خدع الحياة
وقفت حيال اليم وقفة ثائر = له في ترانيم العباب عزاءُ
أعالج هما بين جنبيّ ثاويا = وليس لمقروح الفؤاد دواءُ
وأنظر في سر من العيش غامض = وعرفانك السر الخفي عناءُ
وما العيش الا خدعة وضلالة = وكل رجاء في الحياة هباءُ
وما المرء الا ريشة بين عاصف = تجاذبها الأقدار كيف تشاءُ
يرى في سماء النفس حلما يسره = وما منه الا لوعة وشقاءُ
وأكثر من لاقيت خب وماكر = عليه من الود المشوب طلاءُ
تروقك منه لمحة أرقمية = وتغريك منه مدحة وثناءُ
توقد فيه جمرة مستحرة = وليس لأدواء النفوس شفاءُ
وتسري دماء الحقد بين ضلوعه = ويخفي الذي بين الضلوع رياءُ
يكيل لك التمداح ان كنت حاضراً = وان غبت عنه فالمديح هجاءُ
ألا ان ود الناس ودُّ ممازق = وأبعد شيء في الأنام وفاءُ
وأكثر هذا الناس عبَّاد شهرة = ألا كل شيء يعتريه فناءُ
سفاها عواء الكلب في باطن الدجى = فيخرس أنغامَ الطيورِ عواءُ
فمن يطلب المجد الرفيع فدونه = منىً حافزاتٌ للعلى ورجاءُ
ويرضى أناس بالمذلة صفقة = وسعى الى ورد النعيم ظماءُ
وليس يحس المرء ان كان قانطا = حواه ظلام أم حواه ضياءُ
فان رجاء النفس ري ونعمة = وان الأمانيّ الكبار عزاءُ
وما كان من يبغي العلاء بمدرك = مناه ولكن المطامع داءُ
وعَزَّى عن الدنيا وهوَّن خَطبها = يقينُ الفتى أن الأنام سواءُ
فكل امريء في العيش يبكي حياته = وهيهات ، لا يجدي اللهيف بكاءُ
فلا تعجبوا للغصن يزهي وينثني = اذا داعبته شمأل ورُخاءُ
فما هي الا أن تثور عواصف = فيذوي جمال رائع وبهاءُ
شعر: عبد الحميد السنوسي