تهويد المسرح العربي

حول تهويد المسرح العربي يكتب الدكتور سيد علي إسماعيل أستاذ الأدب العربي الحديث بجامعة المنيا فيقول: أغلب الناس يظنون أن احتلال فلسطين كان في عام النكبة 1948م. والبعض الآخر يظن أنه كان عام 1917 بسبب وعد بلفور.. والقليل منا يظن أنه بدأ عام 1898 عندما أقيم المؤتمر الصهيوني الأول. والحقيقة التي أراها أن احتلال فلسطين بدأ إعلامياًَ عام .1895 ففي هذا العام نشرت مجلة "المقتطف" اليهودية - في مصر - خبراً يقول: "إن السبيل الوحيد لإبطال الحروب والخصومات بين ممالك الأرض. وربط الأمم كلها برباط الحب والإخاء هو أن ترد بلاد فلسطين إلي اليهود". هذه المقولة ظلت الصهيونية ترددها بكل وسيلة إعلامية ممكنة. حتي استطاعت اغتصاب فلسطين. وهذا الأسلوب الأعمي - للأسف الشديد - مازال يتبعه الكيان الصهيوني. وللأسف الأشد أنه ينجح في تحقيق أهدافه. وأكبر دليل علي ذلك أن "حائط البراق" - بالجدار الغربي للمسجد الأقصي - يسمي بهذا الاسم منذ أكثر من ألف وخمسمائة سنة» ولكن إعلام الكيان الصهيوني نجح في تغيير اسمه إلي اسم يهودي "حائط المبكي" في ستين سنة فقط!! هذه المقدمة أثرتها حتي أبدأ موضوعي - الذي سيستمر لعدة حلقات - عن تهويد المسرح العربي» لأنني أخشي أن يحتل الكيان الصهيوني مسرحنا العربي بحجة أنه يهودي المنشأ!! وهذا الادعاء الواهم لا أساس له من الصحة - كما سنري في حلقاتنا القادمة - فمن المعروف أن المسرح العربي بدأ في لبنان عن طريق جهود مارون النقاش عام 1848م. وبدأ في سوريا بجهود أبي خليل القباني عام 1865م. وأخيراً بدأ في مصر بجهود يعقوب صنوع - كما يتوهم الجميع - عام 1870م. هذا الترتيب التاريخي لم يرض عنه الإعلام الصهيوني فأراد تغييره لتصبح ريادة المسرح في سوريا ولبنان لليهود. وطالما الريادة في مصر ليهودي.. إذن ريادة المسرح في العالم العربي تعود إلي اليهود فقط» علي اعتبار أن مصر والشام هما أساس المسرح العربي في القرن التاسع عشر!! هذا المخطط الصهيوني لتهويد المسرح العربي سأكشف لكم تدبيره. وسأفند لكم مزاعمه في الحلقات القادمة.. فإلي اللقاء

تهويد المسرح العربي "2"

يواصل د. سيد علي اسماعيل كلامه حول "تهويد المسرح العربي" فيقول: مارون النقاش "1817 1855م" هو أول رائد مسرحي عربي استطاع ان يقدم مسرحا عربيا في بيته في لبنان. وكانت باكورة أعماله مسرحية "البخيل" تعريبا عن موليير عام 1847م. حيث قدمها لأول مرة أمام جمهور من الاصدقاء والجيران وعلية القوم.. هذه حقيقة تاريخية لا جدال فيها. كنا نكررها. ومازلنا نكررها. وسنظل نكررها.. معترفين بريادة هذا المسيحي للمسرح العربي.. ولكن اليهود والأصح الصهيونية لا يريدون قبول هذه الحقيقة. لذلك عملوا علي تغييرها لصالح اليهود!! كيف ذلك؟! مارون النقاش يملك حقيقتين. الأولي أنه قدم مسرحا عربيا "أو معربا". والأخري أن أول مسرحية كتبها "أو عربها" ومثلها كانت في عام 1847م. هاتان الحقيقتان بكل أسف اجتهد اليهود وأعوانهم في التشكيك فيهما. أملا في العصف بهما. ففي عام 1996م نشر "فيليب سادجروف" كتابه "المسرح في مصر في القرن التاسع عشر" د. أمين العيوطي. ونشره المركز القومي للمسرح في مصر عام 2007م. في هذا الكتاب جاءت هذه العبارة الغريبة: "ظهرت التجارب المسرحية التي قام بها مارون النقاش في سوريا في أواخر الأربعينيات من القرن التاسع عشر. ونشر أول مسرحية عربية كتبها ابراهام دانينوس "نزاهة المشتاق وغصة العشاق في مدينة طرياق في العراق" في الجزائر عام 1847م. هذه العبارة تعني أمرين: الأول أن مارون النقاش لم يقدم مسرحا. بل قدم تجارب لا ترقي لمستوي المسرح!! والأخري. أن مارون النقاش لم يكن صاحب أول نص مسرحي عربي "أو مُعرب". بل صاحب هذا الإنجاز من وجهة نظر مؤلف الكتاب كان يهوديا جزائريا اسمه "إبراهام دانينوس"!! والأغرب ان هذا اليهودي كتب مسرحيته في عام 1847م. أي عام ريادة مارون!! فأين مارون النقاش في التاريخ. وأين ريادته.. امام تخطيط اليهود لتهويد المسرح العربي؟! ومن هذا اليهودي المدعو "إبراهام دانينوس"؟ وما قصة مسرحية "نزاهة المشتاق.. إلخ"؟ وهل لها وجود فعلي؟ وهل كتبت عام 1847م حقيقة؟! كل هذه الاسئلة سأجيب عنها في حلقاتنا القادمة.. فإلي اللقاء

تهويد المسرح العربي "3"

