authentication required

المسرح العربي المجهول

الحلقة الرابعة : (مسرحية لويس الحادي عشر)

أ.د سيد علي إسماعيل

ـــــــــــــ

مصائب قوم عند قوم فوائد!! مثل معروف ينطبق تماماً على ما ناله الفنان المسرحي جورج أبيض من شهرة – يستحقها فنياً – بسبب مرض الشيخ سلامة حجازي!! فمن يطلع على تاريخ الحركة المسرحية العربية في مصر؛ سيجد أن الحياة المسرحية كادت أن تتوقف في منتصف عام 1909، عندما أصيب الشيخ سلامة حجازي بمرض (الفالج/الشلل النصفي) في إحدى رحلاته الفنية إلى سورية. ففي يوم 26/7/1909 نشرت جريدة (المؤيد) خبراً بعنوان (الشيخ سلامة حجازي حي والحمد لله)، قالت فيه: " روت جرائد بيروت الواردة مع بريد اليوم أن حضرة الممثل الشهير والمطرب المجيد الشيخ سلامة حجازي أصيب في دمشق الشام بفالج في جنبه الأيسر فأقام على معالجته الدكتور هورد شيانو، وأشاعت جريدة المفيد وفاته على أن جريدة الأحوال روت بعد ذلك أن الشيخ سلامة حجازي أرسل إلى داوود بك نقاش تلغرافاً يقول فيه (الخطر زال الحالة أحسن فطمئنكم) فحمدنا الله على سلامة الشيخ سلامة حجازي وسألنا له حياة طويلة مقرونة بالهناء".

والمقصود بأن الخطر زال؛ أي أن خطر الموت هو الذي زال؛ ولكن تأثير المرض مازال باقياً!! وبناءً على ذلك لم يستطع الشيخ سلامة حجازي مزاولة التمثيل المسرحي، مما أدى إلى توقف الحركة المسرحية في مصر بتوقف نجمها المسرحي الأوحد في ذلك الوقت!! وهذا التوقف أتاح الفرصة للفرق المغمورة والجمعيات الخيرية والفنية من الظهور، كما أتاح لبعض الممثلين من الدرجة الثانية والثالثة احتلال الساحة المسرحية، وكذلك نشطت العروض المسرحية المدرسة، كل ذلك من أجل سد الفراغ الذي تركه الشيخ سلامة حجازي، وهذا ما حاولت الصحف أن تنقله إلينا بعد أن كانت تتهافت على نقل أخبار عروض الشيخ سلامة المسرحية، وتسهب في نقد ومدح تمثيله وغناءه!!

فعلى سبيل المثال وجدنا فرقة سليم عطا الله تنشط في عروضها المسرحية بالإسكندرية بعد مرض الشيخ بثلاثة أيام، فتعرض مسرحية (أبي مزاحمي) على مسرح الحمراء. وبعد عشرة أيام من مرض الشيخ أحيت جمعية الإصلاح القبطية ليلة فنية عرضت فيها مسرحية (محاسن الصدف)، التي كانت إحدى روائع الشيخ سلامة!! وبعد عشرين يوماً من مرض الشيخ عرضت المدرسة التوفيقية بالمنصورة مسرحية (ناكر الجميل)، كما عرضت مدرسة العباسية المحمدية بالقاهرة مسرحية (المؤتمر الإسلامي). وفي سبتمبر 1909 أحيت جمعية الألفة الأدبية ليلة خيرية عرضت فيها مسرحية (شهيدة العفاف) بطولة المطرب الشيخ سيد الصفتي، وهذه المسرحية كانت من أهم عروض فرقة الشيخ سلامة!! كذلك عرضت جمعية زهرة الشرق في الإسكندرية مسرحية (حسان العربى) بطولة المطرب عبده الإسكندراني، كما عرضت جمعية المعارف المركزية الخيرية مسرحية (الملك فيخوس)، وعرضت جمعية المشروعات الأدبية في بور سعيد مسرحية (حمدان)، إحدى روائع عروض فرقة سلامة حجازي!! وفي المنيا وجدنا جوق محمد رفعت يعرض على مرسح إسكندر غطاس مسرحية (تسبا)، التي تُعدّ من أشهر مسرحيات الشيخ سلامة!! وفي المنيا أيضاً عرض جوق الجامعة التمثيلية مسرحية (الطواف حول الأرض) ومسرحية (ابنة حارس الصيد) بطولة المطرب محمد الغندور. وفي يناير 1909 عرضت الكنيسة الإنجيلية بالمنيا مسرحية (شقاء الصديقين وتلائم الشقيقين). كما قامت مدرسة الآباء اليسوعيين بالفجالة بعرض مسرحية (الرشيد والبرامكة)، وأخيراً قامت جمعية العهد الأخوي الإسرائيلية بتمثيل مسرحية (صلاح الدين الأيوبي)، التي تُعدّ نموذجاً حياً في براعة تمثيل الشيخ سلامة وغنائه قبل مرضه!!

