الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي

رائد الترجمة المسرحية مصرياً وعربياً

أ.د سيد علي إسماعيل

كلية الآداب – جامعة حلوان

(الدراسة غير كاملة!! ونسختها الكاملة بصورها أسفل الصفحة بصيغة pdf مجانية التحميل)

ـــــــــــــــ

التياترو الفرنسي بالأزبكية

عندما نتحدث عن المسرح في مصر؛ نجد أنفسنا نعود بالتاريخ إلى يوم الاثنين الموافق الأول من نوفمبر سنة 1869. وهو يوم افتتاح دار الأوبرا الخديوية؛ بوصفها المسرح الحكومي الرسمي الأول، الذي يؤرخ لبدايات المسرح في مصر! وفي هذه الليلة تم تمثيل مسرحية (ريجوليتو) – عن مسرحية (الملك يلهو) لفيكتور هوجو - مما يعني عدم وجود أي عرض مسرحي رسمي حكومي قبل هذا العرض في القاهرة، وأيضاً يعني عدم وجود أي بناء مسرحي رسمي حكومي، تُقام على خشبته العروض المسرحية. علماً بأن مسرح حديقة الأزبكية تم افتتاحه عام 1873 (<!--).

ظلت هذه المعلومات عالقة في ذهني - راسخة في وجداني – حتى اطلعت على معظم أعداد جريدة (الوقائع المصرية) طوال عامي 1868 و1869، ولفت انتباهي مجموعة أخبار عن زيارة ولي عهد إنجلترا (دوغال) مع زوجته إلى مصر، وحفاوة الخديوي إسماعيل بهما. وفي مقالة مطولة بتاريخ 8/2/1869، وصفت الجريدة زيارات الضيف وزوجته بصحبة كل من: المشير محمد توفيق باشا، ووزير الداخلية شريف باشا، ووزير الجهادية شاهين باشا، والكولونيل قنصل إنجلترا، حيث قاموا جميعا – احتفالاً بولي عهد إنجلترا وزوجته – بزيارة الآثار الفرعونية في صعيد مصر، وشاهدوا الاحتفال بالمحمل الشريف في ميدان محمد علي بالقلعة، وزاروا السبيل في شارع النحاسين .. إلخ. وفي يوم 21 يناير 1869 – كما حددت المقالة – قالت الجريدة الآتي:

"... فاستقبلهما الجناب الخديوي وصاحبهما من قصر النيل في عربية يجرها أربعة من الخيل إلى السراية المهيأة لهما خاصة بالأزبكية وكان إذ ذاك مجتمعاً بذلك القصر حضرات المأمورين الفخام المصرية متجملين بملابسهم الرسمية مصطفين برصيف المحطة صفين والعساكر النظامية المشاة والخيالة واقفون في الانتظار مصطفون إلى باب القصر مع الانتظام والوقار. وفي غروب ذلك اليوم توجها إلى التياترو المصري وتفرجا عليه مع سعادة ذلك الجناب المعظم من مكان مخصوص ثم عادا" (<!--).

كانت مفاجأة كبيرة، اكتشافي ما يُسمى بـ(التياترو المصري) في منطقة الأزبكية بالقاهرة قبل افتتاح الأوبرا بعشرة أشهر! والمؤكد إنه كان مسرحاً راقياً فخماً؛ كي يليق بضيوف مصر أمثال ولي عهد إنجلترا وزوجته، ويليق أيضاً بمكانة الخديوي الذي حضر العرض مع ضيوفه، وكانت له غرفة خاصة (لوج)، أو مكان مميز خاص به، كما قالت الجريدة: (وتفرجا عليه ..... من مكان مخصوص)!

وبعد عشرة أيام – من الخبر السابق – نشرت الجريدة خبراً آخر عن افتتاح (السيرك) بمنطقة الأزبكية، قالت فيه محددة مكانه: "تم المحل المُنشأ بقرب محل التياترو الكائن بميدان الأزبكية لأجل الألعاب الخيلية المتنوعة، وما يماثلها من التدريبات اللعبية الحيوانية" (<!--). وهذا الخبر يؤكد لنا أن التياترو المصري، كان يقع في ميدان الأزيكية قريباً من السيرك. وعندما نعلم أن السيرك هو المبنى الدائري - ذو القبة السوداء الكبيرة - الموجود خلف الأوبرا الخديوية مباشرة - كما هو واضح من الصورة المرفقة – سنعلم أن التياترو المصري، كان قريباً من السيرك والأوبرا الخديوية؛ التي ستُبنى فيما بعد!

ومن الواضح أن التياترو والسيرك هما المكانان الترفيهيان فقط في القاهرة في تلك الفترة؛ بدليل أن جريدة (الجوائب) في مارس 1869، نشرت خبراً عن عرض مسرحي في التياترو، وآخر بهلواني في السيرك؛ خُصص إيرادهما للفقراء، قائلة في ذلك: "سبق إجراء ألعاب ليلة بتياترو مصر، وليلة بالسيرك ليتبرع بما يتحصل منهما على الفقراء؛ بإيداعه في صندوق إعانتهم. فتحصل من الألعاب التياترية 2200 فرانق، والألعاب السركية 1400 فرانق"(<!--).

