وداع آدم للفردوس
سلامٌ على الفردوس ، ما أبهج الربى = ووديانَ سحر رائعات زواهيا
وما أعذب الغدران والطير حُوَّمٌ = تردد ألحان الخلود البواقيا
جنان أبيّات على طارق البلى = فلست ترى فيها مدى الدهر ذاويا
وقد كنتُ فيها خالدا مثل زهرها = بقاءُ الليالي ، لا أخاف اللياليا
لِيَ الأمر لا أُعْصَى وحولي ملائكٌ = أراهم سجودا خُشَّعا لجلاليا
صحبتهمُ دهرا فلم ألق ناقما = يطيعك عن كره ويلقاك راضيا
وما تقع العينان فيهم على هوى = كذوب ولا تلقى حبيبا مداجيا
قضى الله أن أغدو طريد جنانه = وأهبط أرضا لست أعرف ما هيا
قفا بي قليلا في رباها مودعا = مقاصيريَ اللاتي بها والمغانيا
قفا بي فقد حُمَّ الغداة ترحل = وقد شاء رب الكون ألا تلاقيا
سأضرب في الأرض الفضاء لعلني = أكفّر عن ذني . . وما كنت عاصيا
بلى!. قد عصيت الله في الدوحة التي = أكلت جناها خلسة فبلانيا
وحوّاءُ أغرتني بها فأطعتها = على سفه مني فأصبحت جانيا
سأنفق أيامي البواقي بحسرة = تمزّق قلبي أينما كنت ثاويا
وأحلم بالفردوس في الليل نائما = اذا غفلت عيني وفي الصبح صاحياوماليَ عن ذكرى الفراديس مهرب = سوى الموت ينسيني الذي لست ناسيا
فيا مبدلي فقراءَ بالخلد لا تطل = عذابي بذكراها وهب لي تناسيا
أضعت خلودي بالذي هو أبخسٌ = فهل نافعي أن الخفيّ بدا ليا
ظمئت إلى ما غاب عني فلم أزد = سوى ظمأ يُضني وان ظُن راويا
كفى حزنا أني شقيت ، وأني سأ = ُشقى ، اذا أوديتُ ، بعدي الذراريا
بَنِيّ اذا الدنيا دهتكم شئونها = ولاقيتمو أحداثها والعواديا
فلا تغضبوا ممن رماكم الى الردى = كفانيَ ما عاناه قلبي ، كفانيا!
ولا تنقموا أني نعمت لياليا = بعيشي في الفردوس جذلانَ لاهيا
فان نعيم المرء أصل شقائه = ومن لم يذق غير الأسى عاش راضيا
ولا تقنطوا من رحمة الله انه = يراكم ، وصبرا ، ان في الصبر شافيا
* * *
يقولون ان الصبر للنفس راحة = فمالي لَمْ يشف اصطباري ما بيا
ومالي ثكلت الصفوَ والأمن والمنى = وأصبحت أخشى اليوم ما كنت راجيا
ولو كنت أدري أن في الصبر مغنما = صبرت ولم ألق الليالي شاكيا
هو الصبر للعاني ، فَلِمْ كنت عانيا = أرَجّى بصبري في الحياة التداويا؟
نعم كان لي عن بلسم الصبر غُنيةٌ = اذا لم يكن جرحي يد الدهر داميا
فيا آمري بالصبر لا الصبر نافعي = ولا الأمل المعسولُ يُبريْ دائيا
سئمت تكاليف الحياة فليتني = ظللت جنينا لا عليّ ولا ليا
يقولون سِرْ في غمرة الجهل راضيا = و لا تكشفنْ في العيش ما كان خافيا
وهيهات أن أرضى بما قيل ضلة = فأقضي حياتي غافل القلب غافيا
خرجت الى الدنيا اقتسارا ولم أكن = عَصِيّا فما للنائبات وماليا؟
* * *
فَقدنا بني حواء من غير مأثم = جنان الخلود واستعضنا الفيافيا نجاهد في الدنيا وليست جهودنا = بمُجْدية ان جاءنا الموت داعيا
جهود الفتى للكون لا لحياته = فياليت مثل الكون كانت حياتيا!
جهود كصَوْب الغيث يفني اذا همَى = ليُحيي الثرى البالي ويكسو العواريا!
فحتى متى يا قلب تعشق غادرا = وتعلق خدّاعا ، وتصحب قاليا؟
أتشكو من الدنيا ؟ فَلِمْ أنت عائشُ؟ = أما في الردى منجى لمن بات شاكيا؟
نعم! في الردى ظل من الأمن وارف = فهلا تفيأت الظلال الضوافيا!
وماذا انخداع القلب بالعيش بعدما = رأى كل ما فوق البسيطة فانيا
كأنّ ألاعيب الليالي تديرنا = ويضحك مِنّا الدهر ما شاء لاهيا!!
شعر: عبد الحميد السنوسي