محاولة يائسة

ظل الشيخ سلامة حجازي في دمشق يتلقى العلاج فترة طويلة، ثم انتقل منها إلى بيروت لاستكمال العلاج، ولكن الشفاء تأخر كثيراً، فعاد أفراد فرقته إلى القاهرة بدونه، وظلت الفرقة بلا عمل فترة طويلة، تتحسر على مجدها الذي بدأ يخبو، وزاد من حسرتها رؤية مسرحياتها تتبادل عرضها الفرق الصغرى والمغمورة، وبعض الجمعيات الخيرية، وبعض طلاب المدارس .. إلخ، فقرر أعضاء الفرقة مزاولة نشاطهم الفني بدون الشيخ سلامة حجازي؛ فعرضوا خمس مسرحيات، هي: عطيل، وحفظ الوداد، وتليماك، والبخيل، وتسبا. وهذه العروض لم تلق النجاح، الذي كانت تلاقيه سابقاً، عندما كان يقوم ببطولتها الشيخ سلامة، فأصيبت الفرقة بخيبة أمل في الاستمرار، ولكن عودة الشيخ من الشام أعاد الأمل من جديد، فبدأت الصحف تعلن عن عودته إلى التمثيل!! ولكن هذا الأمل ذهب أدراج الرياح، فالشيخ اشتد عليه المرض، وأصبح طريح الفراش!! فقرر بعض أعضاء الفرقة الانشقاق عن الشيخ المريض، وتكوين فرقة أخرى أطلقوا عليها اسم (شركة التمثيل العربي) – وهي النواة الأولى لفرقة أولاد عكاشة – وبدأت هذه الشركة نشاطها المسرحي في ديسمبر 1909 بعرض مسرحيات الشيخ سلامة، ومنها: مغائر الجن، والبخيل، وشهداء الوطنية، والعواطف الشريفة، وتسبا، وشهيدة الوفاء، وشهداء الغرام!!

وبكل أسف لم تستطع هذه الشركة سد الفراغ الذي تركه الشيخ سلامة حجازي، ولاحظ الناقد فخر الدين ذلك، فنشر في جريدة (المحروسة) بتاريخ 26/1/1910 مقالة بعنوان (فن التمثيل العربي في مصر)، بدأها قائلاً: " سكت ذلك البلبل المغرد فتزلزلت أركان الفن التمثيلي في مصر. ترك الشيخ سلامة حجازي دار تمثيله في الأزبكية فدخلها جوق مروضي خيول ومصارعي الوحوش، وما أبعد الليلة عن البارحة، يسير المرء في شوارع العاصمة يميناً وشمالاً ملاعب للغناء وقهاوى للطرب ...... يرى المارة كل ذلك ولا يرون مرسحاً للتمثيل بمعناه لا باسمه. وقد اجتهد جوق الشيخ سلامة بمتابعة العمل في التياترو المصري؛ ولكن ما تلك وأبيك بالضالة المنشودة". وظلت الصحف تندب حظ المسرح العاثر بتوقف الشيخ سلامة عن التمثيل، وبفشل أفراد فرقته في تكوين فرقة أخرى لم تسد الفراغ المسرحي في مصر!!

