أكبر مسابقة أدبية فنية ثقافية لشباب مصر عام 1948

د. سيد علي إسماعيل

كلية الآداب – جامعة حلوان

ـــــــــــ

منذ عدة سنوات ونحن نسمع عن وجوب الاهتمام بالشباب!! ومن مظاهر هذا الاهتمام، تخصيص عام للشباب، وتوفير فرص العمل للشباب، ووجود مهرجانات وملتقيات للشباب، وظهور المسابقات المختلفة الخاصة بالشباب .. إلخ!! وهذا الاهتمام، ربما يظن البعض منا إنه تقليد جديد، لم يكن معمولاً به في مصر من قبل. وفي مقالتي هذه، سأكشف النقاب عن أهم وأضخم مسابقة أدبية وثقافية وفنية، كانت خاصة بالشباب المصري عام 1948. ولو عدنا إلى فترة حكم أسرة محمد علي لمصر، سنجدها حكمت مصر طوال قرن ونصف تقريباً. وحسب معلوماتي، لم أجد حاكماً في هذه الأسرة اهتم بإقامة المسابقات الأدبية والثقافية بقدر اهتمام الملك فاروق، التي كانت بعض المسابقات تحمل اسمه – أو كان يأمر بإطلاق اسم أبيه الملك فؤاد على بعضها – واسم الملك فاروق، تم إطلاقه – وفي عهده - على أكبر مسابقة شبابية أدبية وثقافية وفنية في تاريخ المسابقات في مصر – في تلك الفترة – وهذه المسابقة، هي موضوع مقالتنا اليوم، فهيا بنا نتعرف على تفاصيلها!!

تمهيد

أول مسابقة وجدتها تحمل اسم الملك فاروق، كانت في عام 1938 من خلال وزارة المعارف، وقدم مشروعها الدكتور حافظ عفيفي باشا وزير الخارجية المصرية وسفير مصر في لندن. وهذه المسابقة لم تقتصر على المصريين فقط، بل كانت متاحة لجميع العرب!! وتعليقاً على ذلك، قالت مجلة الرسالة: "ومما يذكر بالحمد لوزارة المعارف أنها لم تنس الأقطار العربية الشقيقة في ترتيب هذه الجوائز الأدبية الثمينة، فقد تقرر أن يسمح لأبناء العربية من الأقطار الأخرى بالتقدم إلى هذه المباريات في جوائز الأدب والقصص والاجتماع نظراً لما هنالك من وجوه التعميم في هذه الميادين، ورغبة في تشجيع الآداب العربية بصفة عامة، وتقوية للروابط الفكرية والثقافية بين مصر والأقطار العربية الشقيقة". وهذه المسابقة حملت اسم "جائزة فاروق الأول في الأدب"، وقيمتها خمسمائة جنيه، والتقدم إليها كل عامين. ولأنها المسابقة الملكية الأدبية الأولى؛ كان التفكير أن تكون شبيهة بجائزة نوبل!! وحول هذا التفكير، قالت مجلة الرسالة: "... ودرست اللجنة طريقة اختيار المؤلفات، وهل ينحى فيها نحو (جائزة نوبل)، أو يكتفى بأن يتقدم الكُتّاب والمؤلفون بكتبهم وتآليفهم مطبوعة طبعاً جيداً. وقد استقر الرأي على الأخذ بالطريقة الأخيرة".

المسابقة الشبابية الكبرى

ولو تتبعنا المسابقات التي تحمل اسمي الملك فؤاد الأول، والملك فاروق الأول منذ عام 1938 - حتى نهاية العهد الملكي – سنجدها كثيرة ومتنوعة، وكل جائزة في تخصص علمي محدد. أما أكبر مسابقة أدبية وثقافية وفنية، حملت اسم الملك فاروق، فكانت في عام 1948، وهي أول وأكبر مسابقة تم تخصيصها للشباب المصري، ومن هنا تأتي أهميتها!! وقبل الحديث عن تفاصيلها، يجب أن نذكر نص إعلانها كاملاً - والذي كان يوزع ورقياً على الشباب، ونشرته مجلة الثقافة يوم 23 ديسمبر 1947 - لأنه إعلان غير مسبوق، ولم يتكرر مرة أخرى في العهد الملكي، وربما كان البذرة، التي أنبتت - ما عُرف فيما بعد باسم - "جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية" في العهد الجمهوري، بعد زوال العهد الملكي!!