وفي هذه الفترة حضر نوبار باشا وزير الخارجية – ورئيس الوزراء فيما بعد – عرضاً مسرحياً مع الخديوي إسماعيل في هذا المسرح، تحدث عنه في مذكراته، قائلاً: ".. كان البعض منهم قد قام ببناء مسرح صغير تعرض عليه بعض فرق الأوبريت والمسرحيات الهزلية. وكان الوالي أحد الرواد الرئيسيين لهذا المسرح ...... اصطحبني الوالي إلى المسرح، وكانوا يعرضون مسرحية من فصل واحد باللغة الفرنسية. وكانت القصة عبارة عن أن أناساً من بيت كريم وحسن السمعة، يستغلون غياب سيدهم عن المنزل ويدعون أصدقاءهم لقضاء سهرة عندهم؛ حيث استعاروا أسماء سادتهم وقلدوهم في كل حركاتهم وتصرفاتهم" (<!--).

ومما سبق يتضح لنا أن تياترو مصر، هو مسرح رسمي فخم موجود بمنطقة الأزبكية، قريب من السيرك، وتمّ افتتاحه في يناير 1869، وكان الخديوي يحضر عروضه! وكان من المفروض ألا تتوقف الصحف عن ذكر أنشطته الفنية! ولكن المفاجأة، أننا لم نجد له – بعد الأخبار اليسيرة السابقة - أي نشاط فني منشور في الصحف؛ إلا مع قدوم ضيوف مصر – من ملوك العالم وأمرائه - للاحتفال بافتتاح قناة السويس، وبالتالي افتتاح الأوبرا الخديوية في نوفمبر 1869! أي أن تياترو مصر توقفت أنشطته المسرحية من مارس إلى نوفمبر 1869، بالرغم من أنه المسرح الرسمي الحكومي الوحيد في القاهرة .. لماذا؟!

الإجابة على هذا السؤال؛ نشرتها أغلب الصحف العربية العامة ابتداء من أبريل 1869، وتتمثل في: أن مدير هذا المسرح إيطالي يُدعى (ميناس)، قام بالتعاون مع مساعديه في المسرح بصنع قنبلة بدائية، ووضعها أسفل مقعد الخديوي إسماعيل في البنوار الخاص به! ولم يكن يقصد من وراء ذلك اغتيال الخديوي؛ بل كان يريد مكافأة مالية ضخمة؛ لأنه أبلغ الخديوي قبل قدومه إلى التياترو بأنه اكتشف القنبلة! أي أن مدير المسرح قام بتمثيل هذه المؤامرة؛ كي يقنع الخديوي بأنه أنقذه من محاولة الاغتيال، فيفوز بمكافأة سخية من الخديوي! ومن الواضح أن تمثيل المدير لم يكن متقناً؛ فشكل مأمور الضبطية لجنة تحقيق من قناصل دول فرنسا وإنجلترا وأيطاليا وأوستريا، وانحصرت الشبهة في مدير التياترو (ميناس) ومعاونيه، وهم: فاربوني، وأنريقو أتاسي، وفرانسوا أكسانتاكي. وتشكلت لهم محاكمة تحت رئاسة علي مبارك باشا، الذي حكم عليهم بالنفي (<!--).

هذه الحادثة كانت شؤماً على هذا المسرح؛ فتم إغلاقه ولم يُستكمل موسمه الأول – الذي عرض فيه مسرحيتين فقط كما سنعلم لاحقاً - لا سيما بعد نفي مديره الإيطالي ميناس! أما موسمه الثاني، فقد بدأ بإعلان نشرته مجلة (وادي النيل) في 8/10/1869، قالت فيه: "لفظ إعلان وارد إلى محافظة مصر من حضرة مهندس مباني الخاصة: يكون معلوماً لدى الجميع على أن التياترو الفرنساوي مزمع افتتاحه قريباً. وقد تحدد ميعاد يومي من الساعة إحدى عشر أفرنكي صباحاً لغاية الظهر. فكل من له رغبة في الاستيجار فليحضر في مكتب التياترو المذكور في هذا الميعاد لحين ما يتحرر إعلان آخر".

لم أجد ما يفيد أن أحداً استأجر المسرح، أو أن نشاطاً فنياً تمّ فيه، لا سيما وأن الإعلان نُشر قبل أيام من افتتاح الأوبرا الخديوية في 1/11/1869؛ بوصفها المسرح الخديوي الأرقى والأفخم والأهم، والذي حضر افتتاحه ملوك أوروبا وأمراؤها! ناهيك عن اهتمام الجميع بعروض الأوبرا المسرحية، التي تُعدّ أفضل بكثير من عروض تياترو مصر المشؤوم، الذي سُميّ بالتياترو المصري تارة، وبالملعب الأوروبي تارة أخرى! وبعد افتتاح الأوبرا أُطلق عليه – للتمييز بينه وبين الأوبرا – ملعب الكوميدية، أو التياترو الفرنسي، أو مسرح الكوميدي الفرنسي!