النجم المشهور المجهول

ظلت حالة الركود المسرحي في مصر فترة طويلة، ولا أمل لها إلا بشفاء الشيخ سلامة حجازي، وفجأة نشرت جريدة (المحروسة) خبراً مسرحياً ساراً، كان بمثابة الأمل المنشود في عودة المجد المسرحي العربي مرة أخرى! نشرته يوم 23/3/1910، تحت عنوان (ممثل مصري شهير يعرفه الأجانب ونجهله نحن)!! والخبر فيقول: " نشرت جريدة الفيغارو الباريسية خبراً قالت فيه إن مسيو جورج أبيض، وهو ممثل مصري حديث من تلامذة سليفان أكبر ممثلي الكوميدي فرنسيز ومن الحائزين على رعاية الجناب الخديوي سيسافر بعد أيام إلى مصر والإسكندرية في مقدمة جوقة فرنسوية من الممثلين البارعين بينهم الممثلة الشهيرة مدموازيل لوسيابيل أشهر ممثلات (الأوديون) وسيمثل مسيو أبيض روايات هوراس وترتوف وأندروماك وأوديب إلخ إلخ، وهو أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ التمثيل بمصر. هذا ما قالته الفيغارو وقالت جريدة الماتن الباريسية بهذا الصدد أن مسيو جورج أبيض كان منذ خمس سنين وكيلاً بمحطة سيدي جابر وكان له ميل شديد إلى التمثيل وأتفق أن مثل ذات يوم دور بيريدان في رواية (البرج الهائل) وكانت الليلة خيرية تحت رعاية الجناب العالي فسر سموه من تمثيله واستعداده وأرسله إلى باريس ليتم فيها دروس التمثيل عند سليفان فبرع وسيمثل في مصر روايات عربية".

وبهذا الخبر بدأ جورج أبيض مسيرته الفنية في مصر، حيث جاء من باريس ومصر في حالة عطش مسرحي شديد بسبب توقف الشيخ سلامة عن التمثيل لمرضه، وكأن مرض الشيخ كان السبب المباشر في تألق جورج أبيض، وهنا صح ضرب المثل السابق (مصائب قوم عند قوم فوائد)! وإن كانت الظروف أسهمت في تألق جورج أبيض، فهذا لا يعني عدم أحقيته في التألق لقدرته المسرحية وامتلاكه لعناصر الشهرة، التي يستحقها عن جدارة، ولكن الظروف عجلت بظهوره، وأسهمت إسهاماً كبيراً في شهرته وتألقه!!

عاد جورج أبيض من باريس مع فرقته الفرنسية، وعلى الفور مثل ست مسرحيات على مسرح الحمراء في الإسكندرية. وبعد أسبوع واحد بدأ إعادة عرضها في القاهرة على مسرح الأوبرا الخديوية، ومن ضمن المسرحيات الست، كانت مسرحية (لويس الحادي عشر) تأليف كازيمير دي لافين، التي مثلتها الفرقة بالأوبرا يوم 10/4/1910، وحضرها الخديوي عباس حلمي الثاني. وظلت فرقة جورج أبيض الفرنسية تعرض مسرحياتها على الأوبرا الخديوية، وعلى بعض المسارح الأخرى طوال موسم كامل. وللأسف لم تنل النجاح المتوقع؛ حيث إنها لم تسد فراغ المسرح العربي – كما يأمل الجمهور - فعروضها كانت تُلقى باللغة الفرنسية!!

هذه الحقيقة واجهها جورج أبيض بشجاعة، خصوصاً وأن الساحة المسرحية مازالت متعطشة للعروض المسرحية العربية، فاتفق مع مجموعة من الأدباء المترجمين على ترجمة مسرحيات فرقته الفرنسية إلى العربية، وقد أخبرتنا بذلك جريدة (الأخبار) يوم 25/8/1911، تحت عنوان (نهضة التمثيل العربي)، ونعلم مما نُشر أن جورج أبيض اتفق مع خليل مطران على ترجمة مسرحية (عطيل)، ومع توحيد السلحدار على ترجمة مسرحية (الأب ليبونار)، ومع فرح أنطون على ترجمة (أوديب الملك)، ومع يوسف البستاني على مسرحية (صاحب معامل الحديد)، ومع محمد مسعود على مسرحية (لويس الحادي عشر). كما نشرت الجريدة عبارة غريبة في نهاية الخبر، قالت فيها : " ويتولى فيليب مخلوف تلقين الممثلين وتدريبهم على صحة الإلقاء باللغة العربية"!! وهذا يعني أن جورج أبيض أراد أن تقوم فرقته الفرنسية بعرض مسرحياتها باللغة العربية!! والحقيقة أننا لا نملك أدلة قاطعة على أن جورج أبيض نفذ فكرته الغريبة هذه، أو أن فرقته الفرنسية عرضت مسرحياتها باللغة العربية!! ولكن الثابت تاريخياً أن جورج أبيض ظهر بقوة بعد ستة أشهر بفرقة عربية، تجمع نجوم المسرح العربي في ذلك الوقت، كونها له الثري عبد الرازق بك عنايت، أحد عشاق المسرح العربي.

