مسرحيات لها تاريخ
الحلقات من 1 إلى 20
عايدة
من المعروف تاريخياً وفنياً – وللأسف بصورة خاطئة – أن أوبرا عايدة مُثلت على مسرح الأوبرا الخديوية عند افتتاحها عام 1869م، والحقيقة إنها مُثلت عام 1871، أما افتتاح الأوبرا فكان عبارة عن إنشاد تمثيلي لقصيدة فرنسية تحمل صفات الخديوي إسماعيل، وفي اليوم التالي تم تمثيل أوبرا (ريجوليتو) المُعدّة عن مسرحية (الملك يلهو) لفيكتور هوجو، وقد حضرها الخديوي إسماعيل؛ وهذا العرض لم يتم بصورة كاملة!! فأثناء التمثيل شب حريق، أدى إلى فرار الممثلين. وعندما مُثلت عايدة عام 1871 أمرّ الخديوي الأديب (أبو السعود أفندي) بترجمتها إلى العربية. وفي عام 1875، زار مصر (سليم خليل النقاش) اللبناني وشاهد أوبرا عايدة بالإيطالية، ولاحظ اهتمام الخديوي إسماعيل بها، فقام بتعريبها، وأهداها إلى الخديوي، وأصبحت هذه المسرحية هي المعتمدة في التمثيل لجميع الفرق المسرحية في مصر طوال 75 سنة. ومن طرائف تمثيل عايدة، أن فرقة سليمان القرداحي استعانت بجنود حقيقيين في العرض عام 1887، عندما أسهم الضابط ميتشل بفرقة كاملة من الجنود خدمة للعرض المسرحي. وفي عام 1905 مثلت فرقة الشيخ سلامة حجازي عايدة، وأضاف الشيخ أسلوباً جديداً في العرض، وهو الاستعانة بشريط سينماتوجراف، وهذا كان أول التحام بين فني المسرح والسينما في التاريخ. وفي عام 1911 قام بعض الشبان بتكوين جمعية خيرية، وقرروا تمثيل مسرحية عايدة وتخصيص عائدها المادي لصالح الفقراء، وتم بيع تذاكر كثيرة من أجل الخير، وعندما ذهب الجهور لم يجد شيئاً، واتضح أن الشبان قاموا بعملية نصب على جمهور المسرح باسم عايدة! وفي عام 1912 قامت شركة الأعياد والحفلات بعرض عايدة في جوها الطبيعي بين أبي الهول والأهرامات، وهذا الأسلوب ربما يظنه البعض مستحدثاً في الآونة الأخيرة في مصر! وفي عام 1919 استطاع مصطفى أمين صاحب فرقة (أبو نواس) أن يحوّل عايدة إلى كوميدية، وأطلق عليها اسم (عايدة الفُلّلي) أو (عايدة وبس)!! عزيزي القارئ .. أظنك قرأت عن عايدة بصورة غير مسبوقة!! وما يهمني من هذا هو وصولك معي إلى هدف هذه الحلقات، المتمثل في: وجود حقائق تاريخية فنية خفية، يستطيع الإنسان استثمارها في تفكيره أو في كتاباته، وربما تجعله يُعيد التفكير في أمور كثيرة .. إلى اللقاء في الحلقة القادمة.
شارلمان
عندما جاء سليم خليل النقاش بفرقته المسرحية إلى مصر عام 1876، لم يكن لديه رصيد كبير من النصوص المسرحية؛ لذلك أرسل إلى صديقه السوري أديب إسحاق كي يحضر إلى مصر ومعه بعض النصوص، وكان من بينها مسرحية (الملك شارلمان)، التي عربها في الإسكندرية. وهذه المسرحية وغيرها لم تكتب الاستمرار لفرقة سليم النقاش، التي انحلت وعمل صاحبها مع أديب إسحاق في مجال الصحافة. ومسرحية بدأت تلقى رواجاً فنياً عندما عرضتها فرقة يوسف الخياط عام 1885، حيث ذكرت جريدة الأهرام أسماء الممثلين، ومنهم (هيلانة بيطار) كأول ممثلة مسرحية تنشر الصحف اسمها علانية، وكذلك اسم الشيخ سلامة، والمقصود به الشيخ (سلامة حجازي) كأول مسرحية يشترك فيها ممثلاً ومطرباً، هذا بالإضافة إلى ممثلين آخرين، مثل: الخواجة فتح الله الرباوي، والخواجة نجيب شكيب، والشيخ مصطفى عارف. وهذه الأسماء كانت تُنشر لأول مرة في الصحف المصرية؛ بوصفم نجوم المسرح العربين، الذين أصبحوا نجوماً لامعة فيما بعد. وفي عام 1886 نُشر نص مسرحية (الملك شارلمان) لأول مرة مع نص مسرحية (أندروماك) لراسين في كتاب (الدرر)، الذي جمع أغلب مقالات ومسرحيات أديب إسحاق، وهو كتاب جمعه جرجس ميخائيل بعد وفاة صاحبه أديب إسحاق. وفي عام 1887 مثلت فرقة سليمان القرداحي مسرحية شارلمان، وقد حضرها الخديوي توفيق كما أخبرتنا بذلك جريدة القاهرة، وهذا تقليد كان معمول به منذ عهد أبيه الخديوي إسماعيل، الذي أنشأ الأوبرا ونشر المسرح في مصر على نطاق واسع. وفي عام 1892 مثل الجوق العربي بقيادة سلامة حجازي مسرحية شارلمان، واختتم الجوق العرض المسرحي بفصل غنائي قامت به العالمة المشهور وقتئذ (سيدة السويسية)، وخُصص دخل هذا اليوم لمعلم التمثيل في الفرقة – أي المخرج الفني - (سليمان الحداد)، وهو والد الكاتب المسرحي الكبير نجيب الحداد، الذي مثلت جميع الفرق مؤلفاته وترجماته المسرحية في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين. ومسرحية (شارلمان)، ظلت تمثلها فرق عديدة، منها: فرقة مراد رومانو، وفرقة إسكندر فرح، وجمعية الابتهاج الأدبي، وزاد تمثيلها بعد أن نشرت مستقلة في كتاب عام 1898 من خلال مطبعة السلام بشارع كلوت بك، وكانت تباع في مكتبة نخلة قلفاط.
