تياترو التفريح في المنصورة .. تاريخ وأمجاد
د. سيد علي إسماعيل
كلية الآداب – جامعة حلوان
ــــــــــــــ
أول ندوة قدمتها خارج القاهرة، كانت بالاشتراك مع الدكتور جسن عطية في مسرح المنصورة القومي يوم الأربعاء 13/12/1995. وكانت الندوة محددة بمناقشتي لمسرحية (حمزة البهلوان)، ومناقشة الدكتور حسن لمسرحية (الملك جلجل)، والمسرحيتان من تأليف فؤاد نور. ومنذ دخولي المسرح، شعرت بعبق التاريخ يفوح من جدرانه، وعندما سألت عن تاريخه .. لم أجد إجابة محددة! وعندما تجولت بين أركانه، لفت نظري عمود حديدي انحنيت على قاعدته فوجدت بروزاً على شكل شعار أسرة محمد علي باشا، أو طغراء الدولة العثمانية! فتمنيت أن أكتب عن تاريخ هذا المسرح، وأسجله في دراسة!!
هذه الأمنية كانت منذ عشرين سنة، وما أكثر الأماني والمشاريع الكتابية، التي شرعت فيها، ثم تكاسلت عنها. ولكن ما تعرض له هذا المسرح من هدم وسقوط بعض أجزائه – بسبب التفجير الآثم، الذي أصاب مبنى مديرية أمن الدقهلية المجاور له في ديسمبر 2013 – وما تبع ذلك من ضجة إعلامية حول نيّة الوزارة هدمه، والمناشدة بترميمه لأهميته الفنية والتاريخية! تلك المناشدة، التي استجاب لها جلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، فتبرع بمبلغ ضخم لترميمه! كل هذه الأحداث جعلتني أنفذ ما تمنيته منذ عشرين سنة، وأقوم بكتابة تاريخ هذا المسرح منذ افتتاحه عام 1889 تحت اسم (تياترو التفريح)، وحتى ظهور الفرقة القومية المصرية عام 1934.
مقدمة
تُعدّ مدينة المنصورة من أقدم المدن التي احتضنت المسرح العربي بعد القاهرة والإسكندرية. وأول عرض مسرحي – استطعنا الوقوف عليه – كان في يولية 1881، عندما قدم تلاميذ مدرسة محبي العلم بالمنصورة مسرحية مدرسية باللغة العربية والفرنسية والإيطالية، كما أخبرتنا جريدة الأهرام. وعلى مستوى الفرق المسرحية المحترفة، كانت فرقة يوسف الخياط أول فرقة تزور المنصورة وتعرض بها عدة مسرحيات؛ كما أخبرتنا بذلك جريدة (الأهرام) أيضاً في يناير 1888.
وعلى الرغم من عدم ذكر الجريدة لأسماء المسرحيات المعروضة؛ إلا أن عناوينها معروفة، لأن الفرقة كانت تجوب المدن المصرية وفي جعبتها رصيد مسرحي معروف، يتكون من مسرحيات: عايدة، شارلمان، أندروماك، الظلوم، العلم المتكلم. ومن الواضح أن عروض فرقة يوسف الخياط تركت أثراً إيجابياً في نفوس أهالي المنصورة، ففي العام التالي – وتحديداً في مارس 1889 كما أخبرتنا جريدة (القاهرة)- كوّن أبناء المنصورة (جمعية روضة الآداب)، وعرضوا من خلالها إحدى مسرحيات طاهر أفندي عميرة.