فرقة جورج أبيض العربية

بدأ جورج أبيض مع أعضاء فرقته المسرحية العربية الأولى تمثيل تجربته الفنية في الأول من فبراير 1912، من خلال حفلة خاصة أقامها لنخبة من الأدباء والكُتّاب والأعيان وكبار الممثلين، وعرض فيها مسرحيته (الملك أوديب)، التي عربها فرح أنطون. وبعد نجاح هذه التجربة، أعلن جورج أبيض عن ميلاد فرقته العربية الأولى، كما أعلن عن فتح باب الاشتراك في مشاهدة وحضور سلسلة عروضها المسرحية على خشبة الأوبرا الخديوية، من خلال اثنتى عشرة ليلة عرض متواصلة!! وفي يوم 19/3/1912 أخبرتنا جريدة (المقطم) عن نفاذ جميع تذاكر هذه العروض، وغلق باب الاشتراك في مشاهدتها.

كان يوم 21/3/1912 يوماً فارقاً في حياة جورج أبيض المسرحية، حيث عرضت فرقته مسرحية (الملك أوديب) في الأوبرا الخديوية، وقد حضرها الخديوي مع كبار رجال دولته. ومن خلال بروجرام العرض تعرفنا على أعضاء فرقة جورج أبيض، وهم: عزيز عيد، عبد الرحمن رشدي، فؤاد سليم، أحمد فهيم، محمد بهجت، علي يوسف، حسين حسني، عبد العزيز خليل، عبد المجيد شكري، عمر وصفي، محمود رضا، أحمد حافظ، منسى فهمي، إسكندر كفوري، محمد إبراهيم، مريم سماط، إبريز أستاتي، صالحة قاصين، أستر شطاح، نظلى مزراحي. وقد نجحت هذه المسرحية نجاحاً كبيراً، فأقدم جورج أبيض بعد أربعة أيام على عرض مسرحيته الثانية (لويس الحادي عشر)، التي عربها إلياس فياض بدلاً من محمد مسعود.