يواصل د. سيد علي حديثه عن تهويد المسرح العربي فيقول: حاول "اليهود/الصهاينة" سلب ريادة مارون النقاش للمسرح العربي. عندما قالوا بأن اليهودي الجزائري "إبراهام دانينوس" ألف مسرحيته العربية "نزاهة المشتاق" عام 1847م. وهو عام ريادة مارون للمسرح. هذا الزعم قال به الباحث سادجروف بالاشتراك مع اليهودي العراقي "سامي موريس". الذي هاجر إلي فلسطين المحتلة وأطلق علي نفسه اسم "شامويل موريه". واصبح استاذا للأدب العربي في جامعة الكيان الصهيوني. هذان الشخصان الفا كتابا بعنوان "الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية في القرن التاسع عشر" اصدرته جامعة مانشستر عام 1996م. وفيه جاء زعمهما بأن إبراهام دانينوس هو رائد المسرح العربي لا مارون النقاش. وحاولا في كتابهما إثبات هذا الزعم. ولكنهما فشلا!! فدانينوس لم يمثل مسرحيته علي خشبة المسرح بعكس مارون النقاش الذي مثل مسرحيته "البخيل" بالفعل أمام الجمهور!! كما أن مخطوطة مسرحية "نزاهة المشتاق" المطبوعة بالحجر غير مؤرخة. ولا يوجد عليها أي إثبات تاريخي. بعكس مسرحية "البخيل" لمارون المؤرخة والمطبوعة في كتاب "أرزة لبنان". فكتاب "الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية" ذكر صراحة ان مسرحية "نزاهة المشتاق" تم اكتشافها من غير ذكر تاريخ لها أو مكان لنشرها. ثم تناقض الكتاب مع نفسه في موضع آخر وقال إنها ألفت حوالي سنة 1847م!! كما أن دانينوس يعد جاسوسا جزائريا متعاونا مع الاحتلال الفرنسي ضد أبناء وطنه. بعكس مارون التاجر الحر صاحب المكانة العربية الرفيعة!! والجدير بالذكر إن الدكتور الجزائري مخلوف بوكروح أعاد تحقيق مسرحية دانينوس عام 2003. وأثبت في تحقيقه أن مخطوطة المسرحية غير مؤرخة. وأنها محفوظة بالمكتبة الوطنية الجزائرية!! والسؤال الان: من أين جاء الزعم بأن مسرحية اليهودي دانينوس كتبت عام 1847م؟! أليس هذا التلفيق والكذب الغرض منه الشك في ثوابت المسرح العربي. ومحاولة تهويد المسرح العربي؟! والدليل علي ذلك أن شامويل موريه عام 1997. أي بعد عام واحد من الزعم السابق. حقق ونشر مسرحية يهودية بعنوان "الأحمق البسيط" لحبيب مالطي. وفي مقدمتها قال: "وبهذا يكون إبراهام دانينوس قد سبق مارون النقاش منشئ المسرح العربي". وكأن الزعم بريادة دانينوس للمسرح العربي أصبحت حقيقة يعتمد عليها في الأبحاث العلمية!! هذا هو المخطط الصهيوني الأول لتهويد المسرح العربي.. أما المخطط الثاني الخاص بالمسرحي اللبناني اليهودي "زاكي كوهين" ففي الحلقة التالية نتعرف عليه

تهويد المسرح العربي "4"

قال د. سيد علي في حلقته الرابعة حاول اليهودي العراقي سامي موريس. أو شامويل موريه أستاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية في كتابه "الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية" المنشور في جامعة مانشستر 1996 حاول إقحام اسم اليهودي "زاكي كوهين" ضمن رواد المسرح العربي في بيروت!! فكوهين هذا كما جاء في الكتاب أسس "كلية عربية يهودية" لتعليم الطلاب عام 1874. وعاونه في هذا ابنه سليم زاكي كوهين. ومن خلال هذه الكلية عمل الأب وابنه في تأليف مسرحيات عربية كانت تمثل داخل الكلية بواسطة طلابها. ويبرر مؤلف الكتاب الصهيوني تطرقه إلي نشاط كوهين وابنه في مجال المسرح. ان الأدباء والنقاد لم يلتفتوا إلي نشاط اليهود المسرحي في العالم العربي. بقدر اهتمامهم بالمسرحيين المسلمين والنصاري. ثم يأتي المؤلف بمجموعة من أسماء المسرحيات التي كتبها سليم كوهين. والتي مثلت في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر. ومنها: انتصار الحق. وعودة السعادة. وكشف الحجاب. والسر الخفي. والمقامر. وبدر واخوانها. والمسرف. وهذه المسرحيات لم يقتصر تمثيلها أمام طلاب الكلية وأساتذتها. بل تخطي هذا الأمر إلي تمثيلها أمام الحاكم وبعض المسئولين والنبلاء في مجتمع بيروت الواسع. كما أكد مؤلف الكتاب ان هذه المسرحيات كانت حدثاً غير عادي. وكانت أخبار تمثيلها تحتل الصفحات الأولي من الصحف العربية. هذه المعلومات الخطيرة هدمها مؤلف الكتاب عندما قال انها معلومات لم ترد في بحوث سابقة!! فمن أين جاء بها؟؟ عموما هذا التخطيط الصهيوني المفضوح لتهويد المسرح العربي أرد عليه بالآتي: اختيار عام 1874 لبداية نشاط كوهين المسرحي. الغرض منه النيل من دور المسيحي سليم النقاش الذي بدأ نشاطه المسرحي في بيروت في العام نفسه .1874

تهويد المسرح العربي "5"

يواصل د.سيد علي إسماعيل حديثه عن تهويد المسرح العربي وقال علمنا مما سبق إن الصهيونية أرادت إقحام اسم سليم زاكي كوهين ضمن رواد المسرح العربي. حتي يسلبون جهود سليم النقاش المسرحية في بيروت. ويبدلون رائداً هشاً برائد حقيقي. ومن خلال بحثنا وجدنا معلومات مهمة عن كوهين هذا ونشاطه المتواضع المريب نشرتها مجلة "المقتطف. والهلال" بين عامي 1884 1897م. فعلمنا أن الكلية الإسرائيلية التي أنشأها كوهين ما هي إلا "كتاب/حضانة" لتعليم الأطفال. وأن المسرحيات التي كتبها كوهين ومثلت داخل هذا الكتاب. هي مسرحيات مدرسية دينية لأطفال الأسر اليهودية الفقيرة من أجل نشر الأفكار الصهيونية في نفوس الأطفال منذ الصغر. ومدرسة كوهين هذا كانت متواضعة ومتعثرة تتسول ميزانيتها من أغنياء مصر كما قالت مجلة الهلال عام 1895 ومع استمرار التعثر تم إغلاقها عام 1895. لذلك هاجر سليم كوهين إلي مصر وقطن في الإسكندرية. وابتكر أسلوباً شاذاً في الكتابة العربية. نشرته مجلة الهلال عام 1897 تحت عنوان "الرسائل الخفية في المكاتبات السرية" أي الكتابة بالشفرة. وهو أسلوب الجواسيس في الكتابة والمراسلات. ويعد كوهين مبتكر هذا الأسلوب في الكتابة العربية الحديثة. وخلاصة الأمر أن الصهاينة يبحثون في التاريخ عن أي شبهة نشاط مسرحي لأي يهودي عربي متواضع ولا يمنع أن يكون جاسوساً حتي يطلقون عليه صفة الرائد. ظناً منهم أنهم يكتبون عن شخصيات مجهولة لا مراجع لها ولا توثيق. وبناء علي ذلك فقد خاب مسعي الصهيوني شامويل موريه أستاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية في كتابه "الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية" المنشور في جامعة مانشستر 1996. وفي حلقتنا القادمة سنتحدث عن رائد اليهود الثالث أنطوان شحيبر

تهويد المسرح العربي "6"