الأمير محمود
عندما جاء أبو خليل القباني مع فرقته المسرحية من سورية إلى مصر عام 1884، أطلق على فرقته اسم (فريق الروايات العربية)، ومن بين المسرحيات التي مثلتها الفرقة مسرحيتنا هذه (الأمير محمود وزهر الرياض)، التي مثلتها في يولية 1884، وأختتمها القباني بإنشاد خاص دعاءً للخديوي توفيق، وهو أسلوب متبع في هذا الوقت لضمان نجاح الفرق المسرحية واستمرارها في مصر. وفي عرض آخر للمسرحية وجدنا القباني يتبع أسلوباً جديداً لجذب الجمهور، وذلك بإضافة فصل غنائي في ختام العرض، قام بأدائه المطرب المشهور عبده الحمولي، صاحب لقب بلبل الأفراح. وظلت مسرحية (الأمير محمود) أساسية في ريبرتوار فرقة القباني، فملها الجمهور؛ لذلك اضطر القباني إلى تخفيض أسعار تذاكر الدخول في عام 1889، فأعاد القباني جمهوره بهذا الأسلوب. وفي عام 1897 ازداد التنافس الفني بين الفرق المسرحية، وكانت كل فرقة تستحدث أسلوباً جديداً لجذب الجماهير إليها، وأهم أسلوب دعائي يضمن جذب الجماهير المسرحية في ذلك الوقت، هو وجود العنصر النسائي، وهذا العنصر كان مفقوداً في فرقة القباني في بداية نشاطها المسرحي في مصر؛ ولكن مع تزايد المنافسة اضطر القباني إلى إدخال العنصر النسائي في فرقته، وهذا الأمر أعاد القباني إلى منافسة الفرق الأخرى، لا سيما فرقة إسكندر فرح صديقه اللدود. وأول ممثلة جلبها القباني كانت (ملكة سرور)، وكانت مطربة مشهورة وماهرة في العزف على القانون، وكان تأثيرها فعال في جذب الجماهير لمشاهدة عرض مسرحية (الأمير محمود) عام 1897، الذي ملها الجمهور سابقاً. وبالأسلوب نفسه عرض القباني مسرحية (الأمير محمود) عام 1899؛ ولكن في وجود مطربة جديدة وممثلة بارعة هي النجمة (مريم مراد). وعلى الرغم من أن القباني هو مؤلف المسرحية، وكان عرضها حكراً على فرقته لسنوات عديدة، إلا أن بعض الفرق الأخرى استطاعت تمثليها مثل فرقة سليمان القرداحي، التي عرضتها على مسرح كازينو حلوان عام 1893، وكذلك جوق السرور لصاحبه ميخائيل جرجس، الذي مثلها في مسرحه الوطني وكانت بطولة المطرب الشيخ إبراهيم أحمد، وأخيراً مثلها جوق الاتحاد الوطني بطولة المطرب مصطفى علي، والسيدة كوكب عام 1894.
محاسن الصدف
افتتحت السيدة كرستين اللبنانية مدرسة القرداحية في الإسكندرية عام 1879، وساعدها في إدارتها زوجها سليمان القرداحي، لا سيما في إقامة العروض المسرحية المدرسية. وفي عام 1882 كوّن القرداحي فرقة مسرحية في الإسكندرية، ظلت تعمل بصورة متواضعة حتى مثلت مسرحية (محاسن الصدف) من تأليف محمود واصف، وكان العرض الأول في يناير 1886 بمسرح البوليتياما بالإسكندرية، واختتم العرض بفصل بانتومايم مضحك بعنوان (الصيدلي). وبسبب هذا العرض نالت فرقة القرداحي شهرة كبيرة، وأطلق عليها صاحبها اسم (شركة التياترو الوطنية)، وبعد شهرين أعاد القرداحي عرض (محاسن الصدف) في الأوبرا الخديوية، وقد حضر العرض الخديوي توفيق، وبعد العرض أمر بإعطاء الأوبرا لفرقة القرداحي لمدة شهرين، وهي فترة زمنية طويلة لم تحظ بها أية فرقة عربية في ذلك الوقت، حيث إن الأوبرا كانت حكراً على الفرق الأجنبية. وفي عام 1887 ضم القرداحي الشيخ سلامة حجازي إلى فرقته، فضمن بذلك تهافت الجمهور على عروضه، وكان له ما أراد خصوصاً عندما أعاد عرض محاسن الصدف، التي كان الحضور كامل العدد، مما شجع القرداحي لاتباع أسلوب الاشتراكات، حيث كان يأخذ من الجمهور ثمن خمسة عروض مسرحية متتالية مقابل تخفيض في الأسعار. لم تستمر فرقة القرداحي طويلاً، حيث ظهرت فرقة إسكندر فرح التي مثلت مسرحية محاسن الصدف عام 1891 على مسرح كازينو حلوان، فحصلت على نجاح كبير بسبب حضور الخديوي لهذا العرض مع رئيس مجلس النظار (رئيس الوزراء) مصطفى فهمي باشا. وفي عام 1892 ضم إسكندر فرح الشيخ سلامة حجازي إلى فرقته، فضمن بذلك استمرار فرقته، وعرض في هذا العام محاسن الصدف وكانت من تمثيل سلامة حجازي وعزت أفندي وعلي وهبي والشقيقتين مريم ولبيبة سماط. وعندما افتتح إسكندر فرح مسرحه الجديد بشارع عبد العزيز في العتبة (سينما أوليمبيا الآن)، مثل مسرحية محاسن الصدف في أبريل 1893، وقد حضر العرض مؤلفها الذي ألقى خطبة على الجمهور أبان فيها فضل التشخيص ومنفعته للهيئة الاجتماعية. ومن الفرق الأخرى التي مثلت محاسن الصدف جوق السرور لميخائيل جرجس، الذي عرضها عام 1896 في مسرحه الجديد بشارع أبي العلا بجوار الوابور الفرنساوي (مصنع الثلج حالياً)، وكذلك مثلتها فرقة عبد الله عكاشة عام 1916 بدار التمثيل العربي، وكانت من تمثيل: حسن حبيب، علي حمدي، أحمد فهمي، عبد الحميد عكاشة، الشيخ أبو السعود، حسن كامل، السيد جمال الدين، عثمان حلمي، أحمد ناجي. وظلت فرقة عكاشة تمثل مسرحية (محاسن الصدف) حتى عام 1922.