لويس الحادي عشر

تدور أحداث مسرحية (لويس الحادي عشر) حول ملك فرنسا الطاغية، الذي يعيش في قصر (بليسي ليتور) المثقلة أبوابه الضخمة بالحديد، حيث رغب في القضاء على الأمراء، لتصبح الدوقيات والإمارات مملكة واحدة، وشعباً واحداً هو سيده المطاع. لهذا جعل من نفسه دكتاتوراً مستبداً يعينه حراس غلاظ شداد. عُرض على عينيه مشهدٌ لسعادة الفلاحين، وأنها في الصحة وراحة الضمير، وليست في الملك والقتل والقصور، لعله يرتدع، ولكن هيهات هيهات! قتل أباه وسم أخاه واستحجر قلبه حتى على ولي عهده لتصوره أنه يخلفه. فأسلمه إلى مراضع جاهلات، ومعلم (أوليفيه) غير ناصح، وأبعده إلى قصر أمبواز بعيداً عن الشعب. بطش بوالد (نيمور) على مشهد من أولاده ثم طرحهم في غيابة الباستيل إلا واحداً منهم أنقذه (كواتييه) طبيب الملك الخاص، اعترافاً بصنيع أبيه، وجعله في عهدة (كومين) الوزير الذي عنى بتربيته وأنزله عند شارل عدو الملك العنيد. التقى نيمور في منفاه (بماري) ابنة كومين وبادلها حباً بحب، وأبوها يرغب في زواجها منه لما ينتظره من مستقبل. وماري هي تسلية الملك الوحيدة التي أغرم بها ولي العهد فأهداها خاتماً تتقدم به إليه إذا ارتقى العرش متمنية عليه ما تشاء. عندما يفد نيمور سفيراً لشارل تحت اسم مستعار هو (الكونت دي ريتل) شاكياً الملك لمساعدته السويسريين يعرفه (كومين وكواتييه وماري) لكنهم يصمتون، إلا أن ماري علتها دهشة لرؤيته، فلحظها (لويس)، وطفق يستبطن قلبها حتى فشت سر نيمور ووعدها بالصفح عنه إذا هي لم تخبره. وعند تسلم نيمور المعاهدة التي وقعها لويس يفد ولي العهد مخبراً بموت (شارل) آنئذ يصرح لويس باسم نيمور الحقيقي ويقبض عليه بتهمة الخيانة والكذب. يلتقي به كواتييه فيمهد له سبيل الفرار بعد أن يخفق في حمله على أن يسلب ابنة شارل عرشها لكنه يأبى ويختبئ. هنا يقع لويس بين يدي طبيبه كواتييه الذي يؤنبه وبين يدي الكاهن (فرانسو دي بول) الذي استخدمه ليشفيه غير أنه يخبره بأن هذا عمل الخالق، وأن المغفرة لا تباع، والتحلل من الخطايا لا يكون إلا بالعفو عن المنفيين والمسجونين. ولا يكاد يخرج الكاهن من عنده حتى يثب به نيمور مريداً قتله، إلا أنه يرجع عن عزمه مفضلاً له الحياة مع العذاب. ويغالب المرض لويس فيفقد وعيه وتوازنه، ويصبح كالمخبول؛ إلا أن التاج لا يبرح مخيلته والأوامر الصارمة لا تفارق شفتيه حتى ساعة موته. يعفو عن نيمور في آخر لحظة نزولاً على إرادة مستشاريه غير أنه سرعان ما يزول الفرح بهذه البشرى إذ يكون الجلاد (تريستان) قد أنفذ حكم مليكه في نيمور.

نجحت هذه المسرحية نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وأصبحت عرضاً أساسياً في بروجرام فرقة جورج أبيض – طوال تاريخه – لا سيما حفلات المحافل والجمعيات الخيرية، حيث عرضها جورج أبيض في الليلة الخيرية لمحفل حياة مصر التابع للمحفل الأكبر الوطني المصري في أبريل 1912 على مسرح برنتانيا، كذلك قدمها في الشهر نفسه في ليلة جمعية الإسعاف الخيرية للسيدات السوريات بمصر. وفي مايو 1915 عرضها في تياترو الحمراء بالإسكندرية، كما عرضها في تياترو عباس بشارع عماد الدين، وخصص إيرادها لجمعية الهلال الأحمر. وفي يونية 1912 عرضها جورج أبيض في الليلة الخيرية لجمعية الرابطة المسيحية بتياترو عباس، وبين فصول العرض ألقى بعض الأدباء والشعراء الخطب والقصائد احتفالاً بالجمعية والفرقة المسرحية، ومنهم على سبيل المثال: الدكتور شاكر جبران، ومرقس حنا المحامي، والشاعر خليل مطران. وفي سبتمبر 1912 عرضها جورج أبيض في مدينة طنطا، حيث أقام محب باشا مدير الغربية مسرحاً وسط حديقة البلدية ليتناسب مع مكانة الفرقة. وفي أكتوبر 1912 أعاد جورج أبيض تمثيل المسرحية لصالح محافل كليوباترا بتياترو عباس، وفي الشهر التالي بدأ عرضها بصورة متتابعة على مسرح حديقة الأزبكية. وظل جورج أبيض يعرض مسرحيته (لويس الحادي عشر) بنجاح كبير ضمن بروجرامه المسرحي حتى أغسطس 1914، عندما أصبح لجورج أبيض مسرحه الخاص، وهو تياترو كازينو باريس – أمام تياترو عباس بشارع جلال – الذي افتتحه يوم 15/8/1914 بمسرحية (لويس الحادي عشر)، بوصفها أفضل عروضه المسرحية.