افتتاح التياترو
هذا النشاط المسرحي المتميز لمدينة المنصورة، جعل أعيانها يشيدون أول وأقدم مسرح في المدينة، وقد نشرت جريدة (المؤيد) خبر افتتاحه، قائلة: "المنصورة في 18 ديسمبر سنة 1889: نهاراً أمس تم التياترو الجديد الذي اهتم ببنائه كل من عزتلو حسين بك حسني وحضرة الوجيه الخواجة جبران مقصود قنصل دولة ألمانيا، فجاءت والحق يقال بناية حسنة الوضع متقنة الصنع، ينشر حُسن اتقانها على مشيديها ألوية الحمد والشكر، ويحمّل كل محب للآداب أن يثني عليهما. وما للمرء غير جميل الذكر، وتلك مآثر عظمى تعود على البعض بالمكاسب المادية، وعلى آخرين بفوائد جمة. إذ لا يخفى بتشخيص الروايات من النتائج الحسنة في تهذيب الأخلاق والعبر. إذ يقف المرء بنوع مؤثر على سير من غيرها. وقد رغب جناب حضرة الوجيه الخواجة مقصود المومأ إليه في افتتاحه بليلة طرب، أحيتها نزهة الأفراح حضرة العالمة ليلى الشهيرة. وكان التياترو غاصاً بالسامعين وكلهم ثمل مما كان يسمعه من شدو تلك المطربة، التى رقصت لحسن نغماتها الألباب فرحاً. وصفقت لها بروامح القلوب استحساناً. وتمت تلك الليلة على أكمل صفات الأنس والأفراح، وخرج الكل داعين بطول البقاء لسمو ولي النعم وأنجاله الفخام، ورجال حكومته الكرام حامدين له تعالى على ما هم عليه في ظل سموه من الأنس والصفاء، شاكرين لحضرة الخواجة مقصود الذي كان سبباً في هذه الليلة المفرحة. وكان يتساهل بثمن التذاكر واقفاً على باب التياترو يقابل الداخلين ببشاشة ولطف".
هذا الخبر هو أقدم خبر عن افتتاح مسرح المنصورة، والملاحظ أن الجريدة لم تذكر اسمه (التفريح)؛ لأنه كان المسرح الوحيد في المنصورة، وانتسابه إلى المدينة كان معتمداً أكثر من ذكر اسمه الحقيقي! واسم (تياترو التفريح)، صرحت به – لأول مرة حسب اجتهادنا - جريدة (السرور) في 28/4/1892، قائلة: " في مساء هذا اليوم سيمثل الجوق العربي بإدارة حضرة المتفنن البارع سليمان أفندي قرداحي في تياترو التفريح بالمنصورة رواية (الأمير حسن). وهي التي اشتهرت ببديع مناظرها، ومحاسن أدوارها، وفصاحة عباراتها، ولطافة أشعارها. كما اشتهر مشخصوها ومشخصاتها بالبراعة، وحسن الإلقاء والتمثيل. وقد خصص دخلها لحضرة الممثل البارع والمطرب المشهور عندليب زمانه وبلبل أوانه الشيخ سلامة حجازي، الذى سيقوم فيها ممثلاً لأهم الأدوار وأطربها. فنرجو لحضرته مزيد التوفيق والنجاح، ونسأل لهذا الجوق العربي ومديره غاية الفوز والفلاح".
والحق يُقال إن فرقة سليمان القرداحي كانت أهم فرقة دفعت – إلى الأمام - الفن المسرحي في المنصورة عامة، وفي تياترو التفريح خاصة؛ حيث ظلت الفرقة تعرض مسرحياتها طوال شهري يناير وفبراير 1894 بصورة تبادلية بين المنصورة والمحلة الكبرى، من خلال اشتراكات مسرحية، كانت توزع على أهالي المدينتين بأسعار مخفضة. وهذا وصف جريدة (الأهرام) لبعض العروض، قائلة في 3/2/1894: "جاءنا من المنصورة أنه قد مثل فيها مساء أمس الجوق الوطني بإدارة حضرة الأديب سليمان أفندي قرداحي رواية (السلطان صلاح الدين الأيوبي). وكان المرسح غاصاً بالحضور، يتقدمهم سعادة المدير وعزة الحكمدار، وغيرهما كثيرون من وجهاء المنصورة وتجارها. وقد أجاد الممثلون كل الإجادة، ويسرنا أنه قد لقى حضرة قرداحي أفندي من المساعدة والإقبال ما حقق أمله بالنجاح. وقد سافر بجوقته صباح اليوم ليقدم ليلة في المحلة الكبرى، وسيحضر للمنصورة فيمثل مساء السبت 3 الجاري رواية (الأخ الغادر والابن الثائر)، وأن ما رأيناه من الإقبال عليه يغنينا عن حث الناس إلى تعضيده".
