مؤامرة صهيونية للاستلاء على
مسرحيات اللبناني أنطون شحيبر
أ.د/ سيد علي إسماعيل
كلية الآداب - جامعة حلوان
منذ عشرين، وتحديداً فى عام 1996 أصدرت جامعة مانشستر فى إنجلترا كتابًا ضخمًا باللغتين الإنجليزية والعربية؛ عنوانه على القسم العربى (الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية فى القرن التاسع عشر)، وعنوانه على القسم الإنجليزي Jewish Contributions to Nineteenth-Century Arabic Theatre))، وقام بكتابة الكتاب كل من: (شموئيل موريه Shmuel Moreh) من الجامعة العبرية (<!--)، و(فيليب سادجروف P.C. Sadgrove) من جامعة مانشستر (<!--). والقسم الإنجليزى من الكتاب يقع فى (138) صفحة، وهو دراسة تاريخية نقدية تحليلية لدور اليهود فى المسرح العربى فى القرن التاسع عشر من خلال جهود: (أبراهام دانينوس 1797 – 1872 Abraham Daninos) فى الجزائر، و(يعقوب صنوع 1839 - 1912) فى مصر، و(زاكي كوهين ؟ - 1911) وابنه سليم فى بيروت، و(أنطون شحيبر ؟ - 1932) فى بيروت أيضًا. أما القسم العربى من الكتاب فيقع فى (305) صفحة، وهو عبارة عن نصوص ست مسرحيات، الأولى نزاهة المشتاق وغصة العشاق فى مدينة طرياق فى العراق لأبراهام دانينوس، والمسرحيات الخمس الأخرى لأنطون شحيبر، وهى: المريض الوهمى، مُدّعى الشرف، انتصار الفضيلة أو حادثة الابنة الإسرائيلية، ناكر الجميل، ذبيحة إسحق.
الهدف من نشر الكتاب
هذا الكتاب .. كان الهدف الصهيونى من وراء نشره – كما جاء فى مقدمته - إثبات " أن اليهود الذين يتحدثون العربية، كانوا روادًا لحركة نهضة المسرح العربى فى منتصف القرن التاسع عشر" (<!--)! وهناك هدف آخر – جاء فى ختام الكتاب – وهو الدعوة إلى التطبيع مع الكيان الصهيونى، وهذا نصه "Perhaps the longed-for peace between the Arabs and Israel might open a new chapter in this story of Judaeo-Arab culture"، وترجمته، تقول: "ربما إحلال السلام بين العرب وإسرائيل، قد فتح فصلاً جديدًا فى هذه القصة من الثقافة اليهودية – العربية" (<!--).
ومن أجل تحقيق هذين الهدفين الصهيونىن؛ أسهمت عدة جامعات رسمية، وعلى رأسها الجامعة العبرية فى نشر الكتاب، هذا بالإضافة إلى بعض الأسر اليهودية، مثل أسرة (أبو العافية)، التى ساعدت على ظهور هذا الكتاب، ناهيك عن الشخصيات اليهودية، التى مدت يد العون لدعم هذا الكتاب! لذلك وجه المؤلفان شكرهما وتقديرهما إلى هذه الجهات، وإلى هذه الشخصيات فى بداية الكتاب!
وعلى الرغم من هذا الدعم؛ إلا أن المؤلفين شموئيل موريه، وفيليب سادجروف لم ينجحا فى تحقيق هدفي الكتاب بالصورة المأمولة صهيونيًا؛ لأنهما فشلا – وبنسبة كبيرة - فى إقناع القارئ أن اليهود كانوا روادًا للمسرح العربى! وكنت أتمنى أن يتجه جهدهما نحو إبراز دور اليهود الحقيقى فى المشاركة المسرحية العربية، والابتعاد عن العنصرية الصهيونية؛ التى تسعى إلى تزوير التاريخ، وسلب الحقوق والريادات من أصحابها!! وسأكتفي في هذه الدراسة بنموذج واحد فقط من أجل فضح المؤامرة الصهيونية ضد المسرح العربي، من أجل سرقة تاريخه ونصوصه وجهود رواده من قبل الجامعة العبرية!!