جوق أبيض وحجازي

في أكتوبر 1914 انضمت فرقة جورج أبيض إلى فرقة الشيخ سلامة حجازي، بعد أن تماثل الشيخ سلامة للشفاء بعض الشيء، ونتج عن هذا الانضمام فرقة مسرحية عُرفت باسم (جوق أبيض وحجازي)، وهذا الجوق – في بداية تكوينه - كان يعرض الربرتوار السابق للفرقتين بصورة اندماجية، حيث كان جورج أبيض يقوم بتمثيل مسرحية (لويس الحادي عشر) مع أعضاء الفرقتين، فيقوم الشيخ سلامة حجازي بالغناء جالساً بين فصول المسرحية، وعندما يعرض الجوق إحدى مسرحيات الشيخ سلامة، كان يقوم جورج أبيض بإلقاء منولوجات باللغة الفرنسية بين الفصول، وهكذا كان الأمر في معظم العروض المسرحية لهذا الجوق، الذي استمر ما يقرب من الموسمين، مثل فيهما مسرحية (لويس الحادي عشر) أكثر من عشر مرات، هذا بالإضافة إلى عرضها باللغة الفرنسية في بعض العروض، عندما كان يحنّ جورج أبيض للتمثيل باللغة الفرنسية، كما أخبرتنا بذلك جريدة (مصر) بتاريخ 5/1/1915، وكذلك جريدة (الوطن) بتاريخ 3/2/1915 عندما كتبت تعليقاً على حفلة جمعية الصليب الأحمر، التي أقيمت تحت رعاية الجنرال مكسويل.

وفي 18/3/1916 نشر عباس حافظ مقالة بجريدة (المنبر)، هاجم فيها سيطرة سلامة حجازي على الجوق، واستسلام جورج أبيض لهذه السيطرة، رغم الفرق الشاسع بين موهبة سلامة وتعليم أبيض. ومن خلال تلك المقارنة صب الناقد جام غضبه على الشيخ سلامة، وأظهره بمظهر الموهبة التي انتهت بانتهاء زمانها، ووجوب ترك الساحة للشباب المتعلمين أمثال جورج أبيض، حتى يرتقي التمثيل المسرحي العربي. ولعل هذه المقالة كانت السبب المباشر في انفصال الجوق، وتفتته إلى فرقتين كما كان في السابق. ففي 1/9/1916 نشرت جريدة (الوطن) خبر انفصال الشيخ سلامة حجازي عن جوق أبيض، وانفراده بأفراد فرقته لإعادة تكوين فرقة خاصة به. وفي اليوم التالي أعلنت جريدة (الأهرام) أن جورج أبيض كوّن بالفعل فرقة خاصة به تتضمن أعلام الفن المسرحي، ومنهم: حسن سري بك، وعبد الرحمن رشدي، ومحمد عبد القدوس، وفؤاد سليم. وبدأت هذه الفرقة نشاطها المسرحي بعرض مسرحية (لويس الحادي عشر) في نهاية نوفمبر 1916، وهذه المسرحية على وجه الخصوص بدأ نجمها يخبو أمام منافسة الفرق الأخرى، حيث إنها أصبحت من تراث جورج أبيض الواجب تجديده، لذلك جدد أبيض في عروضه، وأضاف إلى ربرتواره العديد من النصوص الجديدة.

فرقة أبيض الفرنسية

وفي نهاية عام 1918 تخلى أبيض عن فرقته العربية، وكوّن أخرى فرنسية، عرض من خلالها – على مسرح الأوبرا – تراث مسرحياته الفرنسية القديمة، ومنها (لويس الحادي عشر)، التي عرضها يوم 12/1/1919 كما أعلنت جريدة الأهرام؛ ولكن هذه الفرقة كانت مؤقته، فسرعان ما عاد أبيض إلى تكوين فرقة مسرحية عربية جديدة، استطاعت بشق الأنفس منافسة الفرق المسرحية التي تألقت، لا سيما فرقة أولاد عكاشة. ومن خلال فرقة أبيض الجديدة تم عرض مسرحية (لويس الحادي عشر) بصورة متقطعة حتى عام 1920، وبعدها غاب جورج أبيض ثلاث سنوات في رحلات فنية إلى بلاد المغرب العربي وبلاد الشام، وكاد الجمهور المصري ينسى عروضه المسرحية. في هذه الفترة تألفت جمعية زهرة الإحسان التمثيلية بمدينة الإسماعيلية عام 1921، وعندما غاب جورج أبيض أرادت الجمعية إحياء عروضه المسرحية، فتقدمت بطلب إلى الرقابة من أجل عرض مسرحية (لويس الحادي عشر) يوم 13/3/1923، وكان لها ما أرادت، ويُعدّ هذا العرض أول عرض لمسرحية (لويس الحادي عشر) يتم تنفيذه من خلال فرقة أخرى غير فرقة جورج أبيض، وأن يقوم ببطولتها ممثل آخر غير جورج أبيض!!