وفي أكتوبر 1870، بدأ الموسم الثالث لهذا المسرح، وأسهبت مجلة (وادي النيل) في وصف بروجرام افتتاح ملعب الكوميدية، واصفة إياه بـ"الملاعب التخليعية المضحكة ... أى الملاعب التصويرية الأوروباوية بمدينة مصر القاهرة، تحت إدارة جناب درانيت باولينو بك مدير التياترات الخديوية" (<!--). ولأول مرة نقرأ عناوين عروض هذا المسرح، التي تمت في الافتتاح وهي: مسرحية (الموافق والمخالف)، ثم (كروك بول) أي الثعلب، و(موال فرنتنيو)(<!--).

كما نشرت المجلة برنامج عروض الأسبوع التالي للمسرح، قائلة: "ذُكر بالجرنال المُسمى باسم (البروجرام)، وهو جرنال التياترات المصرية المطبوع بمطبعة الخواجة دلبوس دموريت الكائنة بالأزبكية؛ إن يوم الجمعة هذا أي ليلة السبت القابل بطالة. وفي ليلة الأحد التالي ستلعب بملعب الكوميدية المذكورة لعبة أخرى تُسمى باسم (فرننده)، وأخرى تسمى باسم (جاووث ومينار وشركائهما)، وثالثة تُسمى (أسرار الصيف). وكلها من تأليف مشاهير المخلعين الأوروباويين، وكبار الموسيقيين المشهورين. فمن أراد اقتسام هذه اللذات، واغتنام تلك الفرصات فليكن إليها من المبادرين" (<!--).

ومن الواضح أن مجلة (وادي النيل)، كانت مهتمة بافتتاح هذا المسرح – في هذا الموسم – بصورة لافتة للنظر؛ لدرجة أنها نقلت وصفاً تفصيلياً لحضور الخديوي إسماعيل عرض افتتاح الموسم، قائلة: "وفي ليلة الجمعة الخالية، شرّف الجناب الخديوي بحضرته العلية محضر تياترو الكوميدية الكائن بالأزبكية؛ حيث كان يترآى على ذاته الشريفة شعائر السرور والانشراح، حتى أنه في تلك الليلة، التي هي كما ذكرناه في عدد صحيفة وادي النيل السالف ليلة الافتتاح، كان هو الذي يبدأ بالتصفيق بيده الكريمة، إشعاراً بما يحصل من بعض اللاعبين واللاعبات من نتيجة النجاح" (<!--).

ومن حُسن الحظ أن جريدة (الجوائب)، اهتمت بهذا المسرح أيضاً – في هذا الموسم – فوصفته بصورة عامة في فبراير 1871، قائلة: "... وملعب مصر إنما هو من الحجر المتين، وحيطانه من الداخل منقوشة مزخرفة بأحسن ما يكون. وله أيضاً حديقة بهيجة بلغت مصاريفها فيما قيل أربعين ألف ليرة" (<!--). وبعد شهرين، نشرت الجريدة وصفاً للمسرحين – الأوبرا والمسرح الفرنسي – نقله محررالجريدة في مصر بعد زيارته للمسرحين، ومشاهدتهما من الداخل، قائلاً:

"... ثم إن مصر كما تقدمت في الصنائع والتجارة والطبع والعلوم والفنون، كذلك تقدمت في الملاهي والمطربات. وقد حضرت مرة في الملهى الطلياني – [يقصد الأوبرا] - وشاهدت فيه تمثيلية بهرام معبود الهنود. وحضرها كثير من الوجوه والأعيان المصريين، ومن الهنود والعجم وغيرهم. فكان كل ما جرى فيه على أحسن صفة. ويوجد فيه وفي الملهى الفرنساوي حُجر مخصوصة للذوات الكرام" (<!--). ويختتم الكاتب وصفه هذا، قائلاً: "وكنت تلك الليلة في حجرة مدير الملهى فقال لي: لا شيء يسرني أكثر من أن أرى أهل مصر مرتاحين لهذه الملاهي؛ لأنهم لما دخلوا في أبواب التمدن من جميع وجوهه، كان ما يجري في الملاهي متمماً له. بل رأيت أيضاً عدة خواتين؛ ولكن كن مغطيات الوجوه، ولهن حُجر مخصوصات بهن؛ محاطة بشباك مذهب" (<!--).

وفي أبريل 1871 نشرت مجلة (وادي النيل) تفاصيل متنوعة لنشاط التياترو الفرنسي في القاهرة، وكشفت لنا عن وجود بروجرام له منشور في ديسمبر 1870، أطلقت عليه اسم (جرنال التياترات المصرية). ومن خلاله نشرت إحصائية مفادها أن التياترو الفرنسي بالقاهرة؛ في أول موسم له لم يعرض سوى مسرحيتين فقط، وفي الموسم الثاني عرض 29 مسرحية، وفي الموسم الثالث 27 مسرحية (<!--).