هارون الرشيد
عرف جمهور المسرح المصري شخصية هارون الرشيد بصورة فنية عام 1876، عندما عرض سليم النقاش مسرحية (أبو الحسن المغفل) في الإسكندرية، والمعروفة أيضاً باسم (هارون الرشيد). وقد عرفها الجمهور مرة ثانية عندما جاء القباني عام 1884 ومثل مسرحيته (هارون الرشيد مع الأمير غانم بن أيوب وقوت القلوب). وفي عام 1886 ظهرت مسرحية ثالثة باسم (هارون الرشيد) مثلتها فرقة القرداحي، وتبعاً لإعلانات الصحف لاحظنا أنها تختلف عن المسرحيتين السابقتين، والأغرب أن جميع الإعلانات لم تذكر مؤلفها، بعكس الأولى لمؤلفها مارون النقاش، والثانية لمؤلفها القباني. وظلت فرقة القرداحي تمثل هذه المسرحية فترة طويلة، وأسهم مراد رومانو – شريك القرداحي – في ترويج عروض هارون الرشيد، عندما جعل التذاكر تُباع في أكثر من مكان، ومع أكثر من وكيل. فجريدة الأهرام في يناير 1886 أعلنت أن تذاكر المسرحية تباع عند حسن القماش في حارة الشمرلي، وعند حبيب غرزوزي بسكة الضابطية. وعندما جاءت فرقة القرداحي إلى القاهرة ومثلت هذه المسرحية في الأوبرا، حضرها الخديوي توفيق وزوجته، وكذلك ذو الفقار باشا رئيس التشريفاتية الخديوية، وإسماعيل كامل باشا رئيس القرناء، وأحمد مختار باشا الغازي، والسير هنري درامندولف المرخص العالي الإنجليزي (المعتمد البريطاني). وفي عام 1891 مثل هذه المسرحية جوق الممثل أحمد أبي العدل، وهو من الأجواق المغمورة، وفي عام 1893 مثلت المسرحية كذلك جمعية الكمال الوطنية في أسيوط، وهي من الجمعيات المغمورة كذلك. وهكذا ظلت الفرق المسرحية الكبرى والصغرى تعرض مسرحية (هارون الرشيد) لمدة عشر سنوات، من غير أن نعرف من هو مؤلفها؟! وفي عام 1895 طبع الكاتب المسرحي (محمود واصف) مسرحيته (عجائب الأقدار)، وكتب لها مقدمة تاريخية، ذكر فيها مؤلفاته، وأكبر مفاجأة كانت اعترافه بأنه المؤلف الحقيقي لمسرحية (هارون الرشيد)، التي ألفها باسم (الصياد)، قائلاً: " وقد مسخ بعض المتطفلين على موائد الأدب رواية الصياد وطبعها على ذمته لمنفعته الخصوصية بغير رخصة مني، فتناولتها أيدي الابتذال وشخصت في الموالد والسوامر بعد أن كانت في مقدمة الروايات التي حازت استحسان أفندينا ولي النعم المغفور له (توفيق باشا)". ورغم هذا الاعتراف ظلت الفرق تمثل مسرحية (هارون الرشيد) حتى عام 1916 دون ذكر لاسم مؤلفها الحقيقي محمود واصف!!
حُسن العواقب
إسماعيل عاصم المولود عام 1848 بمدينة دسوق – ووالد الموسيقار الكبير مدحت عاصم - هو أول نقيب للمحامين، وأول محامٍ يقف على خشبة المسرح ممثلاً هاوياً في أولى مسرحياته المؤلفة (هناء المحبين) التي لم تُنشر في حينها عام 1893. وفي عام 1894 ألف مسرحيته الثانية (حسن العواقب)، فقام ابنه علي بنشرها في كتاب بالمطبعة العباسية بشارع كلوت بك، قال في مقدمتها: "إني لما رأيت تشوق جمهور الفضلاء. وأكابر الألباء. إلى مطالعة رواية (حسن العواقب). التي هي بين الروايات كالبدر بين الكواكب. تأليف سيدي الوالد. وقد أجمع على استحسانها العلماء الأماجد. بادرت إلى طبعها تعميماً لفائدة العموم. وخدمةً لهذا العصر المزدهي بأنوار العلوم لما اشتملت عليه من الآداب والحكم. التي ترتاح لها العرب والعجم. مستمداً من الله العناية والتوفيق. والهداية لأقوم طريق". وهذه المسرحية تدور حول حب سعيد ابن الوزير لسعاد الفقيرة، ومحاولة الوزير إفساد العلاقة بينهما، أملاً في اختيار زوجة مناسبة في مكانتها لابنه سعيد. والمسرحية مثلتها فرقة إسكندر فرح لأول مرة في الأوبرا الخديوية في إبريل 1894، وقد حضرها الخديوي، وشارك في العرض فرقة للموسيقى العسكرية من نظارة الحربية، وقام المؤلف إسماعيل عاصم بأحد الأدوار التمثيلية، بجانب بطل الفرقة الشيخ سلامة حجازي. وبعد شهر واحد أجاز عاصم تمثيل المسرحية لجمعية التعاون الخيري الإسلامي في حفلتها الخيرية بالأوبرا، وقد شاهد العرض الناقد الفني لجريدة المقطم، وكتب كلمة تحت عنوان (كلمة في التمثيل العربي)، أشاد فيها بالعرض، واختتم نقده قائلاً : "وحبذا لو مُلحت الرواية بفصل هزلي، وزيد فيها الغناء ولو في دار الحريم، وهي فيما سوى ذلك من أفضل الروايات التمثيلية التي سمعناها فلمؤلفها مزيد الشكر". وهذا الأمر يعكس لنا مقدار اهتمام الجمهور والنقاد بالكوميديا والغناء في هذه الفترة. وفي الشهر التالي استضاف المعرض الصناعي بالإسكندرية عرض المسرحية لتقديمه إلى زوار المعرض، وتنازل عاصم عن أجره لصالح المعرض، كما أسهم إسكندر فرح بثلث إيراد فرقته لصالح المعرض أيضاً، وأخيراً وافق الخديوي بأن يكون العرض تحت رعايته. وظلت هذه المسرحية تُعرض باستمرار، حيث احتكر عرضها إسكندر فرح، وعندما انفصل عنه الشيخ سلامة حجازي آل احتكارها إليه، فعرضها عام 1905 في دار التمثيل العربي، وكانت تذاكرها تُباع في محل أخوان ناشد بوجه البركة. وظل حجازي محتكراً لعروض مسرحية (حسن العواقب)، حتى عندما ضم فرقته إلى فرقة جورج أبيض، وأصبح اسم الفرقتين (جوق أبيض وحجازي)، حيث مثل هذا الجوق المسرحية عام 1916 بمسرح برنتانيا، وكان هذا العرض آخر عروض المسرحية في مصر.