أنطون شحيبر
لولا شخصية أنطون شحيبر؛ ما كان كتاب (الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية) طُبع، وما كانت الحركة الصيهونية اهتمت به، وما كانت الجهات الداعمة للكتاب أنفقت عليه! والسبب فى ذلك راجع إلى أن نصوص شحيبر المسرحية المنشورة فى القسم العربى من الكتاب بلغت (262) صفحة، وهى: المريض الوهمى، مدّعى الشرف، انتصار الفضيلة أو حادثة الابنة الإسرائيلية، ناكر الجميل، ذبيحة إسحق .. أي أن مسرحيات شحيبر شغلت نسبة 70% من الكتاب!! هذا بالإضافة إلى أن الحديث عن أنطون شحيبر ومسرحياته فى القسم الإنجليزى - كان الجزء الأكبر فقد - شغل الفصلين الخامس والسادس بأكملهما! فلولا شحيبر ومسرحياته .. لأصبح الكتاب مجرد مقالة هزيلة!!
أقول هذا – لا سيما كلمة (لولا) – لأننى لاحظت إصرارًا كبيرًا من سادجروف وشموئيل على يهودية أنطون شحيبر؛ وكأنهما يشكان فى ديانته! فيهودية شحيبر تعارضت مع معلومة تقول: إن المحامى أنطون شحيبر كان رئيسًا لجمعية مار منصور دى بول الكاثوليكية عام 1906 (<!--)! وهذا يعنى احتمال أن يكون شحيبر مسيحيًا! ولو صدق هذا؛ لتحول كتاب الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية إلى مقالة – كما قلت - بعد حذف نصوص مسرحيات شحيبر، وما كُتب عنه بوصفه مسيحيًا لا يهوديًا تبعًا لمنهج الكتاب وهدفه!! لذلك التفّ سادجروف وشموئيل حول المعلومة قائلين: "... ولكننا نستطيع تفسير لغز الدافع الذى يجعل محاميًا يهوديًا يرأس جمعية خيرية كاثوليكية بتوضيح حقيقة المذبحة التى حدثت للمسيحيين اللبنانيين عام 1860، التى دفعت الجماهير اليهودية فى أوروبا للمطالبة بحماية المسيحيين فى سوريا، وهذا أدى إلى التقارب بين الديانتين اليهودية والمسيحية فى لبنان وسوريا. ومثال على ذلك ما قام به (أدولف كريمو Adolf Crémieux) رئيس التحالف اليهودى الفرنسى عندما دعا اليهود إلى مساعدة المارونيين فى لبنان، وقد نجح فى جمع تبرعات .... أرسلها لمساعدة الموارنة فى لبنان. وغالبًا هذه العادة من مساعدة اليهود للمسيحيين استمرت عند شحيبر .... ومن ذلك يمكن أن يكون أنطون شحيبر يهوديًا عمل كناشط فى جمعية خيرية مسيحية من أجل مصلحة المجتمع السورى" (<!--).
وبالرغم من عدم اقتناعنا بهذا التفسير غير المنطقى الفاقد للدليل الدامغ على يهودية أنطون شحيبر - لتقبل وجوده ووجود مسرحياته فى هذا الكتاب – إلا أن المؤلفين حاولا بكل وسيلة ممكنة إثبات يهودية شحيبر دون جدوى، فما كان منهما سوى حسم الأمر بصورة غير علمية قائلين: "ومهما كانت التبعية الدينية لأنطون شحيبر، فهى لا تهم! حيث إن الشخصية اليهودية واضحة جدًا فى أعماله المسرحية" (<!--)!
وهذا القول - غير العلمى - يعكس لنا مدى اليأس والإحباط اللذين أصابا سادجروف وشموئيل أمام فشلهما فى إثبات يهودية شحيبر! بدليل قولهما: (إن الشخصية اليهودية واضحة جدًا فى أعماله المسرحية)، وهو قول غير صحيح؛ لأن جميع المسرحيات المنشورة لأنطون شحيبر، هي مسرحيات مُترجمة أو مُعرّبة أو مقتبسة (<!--)، ومسرحية ذبيحة إسحق، هي الوحيدة المقتبسة من قصة سيدنا إبراهيم – عليه السلام – كما جاءت فى التوراة (<!--)!! مما يعنى عدم وجود أية مسرحية مؤلفة لأنطون شحيبر؛ وبذلك يصعب ظهور شخصيته اليهودية فى مسرحيات مُترجمة ومُعرّبة ومقتبسة؟!