أبيض في رمسيس

عاد جورج أبيض من رحلته الفنية أواخر عام 1923، ونشرت له جريدة السياسة حواراً حول عروضه في الأقطار العربية، فعلمنا أنه زار الجزائر وتونس وطرابلس وسوريا، وأن الجمهور التونسي أعجب بمسرحيات (أوديب الملك، والممثل كين، وهملت)، ولم يعجب بمسرحية (لويس الحادي عشر)!! عاد جورج أبيض ليجد ممثلاً عملاقاً استطاع في أشهر قليلة أن يستحوذ على إعجاب الجمهور المسرحي، وأصبحت عروضه المسرحية حديث جميع الصحف والمجلات، وأصبحت فرقته هي الأولى بلا منازع .. هذا العملاق هو الفنان (يوسف وهبي)!! وأمام هذا الواقع المرير، ارتضى جورج أبيض أن ينضم إلى فرقة رمسيس تحت إدارة يوسف وهبي!! وقابل يوسف هذا الانضمام بتقدير كبير لجورج أبيض، فخصص له حفلات خاصة من خلال فرقة رمسيس، وبدأ يعلن عنها تحت عنوان (حفلات الأستاذ جورج أبيض)، ومن هذه الحفلات حفلة يوم 17/2/1924، التي عرضت فيها فرقة رمسيس مسرحية (لويس الحادي عشر)، بطولة جورج أبيض وزوجته دولت أبيض. وهذا الانضمام بين أبيض ويوسف وهبي لم يستمر سوى عدة أشهر، حيث كوّن أبيض فرقة مسرحية خاصة به، بدأ عروضها في الأوبرا الملكية في أكتوبر 1924، وكان من بينها مسرحية (لويس الحادي عشر).

وفي عام 1925 أقامت الحكومة المصرية أول مسابقة للتمثيل المسرحي، واشترك جورج أبيض في هذه المسابقة بقطعة تمثيلية من مسرحيته (نابليون)، كما قدم جزءاً من مسرحيته (لويس الحادي عشر) في حفل توزيع الجوائز، وقد نال جورج أبيض الجائزة الأولى في التمثيل التراجيدي لهذه المسابقة!! وفي أواخر عام 1925 عاد الانضمام بين أبيض ويوسف وهبي مرة أخرى، وظل هذا الانضمام فترة طويلة، وبالتالي تم تمثيل مسرحية (لويس الحادي عشر) عدة مرات، كان أهمها العرض الذي تم في يناير عام 1928 بمسرح رمسيس، حيث اشترك في العرض يوسف وهبي نفسه بجانب جورج أبيض، وهذا الحدث سجلته مجلة (الناقد) بتاريخ 30/1/1928، حيث نشرت مقالة تحليلية، قارنت فيها تمثيل المسرحية وإخراجها قديماً وحديثاً، لا سيما ظهور يوسف وهبي لأول مرة بحانب جورج أبيض!!

العروض المدرسية

ومن الطريف أن مسرحية (لويس الحادي عشر)، شهدت ابتداء من عام 1929 تحولاً فنياً جديداً، حيث أصبحت المسرحية الأولى في العروض المسرحية المدرسية، ولعل هذا الاهتمام راجع إلى وجودها كنص دراسي في المقررات المدرسية! ففي مارس 1929 وزعت مدرسة بني سويف الثانوية دعوات حضور عرض هذه المسرحية على الأعيان ورجال العلم والأدب، وقام بإخراجها أحد طلاب المدرسة، وهو الطالب سيد فتحي رضوان، الذي أصبح وزيراً للثقافة، وأحد كُتّاب المسرح المعروفين، وأحد الأدباء المرموقين في مصر. وفي عام 1931 كوّن جورج أبيض فرقة من طلاب أول معهد للتمثيل العربي في مصر، وعرض من خلالها مسرحية (لويس الحادي عشر) في عدة مدارس ثانوية، وقد أخبرتنا بذلك جريدة (المقطم) في 31/10/1931. وفي العام التالي مثل هذه المسرحية طلاب مدرسة شبرا الثانوية على مسرح رمسيس يوم 9/3/1932.