صدق الإخاء
ألف إسماعيل عاصم مسرحيته الثالثة والأخيرة (صدق الإخاء) عام 1895، وتدور فكرتها حول عقوق الوالدين، وتمّ تمثيلها في إبريل من العام نفسه بالأوبرا الخديوية من خلال فرقة إسكندر فرح، وقام عاصم بالتمثيل فيها هاوياً بجانب الشيخ سلامة حجازي، ولبيبة ماللي. وفي ديسمبر حضر عرض المسرحية مجموعة من السواح الأجانب، أرادوا رؤية المسرح العربي، فشاهدوا عرض مسرحية (صدق الإخاء) في مسرح إسكندر فرح بشارع عبد العزيز، وقالوا بعد العرض: " يحق لكم أنتم العرب أن تفخروا بهذا الرجل (الشيخ سلامة حجازي)، كما نفتخر نحن بسارة برنار، وإنّا لنثني أطيب الثناء على مدير هذا الجوق (إسكندر فرح) لجده في سبيل تقدم الآداب"، هكذا جاء في جريدة الإخلاص يوم 12/12/1895. وفي العام التالي تفشى وباء الكوليرا في الإسكندرية، فأغلقت المدارس الخاصة، وتعرض أصحابها إلى أزمة مالية كبيرة، ففكرت جمعية المنهل العذب بالإسكندرية في جمع إعانة مالية لهم من خلال عرض مسرحي، فلم يجدوا عرضاً مميزاً لهذه المهمة الخيرية سوى مسرحية (صدق الإخاء)، التي عرضت في منتصف أغسطس 1896 بمسرح زيزينيا. وكعادة إسكندر فرح كانت فرقته المحتكرة لعروض مسرحيات إسماعيل عاصم – لا سيما صدق الإخاء - وكان أغلب الخطباء يحضرون عروضها ويلقون خطبهم، ومنهم كان الأديب عبد الفتاح بيهم. وفي عام 1898 مثلتها فرقة إسكندر في كازينو حلوان، وكانت من غناء عبده الحمولي، كما مثلتها أيضاً بتياترو التفريح بالمنصورة. وعندما جدد إسكندر فرح فرقته، افتتحها بعرض صدق الإخاء، قائلاً في إعلانه: "حباً بترقية هذا الفن وخدمة للعموم قد زدنا على مشخصينا ومشخصاتنا المشهورات جملة مشخصين ومشخصات ممن لهم الخبرة التامة في هذا الفن. وبعونه تعالى سيكون الجمهور على غاية الارتياح مما سيلاقيه هذا العام من جوقنا من إحسانه التمثيل وجودة الروايات وإتقان الملابس والمناظر. وألواج الحريم مغطاة وأسعار الدخول كالعادة"، وهذا ما جاء في جريدة الأخبار يوم 28/9/1898. والجدير بالذكر إن احتكار إسكندر فرح قلّ بعض الشيء، فرأينا فرقة إبراهيم حجازي – نجل الشيخ سلامة – يعرض المسرحية في الأقاليم مثل منيا القمح وفاقوس عام 1902 بطولة أحمد الإسكندراني. ومثلها أيضاً جوق سلامة حجازي عام 1905 بمسرح حديقة الأزبكية، وعرضتها كذلك فرقة أولاد عكاشة عام 1912 في التياترو المصري، وفي عام 1915 عرضها جوق أبيض وحجازي بكازينو الكورسال، وأُختتم العرض بأدوار هزلية قام بها الكوميدي سيد قشطة. وآخر عروض مسرحية (صدق الإخاء) في مصر كانت من خلال فرقة سلطانة الطرب منيرة المهدية عام 1917 بكازينو الكورسال أيضاً.
عظة الملوك
كتب الأديب الفلسطيني بشارة كنعان مسرحية (عظة الملوك) سنة 1895، التي مثلتها فرقة إسكندر فرح بالأوبرا الخديوية في إبريل من العام نفسه بطولة الشيخ سلامة حجازي، كما أخبرتنا بذلك جريدة المؤيد يوم 22/4/1895. وفي العام التالي مثلتها الفرقة أيضاً في الأوبرا الخديوية، وكان العرض تحت رعاية الحكومة، وقام المطرب الشهير عبده الحمولي بالغناء بين الفصول بواسطة تخت محمد العقاد. وفي عام 1897 مثلتها كذلك فرقة إسكندر فرح وكانت بطولة لبيبة ماللي بجانب الشيخ سلامة حجازي. وفي مايو 1897 قرر إسكندر شلهوب – أحد أعلام هذا العصر – تخصيص نصف إيراد عرض مسرحية (عظة الملوك) لصالح الجيش العثماني في حروبه. وبين فصول العرض قام أحد الطلاب المتحمسين بإلقاء قصيدة حماسية شجع فيها المسلمين على التبرع للجيش العثماني. وقد وصفت جريدة الأخبار هذا الموقف في 4/5/1897 وأكملته قائلة: " فصفق له بعضهم فأعقب كلامه بخطبة وأخذ يزداد تطاولاً فخرج المسيحيون من قاعة الأوبرا ولكن أحد الشبان المسلمين اعترض الخطيب المسترسل في جهالته وأفهمه على مسمع من الجميع أن الكلام في مثل هذا الموقف يجب أن يكون موجهاً إلى كل عثماني" أي إلى كل مسلم ومسيحي يعيش في مصر وفي البلاد العثمانية. وفي عام 1898 قلّ إقبال الجمهور على مشاهدة مسرحية (عظة الملوك)، فأضاف إسكندر فرح فصلاً هزلياً (كوميدياً) في ختام العرض حذباً للجمهور، وظل ملتزماً بهذا التقليد حتى عام 1903، عندما استبدل الفصل الهزلي بالصور المتحركة، التي عُرفت بالسينماتوجراف، أي فن الأشرطة السينمائية .. هكذا أخبرتنا جريدة المقطم يوم 8/9/1903. وبعد انفصال الشيخ سلامة حجازي عام 1905 عن فرقة إسكندر فرح، أصبحت مسرحية (عظة الملوك) مباحة له، فعرضها عام 1907، وحذباً للجمهور وضع قطعاً موسيقية بين الفصول لأوركستر الموسيقار عبد الحي علي، إضافة إلى عرض صور السينماتوجراف. وفي عام 1912 – وبعد إصابة سلامة حجازي بالفالج (الشلل) – انضم إلى الفرقة عبد الله عكاشة، الذي مثل أدوار البطولة بدلاً من الشيخ سلامة، فمثل (عظة الملوك) في 17 أغسطس بتياترو الهمبرا بالإسكندرية؛ فتذكر سلامة مجده القديم في تمثيل هذه المسرحية، فقاوم مرضه واشترك بالغناء بين الفصول جالساً على كرسي، وغنى قصائد (الاستقبال، وسارقة القلوب، والنسيم العاشق). وتدور الأيام والليالي، ويصبح عبد الله عكاشة صاحب فرقة (أولاد عكاشة) ويمثل (عظة الملوك) عام 1914 فقام المطرب زكي مراد بالغناء بين فصولها على أنغام كمنجة سامي الشوا، واختتم العرض بفصل هزلي من تمثيل محمد كمال المصري (شرفنطح). وفي عام 1922 مثلت فرقة منيرة المهدية مسرحية (عظة الملوك) أيضاً، وفي عام 1927 كان العرض الأخير لهذه المسرحية من قبل فرقة فكتوريا موسى بتياترو الهمبرا احتفالاً بعيد الأضحى المبارك.