قال د. سيد علي اسماعيل إن اليهودي العراقي سامي موريس. أو شامويل موريه استاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية في كتابه "الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية" المنشور في جامعة مانشستر 1996 نشر مجموعة من نصوص المسرحيات المدرسية العربية المخطوطة منسوبة إلي "انطون شحيبر". وهي: المريض الوهمي. ومدعي الشرف. وانتصار الفضيلة أو حادثة الابنة الإسرائيلية. وناكر الجميل. وذبيحة اسحاق. وهذه المسرحيات اغلبها مترجم أو معرب. وادعي الكاتب الصهيوني شامويل أن اليهودي أنطون شحيبر من رواد المسرح العربي. وأنه بدأ نشاطه المسرحي عام 1876. من خلال عمله مدرسا في المدرسة الاسرائيلية. واللافت للنظر ان مؤلف الكتاب الصهيوني حاول بكل وسيلة ممكنة وغير ممكنة ايهام القراء بأن انطون شحيبر يهودي. لأن المؤلف يشك في ديانته. ورغم هذا الشك أصر في نهاية الأمر علي يهودية ديانة شحيبر! وبالبحث وجدت انطون شحيبر مسيحيا حيث نشرت له مجلة المقتطف عام 1883م خطبة ألقاها في جمعية شمس البر. يدور موضوعها حول أثر الخطابة في انتشار الديانة المسيحية. واستشهد شحيبر في خطبته هذه بأقوال من الانجيل.
كما ذكرت مجلة الصفا عام 1887 أن انطون شحيبر هو كبير أساتذة مدرسة كفتين المسيحية في طرابلس الشام. واخيرا اشارت مجلة المقتطف عام 1888 إلي أن طلاب مدرسة كفتين مثلوا مسرحية "ناكر الجميل" لأنطون شحيبر. وكان من تلاميذ المدرسة فرح أنطون. الذي اصبح من أشهر الادباء فيما بعد. وهذه الحقائق كلها تعصف بأكاذيب الصهيونية. وتكشف مدي تطاولهم علي تاريخ المسرح العربي. واسلوبهم في سلب تاريخ نشاط المسلمين والمسيحيين المسرحي كي يكتبوا تاريخا مسرحيا يهوديا ملفقا. وهكذا تحطمت ريادة اليهود للمسرح العربي. كما جاءت في كتاب "الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية" ولم يبق للصهيونية رائد سوي المصري "يعقوب صنوع" رائد المسرح المسرحي كما كنا نتوهم. وهذا الوهم هو محور حلقاتنا القادمة

تهويد المسرح العربي 7

يواصل د. سيد علي إسماعيل حديثه عن تهويد المسرح العربي مؤكدا عبارة "يعقوب صنوع رائد المسرح العربي في مصر" هي العبارة الوحيدة التي لازمت سيرة صنوع في جميع الدراسات والكتب ورسائل الماجستير والدكتوراة  العربية والأجنبية  التي كتبت عنه وكذلك في جميع وسائل الإعلام العربية والعالمية حتي الآن؟ وهذه الريادة يلهج بذكرها كل صهيوني أو يهودي في العالم ليثبت أن صنوع هو الرائد اليهودي للمسرح العربي في مصر.. أي أن اليهود رواد المسرح في أهم بلد عربي!! والغريب أن هذه الريادة لم يذكرها أي إنسان إلا صنوع نفسه في كتاباته ومذكراته الملفقة. عندما قال: إنه أنشأ المسرح العربي في مصر عام 1870م واستمر حتي 1872 وفي هذه الفترة  كما يقول صنوع  إنه ألف اثنتين وثلاثين مسرحية. وكون فرقتين مسرحيتين ضمتا فتاتين وعرض مسرحيته "الضرتين" 53 مرة ومسرحيته "آنسة علي الموضة" 100 مرة وبلغت عروضه في عامين أكثر من 300 ليلة عرض وكانت الجماهير تحضر بالآلاف وظل مسرحه يعمل حتي أمر الخديو إسماعيل بإغلاقه عام 1872م وبناء علي هذه المعلومات والأرقام أطرح علي القاريء هذا اللغز في صور أسئلة: كم إعلان حصلنا عليه لمئات عروض صنوع المسرحية؟ وكم مقالة  مادحة أو قادحة  نشرت عن هذه العروض المسرحية؟ وكم صحفي أدلي برأيه في هذه العروض؟ وكم وثيقة وجدناها تتعلق بهذا النشاط المسرحي الريادي؟ وكم وثيقة وجدناها تتعلق بإنشاء أو بإغلاق هذا المسرح؟ وكم حوار وجدناه منشورا لأعضاد فرقتي صنوع المسرحية؟ وكم مقالة نشرت لمدح أو ذم أول فتاتين مصريتين تعملان في المسرح؟ وكم؟.. وكم؟.. وكم؟ عزيزي القاريء إليك الإجابة: لم أجد سطرا واحدا منشورا يجيب  من قريب أو من بعيد  علي سؤال واحد من هذه الأسئلة طوال الفترة ما بين عامي "1870  1872م" وهي فترة النشاط المسرحي المزعوم لصنوع تبعا لأقوال صنوع نفسه عن نفسه!! إذن كيف تسلل يعقوب صنوع ونشاطه المسرحي المزعوم إلي تاريخ المسرح العربي؟! الإجابة في الحلقات القادمة

تهويد المسرح العربي "8"

 

يواصل د. سيد علي إسماعيل حديثه حول تهويد المسرح العربي أول من أدخل يعقوب صنوع  المشهور بأبي نظارة  في تاريخ المسرح المصري ونصبه فيه رائداً هو المؤرخ الصحفي اللبناني فليب دي طرازي عندما كتب "خمس صفحات فقط" عن حياة واعمال صنوع المسرحية في كتابه "تاريخ الصحافة العربية" عام 1913 أي بعد وفاة صنوع بعام واحد مما أضفي علي الصفحات مصداقية لا نظير لها بدأ طرازي كلامه عن صنوع قائلاً: "لا نظن أحداً من كتبة الأعارب والأعاجم في هذا العصر يجهل اسم الشيخ أبي نظارة المصري الذي اشتهر ذكره في الخافقين" وبعد هذا الإقرار الكاذب بشهرة صنوع المتوهمة تحدث طرازي عن مسرح صنوع قائلاً: "في سنة 1870 أنشأ صنوع أول مسرح عربي في القاهرة بمساعدة الخديو إسماعيل الذي منحه لقب موليير مصر ونشطه علي عمله وشهد مراراً تمثيل رواياته فألف صاحب الترجمة "أي صنوع" حينئذ اثنتين وثلاثين رواية هزلية وغرامية لم يزل صداها يرن في آذان الشيوخ علي ضفاف النيل" وهذه العبارة الموجزة في كتاب طرازي كانت الباب الذي فتح علي مصرعيه أمام جميع من كتب من الكتاب والنقاد العرب والأجانب عن صنوع كرائد مسرحي مصري بعد ذلك فانهالت المقالات والدراسات والكتب الضخمة بناء علي هذه العبارة فقط عزيزي القاريء لا تتعجب عندما أقول لك ان كاتب هذه الأسطر هو صنوع نفسه لا طرازي كما كنا نعتقد!! وهذه الحقيقة ظلت سراً خفياً منذ عام 1913 إلي عام 1987 عندما نشر في لندن كتاب باللغة الإنجليزية بعنوان "يهود مصر" به دراسة للصهيوني "شامويل موريه" بعنوان "يعقوب صنوع: صفاته الدينية وعمله في المسرح والصحافة وفقاً لأرشيف العائلة" وهذه الدراسة تضمنت مجموعة من الخطابات الخاصة بصنوع أهمها خطاب من طرازي إلي صنوع في عام 1911 وهذا الخطاب سيكون موضوع حلقتنا القادمة

