل يتعامل مع التكوين الخلقي والسلوكي للطفل، وفيه أيضا يستعرض فصول التربية النفسية للأطفال على أحسن الطرق التربوية. يؤكد ابن سينا في هذا الفصل على ضرورة مراعاة نفسية الطفل بحيث لا يصيبه غضب شديد أو خوف شديد أو غم أو سهر، ويبين أن في ذلك منفعتان؛ أولاهما في نفسه بأن ينشأ من الطفولة حسن الأخلاق ويصير ذلك له ملكة لازمة، والثانية لبدنه فإنه كما أن الأخلاق الرديئة تابعة لأنواع سوء المزاج فكذلك إذا انحرفت عن العادة استتبعت سوء المزاج المناسب لها، ففي تعديل الأخلاق حفظ الصحة للنفس والبدن جميعا. ثم يحدد ابن سينا أوقات حمام الطفل ولعبه فيقول: "وإذا انتبه الصبي من نومه فالأحرى أن يستحم ثم يخلى بينه وبين اللعب ساعة، ثم يطعم شيئا يسيرا ثم يطلق له اللعب الأطول ثم يستحم ثم يغذى، ويجتنبون ما أمكن شرب الماء على الطعام".

    عندما يبلغ الطفل ست سنين يرى ابن سينا أن ذلك هو الوقت المناسب لتأديب الطفل وتعليمه، ويرى أيضا أنه يجب أن يدرّج في ذلك، ولا يحكم عليه بملازمة الكتاب كرة واحدة، وفي هذا السن أيضا ينقص من إحمامهم ويزاد في تعبهم قبل الطعام.

    بالرغم من تخصيص ابن سينا هذه الفصول الأربعة للحديث عن تربية الأطفال وتدبيرهم، فإننا كثيرا ما نتلمس في باقي أجزاء كتاب القانون بعض النصائح النفيسة والإرشادات الهامة لعلاج بعض الحالات المستعصية كما هو الحال في حالة علاج التبوال الليلي في الفراش، حيث يركز فيه على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الحالة النفسية للطفل المصاب.  

الأرجوزة في الطب:  

ينسب لابن سينا عدة أراجيز في الطب، أشهرها الألفية، علما أن عدد أبياتها يتراوح بين 1326 – 1334. وتعتبر هذه الأرجوزة مختصرا لكتاب القانون في الطب، يسهل على طلاب الطب قراءتها وحفظها.

وقد وضعت عدة شروحات لهذه الأرجوزة، أشهرها التي وضعها العالم الفيلسوف ابن رشد والذي توفي سنة 595 هـ – 1198 م. وترجمت هذه الأرجوزة إلى اللغتين اللاتينية والعبرية. 

قسّم ابن سينا أرجوزته إلى قسمين؛ الأول نظري، والثاني عملي. وابتدأ
الأرجوزة بتعريفه للطب قائلا:  

 

 
 

  يعتبر أكثر مؤلفات ابن سينا أهمية في الطب، وقد كتبه بالعربية، ووصفه أحد الأطباء الغربيين وهو William Osler بأنه أشهر كتاب طبي على الإطلاق. ويعد هذا الكتاب فريدا من نوعه، إذ يمثل وثيقة تحوي كل علوم الطب منذ أقدم الأزمنة (كالطب الفرعوني والإغريقي والهندي) وحتى عصر ابن سينا. وتميز هذا الكتاب بعرضه مواضيع الطب وفق خطة منهجية قريبة جدا لما تتبعه الكتب الطبية المدرسية الحديثة، خصوصا فيما يتعلق بطريقة سرد الأمراض من حيث التعرض لتصنيف الأمراض ثم ذكر أسبابها وأعراضها وعلاماتها وسرايتها، ثم  ذِكْر علاجها  وإنذارها. ويمكننا القول بأن حسن ترتيب كتاب القانون فضلا على شموليته جعلاه الأكثر انتشارا في الأوساط العلمية الطبية في كل من الشرق والغرب وذلك حتى أواخر القرن السابع عشر.

    لقد عرف الغرب كتاب القانون من خلال الترجمة اللاتينية له التي قام بها جيرارد الكريموني وذلك في القرن الخامس عشر.  وترجم أيضا إلى اللغة العبرية وطبع عدة مرات آخرها كان في بداية القرن التاسع عشر. بقي كتاب القانون قيد الاستعمال خاصة في جامعة لوفيان ومومبلييه وذلك حتى أواخر القرن السابع عشر. وقد ورد في المجلة التي تصدرها اليونسكو، في عدد تشرين الأول من عام 1980، أن كتاب القانون ظل قيد الاستخدام في جامعة بر وسل وذلك حتى عام 1909.

    قام كثير من الأطباء المسلمين بوضع شروحات لكتاب القانون، والبعض منهم قام باختصاره. وأشهر تلك الاختصارات كتاب الموجز في الطب الذي كتبه ابن النفيس الدمشقي الذي توفي عام 1288.

    ابتدأ ابن سينا كتابه القانون بتعريفه للطب قائلا: " الطب علم يتعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة ليحفظ الصحة حاصلة ويستردها زائلة".

    يتألف كتاب القانون من خمسة كتب:

    الكتاب الأول: يبحث في تعريف الطب ويشرح أغراضه، كما يتكلم فيه عن الأمزجة والأخلاط وتشريح الجسم ووظائف الأعضاء. وقد ورد فيه ذكر لبعض الأمراض وأسبابها وعلاجها.

    الكتاب الثاني: وهو خاص بعلم العقاقير، أو الأدوية المفردة، ويحتوي عددا كبيرا من النباتات الطبية أكثرها فارسي المنشأ، وبعضها من أصل يوناني أو هندي أو صيني أو عربي.

    الكتاب الثالث: تكلم فيه عن الأمراض التي تصيب أعضاء الجسم المختلفة، وذكر أسبابها وأعراضها وعلاجها وأحيانا إنذارها.

    الكتاب الرابع: تحدث فيه عن عدة مواضيع، كالكسور والخلوع وبعض الحمات كالحصبة والجدري، وتحدث في القسم الأخير من هذا الجزء عن السموم ومضاداتها.

    الكتاب الخامس: تحدث فيه عن الأدوية المركبة أو ما كان يعرف بالأقرباذين. وقد ورد في هذا الجزء ذكر لتحضير ما ي�

المصدر: د. عبد الناصر كعدان
sayidaty

[url=http://www.0zz0.com][img]http://www9.0zz0.com/2010/06/01/18/283735580.gif[/img][/url]

  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 233 مشاهدة
نشرت فى 1 يونيو 2010 بواسطة sayidaty

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

128,793