الأفريقية
في عام 1897 عرّب الأديب الشاعر الشيخ يوسف يعقوب حبيش بالاشتراك مع الصحفي القدير داود بركات المسرحية الفرنسية (كاترين هوار) تحت عنوان (الأفريقية)، التي مثلتها فرقة إسكندر فرح في إبريل من العام نفسه بالأوبرا الخديوية لصالح الجمعية المارونية الخيرية، وكانت بطولة الشيخ سلامة حجازي، وتمثيل كل من: لبيبة ماللي، علي وهبي، محمود حبيب، حسين حسني. وظلت فرقة إسكندر فرح تعرض هذه المسرحية على فترات متباعدة، حتى بعد انفصال الشيخ سلامة عنها عام 1905، فقام إسكندر بضم المطرب الشهير الشيخ أحمد الشامي ليقوم بأدوار الشيخ سلامة، إضافة إلى الممثل القدير أمين عطا الله، وهذان القديران قاما بتمثيل مسرحية (الأفريقية)، كما أخبرتنا جريدة مصر يوم 9/12/1905. وبعد أيام قليلة عرض إسكندر هذه المسرحية مرة أخرى وأضاف إلى ممثليها فنانين آخرين أمثال: ماري صوفان، ورحمين بيبس، إضافة إلى قطع موسيقية بين الفصول عزفتها فرقة الموسيقى بالمدرسة الحميدية الإسلامية. وفي عام 1913، أي بعد مرور 15 سنة من عرض مسرحية (الأفريقية) لأول مرة، مثلتها فرقة جورج أبيض في الأوبرا الخديوية، وكانت من تمثيل: عبد الله عكاشة، أحمد فهيم، محمد بهجت، حسن وصفي، زكي عكاشة، محمود رحمي، محمود حبيب، منسى فهمي، نجيب فهمي، مريم سماط، فكتوريا موسى، صالحة قاصين. وبعد العرض كتب ناقد جريدة الأهالي نقداً فنياً لاذعاً – نشرته الجريدة في 3/4/1913 – جاء فيه أن الفرقة استعانت بالمناظر الموجودة في مخازن الأوبرا للفرق الأجنبية التي عرضت هذه المسرحية من قبل بالفرنسية، ولولا ذلك لاعتبر العرض من عروض الموالد الشعبية. كما أن لغة التعريب قديمة، لا تصلح لهذا الزمن، الذي لا يتحمل إلقاءً مسجوعاً وصنعة لفظية، كانت مقبولة منذ عشرات السنين، ولهذا انصرف أغلب الجمهور قبل انتهاء التمثيل. وعلى الرغم من قسوة هذا النقد إلا إنه يُعد تطوراً في الصحافة الفنية في ذلك الوقت، حيث أصبح الناقد يدلي برأيه، ويتحدث عن أسباب نجاح أو فشل العروض، بدلاً من الاكتفاء بالمدح أو الثناء على هذا الممثل أو هذه الممثلة. ومن الواضح أن جورج أبيض استفاد من هذا النقد، حيث وجدناه يُجدد في مناظره عندنا مثل هذه المسرحية عام 1915 بكازينو الكورسال، فأظهر على خشبة المسرح سفينة حقيقية تشق الأمواج! وفي عام 1916 خصص جورج أبيض يوماً كاملاً لعرض هذه المسرحية تلبية لرغبة تلاميذ المدارس وعائلاتهم بمسرح برنتانيا. وفي العام نفسه مثلت (الأفريقية) فرقة أولاد عكاشة، وكانت من تمثيل: عبد الله عكاشة، وزكي عكاشة، وعبد الحميد عكاشة، وأحمد فهمي، ومحمد يوسف، ومحمد بهجت، والسيدة نهوى، ومحمد أمين مع موسيقى وترية برئاسة محمود خطاب. والعرض الأخير لهذه المسرحية كان من نصيب فرقة عكاشة أيضاً عام 1921.
البرج الهائل
في نوفمبر 1898 قدمت فرقة إسكندر فرح مسرحية (البرج الهائل) لأول مرة، بطولة الشيخ سلامة حجازي وألمظ أستاتي. وهذه المسرحية من تأليف الكاتب الفرنسي إسكندر ديماس، وقد عربها بتصريف فرح أنطون المحرر بجريدة الأهرام وقتئذ، فكانت أول أعماله المسرحية. وبعد شهر تقريباً قدمتها الفرقة في الإسكندرية، وشاهدها أحد نقاد جريدة (الصادق)، فكتب كلمة في 14/12/1898، أوضح فيها نجاح تمثيل الشيخ سلامة لدور بورديان، بعكس ممثلة دور الملكة مرجريت، التي لم تحسن دورها في بعض فصول المسرحية. أما ممثل دور ميكالس عشيق الملكة فكان سيئاً في إشاراته وأخطائه اللغوية. وهذه الملاحظات تُعدّ تطوراً في النقد الفني الصحفي في هذه الفترة المبكرة من النقد المسرحي في مصر. ومع مطلع عام 1899 قام فرح أنطون بطبع المسرحية في كتاب أنيق في المطبعة العثمانية بالإسكندرية، وقد أهدى الطبعة إلى الشيخ سلامة حجازي. وقد لاقت مسرحية (البرج الهائل) نجاحاً كبيراً عندما مُثلت في الأوبرا الخديوية في أبريل 1899، فنادت جريدة (المؤيد) باستمرار تمثيلها في الأوبرا مساعدة لفرقة إسكندر فرح، أسوة بالفرق الأجنبية المحتكرة لدار الأوبرا؛ ولكن هذا النداء ذهب أدراج الرياح، فانتقل تمثل المسرحية من القاهرة إلى الأقاليم. ففي مايو 1899 قدمت جمعية منتزه النفوس الخيرية بالفيوم ليلة مسرحية لصالح أعمالها الخيرية، فقدمت المسرحية من خلال فرقة إسكندر فرح، وحضر العرض مدير الفيوم، والقاضيان بالاستئناف الأهلي باسيلي تادرس ومجدي بك تشجيعاً للجمعية كما أخبرتنا جريدة (مصر) يوم 22/5/1899. وبعد أيام انتقلت فرقة إسكندر إلى أسيوط وقدمت (البرج الهائل) بطولة الشيخ سلامة وميليا ديان وأحمد أبو العدل. وفي مارس 1900 عرضت فرقة إسكندر هذه المسرحية لصالح الجمعية الخيرية الإسرائيلية في طنطا، وتم تخصيص الإيراد لمساعدة الفقراء اليهود في مصر. كذلك قدمت المسرحية جمعية النشأة القبطية الخيرية في أبريل 1900 بواسطة فرقة إسكندر، وخفضت الفرقة ثمن التذكرة لصالح أعمال الجمعية الخيرية. وهكذا ظلت فرقة إسكندر فرح محتكرة تمثيل (البرج الهائل) بفضل نجمها الأول الشيخ سلامة حجازي، ولكن بعد توقف فرقة إسكندر، ظهرت فرق أخرى كثيرة قامت بعرض المسرحية، منها فرقة الشيخ سلامة حجازي التي عرضت مسرحية (البرج الهائل) في تياترو الأزبكية في مارس 1905، وحضر العرض توفيق عزوز صاحب مجلة (المفتاح) وارتجل خطبة في نهاية العرض أشاد فيها بالمسرحية وبصاحب الفرقة الشيخ سلامة. كما عرض المسرحية جوق الاتحاد لعوض فريد في منيا القمح بطولة الشيخ إبراهيم الإسكندراني، ثم عرضها مرة أخرى في بنها بطولة الشيخ أحمد الشامي، وعبد الحميد عزمي كما أخبرتنا جريدة (المؤيد) في 11/9/1907. كما عرض المسرحية أعضاء جمعية النهضة الأدبية في الإسكندرية برئاسة عزيز عيد في صالة الأعياد بالمنشية في مارس 1908. ومع ظهور فرقة جورج أبيض كانت (البرج الهائل) ضمن عروضها حيث عرضتها في مسرح حديقة الأزبكية عام 1913. أما آخر عرض لمسرحية (البرج الهائل) فكان في مارس 1914 من خلال جمعية ثمرة الاتحاد الخيرية، التي قدمت المسرحية إسهاماً منها في تزويج الفتيات الفقيرات، وقام بالتمثيل جوق عبد الله عكاشة على مسرح برنتانيا.