بعد هذا الإحصاء، صمتت الأعداد القليلة المتاحة من الصحف العامة العربية عن ذكر أي نشاط لهذا المسرح طوال عشر سنوات!! وفي يونية 1881 تقدم يوسف الخياط بطلب إلى لجنة التياترات من أجل إعانته بمبلغ ألفي ليرة؛ كي يقدم ليلتين مسرحيتين عربيتين في التياترو الفرنسي! وبالفعل وافقت اللجنة على ذلك، وتمّ تحديد يومي 11 و14 نوفمبر 1881 لتمثيل هاتين الليتين، حيث مثّل فيهما مسرحية (هارون الرشيد)، التي حضرها الخديوي توفيق وكبار رجال دولته (<!--).

وفي فبراير 1882، نشرت جريدة (الأهرام) آخر خبر فني يتعلق بهذا المسرح، تحت عنوان (الفونوغراف)، قائلة: "قدم المسيو بارجون أول أمس ليلة شائقة في التياترو الفرنسوي، فاندفق إلى حضورها الجمهور. وقد قسمها إلى ثلاثة فصول، خصص أولها إلى العمل بالآلة الناطقة، وأتم الاثنين الباقيين بالألعاب السيمائية. فكانت خفة حركاته غريبة، وألعابه مدهشة. ونال والحالة هذه نجاحاً مزدوجاً" (<!--).

بعد هذا العرض، توقف المسرح نهائياً عن تقديم أي عروض مسرحية أو فنية، بسبب أحداث الثورة العرابية، وما تبعها من احتلال الإنجليز لمصر! ذلك الاحتلال الذي اتخذ من التياترو الفرنسي مركزاً لجنوده في القاهرة!! ففي عام 1887 نشرت جريدة (الأهرام) خبراً، قالت فيه: "سينتقل عما قليل مركز العساكر الإنكليزية من التياترو القديم الذي قطنوه منذ عام 1882 إلى البناء الذي سكنه سابقاً الدائرة البلدية" (<!--). وبعد أيام من هذا الخبر، أضافت الجريدة جديداً إليه، قائلة: "وبلغني أن في عزم الحكومة هدم بناء التياترو القديم واستبداله ببناء جديد لإقامة إدارة البوسطة" (<!--).

وكلمة (بلغني)؛ ربما تحمل معنى الشك في مصداقية الخبر؛ ولكن جريدة (القاهرة) بتاريخ 1/8/1887، حسمت الأمر قائلة، تحت عنوان (محل البوسطة الجديد): "تقرر هدم التياترو الصغير الذي كانت فيه عساكر الخفر الإنكليزي وبناء محل البوسطة الجديد فيه". والمعروف إن محل البوسطة بالأزبكية، هو مصلحة البريد بالعتبة الآن! مما يعني أن مكتب البريد في العتبة الآن، هو مكان التياترو الفرنسي بالأزبكية. فقد نشرت جريدة (القاهرة) خبراً يوم 5/12/1888 تحت عنوان (محل البوستة الجديد)، قالت فيه: "قد تم بناء هذا المحل على ما يرام، وسلم المتعهد ببنائه مفاتيحه إلى نظارة الأشغال؛ فأرسلتها إلى مصلحة البوستة العمومية. وستنتقل إدارة البوستة في مصر إلى هذا المحل يوم الأحد 24 ديسمبر الحاضر".

وبناء على ذلك، نقول: في يوم 24/12/1888 تم افتتاح مبنى بريد العتبة (البوسطة)، الذي بُنيّ مكان التياترو الفرنسي. ومبنى البريد هو نفسه المبنى الموجود حالياً دون تغيير! وأن سنة 1931 المنقوشة أعلى المبنى من الجانبين – حتى الآن - لا تؤرخ لبناء المبنى – كما يعتقد البعض – بل هي تاريخ انتقال إدارة البريد المركزية من الإسكندرية إلى القاهرة، وغلق آخر مكتبين بريدين أجنبيين في مصر بأكملها! كما أن عام 1931 هو عام ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية في مصر، التي لا تتحمل ميزانيتها – في هذه الفترة – بناء هذا المبنى! والسبب في إثارة هذا الأمر، أن مصر تحتفل هذه الأيام – منذ 2 يناير 2015 – بذكرى مرور مائة وخمسين سنة على تأسيس البريد المصري، الذي أصبح مصرياً في الثاني من يناير عام 1865.

ويشاء القدر ألا يحرم مصر من أثر مسرحي مازال موجوداً وشاهداً على صمود أول مسرح حكومي رسمي مصري في القاهرة، وهو التياترو الفرنسي بالأزيكية! والأثر الذي أتحدث عنه، هو بوابة مبنى البريد المصري في العتبة ومدخله!! فهذه البوابة هي بوابة (التياترو الفرنسي)؛ لأنها مبنية على الطراز الإيطالي المستحدث، وهو طراز أغلب مباني منطقتي الأزبكية والعتبة في عهد الخديوي إسماعيل! والملاحظ أن البوابة تختلف كل الاختلاف عن طراز بناء مبنى البريد الموجود على جانبي تلك البوابة! ولو عدنا إلى كتاب الخطط التوفيقية لعلي مبارك، سنجد الدليل على ذلك!