تهويد المسرح العربي (9)

ظنّ كل من كتب عن يعقوب صنوع كرائد مسرحي مصري، أن ما كتبه فيليب طرازي في كتابه (تاريخ الصحافة العربية) المنشور عام 1913م، هو الحقيقة بعينها، خصوصاً وأن الكتاب نُشر بعد وفاة صنوع بعام واحد. هذه الحقيقة انهارت بعد 74 سنة، أي في عام 1987، عندما نُشر في لندن كتاب باللغة الإنجليزية بعنوان (يهود مصر) به مجموعة من الخطابات المنشورة بالعربية، وهي خطابات تخص يعقوب صنوع، أهما خطاب من طرازي إلى صنوع مؤرخ في  25/1/1911م، يقول في مقدمته: " قياماً بالوعد مُرسل لك صورة الترجمة التي نظمتها، وهي تتضمن مختصر تاريخ حياتك الطافحة بكل لذيذ ومفيد، وهي عشر صفحات". ويختتم طرازي خطابه بقوله: " أظن يا حضرة الشيخ المهذب أن الترجمة توافق ذوقك .... إذا رأيتم أني قصّرت في أشياء أو أخطأت في سواها فالرجا أن تنبهوني كي أجري اللازم قبل طبع كتابي. وأعلموا أني حتى الآن ما كتبت لأحد الصحافيين ترجمة نظير ترجمتك حتى لأحمد فارس [الشدياق] نفسه، ورفاعة بك الطهطاوي، ورزق الله حسون، وعبد الله النديم، وغيرهم مثل جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده. ومن ذلك تتأكد عظيم اعتباري لشخصك ". وهكذا ينكشف السر!! فالمكتوب عن صنوع في كتاب طرازي شارك فيه صنوع بنفسه – قبل وفاته – بالإضافة والحذف والتعديل .. وهذا يعني أن مقولة ريادة صنوع للمسرح، هي مقولة ذكرها صاحبها بنفسه عن نفسه، ولم يكتبها طرازي. وهكذا يتضح للقارئ أن أول أسطر تُنشر عن ريادة صنوع للمسرح المصري في أول كتاب عربي صادر عام 1913، هي سطور كتبها صنوع بنفسه، ومن خلالها دخل صنوع كرائد مسرحي في تاريخ المسرح. أما تأثر هذه الأسطر في الكتابات المسرحية فيما بعد، فهي موضوع الحلقة القادمة.

تهويد المسرح العربي (10)

علمنا - من خلال الحلقات السابقة - أن ما كتبه فيليب طرازي عن ريادة صنوع للمسرح العربي – بوصفة يهودياً – في كتابه (تاريخ الصحافة العربية) المنشور في لبنان عام 1913، لم يكتبه طرازي؛ بل الكاتب الحقيقي هو صنوع نفسه! وللأسف الشديد أن ما جاء في هذا الكتاب كان المرجع الأساسي لجميع الكتابات التي نُشرت في مصر فيما بعد عن صنوع كرائد مسرحي مصري! وأول مقالة نُشرت عن صنوع كمسرحي – في مصر - كانت بقلم المستشرق الروسي (أغناطيوس كراتشكوفسكي)، نشرها عام 1924 في مجلة (الإخاء) الماسونية لصاحبها اليهودي (سليم قبعين) الذي كتب عدة مقالات شجع فيها هجرة اليهود إلى فلسطين واحتلالها!! ومقالة المستشرق نُشرت تحت عنوان (الشيخ أبو نظارة واضع أساس النقد الصحافي في مصر)، وهي منقولة بالكامل من صفحات كتاب طرازي، وتُعدّ أول مقالة منشورة في مصر تتحدث عن صنوع كمسرحي. وفي عام 1927 كتب توفيق حبيب المقالة الثانية عن صنوع في مصر، تحت عنوان (موليير مصر). وهذه المقالة على وجه التحديد، كانت أهم مقالة كُتبت عن صنوع كمسرحي، لأنها نُشرت في مجلة (الستار) بوصفها مجلة مصرية مسرحية متخصصة؛ وللأسف وجدنا المقالة منقولة كذلك من كتاب طرازي!! وفي فبراير عام 1946 نشر زكي طليمات المقالة الثالثة عن صنوع كمسرحي تحت عنوان (كيف دخل التمثيل بلاد الشرق)، نشرها في مجلة (الكتاب)، واعتمد فيها على ما جاء في كتاب طرازي عن صنوع كمسرحي. وهكذا يتضح للقارئ أن كل من كتب عن صنوع كمسرحي، اعتمد على كتاب طرازي دون أن يعلم أن صنوعاً هو الذي كتب عن نفسه في هذا الكتاب!! والسؤال الآن هل صنوع دخل إلى تاريخنا المسرحي عبر كتاب طرازي فقط؟؟ الإجابة في الحلقة القادمة.

تهويد المسرح العربي (11)

تحدثنا فيما سبق عن تأثير كتاب طرازي في الكتابات المسرحية، التي أدخلت يعقوب صنوع في تاريخ المسرح المصري بوصفه رائداً له. وهذه الكتابات ظلت دون تأثير حتى عام 1953م، عندما نشر في مصر الدكتور إبراهيم عبده أول كتاب كامل باللغة العربية عن يعقوب صنوع، وأسماه (أبو نظارة إمام الصحافة الفكاهية المصورة وزعيم المسرح في مصر). والغريب أن المعلومات التي كانت متوفرة عن صنوع – قبل كتاب إبراهيم عبده – كانت خمس صفحات فقط في كتاب طرازي! فكيف استطاع الكتور إبراهيم تأليف كتاب ضخم من مئات الصفحات؟! الإجابة تتمثل في صدفة - أو (مؤامرة) حُبكت خيوطها - متمثلة في لقاء تمّ في باريس بين الدكتور إبراهيم عبده وابنة بعقوب صنوع (لولي)، وانتهى هذا اللقاء بحصول الدكتور من (لولي) على مادة ثرية صنعت هذا الكتاب! ويعترف الدكتور بهذا الأمر في مقدمة كتابه قائلاً: "وقد شملتني السيدة لولي صنوع بعطفها، ومنحتني مجموعة والدها الصحفية كاملة غير منقوصة، فوجدت أخيراً تحت يدي الجدول الأصيل لمن يريد أن يغترف من تاريخ يعقوب وفنه، فضلاً عما أهدتني من وثائق وصور وكُتب مخطوطة متصلة بهذا الموضوع، تُكمل تاريخ أبي نظارة وتجعله حياً قوياً جديراً بالنشر في أوسع نطاق وفي مقدمة ذلك تاريخه الذي كتبه عن نفسه بخط يده". والسبب وراء تأليف هذا الكتاب مسرحياً – كما أبان مؤلفه – فكان إثبات أن نشأة المسرح العربي في مصر كانت على يد يعقوب صنوع، وهذا الزعم يخالف جميع الأقوال والوثائق التي تثبت أن (سليم خليل النقاش) هو أول من أدخل المسرح باللغة العربية إلى مصر .. وهذا الأمر تفصيله في الحلقات القادمة.

