تحية لحلمي سالم لمناسبة زيارته للبحرين
منذ أن شارك حلمي سالم في قيادةِ كوكبةٍ من أجمل الأصوات في (إضاءة) شعر سبعينيات الشعر المصري، لم تتوقف ورشته الشعرية عن العمل.
فهو أكثر شباب الشعر المصري المعاصر حيوية وقدرة على التحول والانتقال في لغته الشعرية من بنية النشيد الرومانسي الغامر إلى بنية السرد الفجائعي الجارح، وفي هذه المسافة الفنية والزمنية التي استغرقتها كتابته، سوف تحافظ لغته الشعرية على حس السخرية السوداء التي لن يتخلى عنها في مجمل كتبه، وهي الخاصية التي ستنقذ كتابته دائما من رتابة تعثرت بها الأصوات الأخرى.
وفيما كان حلمي سالم ينهل من التراث الإنساني العربي والعالمي، لم يغفل عن يقظته المعرفية التي تصعد به نحو سجالات ثقافية وفكرية تعمق انهماكاته السياسية التي لم يتوقف عنها، وهي الملمح الحياتي الذي يصح لن اعتباره زيتاً لقنديل خطواته ومسعفا لآلته الفنية، فليس من غير المحذور استغراقُ شاعرٍ في ورشة السياسة اليومية، خصوصا إذا كانت هذه الورشة في مصر الراهنة.
أدبياً، كنت دائماً أرى إلى حلمي سالم بوصفه نوعاً من عابر أجيال شعرية بامتياز، فهو ليس صديقا شخصيا لشيوخ العشر وفتيانه في مصر، ولكنه محاور قدير لأكثر التجارب الشعرية الجديدة، يصدر عن لغته القادمة من جماليات البلاغة العربية والذاهبة إلى مخيلة الجملة النشطة، مقترحاً آفاقاً طريفة لا يغفل عنها كل موهوب متحرر من الثوابت والقوالب.
وفي جميع تحولاته التعبيرية يظل هذا الشعر في صلب التطلع النوعي للحداثة الشعرية العربية مسهما في تنوعها الإبداعي.
بقي أن نعرف أن حلمي سالم هو أحد أكثر الشعراء المصريين، بكل أجيالهم، قربا من تجاربنا في البحرين، بل أنه كان يعرف التفاصيل التي تتصل بحياتنا وكتابتنا وآلامنا وجراحنا وأحلامنا، وهي خصيصة كونية نادرة لا تصادفها عادة في مجمل الثقافة المصرية.
لقد كان حلمي سالم ينشر نصوصنا الشعرية في مجلة (إضاءة) بوصفنا أقراناً لتجربتهم، في وقت لم تكن أصواتنا معروفة في البحرين. والحق أنه كان يفعل الشيئ ذاته مع نصوص شعرية عربية أخرى أيضا,
أخيراً،
إن زيارة الصديق حلمي سالم للبحرين هي جزءٌ من أحلامي باستضافة أصدقائي الشعراء العرب، وأتمنى دائماً أن أراهم جميعا في البحرين لأسباب كثيرة، من أهمها أن أحداً لا يفتح الآفاق لجغرافيا الأدب وتاريخَه مثل الشعراء، لذلك سأشكر برنامج مركز الشيخ ابراهيم وبيت الشعر والشيخة مي الخليفة كلما دُعي شاعرٌ لهذا البيت.
*****
أيها الأصدقاء حلمي سالم
من مواليد 1952 قرية الراهب - في المنوفية - مصر
خريج كلية الآداب قسم الصحافة جامعة القاهرة
حررَ جريدة الأهالي طويلاً وأدار مجلة "أدب ونقد" أكثر من ذلك.
مثّل مصر في العديد من المهرجانات الشعرية في العالم
حصل على جائزة كفافيس في الشعر. وغيرها.
له أكثر من ستة عشر ديوانًا وكتب فكرية وأدبية أخرى
*****
تساءل حلمي سالم في ذات قصيدة:
(هل كان رجالُ المطبعة غزاةً؟)
فإذا به يفاجأ بأن ثمةَ رجالاً وشاةً في المطبعة، يتعثرون بنوافذ الضوء في غرفهم المعتمة ولا تروق لهم شرفته على ليلى مراد.
فنتذكر له كلماته :
هوِّن عليكْ
يا وردَنا هوِّن عليك
ليس الزمانُ خصيمَنا،
فزمانُنا يمشي إليكْ
يضعُ المودةَ فوقَ جبهتِك العريضةِ
ثم يصنعُ طيبَه في مقلتيك
يصلُ الليالي بالليالي ،
كي ينامَ هنيهةً في راحتيكْ
يا وردَنا هوِّن عليكْ
اغفر لقلبِك خـفـقَه الـبَـغَّات ،
سامح ناظريكْ
إن شاهدا الحُسنَ البهيَّ فرُقِّقا
واستعذبا الدنيا إذا وعدتْ
بعصفورٍ وأيكْ
اصفح – بحقِّ شجونِ عمرك – عن يديكْ
إن مسَّتا حجرًا فصار قطيفةً ،
أو مَرَّتا من فوق أعصابِ الحيارى
فاستحالت نغْمةً ،
واللحنُ نَـزَّةُ كاحليكْ
ليس الزمانُ خصيمَنا
فزمانُنا يمشي إليك
لهمُ الجواري المنشآتُ ،
لهم قواريرُ العطورٍ ،
وعندهم جُبُّ الخزائنِ والكمائنِ والسفائنِ
إنما العفو الجميلُ لديك
يا وردَنا هوِّن عليك.