وزارة المعارف العمومية

الإدارة العامة للثقافة

إدارة خدمة الشباب

المهرجان الأدبي والفني الكبير (فبراير 1948)

للمباراة في الشعر وأدب القصة القصيرة والأدب التمثيلي والموسيقى والغناء والتصوير والنحت والعرض السينمائي الثقافي ومعرض كتب 1947. (إعلان): تعلن الإدارة العامة للثقافة (إدارة خدمة الشباب 7 شارع سليمان باشا بالقاهرة) أنها تعتزم إقامة مهرجان أدبي فني لمناسبة عيد الميلاد الملكي في شهر فبراير 1948 يتبارى فيه أدباء الشباب وفنانوه في إبراز أحسن إنتاجهم في الشعر وأدب القصة القصيرة والأدب التمثيلي والموسيقي والتصوير بأنواعه وصناعة التماثيل والغناء والتآليف الغنائية وغير ذلك مما يمت بصلة وثيقة إلى الأدب والفن. ويشترط لقبول الإنتاج أن يكون صاحبه دون الأربعين من العمر، وأن يكون إنتاجه جيداً مبتكراً لم يسبق نشره أو عرضه بأية وسيلة من وسائل النشر أو العرض. والغرض من إقامة هذا المهرجان وقصره على الأفراد دون الأربعين هو تشجيع الأدباء والفنانين الشبان على حسن الإنتاج والتبريز فيه. وفيما يلي تفصيل الموضوعات الأدبية والفنية: 1 – الشعر بمناحيه المختلفة، على ألا تتجاوز القصيدة ثلاثين بيتاً. 2 – أدب القصة القصيرة التي تستمد وحيها من صميم الحياة، على ضوء من علم النفس وعلم الاجتماع. 3 – أدب التمثيلية القصيرة الصالحة للمسرح أو الإذاعة. 4 – الأناشيد القومية وأغاني الطبيعة المصرية والحصاد والأعياد والمناسبات الدينية والوطنية على اختلاف أنواعها. 5 – الموسيقى التصويرية والموسيقى الخفيفة والموسيقى الشعبية وغيرها، فردية أو جماعية. 6 – الغناء الانفرادي والجماعي (بما في ذلك غناء الأناشيد الفائزة في المباراة). 7 – تمثيل المسرحيات القصيرة التي تقرها لجنة التحكيم. 8 – صناعة التماثيل المتوسطة الحجم والصغيرة من الجبس والبرونز والعاج والخشب وغيرها. 9 – الصور المائية والزيتية والشمسية للمناظر الطبيعية والأشخاص والمعاني، وعلى الأخص ما كان منها من وحي مصر وواقع حياتها. 10 – الأشغال اليدوية الدقيقة التي تتجلى فيها المقدرة على التصميم والتنفيذ. وسيشمل المهرجان غير ذلك عرض أفلام سينمائية ثقافية، وإقامة معرض للكتب الصادرة خلال 1947 لبيان مدى تقدم حركة التأليف في ذلك العام. وستشكل الإدارة لجاناً لفحص الإنتاج المقدم والحكم عليه، توطئة لإدراجه في برنامج المهرجان الذي سيعلن عن موعده ومكانه بالضبط في وقت قريب. فعلى كل راغب في الاشتراك في هذا المهرجان من الجنسين أن يتقدم بإنتاجه في مدى غايته منتصف شهر يناير 1948 وستقوم لجان التحكيم بمهمتها في فحص الإنتاج المقدم في موعد غايته أوائل الأسبوع الرابع من شهر يناير، وسوف تحرص لجنة الأدب على إصدار حكمها قبل غيرها من اللجان، وذلك لكي يتاح للمغنين والملحنين والفرق التمثيلية الحصول على أحسن إنتاج من الأغاني والأناشيد والمسرحيات القصيرة الفائزة، والاستعداد لإخراجها في المهرجان. وستعمل الإدارة على إجازة الفائزين في هذه المباريات، والإشادة بنجاحهم، كل بما يستحقه. ودخول هذه المباريات مباح للجنسين من الجمهور العام، وطلبة وطالبات الجامعات والمعاهد العليا، ومعاهد الفنون والمدارس الثانوية، والجامعة الشعبية، أفراداً أو جماعات. والإدارة العامة للثقافة تدعو دور النشر والمكتبات إلى تقديم إنتاجها لعام 1947 وكذلك أفراد المؤلفين – وذلك بتقديم نسخة من كل مؤلف صادر في ذلك العام لإدارة خدمة الشباب، مصحوبة ببطاقة باسم الجهة الناشرة. وإدارة خدمة الشباب (7 شارع سليمان باشا بالقاهرة) على استعداد لزيادة الايضاح فيما يختص بالمهرجان وأغراضه وطريقة الاشتراك فيه، وهي الجهة التي يقدم إليها الإنتاج الأدبي أو الفني الذي يريد به أصحابه الاشتراك في المباريات".

