دمعة وفاء
"على فقيد دار العلوم المرحوم أبي الفتح الفقي"
ما تُرى يا حزين تشدو المزاهرْ = بعد ما خُدِّرَتْ بِلَحْن المقادِرْ
لا ترمها شواديَ النغم العذْ = ب طرابا بالأغنيات السواحرْ
عبثٌ في الغناء أ، يُنسيَ الكرْ = بةَ أو يوهنَ الفجيعةَ زامرْ
من يكنْ لحنُه يَهُزُّ الحنايا = فَلُحونُ الرّدى تُذيبُ المرائرْ
وإذا الشاعر الطروبُ تغنّى = فالْهُ عنهُ فالموتُ أبلغُ شاعرْ
طفت في ساحة البيان وقلبي = راجِفُ الحسّ مستطارُ المشاعر
والضحى واجم الظلال كسيفٌ = باهتُ النور مطرق الزهر سادرْ
جمد الطّلُّ في الكمامِ وماتتْ = فَوْحةُ العطر في جُيُوب الأزاهر
ورمى الطير عودَه غير ندما = نَِ عليه وعاف ضرب القيائر
كلّما خفّ هائجٌ من أغانيْـ = ـهِ تعايا فذاب طيّ الحناجر
سكنت في العشاش عصفورة النيـ = ـل وشلّ الأسى مراح القنابرْ
وكأن السماء خيمة شيخٍ = شدّ أطنابها حيال المقابر
غمر الثكل روحه بعماءٍ = وشقاءٍ ووحشةٍ ودياجر
لا يُحسّ الحياةَ إلا زفيراً = نفخته الشجون حول الحفائر
إنها صرعة الفناء أثارت = كلّ قلبٍ وأذهلت كل خاطر
طلسمت سرّها الغيوب وأرخت = دونها للورى كثيف الستائر
طمحت أعيني إليها فردّتْـ = ـها سراعاً إليّ حيرى حواسِرْ
ما لها سلوةٌ عن الحزن إلا = سيكبٌ من مُرقرق الدمع مائرْ
قلّبت طرفها طويلاً فلم تُبْـ = ـصرْ سوى لُمعة الدموع المواطرْ
تتهاوى حيالها من عيونٍ = كاسفاتٍ من البكاء غوائر
يا أبا الفتح كنت هالة نورٍ = قبستها فأشرقت في البصائر
غبت عنها ولم يغب لك ومضٌ = زاخر اللمح خالدٌ في الضمائر
أنملات الطبيب راحت تواسيـ = ـكَ من الداء وادعاتٍ غرائر
خدع العلم طرفها فتهادت = فوق جنبيك تبتلي وتغامرْ
فإذا راحت المنيّة صدّتـ = ـها فخرّت على يديها صواغر
ويحها لو نضت حجاب المنايا = عرفت أنها لديه تقامرْ
هلّلت للربيع زنبقة الريـ = ـف وماست له الورود النواضر
فتهاديت كالشعاع إليها = تنشد العيش في الظلال الزواهر
سجوةٌ تحت أيكها لك مهدٌ = ناعمُ الفيءِ باسمُ الضوء عاطر
يتلقاك في خشوع ويضفي = حبر الزهر في خطاك الطواهر
سرت للدلجمون عجلان ماذا = ضرّ ياربِّ لو تأنّى المسافرْ
نصلت خلفك القلوب حيارى = واجفاتٍ تحت الضلوع موائر
لو ونى الدمع عن صداها تلظّت = جمراتٍ ملذّعاتٍ سواعر
كنتَ تسري والناس حولك سيلٌ = جارفٌ في الشعاب كالموج هادر
خيل تسيارهم وراءك نُسّا = كاً تراموا على حواشي المنابر
أقلقوا مسمع الأصيل صُراخاً = ونحيباً وفزّعوا كلّ عابرْ
أُخذوا إخذة المؤمّل دكت = صرح آماله الجدود العواثر
كلما رنّ خافقٌ من صداهم = لطمت خدها كرام الحرائر
أطرق السنبلُ الحزينُ وجُنّت = من أسى خَطبك الطّيورُ العوابر
حسبت نعشك المطهّر طيراً = للجنان الفساح في الخُلدِ سائر
فتسامت في الجوّ صوبك غيري = تتهذّى العُلا بأقدس طائر
ووصلت الضفاف من لُجّةِ المو = ت وكلٌّ لشطّها بَعدُ صائر
لاَنِمَالُ الشقوق تُعصَمُ منها = لا ولا في البروج صيدُ القياصر
هي أسطورة الزمان ولغزٌ = من يُردْ حلّهُ صمّ القلوب عُميَ النواظر
كُتلٌ من جوارحٍ تتنزى = كهشيمٍ منَ البلى متطايرْ
من يشأ سُؤْلنا نطقنا دُموعاً = وجواب الحزين ذوبُ المحاجرْ
سلْ شحوب المساء كيف احتوانا = في جحيم من التأوّه ساعرْ
لو نُسخنا به لكنّا رياحاً = صافراتٍ على مُتونِ الهواجرْ
شرّدَ اللّيلُ نوْحَنا في حَواشيْـ = ـهِ وَقلْبُ الدجَى سَريرةُ كافِرْ
شعر: محمود حسن إسماعيل