تهويد المسرح العربي (12)

علمنا مما سبق أن الدكتور إبراهيم عبده نشر مذكرات يعقوب صنوع في كتابه الضخم (أبو نظارة إمام الصحافة الفكاهية المصورة وزعيم المسرح في مصر)، وقال صنوع في هذه المذكرات أنه أنشأ المسرح العربي في مصر، وأن هذا المسرح ظل يعمل طوال عامين (1870 – 1872م). والمتوقع أن الصحافة المصرية لن تصمت أمام هذا الفن الجماهيري الجديد على البيئة المصرية، لذلك يتوقع القارئ أن يجد جميع الصحف في تلك الفترة تلهج بالثناء على صنوع وفنه. ومثال على ذلك مجلة (وادي النيل) المصرية، التي نشرت مقالة بقلم محمد أنسي عام 1870 عن عرض الأوبرا الخديوية لمسرحية (سميراميس). وفي نهاية المقالة قال الكاتب : "ويا ليته يحصل التوفيق لتعريب مثل هذه التأليفات الأدبية وابتداع اللعب بها في التياترات المصرية باللغة العربية، حتى ينتشر ذوقها في الطوائف الأهلية. فإنها من جملة المواد الأهلية التي أعانت على تمدين البلاد الأوروبية، وساعدت على تحسين أحوالهم المحلية". وبناء على هذا القول، نتساءل : لماذا يتمنى كاتب هذا المقال وجود مسرح مصري يعرض المسرحيات باللغة العربية؟ ألم يكن صنوع موجوداً في هذا التاريخ عام 1870؟! بل أن هذا العام في تاريخ صنوع له أهمية خاصة، لأنه عام بداية نشاطه المسرحي! هذا بالإضافة إلى أن هذا التمني من قبل كاتب المقال، يجعلنا نتأكد من عدم وجود صنوع كمسرحي في هذا الوقت؛ لأن محمد أنسي كاتب المقال - هو ابن أبي السعود صاحب المجلة، ومُعرب أوبرا عايدة - من المهتمين بالكتابة والترجمة المسرحية، عندما مارسها في جريدته (روضة الأخبار) عام 1878م. والأعجب من ذلك أن محمد أنسي كان شريكاً في تقديم أول مشروع لإنشاء فرقة مسرحية قومية عربية في مصر عام 1872، وهذا المشروع قُدم بالفعل إلى الخديوي إسماعيل باشا، فهل شخص مثل محمد أنسي يستطيع إنكار مسرح صنوع، لو كان هذا المسرح موجوداً؟! عزيزي القارئ .. إن لم تقتنع فانتظر أدلة جديدة في الحلقات القادمة.

تهويد المسرح العربي (13)

إذا كانت مقالة محمد أنسي – التي تحدثنا عنها في الحلقة السابقة - نُشرت في بداية عام 1870، وهو عام بداية صنوع كمسرحي بناء على زعمه في مذكراته، فمن المحتمل أن بدايته المسرحية كانت في منتصف أو آخر هذا العام. والردّ على هذا الاحتمال يأتي أيضاً من خلال مجلة (وادي النيل)، عندما كتب صاحبها أبو السعود أفندي مقالة فى نوفمبر 1870 عن أول مسرحيتين مكتوبتين باللغة العربية، هما: لابادوسيت، ومزين شاويلة، عربهما محمد عثمان جلال وطُبعا في مطبعة إبراهيم المويلحي، واختتم الكاتب مقالته قائلاً: "على كل حال فظهور هاتين القطعتين في الملابس العربية هو حادثة أدبية لا بأس بها وإدخال أسلوب من التأليف جديد في اللغات المشرقية وأساس قد يبنى عليه ويؤتي فيما بعد بما هو أصح منه". وهنا نتساءل : أين صنوع كمسرحي أمام هذه الوثيقة، التي تثبت عدم وجود مسرح عربي قبل ظهور هاتين المسرحيتين؟! وأين مسرحيات صنوع الاثنتين والثلاثين في أول أعوامه المسرحية المزعومة؟! عزيزي القارئ إليك دليل آخر: نشرت مجلة (وادي النيل) مقالة مسهبة في نوفمبر وديسمبر عام 1870، عن عرض مسرحي مدرسي بعنوان (أدونيس) أو (الشاب العاقل المجتهد في تحصيل العلم الكامل)، أقيم في مدرسة العمليات، وتحدثت المجلة عن موضوع المسرحية ومؤلفها ومغزاها الأخلاقي والتعليمي مع ذكر أسماء الممثلين من الطلاب المصريين وأدوارهم ... إلخ. وبناء على ذلك نقول : لماذا اهتمت مجلة (وادي النيل) بسرد هذا الوصف التفصيلي لعرض مسرحي أُقيم داخل أسوار إحدى المدارس، ولم تذكر أية إشارة عن عرض من عروض صنوع المسرحية؟! ... تساؤلات كثيرة تؤكد عدم وجود صنوع كمسرحي طوال عام 1870، هذا العام الذي زعم صنوع أن بدايته المسرحية كانت فيه! عزيزي القارئ لعلك اقتنعت بوجهة نظري؟! وإن لم تقتنع فاقرأ الحلقات القادمة.

تهويد المسرح العربي (14)