مسيحي وليس يهودياً
والحقيقة التى حاول سادجروف وشموئيل البحث عنها دون جدوى؛ تتمثل فى هذه العبارة: (أنطون شحيبر مسيحي)!! ففى عام 1883 ألقى أنطون شحيبر خطبة فى إحدى الجمعيات الخيرية بعنوان الخطابة؛ بدأها هكذا: " إن الخطابة كانت منذ منشئها ولم تزل نقطة مهمة فى الهيئة الاجتماعية، وعنها نشأت انقلابات عظيمة على وجه البسيطة. وقد لعبت بالخير والشر لعب الطفل بأصغر الطيور. فالخطابة كانت سنداً قوياً لانتشار الدين المسيحى" (<!--). ولا أظن أن يهوديًا يستطيع أن يخطب أمام الناس، وأن ينشر فى أهم مجلة يهودية – مثل مجلة (المقتطف) – ويقول: إن (الخطابة كانت سنداً قوياً لانتشار الدين المسيحى) إلا إذا كان مسيحيًا!!
وفى عام 1897 كان أنطون شحيبر كاتب سر لجنة الاحتفال باليوبيل الفضى للمطران (يوسف الدبس) رئيس أساقفة بيروت! وشارك فى كتابة فاتحة كتاب ضخم صدر بهذه المناسبة، كما شارك فى كتابة ترجمة حياة المطران يوسف الدبس المنشورة فى الكتاب نفسه بصفته كاتب سر الجمعية الخيرية المارونية، وألقى شحيبر خطبة بوصفه رئيسًا لجمعية أخوة الفقراء المارونية فى الاحتفال بيوبيل المطران يوسف الدبس (<!--)! وهذه الصفات والمناصب والوظائف، تؤكد ديانة أنطون شحيبر المسيحية! وتؤكد هذه الديانة أيضًا معلومات نشرتها جريدة (الأهرام) فى نعييها لأنطون شحيبر عام 1932، مثل: انتخابه فى أغسطس 1906 رئيسًا عامًا لجمعية القديس منصور دى بول، وظل رئيسًا لها حتى وفاته، وحصوله على نيشان القديس بطرس، وعند وفاته في بيروت صُلى عليه فى الكاتدرائية المارونية، وأبّنه المطران أغناطيوس (<!--). وبهذا تظهر حقيقة أنطون شحيبر بوصفه مسيحيًا، وليس يهودياً كما حاول سادجروف وشموئيل إجبارنا على قبول يهوديته دون توثيق أو تحقيق!
والسؤال الآن: هل يوجد أحد من أفراد أسرة – أو عائلة – أنطون شحيبر في لبنان، يُطالب بحق هذا المسرحي، ويُطالب بمصادرة الكتاب، وعدم تداوله أو تدريسه في الجامعة العبرية في فلسطين المحتلة، أو تدريسه في جامعة مانشستر؟! هل من مسيحي حُرّ يرفع دعوى قضائية ضد المؤلفين – الصهيوني شموئيل موريه، والإنجليزي فيليب سادجروف - متهماً إياهما بتزوير التاريخ والسطو على إبداع وتاريخ أحد رواد المسرح من المسيحيين العرب؟!
الهوامش
<!--[if !supportEndnotes]-->
<!--[endif]-->
(<!--) - اسمه الحقيقي (سامى)، وهو عراقى الأصل، ولد فى بغداد عام 1932، وهاجر إلى إسرائيل عام 1951، وأصبح جنديًا إسرائيليًا، ثم التحق بالجامعة العبرية، ونال منحة لدراسة الدكتوراه فى إنجلترا، ونال الشهادة عام 1965 فى موضوع يبحث فى أن الثورة فى الشعر العربى الحديث كانت عن طريق المسيحيين! وعندما عاد إلى إسرائيل عمل فى تدريس الأدب العربى بالجامعة العبرية عام 1966، وأصبح رئيسًا للقسم، ورئيسًا لرابطة اليهود النازحين من العراق إلى إسرائيل، وأغلب كتاباته تتجه نحو إعلاء شأن دور اليهود فى البلدان العربية بحق وبدون حق.