ملاحظات على الإعلان

كثيراً ما كنا نظلم العهد الملكي بأنه لم يهتم بالثقافة أو بالشباب، ونفاخر بأن العهد الجمهوري جاء بأول وزارة للثقافة، وبأول مجلس أعلى للثقافة والفنون والآداب، وبأول وزارة للشباب .. إلخ؛ ولكن هذا الإعلان يثبت أن العهد الملكي كان فيه إدارة عامة للثقافة تتبع وزارة المعارف، وكان فيها إدارة خاصة لخدمة الشباب، وهي الإدارة صاحبة الإعلان!! ومن أهم ما قامت به هذه الإدارة في هذه المسابقة – وفقاً لنص الإعلان – إنها شجعت الشباب على الإبداع الصالح للتمثيل في المسرح والإذاعة؛ لأنها بالفعل قامت بتنفيذ وإنتاج هذه النصوص!! وهذا الأمر لم يكن قاصراً على التأليف الدرامي، بل تطرق إلى تلحين الأناشيد والأغاني الفائزة!! وأهم ما قامت به هذه الإدارة هو الإشادة بالفائزين وتقديمهم إلى الجمهور – كما سنرى – ناهيك عن المفاجأة الكبرى في هذا الإعلان، الذي يوثق تاريخياً لأول معرض للكتاب في مصر!! وربما سيسأل القارئ عن الجامعة الشعبية، التي ورد ذكرها في الإعلان بأن من حق طلابها الاشتراك في المسابقات؟!! والحقيقة أن هذه الجامعة تحتاج إلى مقالة خاصة بها – ربما أكتبها مستقبلاً – ولكن هنا، أشير إلى أنها جامعة كانت تابعة لوزارة المعارف، وكان مقرها في 94 شارع القصر العيني في العهد الملكي، وأصبح اسمها في العهد الجمهوري "معهد الثقافة الشعبية" عام 1953، ثم انتقلت إلى الإسكندرية في شارع سعد زغلول تحت اسم "الجامعة الشعبية بالإسكندرية" عام 1958. وهذه الجامعة كانت البداية الحقيقية لما عرف فيما بعد بالثقافة الجماهيرية!!

نتائج الشعر

وبالعودة إلى المسابقة، سنجدها سارت على ما يرام، وتم إعلان نتائجها في احتفال كبير بدار الأوبرا الملكية، وقامت مجلة الثقافة طوال ثلاثة أشهر – في مارس وأبريل ومايو عام 1948 – بنشر نتائجها بصورة تفصيلية، بدأتها بمقدمة، قالت فيها: "حفلت دار الأوبرا الملكية في مساء الجمعة الماضي بالصفوة المختارة من رجال الفن والأدب في مصر. وأقيم على مسرحها الكبير مهرجان الفنون والآداب الذي نظمته المراقبة العامة للثقافة بوزارة المعارف. وكان الغرض من إقامة هذا المهرجان الإشادة بجهود الفائزين في المباريات العديدة التي أجريت بين شباب مصر في دار خدمة الشباب، في الشعر والأناشيد والزجل والخطابة والقصة القصيرة والمسرحية القصيرة، وتمثيليات الإذاعة، والتصوير والنحت والأشغال والزخرفة، والعزف الانفرادي والغناء الجماعي، والأغاني الشعبية، والتآليف الموسيقية. إلى آخر ما حوت هذه المباريات الجامعة التي حفزت جهود الشباب من الطلاب والمحترفين، والتي كشفت عن أدباء وشعراء وفنانين، عاشوا في مصر مغمورين، غير معروفين في الأوساط الأدبية والفنية، مع اقتدارهم وتفننهم. فجاءت هذه المباريات، ناهضة بهم من خمولهم، مشجعة لهم على الظهور بمواهبهم في شتى النواحي التي تتسق مع استعدادهم الفطري. ومن حق قراء الثقافة أن نقدم لهم بعض هذه الثمار الناضجة، في كلمات متعاقبة".