زعم يعقوب صنوع في مذكراته أنه رائد المسرح العربي في مصر، وأن مسرحه العربي المزعوم ظل يعمل في مصر طوال عامين (1870 – 1872)! وحتى الآن لم أجد – ولم يجد غيري – إشارة واحدة أو سطراً واحداً منشوراً طوال عامي (1870 – 1872) يثبت هذا الزعم! أما الحقيقة الجلية فتقول: إن سليم خليل النقاش اللبناني هو أول من أدخل المسرح العربي إلى مصر، وأنه صاحب أول فرقة مسرحية عربية تعرض المسرحيات العربية في مصر. وهذه الحقيقة - رغم وضوحها وإثباتها تاريخياً – إلا أنها مهمشة في تاريخ المسرح العربي، وخصوصاً في كتابات اليهود الصهاينة، لأنها حقيقة تعصف برائدهم المسرحي المزعوم يعقوب صنوع. ففي عام 1875 نشر سليم خليل النقاش مسرحيته (مىّ)، وفى مقدمتها قال : " لما كانت ديار مصر مستوية على عرش التقدم بين الأمصار اتخذتُ مع الملتجئين إلى بابها نعم سبيل، وهو باب أفندينا الخديوي المعظم ولي النعم إسماعيل بأن أخدم عظمته بإدخال فن الروايات [المسرح] في اللغة العربية إلى الأقطار المصرية فأنعم عليّ بالقبول". كما أكدت مجلة (الجنان) في يولية 1875 هذه الحقيقة قائلة تحت عنوان (الروايات العربية المصرية) : "إن الحضرة الخديوية السنية قد اهتمت بإنشاء روايات عربية في قاعاتها في مصر القاهرة فصدرت إرادتها السنية بأن يقوم جناب سليم أفندي نقاش بترتيب روايات عربية، فأتى ببراهين كافية أقنعت جناب درانت بك مدير الروايات المصرية بأهليته وحذقه فصدرت الإرادة الخديوية السنية بأن يقوم بعمل الروايات العربية ". وأمام هذا القول نتساءل : كيف يجرؤ سليم النقاش بنشر هذا القول في مقدمة مسرحية تتداول بين الناس، ويقول إنه يريد إدخال فن المسرح باللغة العربية إلى مصر؟! وكيف تجرأت مجلة الجنان بإثبات هذا الأمر؟! ألم يكن صنوع موجوداً قبله وأدخل المسرح باللغة العربية إلى مصر، كما زعم في مذكراته؟! عزيزي القارئ تستطيع أن تقرر بنفسك من هو رائد المسرح العربي في مصر، وإن لم تستطع فاقرأ الحلقات القادمة.

تهويد المسرح العربي (15)

أنهيت الحلقة السابقة بسؤال يقول: من هو رائد المسرح العربي في مصر؟! هل هو يعقوب صنوع عام 1870، كما زعم في مذكراته، أم سليم النقاش الذي أقر بريادته في مقدمة مسرحيته المنشورة (ميّ) عام 1875؟! الإجابة من وجهة نظري موجودة في الأقوال المحايدة المنشورة عن تاريخ المسرح العربي في مصر. وأول مقالة نشرتها مجلة (الفرايد) في يناير 1894، قائلة: "أول من أدخل التشخيص في مصر الشوام". والمقصود بهم (سليم النقاش، وأديب إسحاق، ويوسف الخياط). وفي عام 1895 نشر الكاتب المسرحى محمود واصف مسرحيته (عجائب الأقدار)، وفى مقدمتها قال : "إن فن التشخيص بلغتنا العربية لم يدخل إلى بلادنا المصرية إلا منذ عهد قريب على يد طيب الذكر سليم أفندي النقاش". وفي عام 1896، قال جرجي زيدان في مجلته الهلال: "لم يدخل فن التمثيل العربي إلى هذه الديار إلا في أواخر حكم المغفور له الخديوي إسماعيل باشا، وأول من مثل رواية تشخيصية فيها المرحومان أديب إسحاق وسليم نقاش". وفي يناير 1912 كتبت جريدة (الأخبار) مقالة تحت عنوان (حول التمثيل)، قالت فيها : " هيهات أن ننسى الأديبين الكبيرين المرحومين سليم النقاش وأديب إسحاق الذين أخرجا فن التمثيل إلى عالم الوجود في مصر". وهكذا نجد أن جميع الأقوال السابقة، التي أرخت لبدايات الحركة المسرحية في مصر، منذ عام 1894 حتى عام 1912 - عام وفاة صنوع - لم تذكر أية إشارة، ولو ضئيلة، تؤكد أن لصنوع ريادة مسرحية في مصر في يوم من الأيام، بعكس التأكيدات الكثيرة على ريادة سليم النقاش!! والسؤال الآن: ما هو موقف الكتابات اليهودية الصهيونية – في العالم الغربي – عن صنوع كرائد مسرحي مصري؟ هل جاءت بجديد أو بأدلة دامغة على ريادة صنوع المزعومة للمسرح العربي في مصر؟! الإجابة في الحلقات القادمة.

تهويد المسرح العربي (16)

أوضحنا في حلقاتنا السابقة أن جميع الكتابات المسرحية العربية التي قالت بريادة يعقوب صنوع للمسرح العربي في مصر، استندت في قولها إلى ما كتبه فيليب طرازي عن صنوع في كتابه (تاريخ الصحافة العربية) من خلال خمس صفحات فقط، وعلمنا أن صنوعاً هو نفسه الكاتب الحقيقي لهذه الصفحات!! أما إذا تطرقنا إلى الكتابات الأجنبية التي قالت بريادة صنوع للمسرح العربي في مصر، سنجدها بالإجماع تعتمد على مقالة جريدة (الستاردي ريفيو) المنشورة عام 1876م؛ بوصفها أقدم مرجع باللغة الإنجليزية، تحدث عن مسرح صنوع في مصر. وهذه المقالة أشار إليها الدكتور محمد يوسف نجم، والدكتور إبراهيم عبده وقالا إنهما اطلعا على أصلها، وأن كاتبها رحالة وعلى علاقة بصنوع. وهذه المقالة تتحدث عن مسرح صنوع، ومن خلالها نعلم أن صنوعاً أسس مسرحاً عربياً في مصر، وكان المؤلف والممثل والمدير والملقن لهذا المسرح!! وكان الفلاحون والباشوات يأتون إلى مسرحه بدافع الفضول والاستغراب، كما شاهد مسرحياته الخديوي نفسه، فخلع على صنوع لقب (موليير مصر). هكذا تحدثت جريدة (الستاردي ريفيو) الإنجليزية عن مسرح صنوع عام 1876، وفي هذا العام كان صنوع في مصر .. أي أن كاتب المقالة شاهد بنفسه مسرح صنوع وكتب عنه في الجريدة!! فهل بعد هذا يستطيع أحد الشك في صنوع كمسرحي وريادته للمسرح العربي في مصر؟! الإجابة نعم: أشك في كل هذا .. لماذا؟ لأن الذي اكتشفته يثبت أن الدكتور محمد يوسف نجم ، وكذلك الدكتور إبراهيم عبده لم يطلعا على هذه المقالة، ولم ينقلا عنها، وأن تاريخ هذه المقالة مغلوط، فقد نشرت المقالة عام 1879 أثناء وجود صنوع في باريس وليس في القاهرة، وأخطأ الدكتور نجم في كتابة تاريخ المقالة قائلاً إنه عام 1876، أي أثناء وجود صنوع في مصر، وهذا الخطأ رسخ الاعتقاد الزائف بوجود مسرح صنوع، وريادته الواهية للمسرح العربي في مصر!! أما قصة هذه الاكتشافات ففي الحلقة القادمة.