(<!--) – فيليب سادجروف من مواليد مدينة ووربك بإنجلترا عام 1944، وتلقى تعليمه الجامعى فى جامعة أدنبرة (Edinburgh) بأسكتلندا، وحصل منها على درجة الماجستير فى اللغة العربية عام 1974م، وعلى الدكتوراه عام 1983م فى موضوع " تأثير الصحافة على تطور الأدب العربى فى مصر: فى الفترة من 1798-1882م ". وفي المجال الدبلوماسى، عمل سادجروف فى وزارة الخارجية البريطانية من عام 1963م إلى 1970م، فكان نائب القنصل البريطانى بالإسكندرية فى مصر عام 1967م، وعمل بالقسم السياسى فى السفارة البريطانية بلبنان والمملكة العربية السعودية من عام 1968 إلى 1970م. وفى المجال الأكاديمى، عمل محاضرًا فى قسم الترجمة بجامعة هريات وات (Heriot-Watt) بمدينة أدنبرة. كما عمل بقسم الدراسات العربية فى جامعة أدنبرة وجامعة درهام (Durham)، ثم انتقل إلى قسم الدراسات الشرق أوسطية بجامعة مانشستر (Manchester) منذ عام 1990م، حتى أصبح رئيسًا للقسم. وقد أشرف سادجروف على عدة رسائل للماجستير والدكتوراه فى مجال الأدب العربى بصفة عامة، وفى مجال المسرح العربى بصفة خاصة، مثل رسالة الدكتوراه للدكتور حبيب غلوم " تأثير المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية على المسرح الخليجى عام 1999م "، ورسالة الدكتوراه للمرحوم الدكتور فلاح كنعان حول المقارنة بين مسرح سعد الله ونوس وشكسبير. فضلاً عن مناقشته للعديد من رسائل الدكتوراه فى المسرح اليمنى والقطرى والعمانى بجامعة سيدنى بأستراليا، وجامعة هل، وجامعة درهام، ومنها رسالة الدكتوراه المقدمة عن المسرح العربى للمرحوم - الممثل المسرحى السعودى - بكر الشدي عام 1988م. وللمزيد، ينظر: فيليب سادجروف - المسرح المصرى فى القرن التاسع عشر (1799 - 1882م) - ترجمة د.أمين العيوطى، تقديم وتعليق د.سيد على إسماعيل - سلسلة دراسات فى المسرح المصرى - عدد 9 - وزارة الثقافة المصرية - المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية – 2007 - ص(10، 11)
(<!--) – فيليب سادجروف، شموئيل موريه – الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية فى القرن التاسع عشر – جامعة أكسفورد – 1996 – المقدمة ص(8).
(<!--) – ينظر: فيليب سادجروف، شموئيل موريه – السابق – ص(83)
(<!--) – ينظر: السابق – ص(93 – 121)
(<!--) - مجلة (المقتطف) – السنة الثامنة – الجزء الخامس - شباط 1884 – ص(281).
(<!--) - يُنظر الكتاب التذكارى الضخم، الذى صدر فى هذه المناسبة، صفحات (4، 66، 110). والكتاب مكتوب على غلافه الآتى: " عرفان الجميل لصاحب اليوبيل: وهو مجموع ما انتهى إلينا مما نظم الشعراء وفاه به الخطباء من التهانئ لنيافة الحبر الطيب الأحدوثة والبعيد الذكر ذي المآثر الغراء السيد العلامة الجليل المطران يوسف الدبس رئيس أساقفة بيروت الجدير بكل إطراء وتكرمة وذلك بمناسبة الاحتفاء بعيده الفضى جعل الله كل أيامه أعيادًا وأحرز له السعادة آمادًا. وقد ألحقنا به ما وصل إلينا مما أثبتته الجرائد فى هذا الشأن متوخين بترتيب مقالها تواريخ نشراتها. وقف على طبعه الفقير إليه تعالى عبد الله البستانى اللبنانى فى مطبعة جريدة المصباح ببيروت سنة 1897".
ساحة النقاش