ثم بدأت المجلة تنشر نتائج الشعر والأناشيد، وقالت إن الفائز الأول في الشعر هو شاب من باب سدرة بالإسكندرية، يعمل خياطاً بلدياً (ترزي بلدي للجلاليب)، وقصيدته الفائزة عنوانها "من ليالي البحيرة". وهذا الترزي - وبفضل فوزه في هذه المسابقة، وإلقاء الضوء عليه - أصبح – فيما بعد - شاعراً وأديباً مشهوراً، له عشرات الدواوين والكتب المنشورة، إنه الشاعر الشهير "عبد العليم محمد القباني"، صاحب دواوين: أشعار قومية، وبقايا سراب، ولله وللرسول، والعزف على الوتر الأخير، وملحمة الثورة العرابية، وقصائد من حديقة الحيوان، وأغنيات مهاجرة، وحدث في قصر السلطان، وثورة الرماد .. إلخ.

أما الفائز الثاني، فكان يعمل كاتباً في محكمة العياط، وقالت عنه المجلة: " لم يكن هذا الشاعر مرموقاً بالمعرفة بين الشعراء. ولكنه جدير بأن يحل في مكانه بين مبرزي الشعراء من الشباب بقصيدته الفائزة بعنوان (سراب)"، هذا الشاعر المغمور، هو (كمال النجمي)، الذي أصبح فيما بعد من أهم مؤرخي الموسيقى والغناء في مصر!! ومن أهم مؤلفاته: ديوانه الأنداء المحترقة، والغناء المصري، وأصوات وألحان عربية، ومطربون ومستمعون، وسحر الغناء العربي، والغناء العربي من عصر زرياب إلى عصر أم كلثوم وعبد الوهاب، ومحمد عبد الوهاب مطرب المائة عام، والشيخ مصطفى إسماعيل حياته في ظل القرآن، والموجة الجديدة وما بعد الثمانينيات، ويوميات المغنين والجواري.

أما الفائز بالميدالية الذهبية، فكان شاعراً ريفياً مغموراً أيضاً، يقيم في بلدة (أبو طوالة) من أعمال مركز منيا القمح، وعنوان قصيدته الفائزة (منطق القدر) .. إنه الشاب (عبد المنعم حسن قنديل)، الذي أصبح شاعراً وكاتباً إسلامياً كبيراً مشهوراً باسم (عبد المنعم قنديل)، صاحب ديوان رحلة الحياة، وكتب تاريخية وإسلامية، منها: حياة الصالحين، وأبرهة الجديد، ورابعة العدوية، ومدخل إلى قلب الرجل، وفاتح صقلية، وعقبة بن نافع، والبخاري، وأسامة بن زيد، وحياة الصاحبين. وأخيراً أعلنت المجلة أن الفائز في مسابقة الأناشيد، هو الشاعر (محمد الحناوي)، ونشيده الفائز (جددي يا مصر)، وهو نشيد المهرجان، الذي قام بتلحينه الأستاذ عبد الحميد توفيق زكي، وأنشده في المهرجان الفائزون في الغناء، بقيادة الموسيقار الأستاذ عبد الحليم علي.