تهويد المسرح العربي (17)

ذكرت سابقاً أن مقالة جريدة (الساتردي ريفيو) هي أقدم مرجع إنجليزي تحدث عن صنوع. والجديد في الأمر أن المقالة نشرت يوم 26/7/1879 أثناء وجود صنوع في فرنسا، وليس عام 1876 أثناء وجود صنوع في مصر كما أوهمنا الدكتور نجم!! والمقالة نشرت بعنوان (بنش العربي) – وهذا العنوان لم يشر إليه أي كاتب عربي حتى الآن - وبنش هذا هو شخصية لاعب القراقوز الإنجليزي الشهير. أما كاتب المقالة فمجهول!! ولا أعلم لماذا أوهمنا الدكتور نجم بأن الكاتب رحالة إنجليزي وعلى علاقة بصنوع؟! وهذه المقالة تتحدث عن العروض الفجة والمشاجرات المضحكة المألوفة في القاهرة، وفي مدن الشرق لفن القراقوز. وأن صنوعاً قام بتدريس اللغات الأوروبية، والعلوم لأطفال الخديوي والباشوات والأغنياء، وأن المعجبين بصنوع زعموا أنه كان شاعر القصر. وأنه يمتلك سهولة جديرة بالملاحظة في تحسين فن الكتابة في كلا النثر والشعر في لغته العربية كما يتضح ذلك من كتاباته الصحفية الهزلية في جريدته (أبو نظارة). كما تحدثت المقالة عن فن القراقوز، الذي تطور إلى هجاء سياسي بأشعار عامية، فأصبح محاورات على شكل دراما مكتوبة، ومنشورة في صحف صنوع!! هذا فحوى المقالة!! وهذا يعني أن المقالة تحدثت عن صحف صنوع وما بها من محاورات تشبه محاورات فن القراقوز!! فأين مسرح صنوع من هذا الكلام؟! وأين ما اقتبسه الدكتور نجم – من المقالة نفسها كما زعم – عن قيام صنوع بتأسيس مسرح عربي، كان فيه المؤلف والممثل والمدير والملقن؟! الحقيقة الجلية أن الدكتور نجم لم ينقل من أصل الجريدة؛ لأنه لم يشاهدها ولم يطلع على أصلها، بل كتب ما كتب بالوساطة عندما نقل من مرجع آخر لم يذكره، وهذا المرجع لنا وقفه معه في الحلقة القادمة.

تهويد المسرح العربي (18)

المرجع الآخر الذي تحدثت عنه في نهاية الحلقة السابقة، هو كتاب (ألبوم أبو نظارة) لبول دي بينيير - المنشور في فرنسا عام 1886م – وهو كتاب يشتمل على معلومات حياتية عن يعقوب صنوع ومسرحه، أثناء وجوده في مصر، حتى انتقاله إلى فرنسا عام 1878م. وهذا الكتاب يُعتبر أول كتاب بلغة أجنبية يُكتب عن يعقوب صنوع، ويُنشر في فرنسا، أثناء وجود صنوع في باريس. لهذا السبب كان هذا الكتاب أهم مرجع لجميع الدراسات الأجنبية، التي كُتبت عن صنوع، ولبعض الدراسات العربية أيضاً. والجديد في الأمر أن مؤلف الكتاب (بول دي بينيير) هو رسام جريدة (أبو نظارة) لصاحبها يعقوب صنوع عام 1886م، وهو العام نفسه، الذي أصدر فيه بول كتابه (ألبوم أبو نظارة)؟! وهذا يعني أن مؤلف الكتاب أحد العاملين في صحيفة صنوع (أبو نظارة)! كتب بول دي بينيير – في الكتاب - مقدمة طويلة عن حياة صنوع في مصر وفرنسا، اعتمد - في جانب كبير منها - على مذكرات صنوع المنشورة في صحيفة أبو نظارة، وفي مواضع قليلة جداً اعتمد على مقالة جريدة (الستاردي ريفيو) عام 1879م – التي تحدثنا عنها سابقاً – والغريب الذي اكتشفته أن الكاتب بول دوبينيير نفسه، لم يطلع على مقالة الستاردي ريفيو!! وأن اقتباساته منها أملاها عليه صنوع، بعدما حذف منها ما حذف، وأضاف إليها ما أضاف!! وبعد تشويه المقالة بتدخل صنوع فيها، نقل منها الدكتور نجم هذا التشويه موهماً قراءه بأنه اطلع على أصل الجريدة!! أما التشويه المقصود فيتمثل في أن صنوعاً أسس مسرحاً عربياً في مصر، وأنه كان المخرج والممثل والمؤلف والملقن في هذا المسرح، وهذا التشويه لم نجده عندما اطلعنا على أصل مقالة جريدة (الستاردي ريفيو) كما أوضحنا سابقاً. أما أهمية كتاب (ألبوم أبو نظارة) فسنتحدث عنها في الحلقة القادمة.

تهويد المسرح العربي (19)

كتاب (ألبوم أبو نظارة) لبول دي بينيير - المنشور في فرنسا عام 1886م، قام المركز القومي للمسرح والموسيقى مؤخراً بترجمته إلى العربية وإصداره في كتاب عام 2009م من ترجمة الدكتور حمادة إبراهيم. وأرجو أيها القارئ ألا تنزعج عندما تقرأ في هذا الكتاب وصفاً لصنوع أنه (سليل الرسول)!! ولا تبتهج عندما تشاهد صورته مرتدياً العمامة والجبّة والقفطان! ولا يغرنك كلامه الذي يبدأه بالبسملة! ولا تتعجب من أن والدته وهبته للإسلام عند مولده! ولا تفرح عندما يُضمّن نظراته المنشورة بعض الآيات القرآنية! ولا تسعد عندما تقرأ في بعض الدراسات أنه كان مسلماً! لأن من كتب هذا الكتاب صنوع وأعوانه، فيعقوب صنوع عاش يهودياً، ومات يهودياً، ودُفن في مقابر اليهود في باريس سنة 1912م. وما مظاهر الإسلام التي كان يتحلى بها، إلا مظاهر خادعة يجذب بها الناس من حوله، متظاهراً بالسماحة الدينية من أجل مآرب أخرى! فعندما ظن فيليب طرازي خطأً عام 1911م أن صنوعاً مسلم – أثناء إعداده لسيرة صنوع من أجل نشرها في كتابه (تاريخ الصحافة العربية) - كتب له صنوع خطاباً صوّب فيه الأمر، قائلاً: " قلت في ابتداء الصفحة الثانية (فتبع الفتى حينئذ دين الإسلام) المرجو حذف هذا لأني لم أغيّر اعتقاد والديّ .... إني من بني إسرائيل". وكتاب (ألبوم أبو نظارة) أهم كتاب رسخ في أذهان الكُتّاب الغربيين – وخصوصاً اليهود الصهاينة - أن يعقوب صنوع – بوصفه يهودياً – رائد للمسرح العربي في مصر، وأن مسرحياته المزعومة كونت الفكر المصري الحديث، بل ووصل أمر المغالاة في الكتابة إلى الاعتقاد بأن صنوعاً كان المحرك الفعلي للثورة العرابية، والزعم بأنه أستاذ الزعيم أحمد عرابي، وأن صنوعاً كان أستاذ الفكر للشيخين الجليلين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. ونموذج من هذه الكتابات سيكون موضوع حلقتنا الأخيرة القادمة.