الفرق المسرحية وعروضها
أصبحت مدينة المنصورة - بفضل مسرحها التفريح - أهم مدينة مسرحية بعد القاهرة والإسكندرية بالنسبة لجميع الفرق المسرحية؛ حيث إن جمهورها يتذوق المسرح بصورة لافته للنظر! ومن الملاحظ أن جميع الفرق المسرحية – بلا استثناء – زارت المنصورة، وعرضت مسرحياتها على تياترو التفريح، الذي ظل يحمل هذا الاسم حتى عام 1920.
الفرق الصغرى
بعد نجاح عروض فرقة سليمان القرداحي المسرحية على تياترو التفريح، فُتح المجال أمام بقية الفرق المسرحية، وتحديداً الفرق الصغرى، التي ترغب في الشهرة والعرض أمام جمهور كبير. ومنها كان جوق السرور لصاحبه ميخائيل جرجس، الذي عرض مجموعة من المسرحيات في فترات زمنية متفاوته من عامي 1896 و1897، من بطولة المطرب مصطفى علي ولطيفة عبد الله. ومن هذه المسرحيات: شهداء الغرام، وكليوباترا، يوسف الصديق، نابليون بونابرت، عنترة بن شداد. وفي هذه الفترة – وتحديداً في الأسبوع الأخير من يناير 1896 – مثل الجوق الإسكندري لصاحبه رشيد لطيف ثلاث مسرحيات، هي: السيد، وأبو الحسن المغفل، وحمدان. كما مثل طوال شهر ديسمبر 1896 جوق بولس قرداحي، وعرض مسرحيات: صلاح الدين الأيوبي، وشهداء الغرام، ومحمد علي باشا، وابن عنتر، وأستير.
وفي عام 1905، عادت فرقة سليمان القرداحي للظهور في المنصورة، وقدمت برنامجاً مميزاً في خمس ليالٍ مسرحية. وفي العام التالي قلدها في الأمر جوق الترقي الأدبي، وعرض خمس مسرحيات في تياترو التفريح، كانت منها مسرحية (الطواف حول الأرض). وفي عام 1908 عرض مجتمع التمثيل العصري – على مسرح التفريح – مسرحية (فتاة الحرية) تأليف فولتير. وآخر فرقة صغرى عرضت على تياترو التفريح، كانت (جوق التمثيل العصري) لسليم عطا الله، الذي عرض مسرحية (عيشة المقامر)، التي أعلنت عنها جريدة (مصر) في 24/1/1912، قائلة:
"بناء على طلب المنصوريين ستقدم جوقة التمثيل العصري إدارة سليم عطا الله وأخويه رواية (عيشة المقامر) في مساء الغد، أي ليلة الجمعة. وهي رواية عصرية وحديثة تتضمن الحكم البليغة والمواعظ المفيدة. وقد أقبلت العائلات على مشترى تذاكر الألواج؛ حيث الفرصة سانحة للاطلاع على ما يقع في غرف المقامرة من المخبئات والمخدرات المهلكة للصحة والمال. وسيتخلل الرواية فصل بالو (رقص) بأتقن الحركات وأجمل الملابس، ويعقبها منولوج عصري وفصل مضحك".
الفرق الكبرى
تألق النشاط المسرحي في مدينة المنصورة، أغرى الفرق المسرحية الكبرى أن تأتي إلى تياترو التفريح لتعرض على خشبته مسرحياتها! وفي هذه الفترة كانت أهم فرقة مسرحية شهيرة (فرقة إسكندر فرح)؛ لأن بطلها هو الشيخ سلامة حجازي. وهذه الفرقة ظلت تعرض – على فترات متقطعة – مسرحياتها على تياترو التفريح طوال عشر سنوات، منذ عام 1897 وحتى وفاة صاحبها إسكندر فرح عام 1907. ومن أهم المسرحيات التي قدمتها: حسن العواقب، وصلاح الدين الأيوبي، وغانية الأندلس، والأفريقية، وغرام وانتقام، وصدق الإخاء، والخل الوفي، وهناء المحبين، والبرج الهائل، ومغائر الجن، وضحية الغواية، ومطامع النساء، وغانية الأندلس، والاتفاق الغريب، والإرث المغتصب. وكانت فرقة أحمد أبو خليل القباني الفرقة الكبرى الثانية، التي عرضت مسرحياتها على تياترو التفريح في فترات متقطعة من عامي 1897 و1898. ومنها مسرحيات: إسكندر المقدوني، وأسد الشرى، وناكر الجميل، ولوسيا.