فعلي مبارك – تحدث في كتابه المنشور عام 1888 و1889م - عن العتبة الخضراء، قائلاً: إن سبب تسميتها وجود سراية العتبة الخضراء، التي كانت – في الأصل - دار الحاج محمد الداده الشرابي، ثم تملكها بعده الأمير رضوان كتخدا الجلفي فجددها وبالغ في زخرفتها، ثم تملكها الأمير محمد بك أبو الذهب، ثم "انتقلت إلى مِلك الأمير طاهر باشا الكبير، ثم إلى ملك قريبه الأمير طاهر باشا ناظر الجمارك واستمرت بيد ورثته إلى أن اشتراها المرحوم عباس باشا وهدمها ووسعها وبناها بناء محكماً لوالدته. وبقيت كذلك إلى زمن الخديو إسماعيل، ثم لما حصل التنظيم بالأزبكية أخذ منها جزءاً كبيراً بسبب التظيم، وبقى منها القصر العظيم الذي به الآن المحكمة المختلطة والقشلاق المقابل له المعدّ لعساكر البوليس الآن" (<!--).

وإذا علمنا أن المحكمة المختلطة كانت البناء المجاور للتياترو الفرنسي، الذي هو (قشلاق عساكر البوليس)، الذي يتحدث عنه علي مبارك؛ سيتضح لنا أن بوابة مبنى البريد ومدخلها، هو الجزء المتبقي من القصر العظيم - لوالدة الوالي عباس باشا الأول - الذي أخذه الخديوي إسماعيل واستخدمه في بناء التياترو الفرنسي ضمن تنظيم منطقة الأزبكية، والذي ظل - بطرازه الإيطالي المستحدث – شامخاً حتى الآن في صورة بوابة التياترو الفرنسي ومدخله، التي أصبحت بوابة مبنى بريد العتبة ومدخله!!

الشيخ رفاعة أول مترجم مسرحي في مصر

علمنا مما سبق أن التياترو الفرنسي بدأ عروضه في يناير 1869، قبل الأوبرا الخديوية التي بدأت عروضها في نوفمبر 1869؛ مما يعني أن أية أخبار تتعلق بالمسرح أو التمثيل في القاهرة قبل نوفمبر 1869 لا بُد وأنها تخص التياترو الفرنسي فقط! وبناءً على ذلك وجدت وثيقة – في دار الوثائق القومية مؤرخة في 15 رجب 1286 الموافق 21/10/1869 - عبارة عن أمر من الخديوي إسماعيل صادر من سراي قصر النيل، هذا نصه: "أمر كريم منطوقه ناظر مطبعة بولاق كتب لمعيتنا في 29 الماضي بشأن مبلغ تسعة آلاف وثلثمائة وخمسين قرش وعشرة فضة ثمن ألف وخمسمائة كتاب فصل التياترو تقدم طبعهم تركي وعربي. وحيث إنه في مقتضى إرادتنا تسديد هذا المبلغ من الخاصة إلى المطبعة أصدرنا أمرنا هذا إليكم لتجرو تسديد المبلغ المذكور على وجها ذكر. وبما أن تلك الكتب باقي منها جانب بعد الذي صار تفريقه فالباقى المذكور مرسول إلى الخاصة لإبقاه" (<!--).

هذه الوثيقة تُعدّ كشفاً ثميناً؛ لأنها تثبت أن مطبعة بولاق – بوصفها المطبعة الحكومية المصرية – طبعت ألف وخمسمائة نسخة من نص مسرحي باللغتين العربية والتركية، وهذه النسخ تم توزيع أغلبها، ولم يبق منها إلا القليل. والمسرحية المطبوعة من المؤكد أنها إحدى المسرحيات التي تمّ عرضها في التياترو الفرنسي، ومن المحتمل أنها مسرحية الافتتاح، وتم توزيع نسخها على الجمهور! ورغم منطقية هذا التفسير؛ إلا أننا لم نقرأ أن العرض المسرحي الأول بالتياترو الفرنسي - أي مسرحية الافتتاح - كانت باللغة العربية أو التركية! والاحتمال المقبول لهذا الأمر، هو أن النسخ المطبوعة بالعربية والتركية، ما هي إلا ترجمة عربية وتركية لنص مسرحي فرنسي تم عرضه في التياترو الفرنسي!

اكتشافي لهذه الوثيقة، جعلني أعود إلى كتاب فيليب سادجروف (المسرح المصري في القرن التاسع عشر)، وفيه قال سادجروف عن الترجمات المسرحية الأولى في مصر: "... كانت أول ترجمة من هذا النوع ترجمة أوبريت (أوفنباخ Offenbach) (هيلين الجميلة La Belle Hélène)، التي نشرت في 1869م، تحت إشراف الطهطاوي" (<!--).

