الخمر
(في محاكاة أبي نواس)
وشادن جاءني والليل معتكر = والنجم أقعده في الأفق اغضاء
يسعى بصافية كالشمس ضاحية = للهم قتْلٌ وللأشجان اعشاء
وقال "قم فالدجى قد حان مصرعه = بادر صبوحك ان الديك دعّاء
أما ترى الصبح قد لاحت بشائره؟ = فاغنم صفاءك ان الدهر أبّاء
واشرب معتقة بكرا مشعشعة = تعدو لطلعتها في النفس أدواء
يهدي بلألائها ساري الظلام اذا = رمت به ظلمة في الليل طخياء
لا يجرمنك ذَمّ الناسٌ أم حمدوا = فان أحمدهم في السر هجاء
أنصت الى نغمة في العيش سارية = فسوف يعقبها – ان مت – أصداء
وسوف تحويك في ليل الردى حفر = دهماء كالحة الأطراف غبراء
وسوف تشتاق من بعد الممات الى = هذا الصفاء فلا عود ولا ناء".
فقمت أسعى وقلبي شّقٌ لهفٌ = الى التي كرمها أنمته حواء
الى التي شهدت نوحا فما وهنت = كبرا ولا مسها في الدهر اعياء
وصِحْتُ من طرب ، ناهيك من طرب = قل لي فدينك خمر أم خزاماء؟
يا حبذا هي من خمر أتيت بها = لظاميء القلب لاترويه أنداء
أحسن برؤيتها والماء يقرعها = كأنها درة في الكف بيضاء
تهدا اذا أمنت من مزج مازجها = كأنها نسمة في الروض سجواء
حتى اذا مُزجت في دنها وغلت = وجاش ما بينها والماء شحناء
سمعت دمدمة منها وجلجلة = تعلمت منهما الانشاد ورقاء
قم أغرِقْ الهم في كاساتها واذا = لم يبق فيهن لا خمر ولا ماء
شربت من عينك الوسنى معتقة = كالخمر صافية (يُشفى بها الداء)
وغن ان شملتنا روضة أُنُفٌ = غناء وارفة الأغصان لفاء
(دع عنك لومي فان اللوم اغراء = وداوني بالتي كانت هي الداء)!
شعر: عبد الحميد السنوسي