يوم عمالقة المسرح .. بربع جنيه

ــــــــــــــــــــــ

المسرح التزام .. عبارة نقرأها ونسمعها والأغلب الأعم لا يعمل بها!! فكم من عرض أُلغي لأن البطل أو البطلة تغيبت ولم تحضر!! وكم من تدريب – أي بروفة – أُلغيت بسبب غياب ممثل أو ممثلة!! وفي المقابل نسمع من الفنانين الكبار أنهم زمان كانوا يضبطوا ساعاتهم على وصول الممثل الفلاني أو النجم العلاني .. إلخ!! فما السر في التزام الأجيال السابقة بالمواعيد، بعكس الأجيال الحالية؟! أظن الإجابة الخاصة بالأجيال الحالية معروفة للجميع، ولا تحتاج إلى اجتهاد!! أما الصعوبة كل الصعوبة في الحصول على الإجابة المتعلقة بالأجيال السابقة؛ لأن أغلبهم توفاه الله، وأصبحوا ذكرى وتاريخ!! وهنا تأتي أهمية الوائق، التي تخبرنا بالإجابة التفصيلية، وتفسر لنا لماذا كانوا قديماً ملتزمين، ونضبط على مواعيدهم الساعات!!

الوثيقة الأول موقعة من أحمد حمروش – مدير عام الفرقة الحديثة – وهي خطاب منه إلى الفنان (محمد الطوخي)، قال فيه: " تحية طيبة وبعد، فقد تخلفتم عن جلستي تدريب مسرحية (أم رتيبة) يومي 18 و19/6/1957، بالرغم من التنبيه عليك بالحضور، لذا تقرر خصم يوم من مكافأتك الشهرية". والملاحظ على هذا الخطاب الاقتضاب والاختصار والحسم والحزم في الألفاظ، دون مواربه أو وضع أي اعتبار لقيمة الفنان وأهميته .. إلخ! وهذا بالضبط هو معنى التزام الجيل السابق بمواعيد البروفات، لأنها البداية التي تعكس للإداريين كيف سيكون هذا الفنان في المستقبل!!

والوثيقة الثانية، خطاب من أحمد حمروش أيضاً إلى الفنانة (نادية السبع)، قال فيه بعد التحية: "تأخرت عن حضور جلسة تدريب مسرحية (شارع البهلوان) مساء يوم 20/6/1957 بالرغم من التنبيه عليك بضرورة المواظبة على الحضور. لذا تقرر خصم يوم من مكافأتك الشهرية". وفي اليوم التالي كتب لها خطاباً آخر، قال فيه: "تكرر تخلفك عن حضور جلسة تدريب مسرحية (شارع البهلوان) صباح يوم 21/6/1957 بالرغم من التنبيه عليك بضرورة المواظبة على حضور جلسات التدريب حتى يمكن تقديم المسرحية المذكورة في موعدها المحدد، لذلك تقرر خصم يومين من مكافأتك الشهرية". وهذان الخطابان مهمان جداً، لأن الخطاب الأول هو تنبيه مع خصم يوم لأن نادية السبع تأخرت (فقط) عن البروفة المسائية!! أما الخطاب الثاني فكان تنبيه مع تشديد العقوبة ومضاعفتها بخصم يومين، لأن نادية السبع لم تتأخر عن البروفة، بل لم تحضرها من الأصل!! مما يعني أنها تعاند مديرها، لذلك لزم تغليظ العقوبة. الطريف أن البروفة الأولى التي تأخرت فيها كانت بروفة مسائية، أما البروفة التي لم تحضرها فكانت بروفة صباحية .. أي بعد سويعات من البروفة المسائية!! وربما يقول قائل: إن الفنانة احتمال تكون مريضة أو عندها ظروف، وهذا المرض أو هذا الظرف لا يمكن أن ينتهي من المساء حتى صباح اليوم التالي!! وعلى الرغم من وجاهة هذا الاحتمال إلا أن لوائح المسرح صارمة على الجميع، وهذه الصرامة هي التي رسخت مفهوم عبارة (المسرح التزام)!!

وإذا تتبعنا وثائق هذا الموضوع، سنجدها تكراراً للخطابات السابقة، ومنها خطاب كتبه أحمد حمروش إلى الفنان (محمد الدفراوي)، قال فيه بعد التحية: "تخلفت عن حضور جلسة تدريب مسرحية (الصفقة) صباح يوم 29/12/1957، الأمر الذي ترتب عليه ارتباك جلسة التدريب، لذا تقرر خصم يوم من مكافأتك الشهرية". وهذا الخطاب تم توجيهه أيضاً إلى الفنان (كمال حسين). والخطاب التالي وجهه إلى الفنانة (رفيعة الشال)، قال فيه: "تخلفت عن حضور جلسة تدريب مسرحية (الناس اللي فوق) صباح يوم 30/12/1957، الأمر الذي ترتب عليه ارتباك جلسة التديب، لذا تقرر خصم يوم من مكافأتك الشهرية". والخطاب التالي وجهه إلى الفنانة (نعيمة وصفي)، قال فيه: "تخلفت عن حضور جلسة تدريب مسرحية (الناس اللي فوق) صباح يوم الاثنين 20 يناير 1958 بالرغم من لفت نظرك بضرورة المواظبة على الحضور. ولما كان التأخير في التدريبات النهائية يضر بصالح العمل إذ إن موعد عرض المسرحية قد قرب. لذا تقرر خصم يوم من مكافأتك الشهرية". وهذا الخطاب أيضاً تم توجيهه إلى الفنانة (سهير البابلي) ... إلخ

والجدير بالذكر إن هذه الصرامة والشدة، يقابلها تراجع ولين ورحمة إذا حدث خطأ في التطبيق!! وأكبر مثال على ذلك، الخطاب الذي كتبه الفنان (محمود عزمي) إلى مدير عام الفرقة المصرية في 21/5/1957، قال فيه: " تقرر خصم يوم من مكافأتي عن شهر أبريل عن جلسة تدريب في مسرحية (جمهورية فرحات)، ولم يكن قد توزع عليّ دور فيها بعد، بشهادة السيد مخرج المسرحية. لذا أرجو العمل على رفع الخصم". وأسفل هذا الكلام توجد تأشيرة بتوقيع المخرج فتوح نشاطي، قال فيها: "فعلاً هذا ما وقع بالظبط، وأرى أن يرفع عنه الخصم". وبالفعل استلم محمود عزمي الخصم الذي وقع عليه، وكان المبلغ هو (73) قرشاً وثلاثة مليمات!! وأرجو ألا يبتسم القارئ من بساطة القيمة المالية لمكافأة الفنان محمود عزمي!! فهناك فنانون آخرون كانت مكافأتهم اليومية هي 25 قرش .. أي ربع جنيه في اليوم الواحد!!

 

 

المصدر: جريدة مسرحنا - عدد 408 - الاثنين 25 مايو 2015
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 104 مشاهدة
نشرت فى 25 مايو 2015 بواسطة sayed-esmail

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

826,302