وعندما عدت إلى المصدر الذي استقى منه سادجروف هذه المعلومات، وجدته مقالة منشورة في مجلة (وادي النيل) بتاريخ 6/1/1871، تحت عنوان (في نوع اللعب النفيس المُسمى بقضاء باريس). وهي مقالة كتبها صاحب المجلة عبد الله أبو السعود أفندي عن أوبرا (قضاء باريس)، التي ستعرض في دار الأوبرا الخديوية. والغريب أنني لم أجد في المقالة المعنى الذي كتبه سادجروف؛ بأن الطهطاوي أشرف على ترجمة (هيلين الجميلة)، بل ما وجدته يثبت أن الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي هو نفسه مُترجم المسرحية!!

يقول أبو السعود أفندي في هذه المقالة، صراحة: ".. ها هو قد شرع في نشر هذه البدعة الجليلة بترجمة اللعبة المسماة باسم (هيلينة الجميلة)، وانتشرت من العام الماضي في أفق الأدبيات، وظهرت في أجمل حلل الحسان العربيات. اعتنى بتعريبها بأمر الحضرة الخديوية، وتقريبها لإفهام غواة تلك التصويرات اللعبية، الأديب الشهير والأستاذ الكبير حضرة رفاعة بك أفندي أستاذ كل من له في الديار المصرية معرفة بالعربية واللغات الأجنبية" (<!--).

وهذا القول الصريح، يثبت لنا أن الشيخ (رفاعة رافع الطهطاوي 1801 - 1873) ترجم مسرحية (هيلينة الجميلة) بأمر من الخديوي إسماعيل! وهذا الخبر لا شك في صحته؛ لأن كاتبه أبو السعود أفندي من رجال المسرح - فهو مُترجم مسرحية (عائدة)، التي عرضت بالأوبرا الخديوية لأول مرة عام 1871 – بالإضافة إلى أنه من أهم تلاميذ الشيخ رفاعة وأقربهم إليه في هذه الفترة!

والمعروف أن موضوع ليبرتو (هيلانة الجميلة La Belle Hélène) مأخوذ من الأساطير اليونانية، كتبه عام 1864 الفرنسيان: (هنري ميلهاك Henri Meilhac) و(لدوفك هاليفري Ludovic Halévy)، من تلحين الموسيقار (جاك أوفنباخ Jacques OFFENBACH) (1819 – 1880). وبناء على ذلك، نستطيع أن نقول: إن الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي ترجم (هيلانة الجميلة)؛ بوصفها أول عمل مسرحي إبداعي يقوم بترجمته. وهذا المجال؛ يُعدّ مجالاً جديداً يُضاف إلى تاريخ الشيخ رفاعة الطهطاوي وإلى إنتاجه العلمي المُترجم. وإذا علمنا أن الطهطاوي ترجم المسرحية عام 1868 – كما سيتضح لنا – فهذا يجعلنا نقرّ بأن الطهطاوي أول مصري يترجم مسرحية؛ مما يعني إنه – حتى الآن -  رائد الترجمة المسرحية في مصر!

أثر أدبي مجهول للشيخ رفاعة

عندما أشار سادجروف إلى إشراف الطهطاوي على ترجمة مسرحية (هيلانة الجميلة)، كان يتمنى أن يحصل على نسخة من هذه الترجمة؛ ولكنه لم ينجح! وعندما اكتشفت أن الطهطاوي لم يشرف على الترجمة؛ بل هو من قام بترجمة المسرحية بنفسه، كنت أحلم بحصولي على نسخة من هذه الترجمة، وأعدّ الحصول على هذه النسخة حلماً بعيد المنال! ولكن الحلم تحقق، ونجحت في الحصول على نص مسرحية (هيلانة الجميلة) المنشور، وإليكم وصفه:

على الصفحة الأولى مكتوب بالريشة والمداد الأسود كلمات يُفهم منها؛ أن هذه النسخة ملك البرنس إبراهيم حلمي باشا ابن الخديوي إسماعيل، ومؤرخة في 26 مايو 1888. والصفحة الثانية بها عنوان (أسماء أصول مشاهير الرجال والنساء المذكورين في الألعاب المبينة في هذا الكتاب وبيان مناصبهم ووظائفهم)، والمقصود بهذا العنوان أسماء شخصيات المسرحية! وجاءت مرقمة في عمودين، الأول يحمل عنوان (أسماء)، والآخر (أوصاف): ومن هذه الأسماء والأوصاف على سبيل المثال: باريس: ابن الملك بريام ملك ترواه (بقرب اسكي أزمير)، مينيلاس: ملك سبرطة باليونان، أغاممنون: ملك ملوك اليونان، هيلانة: ملكة سبرطة وزوجة مينيلاس، كلكاس: رئيس كهنة هيكل المشتري، أشيل: ملك فيسيوتيد باليونان، أوريست: ابن أغاممنون ملك الملوك .. إلخ.