الملك المتلاهي
تُعد أوبرا (ريجوليتو) أو (الملك يلهو) لفيكتور هوجو، أول عرض مسرحي يُعرض في افتتاح الأوبرا الخديوية المصرية عام 1869، وكان عرضها باللغة الإيطالية. ونال هذا العمل شهرة كبيرة وسط الجاليات الأجنبية في مصر، وكانت أغلب الفرق الأجنبية تعرضه عندما تزور مصر. ومثال على ذلك جوق (المسيو مناسة) الذي عرض هذه المسرحية في الإسكندرية والقاهرة عام 1886 بطولة البريمادونا مدموازيل هسلمنس كما أخبرتنا بذلك جريدة الأهرام في 28/1/1886. كذلك قامت الجالية الإيطالية في مصر باستقدام فرقة مسرحية إيطالية، فقدمت هذه المسرحية في الأوبرا الخديوية في أبريل 1901، احتفالاً بالموسيقار فيردي، وقد حضر العرض الخديوي عباس حلمي الثاني، والبرنس فؤاد باشا، وقنصل إيطاليا. وظل تمثيل أوبرا ريجوليتو أو مسرحية (الملك يلهو) حكراً على الفرق الأجنبية الزائرة، كما ظل تمثيلها باللغة الإيطالية والفرنسية في مصر طوال أكثر من ثلاثة عقود من عام 1869 إلى 1903. ففي يونية 1903 تكونت جمعية للتمثيل تحت اسم (جمعية الهلال الأدبية) برئاسة الممثل أحمد محرم، ومن أهم أعضائها محمود علي والمطرب الشيخ حسن صالح، وقد بدأت هذه الجمعية أعمالها بتمثيل مسرحية (بطل الأندلس). وفي عام 1904 حدث تحول فني كبير عندما ترجم أحمد كمال رياض بك مسرحية ريجوليتو تحت عنوان (الملك المتلاهي)، وأصدرها في كتاب، وخصص تمثيلها فقط لجمعية الهلال الأدبي. وبالفعل مثلت الجمعية المسرحية باللغة العربية لأول مرة يوم 14/11/1904 كما ذكرت جريدة (المؤيد)، ومن ثم ظلت جمعية الهلال تعرض هذه المسرحية باللغة العربية لمدة عامين، وسأتوقف عند عرضين مهمين لهذه المسرحية، أولهما يوم 18/2/1905 في التياترو المصري بشارع عبد العزيز (سينما أوليمبيا الآن) حيث أضافت الجمعية إلى عرض المسرحية ألعاباً سحرية قدمها المسيو دورلبلان كما أخبرتنا بذلك جريدة الوطن، والآخر ما تم يوم 9/3/1905 عندما أضافت الجمعية فصولاً غنائية بين فصول المسرحية، كما عرضت أشرطة سينمائية في نهاية العرض المسرحي. وفي عام 1906 توقف نشاط جمعية الهلال، فأصبح نص مسرحية (الملك المتلاهي) مباحاً للفرق المسرحية الأخرى، حيث عرضته فرقة إسكندر فرح في مايو 1906، واختتمته بقصائد شعرية ألقاها عزيز عيد، الذي عرضه مرة أخرى بواسطة فرقته الخاصة المسماة (جوق مصر العربي)، واختتمه بفصل مضحك. وهذا كان آخر عرض لهذه المسرحية باللغة العربية للمسرحية (الملك المتلاهي).
شهيدة الوفاء
كتب الروائي العالمي فيكتور هوجو رواية (أنجلو)، فقام بتعريبها الأديب الإسكندري زاكي مابرو وأطلق عليها اسم (شهيدة الوفاء) أو (تسبا) نسبة إلى اسم البطلة، وقام الشيخ سلامة حجازي بتمثيلها لأول مرة يوم 11/11/1905 بدار التمثيل العربي بطولة: أحمد فهيم، السيد الأزهري، محمد بسيوني، محمود حبيب، عبد الله عكاشة، محمد عبد الرازق، مصطفى محمد، الشيخ متولي السيد، مريم سماط، وردة ميلان، ماتيل نجار. وبسبب تألق مريم سماط في تمثيل المسرحية نالت لقب (زهرة دار التمثيل) في هذه الليلة، وبسبب نجاح العرض قام جورج غرزوزي – متخصص طبع المسرحيات - بطباعة نصها وبيعها في مكتبته بالإسكندرية. وعندما مثل الشيخ سلامة هذه المسرحية عام 1906، أحدث تطوراً في دار التمثيل العربي، حيث خصص ألواجاً مغطاة للنساء، وباباً خصوصياً لهن، وعندما عرضها في المنصورة في العام نفسه، حضر العرض الأديب محمد إمام العبد وألقى خطبة في أهمية التمثيل. كذلك عرض الشيخ سلامة هذه المسرحية في رحلته الشامية في صيف العام نفسه. وعندما عرضها عام 1907 أضاف إلى ختامها بعض الصور السينمائية المتحركة على النور الكهربائي، كما أخبرتنا بذلك جريدة المقطم يوم 17/1/1907. وظل الشيخ سلامة مواظباً على تمثيل هذه المسرحية سنوات عديدة – على فترات متقطعة – حتى عام 1916، وهذا لا يعني أن فرقاً أخرى عرضت هذه المسرحية، مثل جوق محمد رفعت في المنيا، الذي عرضها عام 1909 على مسرح إسكندر غطاس، وفرقة أولاد عكاشة التي عرضتها عدة مرات ابتداء من عام 1911 بمسرح حديقة الأزبكية، وفي عام 1912 عرضتها فرقة عكاشة بالاشتراك مع الثري الوجيه عبد الرازق بك عنايت تحت اسم (الجوق العربي). وفي عام 1915 عرضتها فرقة عكاشة أيضاً مع إضافة وصلات طرب للمطربة توحيدة، كما عرضتها عام 1916 بطولة عزيز عيد شيخ المخرجين المسرحيين، وهكذا ظلت فرقة عكاشة محتكرة عرض هذه المسرحية حتى عام 1919. وتعد فرقة الشيخ أحمد الشامي آخر فرقة تعرض مسرحية (شهيدة الوفاء) أو (تسبا) تاريخياً في مصر، عندما عرضتها يوم 26/7/1927 بتياترو الهمبرا بالإسكندرية، كما أخبرتنا بذلك جريدة وادي النيل. وقد حصلنا على إعلان سوري عام 1918، جاء فيه الآتي: " الاحتفال العظيم بعيد شم النسيم بتياترو الحمراء يوم 6/5/1918، رواية (تسبا) لفكتور هيجو بطولة أحمد علوي، وإكراماً لهذه الحفلة أحضرنا فاتنة القاهرة لأول مرة صاحبة الصوت الرنان التي تسحر الألباب بنغماتها الشجية وأدوارها الجديدة ومونولجاتها الفكاهية، وستطرب الجمهور في هذه الليلة ما لم يسمعه من قبل. وبالجملة فهي وحيدة عصرها وصغيرة سنها البالغة من العمر عشرة سنوات الآنسة (فتحية أحمد سري)، تمثيل: إسماعيل خطابي، عبد السلام سليمان، محمد عبده، إبراهيم كامل، محمد حنفي، ماري كفوري، لبيبة باسيلي، ماري فارس، رئيس الألحان الشيخ محمد الكسار".