أما أكبر ثالث فرقة مسرحية؛ فكانت فرقة الشيخ سلامة حجازي التي كوّنها بعد انفصاله عن فرقة إسكندر فرح عام 1905. ومنذ هذا التاريخ والشيخ سلامة حجازي لا يحرم أهالي المنصورة من رؤية عروضه المسرحية. وظل هكذا حتى وفاته عام 1917، لدرجة أن فرقته كانت تعرض على خشبة تياترو التفريح بالمنصورة إحدى مسرحياته، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة على سرير المرض في القاهرة!
ومن أهم عروض فرقة الشيخ سلامة في المنصورة: هملت، ومغائر الجن، وحمدان، وتسبا، وشهداء الغرام، وغانية الأندلس، والقضية المشهورة، وخداع الدهر. وقد تميزت الفرقة بأمور لم تتوفر لغيرها، مثل: أن بعض الشعراء والخطباء كانوا يلقون أشعارهم وخطبهم قبل العرض، ومنهم محمد إمام العبد. كما أن الفرقة تبرعت بدخل بعض لياليها لصالح الأعمال الخيرية في المنصورة، مثل تبرعها لصالح المدرسة الوطنية، والمدرسة الأهلية، وقدمت عرضاً مجانياً في يوم الاحتفال بافتتاح المعرض الزراعي بالمنصورة. ومن الطريف أن إعلانات الفرقة كانت تنص على الآتي: (تبتاع التذاكر بمحل الخواجا أنيس نصر الدخاخني بجوار تياترو التفريح).
آخر الفرق الكبرى التي عرضت على تياترو التفريح، كانت فرقة (جورج أبيض)، التي عرضت أعمالها في زيارتين للمنصورة عام 1912، وثالثة عام 1914. ومن الواضح أن المجلس البلدي لمدينة المنصورة بدأ إشرافه على التياترو مع زيارة فرقة جورج أبيض الأولى؛ حيث كتب (ميشيل دوس) كلمة في جريدة (الأخبار) بتاريخ 7/5/1912، قال فيها تحت عنوان (التمثيل والمجالس البلدية - جوق أبيض في المنصورة):
"دعا صاحب تياترو التفريح في المنصورة حضرة الممثل الطائر الصيت جورج أبيض لإحياء ثلاث ليال بالتمثيل، وفاوض المجلس البلدي في ذلك، فأستصوب مشروعه ومدّه بإعانة قدرها 50 جنيهاً. فجاء جورج أبيض فمثل وأجاد جرياً على عادته، وانطلقت الأكف بالتصفيق له والثناء عليه وعلى جوقه وعلى حضرة الفاضل عبد الرازق [عنايت] مدير الجوق؛ ولكن الشكوى من صاحب التياترو بلغت عنان السماء؛ لأنه بالرغم من مساعدة المجلس البلدي له جعل أسعار الدخول إلى التياترو باهظة جداً. وخالف العادة المعهودة مع الصحافيين. ولولا مداخلة جورج أبيض نفسه وبعض الأفاضل لما سمح لهم بالدخول. فنوجه أنظار المجلس البلدي إلى هذه المسألة، ونرجو منه عندما يعطي مثل هذه المساعدة لأصحاب التياترات أن يشرط عليهم شروطاً في ما يتعلق بالأسعار وتوزيع الاشتراكات".