ولأن المسرحية؛ أول مسرحية يتم ترجمتها في مصر بالعربية، وجدنا الطهطاوي يكتب كلمة اللعبة بدلاً من الفصل! فعندما يقول (اللعبة الأولى) فإنه يقصد (الفصل الأول). كذلك كان يقول كلمة (الملعب أو الملعوب) على المنظر أو المشهد! فعندما يقول (الملعب الخامس) أو (الملعوب السادس) فإنه يقصد بذلك المنظر الخامس أو المشهد السادس. والمسرحية تقع في 86 صفحة من القطع الصغير، ومنشورة في ثلاث لعبات – أي ثلاثة فصول – اللعبة الأولى تتألف من أحد عشر ملعباً، واللعبة الثانية من اثنى عشر ملعباً، واللعبة الثالثة تتكون من ثمانية ملاعيب؛ أي ثمانية مناظر أو مشاهد!!

أما أحداث نص (هيلانة الجميلة)، فتدور في جو أسطوري حول ربة الجمال (الزهرة)، التي ترسل رسالة إلى (كلكاس) رئيس كهنة معبد المشتري تأمره فيها بأن يسلم (هيلانة) ملكة أسبرطة إلى (باريس) ابن الملك بريام ملك طروادة؛ لأنها حكمت بحبهما. وبالفعل يحضر (باريس) ويقع في غرام هيلانة، التي بادلته الغرام أثناء غياب زوجها (مينيلاس) ملك أسبرطة. وعندما يحضر الزوج ويضبط زوجته في أحضان باريس، يفضحهما في مشهد حضره كل الملوك. ويعيش الزوج في أزمة نفسية ليقينه بحدوث الخيانة من قبل زوجته هيلانة، وزوجته تحاول إقناعه بأن ما حدث .. حدث في المنام لا في اليقظة. وعندما تعلم (الزهرة) تقسو على اليونان بأكملها، بأنها أرسلت إلى أهلها لعنة هروب الزوجات من أزواجهم، وهروب الأزواج من زوجاتهم! فيتدخل الملوك وأنصاف الآلهة والشخصيات الأسطورية أمثال: (أغاممنون) و(أشيل) و(أجاش)، في محاولة إقناع (مينيلاس) بأن يتنازل عن زوجته لباريس إرضاء للزهرة وإبعاد اللعنة عن شعبه؛ ولكن الزوج تحايل على الأمر بأن أرسل رسالة إلى كبير كهنة معبد الزهرة، يطلب منه الحضور من أجل التفاهم معه في حل آخر يُرضي الزهرة. وبالفعل يحضر الكاهن الأعظم في سفينة ضخمة، ويقترح على (مينيلاس) أن يأخذ زوجته (هيلانة) إلى جزيرة نائية تنحر فيها عشرة عجول بيضاء قرباناً للزهرة، وهذا هو الحل البديل لترضية الزهرة. ويوافق مينيلاس والشعب اليوناني، وتستقل هيلانة السفينة برفقة الكاهن، الذي ما لبث وأن كشف عن حقيقته لمينيلاس وشعبه – بعد أن أبحرت السفينة – بأنه العاشق باريس! وهنا ثار مينيلاس وشعبه وتوعدوا باريس بأنهم سيذهبون إليه ويهدمون عليه مدينة طروادة. وبذلك تنتهي القصة.

وهناك ملاحظتان مهمتان في نسخة نص (هيلانة الجميلة) المترجم: الأولى أن تاريخ طباعتها مذكور في آخر سطر من آخر صفحة رقم (86)، ومكتوب الآتي: "طبع بمطبعة بولاق 17 رمضان سنة 1285"، وهذا التاريخ يوافق 31/12/1868. وحسب اجتهادنا في البحث، لم نجد أية إشارة لنشاط التياترو الفرنسي قبل هذا التاريخ، بل وجدنا بعده وتحديداً يوم 21 يناير 1869، عندما حضر الخديوي برفقة ولي عهد إنجلترا وزوجته، كما مرّ بنا. وهذا الخبر لا أظنه خبر افتتاح التياترو الفرنسي؛ لأنه جاء فاتراً، لا يدل على شيء مهم سوى أن الخديوي وضيفه شاهدا المسرح!

وبناء على ذلك، فنحن نبحث عن يوم افتتاح التياترو الفرنسي بالأزبكية، وهو يوم يقع بعد يوم 31/12/1868 تاريخ طباعة مسرحية (هيلانة الجميلة)، وقبل يوم 21/1/1869 تاريخ حضور الخديوي وولي عهد إنجلترا دوغال إلى المسرح! وفي ظني إن هذا اليوم هو السابع عشر من يناير 1869؛ لأنه يوم الاحتفال باعتلاء الخديوي إسماعيل عرش مصر – الذي بدأ في هذا اليوم عام 1863 - والاحتفال بعيد الجلوس الخديوي، هو أنسب يوم لافتتاح أول مسرح رسمي حكومي في الأزبكية!! ومما يعضد هذا الأمر، قول عبد الله أبو السعود أفندي بأن الطهطاوي ترجم المسرحية بأمر من الخديوي إسماعيل كما مرّ بنا!