الشعب والقيصر
جورج طنوس من الكتاب المسرحيين المرموقين في بدايات القرن العشرين، وله من المؤلفات والتعريبات والترجمات المسرحية أعمال كثيرة، من أهمها مسرحية (الشعب والقيصر)، التي عربها عن أحد أعمال فولتير. وهذه المسرحية اكتسبت أهميتها من حيث كونها تعد أول نموذج مسرحي ممثلاً لما يعرف بمسرح الأقاليم، أو الثقافة الجماهيرية، أو عروض قصور الثقافة بمفهومنا الحديث! ففي طنطا تكونت جمعية فنية للمسرح عام 1905، عُرفت باسم (مجتمع التمثيل العصري)، وكان من أهم أعضائها سليمان الحداد – الممثل الكبير – ووالد المترجم المسرحي العظيم نجيب الحداد. كذلك كان من أعضاء هذه الجمعية جورج طنوس. وعندما أرادت هذه الجمعية إنتاج عروض مسرحية، قام جورج طنوس بتعريب مسرحية (الشعب والقيصر)، التي تعد باكورة الإنتاج المسرحي للجمعية. ولنقرأ سوياً أول إعلان عن عرض هذه المسرحية في طنطا، كما جاء في جريدة (الوطن) بتاريخ 12/5/1905: "طلب كثيرون من سراة طنطا إلى مجتمع التمثيل العصري الشهير تمثيل رواية (الشعب والقيصر) التي وضعها حضرة الشاعر الناثر جورج طنوس في بندرهم لتشوقهم الزائد إلى مشاهدة تمثيل هذا المجتمع الذي طبق ذكره آفاق القطر المصري فلبى الطلب وعزم أعضاؤه على تقديم هذه الرواية الحسناء في تياترو طنطا مساء يوم السبت المقبل الموافق 20 الجاري وسيتولى حضرة الممثل المعروف والأديب الفاضل سليمان حداد إدارة هذه الليلة وبيع تذاكرها في طنطا". وبعد نجاح هذا العرض، الذي تم في التياترو المصري بجوار مديرية طنطا، تحمست الجمعية، وبدأت في تحضير مسرحيات أخرى، منها: مسرحية (التوبة بعد الجحود) أو (التعس) لجورج طنوس أيضاً، ومسرحية (الإنسان والشيطان) التي عربها من الفرنسية عبد الله نقولا، وأخيراً مسرحية (فوست الشهيرة). وهذه العروض جعلت أخبار الجمعية تنتشر في القاهرة والإسكندرية، مما أدى إلى انتقال عروضها إليهما، حيث عرضت الجمعية (الشعب والقيصر) بالإسكندرية والقاهرة في يولية 1905. أما العرض الذي تم يوم التاسع من يولية 1905 في مسرح شارع عبد العزيز (سينما أوليمبيا حالياً)، فكان مميزاً حيث أضيف إلى العرض فصول طرب من المطرب (بولس الصلبان)، وكانت تذاكر العرض تباع في محل نقولا طنوس الترزي بالفجالة! هكذا اخبرتنا الصحف! ولكن هذا العرض لم يتم في موعده وتأجل عدة أيام، لذلك قالت جريدة مصر يوم 8/7/1905 الآتي: "اضطر مجتمع التمثيل العصري إلى تأجيل تمثيل رواية (الشعب والقيصر) إلى يوم الأحد القادم 16 الجاري بدل يوم غد وسيعوض أعضاء هذا المجتمع وحضرة بولس الصلبان المطرب الشهير عن هذا التأخير بما يشرح الصدر ويقر النواظر. أما الدواعي القهرية التي أوجبت التأخير المذكور فستعلن عنه للجمهور الذين أقبلوا على شراء التذاكر بشوق وارتياح يوم التمثيل والغناء". وظلت الجمعية تعرض هذه المسرحية كثيراً حتى عام 1908.
السموأل أو وفاء العرب
ولد أنطون الجميّل عام 1887 في بيروت، وهاجر إلى مصر عام 1909 حيث عمل في الصحافة والأدب. وفور قدومه إلى مصر ألفّ مسرحية (السموأل) أو (وفاء العرب)، وهي مسرحية تتحدث عن قصة تاريخية حدثت في العصر الجاهلي، حيث ترك الشاعر امرؤ القيس دروعاً بصفة أمانة لدى السموأل؛ وعندما مات الشاعر، أراد الأمير الاستيلاء على الدروع؛ ولكن السموأل رفض التفريط في الأمانة، فقام الأمير بالقبض على ابنه رهينة؛ لإجبار الأب (السموأل) على التراجع؛ ولكن السموأل أصرّ، فقام الأمير بذبح الطفل أمام أعين أبيه، فازداد الأب إصراراً، واستمر في إصراره حفاظاً على الأمانة حتى انتصر الأب وكان له ما أراد، فأصبح يُضرب به المثل في الوفاء وحفظ الأمانة. هذه المسرحية مثلها بعض الهواة يوم 24/1/1909 بدار التمثيل العربي، وتم عرضها لجمهور من نخبة الأدباء والمثقفين، على غرار ما يتم الآن في عروض المهرجانات. وعلى الرغم من كون هذه المسرحية مؤلفة، إلا أن النجاح لم يكن من نصيبها، فلم تتقدم أية فرقة مسرحية معروفة على تمثيلها، بعكس المسرحيات المترجمة والمعربة والممصرة. وبعد خمسة أشهر أعاد الهواة تمثيلها مرة أخرى على مسرح برنتانيا، ولم يكن حظ هذا العرض أفضل من سابقه. وظلت مسرحية (السموأل) مهملة عدة سنوات، حتى أعادت إليها الروح مرة أخرى مدرسة الآباء اليسوعيين، حيث قام بتمثيلها طلاب المدرسة في احتفالها السنوي عام 1913، وكان الاحتفال برعاية صاحب السعادة أحمد حشمت. وفي عام 1916 قام الهواة للمرة الثالثة بتمثيل المسرحية على مسرح برنتانيا، ورغم ذلك لم تجرؤ أية فرقة مسرحية على تقديمها، وهذا الأمر لفت نظر جريدة الأخبار، فكتبت يوم 26/10/1916 كلمة قالت فيها: "عن التمثيل العربي وسبب تأخره، فإن ذلك التمثيل ما أتبع خطة النمو والتطور الطبيعي. والحق يقال أنه ليس هناك تمثيل عربي فإن الروايات التي مثلت حتى الآن في المراسح المصرية ليست إلا فيما ندر روايات مترجمة عن اللغة الفرنسوية وهي بديعة في بابها؛ ولكن لم يقدم المؤلفون المصريون على استنباط روايات عربية بحتة. ثم أنه أتفق أحياناً أن بعضهم وضع روايات عربية ولكنها مثلت في المراسح الخاصة كرواية (السموأل)". ورغم هذا القول إلا أن المسرحية لم يُكتب لها الانتشار، واقتصرت على العروض الخاصة للهواة، أو لطلاب المدارس، حيث عرضت للمرة الرابعة في عرض خاص للهواة بمسرح برنتانيا عام 1919. وبعد مرور عشر سنوات مثلها طلاب مدرسة المنصورة الثانوية، تحت رعاية ناظرها عبد الله بك ماهر، كما أخبرتنا بذلك جريدة المقطم يوم 27/3/1929. وهكذا حكم القدر على مسرحية (السموأل) أن تعرض في حفلات خاصة طوال عشرين سنة، دون أن تعرض من قبل الفرق المسرحية الكبرى، وكل جريمتها أنها مسرحية مؤلفة تأليفاً صرفاً! وإذا كانت مترجمة أو معربة لكانت لهجت بحوارها الألسنة، ولتسابقت جميع الفرق على تمثيلها.