نتائج القصة القصيرة

قالت مجلة الثقافة، تحت عنوان (القصة القصيرة بأقلام كتاب الشباب): " كشفت مباراة القصة القصيرة في مهرجان الفن والأدب عن مواهب أدباء من الشباب والطلاب. كان عدد كثير منهم غير معروف من قبل، مع اقتدار هؤلاء الموهوبين وتفننهم وقد جاءت هذه المباراة ناهضة بهم، مشجعة لهم على الظهور بمواهبهم. وقد أقبل الشباب والطلاب على مباراة هذا اللون من الأدب إقبالاً منقطع النظير، وكان بين المتبارين آنسات عدة، فدل ذلك على تعلق كلا الجنسين من الأدباء والمتأدبين الناشئين بفن القصة القصيرة، كما دل على مكانة هذا الفن بين فنون الأدب الأخرى. وبلغ عدد المتبارين والمتباريات زهاء أربعمائة. وكان الفائز الأول – من غير الطلاب – هو الأديب محمد أمين حسونة، فاز بالجائزة المالية الأولى، وكان عنوان قصته الفائزة: (البغل والإبريق). وقد امتازت هذه القصة بالبساطة في عرض وقائعها وتصوير أشخاصها، مع دقة التعبير واتساق الفكرة وربط أجزائها وحسن حبكها والحرص على تشويق القارئ ..... وكان الفائز الثاني – من غير الطلبة – هو الأديب الكاتب الأستاذ محمد علي ناصف، وكانت قصته (السيد) هي القصة الفائزة بالجائزة المالية الثانية، وكان في تأليف هذه القصة قصصياً بارعاً، عرف كيف يدير الحوار بين الزوج والزوجة بقدرة فنية فائقة، وعرف كيف يخلص إلى الخاتمة بطريقة تدل على تمكنه من صناعة القصة. أما الطالب الأديب (محمد يسري أحمد) فقد فاز – بين الطلاب – بالميدالية الذهبية مع جائزة مالية، وكانت قصته الفائزة هي قصة (الغربال) وقد امتاز هذا الشاب في قصته الفائزة بمقدرة بارعة في صياغة القصة وعمق فكرتها وأناقة لفظها ودقة تعبيرها ...... وكذلك فاز الأديب محمد رشاد حجازي بالميدالية الذهبية، وكانت قصته الفائزة هي قصة (جنة الأولاد)، وكان موفقاً في عرض وقائعها توفيقاً بالغاً. وفاز كذلك الأديب عبد الفتاح مجدي بالميدالية الذهبية، وكانت قصته الفائزة هي قصة (نون النسوة) فكان بارعاً في تصوير الزوجة التي أهملت شأن بيتها منصرفة إلى الحياة العامة ونال بتوفيقه إعجاب هيئة التحكيم. ثم نال الميدالية الفضية كل من حضرتي محمد عبد الرزاق مرزوق أفندي ومحمد شريف أفندي. الأول عن قصة (شاري ...) والثاني عن قصته (امرأة وقبران) وكانا موفقين في عرض حوادث قصتيهما توفيقاً كبيراً، كما امتازا بجودة التعبير وصفاء الأسلوب. أما الآنسات في هذه المباراة، فنذكر – مع الإعجاب والتقدير – فوز آنستين أديبتين: الأولى الآنسة إنعام إبراهيم النجار الطالبة بكلية الآداب، إذ فازت قصتها (في ظل المصباح) بتقدير هيئة التحكيم وإعجابها: وحبذا لو دأبت على قراءة آيات الأدب في اللغات الأوروبية، فكونت لنفسها ثروة عظيمة، إذا أضافتها إلى تجربتها في الحياة، فيما بعد، أمكن أن تكون هدية في فن القصة. والثانية هي الآنسة (نعيمة وصفي) الممثلة بالفرقة القومية المصرية، وكانت قصتها الفائزة هي قصة (القاتل) وهي قصة عميقة الموضوع، قوية الأسلوب، زاخرة بوصف الآلام الإنسانية، ولمؤلفتها موهبة القصاصة البارعة، وهي باكورة تبشر بمستقبل باهر.

نتائج المسرحيات القصيرة

كانت المفاجأة أن الفائز الأول في مسابقة المسرحيات القصيرة، هو نفسه الفائز الثاني في مسابقة القصة القصيرة، وهو الشاب محمد علي ناصف بمسرحيته (المحامي)!! ولعل هذا الأمر لفت نظر البعض، فكتبت مجلة الثقافة تعريفاً للمسرحية القصيرة، مع تعليق لها، قالت فيه: " والمسرحية القصيرة ذات الفصل الواحد هي عمل من أعمال الفن القصصي الشاق، لأنها تتطلب يقظة الذهن وقدرة المؤلف على تجميع الحوادث واتساقها في حيز ضيق، بحيث ينتهي فصلها الواحد مع انتهاء وقائعها المسلسلة وحبكتها المسرحية ومعالجتها للمواقف الجديرة بالاعتبار في لمسات عابرة".