أما الزيارة الثانية لفرقة جورج أبيض، فكانت أفضل من الأولى؛ بناء على وصف جريدة (المؤيد) بتاريخ 12/12/1912، عندما قالت: "... أما حضرة النابغة جورج أبيض وجوقه الشهير؛ فقد قام بتمثيل ثلاث روايات أدبية عصرية حازت إعجاب الحاضرين، إذ كان لها أعظم وقع في النفوس. وقد أجاد الممثلون والممثلات أيما إيجاد. هذا ومما حاز إعجاب وثناء العموم جوقة الموسيقى الوترية، برئاسة حضرة الأديب عبد الحميد علي الموسيقي الشهير، التي كانت تعزف بنغماتها الشجية أثناء فصول التمثيل، حتى خلبت العقول من إتقان وعظيم ألحانها. ولا ريب في أن تلك الجوقة أصبحت تضارع الأجواق الأوربية مما حازته من حسن الصناعة وعظيم الإتقان. والفضل راجع إلى حضرة عبد الحميد علي رئيسها الذي سيبرحنا قريباً إلى باريس لطبع مؤلفاته في فن الموسيقى والبيانو. فنسأل له النجاح في أعماله، وتقدم هذا الفن على يديه".
أما الزيارة الثالثة، فلم أجد للحديث عنها أفضل من خطاب مدير الدقهلية إلى جورج أبيض، الذي نشرته جريدة (مصر) يوم 14/3/1914، وجاء فيه: " إلى حضرة الممثل الشهير جورج أبيض .. أهديكم تحياتي وبعد. فإني أشكركم كثيراً على قيامكم بإحياء الليلة التي تكرمتم بإحيائها بالمنصورة للمساعدة الخيرية. تلك الليلة الزاهرة التي أعجبنا بها كما أعجبت الكثيرين ممن حضروها، وبالأخص من إتقان التمثيل ومقدرة الممثلين بحالة جعلت ألسنة الجميع تلهج بالثناء على جوقكم. وقد رأيت من الواجب أن أبلغ هذا الإعجاب مقروناً بالشكر لكم اعترافاً بالفضل لذويه. وفي الختام أطلب لكم كل تقدم وإقبال وأهديكم تحيات. [توقيع] مدير الدقهلية".
تياترو البلدية
ظل تياترو التفريح بالمنصور محتفظاً باسمه أكثر من ثلاثين سنة؛ منذ افتتاحه عام 1889 وحتى عام 1920، عندما تغير اسمه إلى (تياترو البلدية) أو (تياترو المجلس البلدي). ومن أوائل الفرق المسرحية التي عرضت عليه باسمه الجديد، كانت فرقة (حافظ نجيب)، التي عرضت مسرحيتي (الجاسوس المصري) و(قوة الحيلة) يومي 15 و16 مارس 1920. ومن الواضح أن تغيير الاسم كان بسبب تبعية التياترو إلى الحكومة في شكل المجلس البلدي، وفي الوقت نفسه للتفريق بينه كمسرح حكومي وبين (مسرح وسينما عدن) كمسرح خاص بإدارة (ونيس نصر)، الذي افتتحته فرقة منيرة المهدية في منتصف نوفمبر 1920 بثلاث مسرحيات، هي: تاييس، وكلام في سرك، وكلها يومين.
وإذا أردنا أن نتتبع تاريخ تياترو المجلس البلدي – التفريح سابقاً - حتى ظهور الفرقة القومية عام 1934 – بعيداً عن العروض التي تمت على مسرح عدن، أو التي عُرضت في المنصورة دون تحديد لاسم المسرح - سنجد أن أكبر الفرق المسرحية المصرية وأهمها، كانت تعرض على خشبة المسرح البلدي، وأولها كانت فرقة عبد الرحمن رشدي المحامي، التي عرضت ثلاث مسرحيات أيام 6 و7 و8 يناير 1921، وهي: النائب هالير، والعرائس، ومدرسة النميمة. وهذه المسرحيات كانت بطولة: عبد الرحمن رشدي، عمر وصفي، روز اليوسف، وقام بالغناء بين الفصول صاحب الصوت الرخيم (محمد عبد الوهاب)!