الفرقة القومية والمسرح الجامعي

أثرت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1930 على الفن المسرحي تأثيراً سلبياً، فأغلقت المسارح، وتفككت الفرق، وتشرد أغلب الممثلين؛ لذلك فكرت الحكومة المصرية في تكوين الفرقة القومية المسرحية لتجمع الممثلين، وتنقذ الفن المسرح من الانهيار، وبالفعل تكونت الفرقة تحت رئاسة الشاعر خليل مطران، وكان افتتاحها بمسرحية (أهل الكهف) لتوفيق الحكيم عام 1934. وفي الموسم الخامس للفرقة، قدمت مسرحية (لويس الحادي عشر) في الفترة من 19 إلى 26 ديسمبر 1939، وقام بتمثيلها أعضاء الفرقة، ومنهم: زينب صدقي، وحسين رياض، وعباس فارس، ومنسى فهمي، وزكي رستم، وفؤاد شفيق، ونجمة إبراهيم، وزوزو حمدي الحكيم، ومحمود رضا، وفؤاد فهيم، وعلي رشدي، وسعيد خليل، وأنور وجدي، ويحيى شاهين، وحسن إسماعيل، ومحمود إسماعيل، وشفيق نور الدين، وعباس يونس. وقد أعادت الفرقة القومية عرض هذه المسرحية ضمن حفلات عيد الأضحى في يناير 1941.

وفي يوم السبت الموافق 22/3/1941 تم عرض مسرحية (لويس الحادي عشر) بالأوبرا الملكية في ليلة احتفال اتحاد خريجي المدارس البطريركية للروم الكاثوليك في الشرق لمساعدة الطلاب الذين يدرسون على نفقة الاتحاد، وقام بالتمثيل كل من: فردوس حسن، وروحية خالد، وعباس فارس، ويحيى شاهين، وحسين رياض، وجورج أبيض، وعباس يونس، ومحمود رضا، وزكي رستم، وفؤاد فهيم، وفؤاد شفيق، وآمال زايد، وسعيد خليل، وحسن إسماعيل، ومنسى فهمي، ومحمد توفيق، وعلي رشدي، ومحمود إسماعيل، وشفيق نور الدين، وقام بالإخراج فتوح نشاطي، وهذا العرض كان آخر عرض لمسرحية (لويس الحادي عشر) يقوم فيه جورج أبيض بدور البطولة.

وفي يوم الأربعاء الموافق 28/4/1954 قدم هذه المسرحية فريق تمثيل كلية الحقوق بجامعة القاهرة على مسرح حديقة الأزبكية من إخراج فتوح نشاطي، وتمثيل كل من: أمينة رزق، وعثمان محمد علي، ومحمود الألفي، وعادل المهيلمي، وفوزي محمد درويش، ومحمد إسماعيل، وأحمد صلاح الدين، وإبراهيم زغو، ومحمد عاطف طموم، وفاروق عباس أبو العز، وسامية رشدي، ومحمد عبد الفتاح صقر، ومحمد عبد الحميد السيد، وجلال عمر الطنطاوي، ومحمد محمد البوشي، وعمر العرابي، ومحمد صقر عبد الوهاب، وعاطف جمال الدين. وقد أعاد اتحاد كلية الحقوق بجامعة القاهرة تمثيل هذه المسرحية في مسابقة المسرح الجامعي لعام 1955 على مسرح حديقة الأزبكية، وأخرجها أيضاً فتوح نشاطي!!

والجدير بالذكر إن جورج أبيض اسمه الحقيقي (جورج إلياس جرجس حاتوني) وولد في بيروت يوم 5/5/1880؛ أما لقب (أبيض) فقد اكتسبه من أبيه، حيث إن أهل بلدته أطلقوا على هذا الأب لقب (ذا القلب الأبيض)، وقد مُنح جورج أبيض الجنسية المصرية عام 1932، وفى عام 1953 أعلن هو وأسرته إسلامهم، وانتقل إلى رحمة الله تعالى في مايو 1959.

 

sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1186 مشاهدة

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

816,377