وبناء على هذا التعريف، قالت المجلة عن المسرحية الفائزة: " ومسرحية (المحامي) التي نحن بصددها هي مسرحية ناجحة موفقة، سلك مؤلفها الشاب في تأليفها وصياغة وقائعها مسلك البساطة والسهولة، ولم يعمد فيها إلى عنصر المفاجآت المتشابكة المتعددة التي تثير نفوس المشاهدين في صورة متكلفة، وكان عماده في التأثير على التحليل النفسي والدقة في تصوير الوقائع ومطابقتها للواقع المشاهد الملموس". ثم ذكرت المجلة أسماء الفائزين الآخرين، وهم: محمد عبد الرازق مرزوق، وفاز بالجائزة الثانية عن مسرحيتيه: (زوجة للإيجار) و(زواج بالتليفون). والفائز الثالث، كان أحمد جاب الله شلبي حيث نال ميدالية ذهبية عن مسرحيتيه (الوطن) و(المدرسة الفاضلة).

نتائج التمثيليات الإذاعية

وفاز بجوائزها الثلاث فائز واحد، هو الأستاذ عز الدين فراج المدرس بكلية الزراعة!! والتمثيليات الثلاث الفائزة، هي: شيطان تحت التمرين، وخولة بنت الأزور، وهكذا يقاتل العرب. وهذا الفائز، أصبح فيما بعد من أشهر أساتذة الجامعات المصرية، وله مؤلفات كثيرة في مجال الكتابة الأدبية والإسلامية والزراعية والحيوانية، ومنها على سبيل المثال: كفاح شعب مصر، ونبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي، وفضل علماء المسلمين على الحضارة الأوروبية، وحياة محمد نبي الإسلام، وعظمة الرسول، والعلم والحياة، والإسلام والوقاية من الأمراض، وبساتين الفاكهة، ومزارع العنب، وتربية وتغذية الأبقار والجاموس والأغنام، ودائرة المعارف العلمية المصورة لنباتات وحيوانات البيئة العربية.

خاتمة

لم يكن هدفي الأساسي من هذه المقالة، ذكر تفاصيلها، بقدر ما قصدته من إبراز أثرها على الفائزين!! فهذه المسابقة، أخرجت لمصر أسماء عظيمة في كافة المجالات الأدبية والفنية، والتي تألقت وانطلقت بعد هذه المسابقة مباشرة؛ لأن الدولة وقفت بجانب الفائزين بعد فوزهم، وقدمتهم إلى المحافل الأدبية والفنية، وكتبت عنهم – وعن فوزهم – أهم مجلة ثقافية وأدبية في ذلك الوقت!! وبهذه المناسبة، أذكركم بمقولة " خدمة ما بعد الشراء" التي ترفعها بعض الشركات للمستهلكين، حيث تقوم الشركة بمتابعة المنتج عند المستهلك بعد شرائه من حيث المتابعة والصيانة وتغيير قطع الغيار .. إلخ!! هذا ما تحتاجه مصر الآن – تشبهاً بمسابقة الملك فاروق – من منطلق مقولة: "خدمة ما بعد الفوز"!! وبمعنى أوضح، أقول: كم مسابقة أدبية وثقافية وفنية تُقام في مصر من أجل الشباب؟!! هل فكرت إدارة هذه المسابقات في متابعة الفائزين؟؟ هل كتبت عنهم بعد فوزهم بعدة أشهر أو تابعت إنتاجهم بعد فوزهم بسنوات؟!! هل قامت إدارة المسابقات – أو الدولة - برعاية الموهوبين واحتضانهم بعد فوزهم حفاظاً على موهبتهم، واستثماراً لتميزهم من أجل مصر؟!! سؤال يجب التفكير فيه!!

المصدر: جريدة القاهرة - عدد 973 - بتاريخ 12 مارس 2019
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

747,525