تهويد المسرح العربي ( الحلقة الأخيرة)

هناك كتابات كثيرة مكتوبة بالفرنسية عن صنوع ومسرحه المزعوم في مصر، نشرها صنوع بنفسه في صحيفته (أبو نظارة)، وهذه المقالات كتبها أصدقاء صنوع ومعاونوه من اليهود الصهاينة، ومن المحتمل أن أسماء هؤلاء الكُتّاب وهمية، حيث إن كاتبها الحقيقي هو صنوع نفسه، وقد أثبت ذلك كاتب مقدمة كتاب (ألبوم أبو نظارة) الذي نشره المركز القومي للمسرح والموسيقى عام 2009. وسنتوقف عند مثال من هذه الكتابات، وهو مقالة (موليير مصر) لجاك شيلي، التي نُشرت في صحيفة صنوع (أبو نظارة) عام 1906م. وتُعتبر هذه المقالة آخر مقالة تُكتب بالفرنسية عن صنوع في حياته. وهذه المقالة بأكملها كتبها يعقوب صنوع نفسه! لأنها عبارة عن محاضرة ألقاها صنوع عن مسرحه المزعوم عام 1902م، وهي نفسها مذكرات صنوع التي نشرها الدكتور إبراهيم عبده في كتابه (أبو نظارة إمام الصحافة الفكاهية المصورة وزعيم المسرح في مصر) عام 1953م، وهي أيضاً مذكرات صنوع التي نشر مقتطفات منها الدكتور أنور لوقا في دراسته (مسرح يعقوب صنوع) بمجلة المجلة عام 1961م، وهي أخيراً مذكرات صنوع المنشورة في مُلحق كتاب الدكتور فيليب سادجروف (المسرح المصري في القرن التاسع عشر) 1998م، الذي نشره المركز القومي للمسرح والموسيقى مؤخراً. وهكذا يتضح لنا أن جميع الكتابات الأجنبية التي كُتبت عن مسرح صنوع هي كتابات كتبها صنوع نفسه، أو كتبها أصدقاؤه أو معاونوه. وحتى الآن لم نجد سطراً واحداً كُتب عن مسرح صنوع بقلم أي كاتب آخر غير صنوع!! وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الكتابات العربية، وقد أثبتنا في حلقاتنا السابقة أن جميع ما كُتب عن مسرح صنوع بالعربية كان صنوع مصدرها الوحيد!!

كلمة أخيرة: هناك كثير من اليهود لهم دور مهم في مجال المسرح والفنون في مصر، ولكن دورهم هذا موثق ومؤرخ ومعروف يشذ عنهم صنوع الذي زعم ريادته للمسرح في مصر. فأنا لست ضد اليهود بما لهم من دور مهم فهم أهل كتاب؛ ولكني ضد الصهيونية التي تغتصب الأرض والتاريخ، وتسلب حقوق الآخرين مثل يعقوب صنوع الذي اغتصب حقاً ليس من حقه، فصنوع لم يؤسس مسرحاً عربياً في مصر، ولم يكن رائداً للمسرح المصري، فهو أكذوبة كبيرة يجب محوها من تاريخ المسرح العربي. وفي مقابل ذلك يجب إحياء دور اليهود العرب في المسرح العربي في مصر أمثال: المطرب (مراد رومانو) الذي اشترك منذ عام 1886 في تكوين فرق مسرحية مع سليمان القرداحي، ويوسف الخياط، وسلامة حجازي. كذلك لا ينسى تاريخ المسرح جهود الممثلة (ميليا ديان) بطلة فرقة إسكندر فرح، التي أسهمت بتمثيلها في العديد من الفرق - منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الربع الأول من القرن العشرين - أمثال فرقة سلامة حجازي، وعبد الرحمن رشدي، ومنيرة المهدية، وجورج أبيض. كذلك نذكر بالخير الممثلة (ناذلي مزراحي) وإسهامها الفني منذ عام 1912 في فرقة جورج أبيض، وفرقة أولاد عكاشة، وفرقة أمين عطا الله. أما الممثلة المطربة (سمحة كوهين) فكانت جهودها ملموسة في نادي التمثيل العصري بتياترو البيكاديلي عام 1919. كذلك نجد الممثلة (فيكتوريا كوهين) بطلة فرقة منيرة المهدية منذ عام 1924، والتي عملت كذلك في فرقة أمين عطا الله، وفرقة علي الكسار، وفرقة عزيز عيد. أما (هنريت كوهين) فكانت ملكة المسارح في فرقة أمين صدقي عام 1927. وأخيراً نجد المطربة الممثلة (إديل ليفي) التي عملت بفرقة الماجستيك للكسار، ثم بفرقة حسن فايق منذ عام 1930.

والأدلة على أن المسرح المصري كان نموذجاً لتطبيق روح التسامح بين الأديان .. إليك عزيزي القارئ هذه الحقائق: في عام 1887 أقامت جمعية الإسرائيليين الخيرية حفلة خيرية مسرحية، شارك فيها عبده الحامولي بالغناء مساعدة منه لطلاب الطائفة اليهودية في مصر. وفي عام 1898 أحيت الجمعية الخيرية الإسرائيلية الإنسانية حفلة خيرية مثلت فيها فرقة إسكندر فرح مسرحية (غرام وانتقام) فقام ببطولتها الشيخ سلامة حجازي مساعدة منه للجمعية. وفي عام 1905 مثلت فرقة سلامة حجازي مسرحية (كاترين هوار)، وتبرع الشيخ سلامة بإيرادها لطائفة الإسرائيليين القرائين، كما تبرع – في العام نفسه - بإيراد مسرحية (السر المكنون) لجمعية الاتحاد الأخوي الإسرائيلية. وفي عام 1924 تبرع يوسف وهبي بتمثيل مسرحيتي (انتقام المهراجا، والحلاق الفيلسوف) لجمعية الطائفة الإسرائيلية بطنطا. هذه الحقائق تثبت وبجلاء أن مصر كانت ومازالت تحتضن أهل الكتاب وتعاملهم أفضل معاملة، وما المسرح إلا صورة من صور الحياة في مصر، يجب علينا الحفاظ على تاريخه، وهذا الحفاظ سيكون موضوع سلسلتنا القادمة التي ستدور حول عنوان (مسرحيات لها تاريخ).

 

 

 

 

 

المصدر: سلسلة مقالات تحت عنوان ثابت (تهويد المسرح العربي): نشرتها جريدة (الجمهورية) المصرية في صفحة المسرح المتخصصة، التي تنشر كل يوم أحد – تحت إشراف الأستاذ الناقد/ حسن سعد. وبدأت هذه الحلقات في النشر أسبوعياً ابتداءً من يوم الأحد الموافق 14/3/2010، ومازالت تنشر تباعاً حتى الآن.
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

826,140