الفرقة الثانية كانت (فرقة أولاد عكاشة)، وعرضت مسرحياتها – على فترات متقطعة – طوال أربع سنوات من 1922 إلى 1926، ومنها: آه يا حرامي، والعمدة، والبخيل، والعقد الذهبي، والمحامي المزيف، وصباح، وعبد الرحمن الناصر، وسوسو هانم، والسلطان قلاوون، وسهام. والفرقة الثالثة كانت (فرقة جورج أبيض)، التي عرضت مسرحية واحدة، وصف عرضها مراسل جريدة (الأهرام) بتاريخ 25/10/1924، قائلاً: " قدمت إلينا فرقة الممثل النابغة الأستاذ جورج أبيض لتمثيل رواية (عاصفة في بيت) لمؤلفها الأستاذ الفاضل أنطون يزبك أفندي الذي أجاد وأبدع في وضعها. وقد ازدحم مسرح البلدية بجمهور كبير من الأعيان والتجار والموظفين وغيرهم. وقد أعجبوا جميعاً كل الإعجاب بما أظهرته هذه الفرقة من المهارة الفنية ولا سيما الأستاذ أبيض والسيدة دولت والأساتذة حسين رياض وبشارة واكيم. وتخلل الفصول منولوجات وطنية وقصائد عصرية وأناشيد حماسية".
وكانت (فرقة فاطمة رشدي) آخر الفرق المسرحية التي عرضت أعمالها على خشبة المسرح البلدي بالمنصورة – قبل ظهور الفرقة القومية - عندما عرضت مسرحيتها (توتو) في حضور كل من: نيازي باشا مدير الدقهلية، وسالم مباشر بك وكيل المديرية، والقائمقام محمد أبو النصر بك الحكمدار .. وهذا ما أخبرتنا به جريدة (المقطم) يوم 16/4/1933.
رعاية الدولة
إذا توقفنا عند آخر خبر أوردناه، سنلاحظ أن رجال الدولة في مدينة المنصورة، كانوا يناصرون الفن المسرحي! وكفي بنا تأكيداً على ذلك أن نقرأ الخبر السابق لنعلم أن مدير الدقهلية ووكيلها وحكمدارها حضروا عرض مسرحية فرقة فاطمة رشدي! وهذا الأمر لم يكن استثناءً في ذلك الوقت؛ بل كان أمراً طبيعياً!! فمدينة المنصورة كانت دائماً علامة بارزة في النشاط المسرحي المصري بفضل رعاية رجال الدولة، والشواهد على ذلك كثيرة!!
ففي عام 1905 مثل تلاميذ مدرسة الأقباط بالمنصورة مسرحية (العدل أساس الملك) بتياترو التفريح، وكان العرض تحت رعاية مصطفى باشا ماهر مدير الدقهلية. وفي عام 1908 عرضت جمعية ثمرة الحياة القبطية في المنصورة مسرحية (سميراميس)، وكان العرض تحت رعاية محمد علي بك وكيل مديرية الدقهلية. وفي عام 1924 أقامت مدرسة البنات الابتدائية بالمنصورة حفلة، مثلت فيها الطالبات مسرحية (جريح بيروت) على مسرح البلدية. وقد حضر العرض كل من: سالم باشا محمد مدير الدقهلية، وصادق بك خلوصي وكيله، وعبد الحميد بك العجاتي مدير التعليم. وفي عام 1934 مثلت جمعية أصدقاء الكتاب المقدس – في عيد النيروز - على مسرح البلدية مسرحية (البخيل)، التي حضرها – كما قالت جريدة (المقطم) يوم 15/9/1934 - مدير الدقهلية ووكيل المديرية والحكمدار ورؤساء المصالح الأميرية. كما نشرت جريدة (المقطم) يوم 4/4/1935 خبراً، قالت فيه: "أقامت مدرسة المنصورة الثانوية الأميرية حفلتها التمثيلية السنوية بدار تمثيل بلدية المنصورة برعاية وزير المعارف ورئاسة حبيب حسن بك مدير الدقهلية، ومثلت فرقة المدرسة رواية (العدالة) إخراج أحمد يوسف طويلة المدرس بالمدرسة".
الخاتمة
هذا هو تاريخ تياترو التفريح، أو المسرح البلدي!! فهل ستتحمل الدولة مسئوليتها تجاه هذا المسرح وتاريخه؛ فتحسن ترميمه وإعادة تهيئته ليعود كما كان وأفضل مما كان، بفضل جهود السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، وتحمله نفقات ترميم هذا البناء التاريخي، لا سيما وأنه أقدم بناء مسرحي خارج القاهرة.
ساحة النقاش