يوليوس قيصر
تُعدّ مسرحية (يوليوس قيصر) إحدى روائع شكسبير المسرحية، وعلى الرغم من كثرة ترجمتها من قبل أقلام عربية عديدة، إلا أن أول من ترجمها إلى العربية هو الأستاذ (محمد حمدي) مدرس الترجمة بمدرسة المعلمين العليا عام 1912، مساعدة منه للطلاب في فهم الأصل الإنجليزي، حيث قررت وزارة المعارف تدريسها لطلاب الثانوية العامة (البكالوريا) وقتذاك. وفي عام 1924 أعادت الوزارة تدريسها مرة أخرى، فقام محمد حسين سليم الطالب بالمدرسة الخديوية بنشر فكرة تربوية جديدة في جريدة المقطم بتاريخ 17/8/1924، قال فيها تحت عنوان (الطلبة والدرس والتمثيل): "حضرات الأفاضل أصحاب المقطم: قررت وزارة المعارف العمومية رواية (يوليوس قيصر) على طلبة البكالوريا هذا العام، ولما كانت هذه الروايات من أبدع الروايات التي يجب تمثيلها في محال التمثيل بمصر، ونظراً لأن في ذلك فائدة كبيرة للطلبة، فإنا نرجو من حضرات أصحاب تلك المحال القيام بهذه المهمة خدمة لأبناء وطنهم ولحضراتهم مزيد الفضل". ورغم وجاهة الفكرة، إلا أن الفرق المسرحية لم تأخذ بها، بعكس الأندية الأدبية، حيث قام أعضاء نادي التجارة العليا بعرض المسرحية على مسرح حديقة الأزبكية في يولية 1925، وقام ببطولتها رئيس النادي (عبد الله فكري إباظة)، وفؤاد درويش، وصلاح الدين أباظة، وحلمي الحكيم. وبسبب نشاط هذا النادي، وتألق رئيسه في تمثيل المسرحية، خصصت مجلة روزاليوسف مقالة عنه، نشرت بتاريخ 18/1/1926، جاء فيها أنه يهوى التمثيل منذ أن كان طالباً في المدرسة السعيدية. وفي عام 1929 استجاب يوسف وهبي لفكرة الطالب – سالفة الذكر – وعرض مسرحية (يوليوس قيصر) تعريب محمد حمدي على مسرح رمسيس، وقام بتمثيلها: يوسف وهبي، وجورج أبيض، وأحمد علام، وحسن البارودي، وزكي رستم، وفتوح نشاطي، وتوفيق صادق، وإحسان كامل، وفردوس حسن، وقد أسهبت مجلة المصور في تحليل العرض في عددها المؤرخ في 22/2/1929. وبعد أسبوع من هذا التحليل قام صديق أحمد بعرض المسرحية لطلاب البكالوريا بالإسكندرية، وذلك على مسرح تياترو الهمبرا بمحطة الرمل. أما آخر عرض مدرسي لهذه المسرحية، أخبرتنا به جريدة المقطم يوم 31/3/1929، قائلة تحت عنوان (حفلة تمثيلية لطلبة المدرسة التوفيقية): "أقيمت في الساعة السادسة بعد ظهر الجمعة حفلة المدرسة التوفيقية التمثيلية السنوية في مسرح حديقة الأزبكية برعاية صاحب المعالي وزير المعارف، وشهدها كثيرون من كبار موظفي الوزارة ورجال التعليم وكبار رجال الدولة. ومثلت فرقة المدرسة رواية (يوليوس قيصر) من ترجمة الأستاذ محمد حمدي بك ناظر مدرسة التجارة العليا فأجاد الطلبة كثيراً في تمثيلهم حتى أعجب بهم الحاضرون إعجاباً كثيراً وأثنوا على حضرات كامل بك زيتون مراقب الفرقة وعبد الوارث عسر معلمها وعبد الحميد صبحي رئيسها وانصرفوا شاكرين لحضرة العجاتي بك عنايته بطلبته".
الممثل
القصاص المصري المعروف محمود طاهر لاشين له شقيق اسمه محمد عبد الرحيم (الاسم مركب)، هذا الشقيق كان متفوقاً في مدرسة المعلمين العليا، وبسبب تفوقه أرسلته وزارة المعارف إلى إنجلترا لاستكمال تعليمه. وفي إنجلترا – وبجانب دراسته – تعلق بالمسرح وأعلامه وآمن بأن المسرح وسيلة مهمة للتعليم. وعندما عاد من بعثته عام 1912، تم تعيينه مدرساً للترجمة والتاريخ بمدرسة السعيدية الثانوية، وفيها كوّن أول فرقة مسرحية من الطلاب. وبسبب تعلقه بالمسرح ألف جمعية أنصار التمثيل وأصبح رئيساً لها، وكان مقرها نادي موظفي الحكومة بالعتبة الخضراء. وهذه الجمعية ضمت أعلام المسرح فيما بعد أمثال: إبراهيم رمزي، وعبد الرحمن رشدي، ومحمود مراد، وفكتوريا موسى وآخرين. وبدأت الجمعية نشاطها المسرحي بعقد محاضرات عن تاريخ المسرح، كان يلقيها محمد عبد الرحيم، ومنها محاضرة (التمثيل عند الرومان) و(التمثيل في العصور الوسطى). وفي يناير 1915 أعلنت الجمعية عن تمثيلها لأول مسرحية مؤلفة من قبل رئيسها محمد عبد الرحيم، وهي مسرحية (الممثل) أو (دافد جرك). وقد عرضتها في دار نادي الموظفين تحت رعاية وزير المعارف أحمد حشمت باشا الرئيس الفخري للجمعية، الذي حضر العرض مع الشاعر حافظ إبراهيم الذي ألقى قصيدة مدح بين فصول المسرحية، كما تألقت في التمثيل فكتوريا موسى، كما أخبرتنا بذلك جريدة الأفكار يوم 12/1/1915. وبعد شهر تقريباً أعادت الجمعية عرض المسرحية في دار التمثيل العربي، وقد اشتركت في العرض الف
ساحة النقاش