البلبل الدفين
أيذكر الناس إن أوديتُ تغريدي = فيطربون وجسمي طيّ أخدود؟
ماذا يفيد رفاتي في الرجام اذا = أثنى الأنامُ على هذي الأناشيد؟
وهل أحس اذا ما كللوا جدثي = بالزهر أو سكبوا ماء العناقيد؟
وأنشدوني أشعاري التي سلفت = وأبنوني بتبجيل وتمجيدِ ؟
وقام قائلهم – في الجمع – يحمدني = كالغيث يحمده ترنيم غريدِ
قوموا فبكّوا ربيعا للنفوس مضى = فأين صَيَّبُهُ لليابس المودي؟
وأين لا أين ألحان مُرَجَّعةٌ = تصبو لها أنفس الغيد الأماليدِ ؟
لا بارك الله في قوما أظلهم = حينا يشعر كظل الروض ممدودِ
وقاهموا لفحة الأيام ما لفحت = وشرّد الهمّ عنهم أيَّ تشريدِ
فقلَّصوا ظله المعقود واعتصموا = من الليالي بظل غير معقودِ
وعاش بينهمُ غضبان منفرداً = بقلبِ منصدع في العيش مجهودِ
ضياء عزهمُ أخفاه جهلهمو = وأشرق النورُ من أيامه السودِ
قد كان هيا م في كل داجية = ومخرجا لهمو من كل مسدودِ
كانت أناشيده خمرا معتقة = خمرَ المشاعر تُصبي كل جلمودِ
سلوى القنوط اذا ما خانه أمل = في عيشه وعزاء المناكيدِ
تطل منها المعاني وهي مشرقة = وكأنهن الغيد في العيدِ
من كل بيت أنيق الصوغ مؤتلق = يُزْري بحبات سِمْطِ الكاعب الرودِ
مرقرق مثل فيض القطر منسكب = ياضيعة القطر في جوف الصياخيدِ
كلا..فلو أنهم مثل الجماد اذاً = لدبَّ روحُك في الصَمِّ الجلاميدِ
لا كالجماد ولا كالناس قد لزموا = مع الجهالة أكناف الأخاديدِ
* * *
لا بارك الله في أحبابه أبداً = فرِيُّهُ صَرَّدوه أي تصريدِ
ساموه في حبه مطلا فما ظفرت = كفاه الا بمكذوب المواعيدِ
مَنْ غيرُهُ طَبِن بالحسن مختبر = حتى يُبعَّد عنه أيَّ تبعيدِ
الزهر يعبس في أكمامه غضباً = من النعيب ويصحو للأغاريدِ
فما لهذي الغواني ليس يفتنها = حسن لحسن وتجويد لتجويدِ
الحسن يملكه من ليس يطلبه = نعم ويمنع عنه كل معمودِ
يا ليت حسن الغواني كالطبيعة لم = تبخل به فَتَمَلَّى كل موجودِ
لو أنصفوه لما مانوا ولا مطلوا = كلا ولا فخروا بالطرف والجيدِ
جلاله خالد لا نهب عادية = وحسنهم نهبة في القبر للدودِ
ان كان يُعْبَدُ شيئ في الأنام فما = أحرى الجلال به من كل معبودِ
لكنهم – جهلوا – كالناس روعته = فعاش ما عاش في هم وتسهيدِ
حتى أهاب به داعي المنون فما = بكوا عليه ، وولى غير محمودِ
قومي اسكبي يا عيون المزن ما بخلت = به عليه عيون الخرد الغيدِ
* * *
هيهات ليس ثناء القوم ينفعني = لقد تشابه اطراءٌ بتنديدِ!
شعر: عبد الحميد السنوسي