الملاحظة الأخرى في النص المنشور لترجمة مسرحية (هيلانة الجميلة)؛ تتمثل في عدم وجود اسم الشيخ (رفاعة الطهطاوي) على النص؛ بوصفه مترجماً أو كاتباً أو مؤلفاً. وهناك احتمالان لهذا الأمر: الأول، أن صفحة الغلاف مفقودة أو منزوعة، وكان بها اسم الشيخ رفاعة! وهذا الاحتمال من الصعب قبوله؛ لأنه يعني أن بقية الـ1500 نسخة – عربي وتركي كما جاء في الوثيقة – من المسرحية بها الصفحة المنزوعة، والتي بها اسم الشيخ رفاعة! وهذا الأمر لو كان حقيقياً لكان أمر قيام الشيخ بترجمة المسرحية معروفاً للجميع – وبالأخص دارسي إنتاج الطهطاوي – وهو الأمر الذي لم يحدث!

لم يبق أمامنا إلا قبول الاحتمال الآخر، وهو أن الشيخ رفاعة هو من طلب عدم وضع اسمه على ترجمة المسرحية عندما نُشرت! لأنه كان مُجبراً على ترجمتها بأمر من الخديوي إسماعيل! والسرّ في ذلك أن الشيخ رفاعة، لا يريد أن يرتبط اسمه بالمسرح في مصر؛ لأن هذا الارتباط يعني ارتباطه بالعوالم – أي بالغوازي - وما فيهم من وقاحة، كما سيأتي ذكره!!

الشيخ رفاعة أول مترجم مسرحي عربي

إذا كان الشيخ رفاعة يستحق لقب (أول مترجم مسرحي مصري)، بناء على ترجمته لمسرحية (هيلانة الجميلة) عام 1868؛ فإنه يستحق أيضاً لقب (أول مترجم مسرحي عربي)، بناء على ترجماته للموضوعات المسرحية، التي بدأ في نشرها منذ عام 1833!! ولا أظن أن عربياً قام بنشر أي موضوع مسرحي مؤلف أو مترجم قبل هذا التاريخ!!

ففي ديسمبر 1829 أنهى الطهطاوي – أثناء بعثته في باريس – ترجمة كتاب (ديوان قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر) للمؤلف الفرنسي (ديبنج Depping). وعندما عاد الطهطاوي إلى مصر نشر الكتاب في مطبعة بولاق بالقاهرة في غرة شعبان سنة 1249 الموافق 13/12/1833 (<!--).  والكتاب مكوّن من قسمين: الثاني هو ترجمة الكتاب، أما القسم الأول فجاء بعنوان (سابقة)! أي شيء غير مسبوق! لأنه عبارة عن قاموس مُصغر للألفاظ الأعجمية الواردة في الكتاب! وقد مهد الطهطاوي لقاموسه هذا بشرح، قال فيه:

"شرح الكلمات الغريبة التي توجد في كتاب قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر، مرتبة على حروف المُعجم، مضبوطة حسب الإمكان ومفسرة على الوجه الأتم، سواء كانت أسماء بلدان أو أشخاص أو أشياء. ولما كانت هذه الألفاظ في الأغلب أعجمية؛ فلم ترتب إلى الآن في كتب اللغة العربية، وكان يتوقف فهم هذا الكتاب عليها؛ عرّبناها بأسهل ما يمكن التلفظ به فيها على وجه التقريب. حتى إنه يمكن أن تصير على مدا الأيام دخيلة في لغتنا؛ كغيرها من الألفاظ المعربة عن الفارسية واليونانية. ولو صنع المترجمون نظير ذلك في كل كتاب تُرجم في دولة أفندينا ولي النعم الأكرم؛ لانتهى الأمر بالتقاط سائر الألفاظ المرتبة على حروف الهجا، ونظمها في قاموس مشتمل على سائر غريب الألفاظ المستحدثة، التي ليس لها مرادف أو مقابل في لغة العرب أو الترك. فإن هذا مما يفيد التسهيل على الطلاب، وبه تحصل الإعانة على فهم كل عِلم أو كتاب".

ومن أهم الألفاظ الأعجمية، التي شرحها الطهطاوي في قاموسه هذا، كلمة (سبكتاكل) - والمقصود بها المسرح – قائلاً عنها: "... اسم لملعبة ببلاد الإفرنج، يلعب فيها تقليد سائر ما وقع. وفي الحقيقة إن هذه الألعاب هي جد في صورة هزل. فإن الإنسان يأخذ منها عبراً عجيبة لما أنه يرى فيها سائر الأعمال الحسنة فيقتفيها، والسيئة فيتحاشاها لما يراه من مدح الطيب وذم الخبيث. حتى إن الإفرنج يقولون إنها تهذب أخلاق الإنسان. ومع

المصدر: مجلة (الباحث) – العدد الخامس – أبريل 2015 – مؤسسة طلال أبو غزالة للملكية الفكرية – ص(59 – 80)
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1189 مشاهدة

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

826,449