جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
~~~~~~~~~~
رواية على حائط الذاكرة ج 2 - ساره الدوري
**
كان مساء مظلم شديد المطر , حينما أصر هو على ان يقلني ومريم بدراجته الى منزلنا
خشيتة ان يصيبني البرد أو ان تأخذني امواج الشوارع الطافحة
ضمني بين ذراعيه بقوة , ومريم تتوسطنا على الدراجه , ثم سار بنا الى حيث لا أدري !
وصلنا !
رمى بساقيه مسرعا على الارض , ثم اخذ ينتشلنا انا ومريم واحده تلو الاخرى
ويدخلنا داخل ذلك البيت الذي بدى وكأنه مهجور وغريب جدا !!
يآآه يا صغيرتي لو تعلمين الفاجعه التي وقعت على رأسي بعد ان اقتحمت ذلك المنزل !
يااه , ليتني ماركبت تلك الدراجة ابدآ , ليتني ما أتيت الى هذا المكان الذي لم اكن اعلم انه سيغير قدري تماما ...
يآآه يا صغيرتي لو تعلمين هول الصاعقة التي ضربت قلبي الصغير , حينما أجلسنا سآمي على مقاعد حديدية انيقة بعيده كل البعد عن بساطنا الخفيف , حيث كانت تحيط بطاولة زجاجية يمتلا سطحها اكواب من الحليب الممزوج بالكاكاو الساخن و صحون البسكويت المغطى تماما بالشوكولاته والذي لم يكن يغريني منظره المشهي قدر ما كانت انظاري تـتبع خطوات سامي , بشعره الحريري الفحمي والذي لا يتجاوز طوله حدود عنقه !
ضرب الباب فجأة وبقوه لم يكن احد منا يتوقعها , انقلبت اجواء السكون والهدوء والدفئ التي تحيط بنا فجأة الى صراخ ..
ولكن صراخ من !! يآآآه يا صغيرتي لو تعلمين الرجفة التي انتابتني وانا أختبئ كعصفور محطم الاجنحة خلف سامي وشققيه الاكبر , مختبئه من من ! من والدي , من اخي! الذي الى الان لا اعلم كيف عرفوا بمكاني هذا !
لازلت اذكر صراخي , بل و وجعي , بل وحتى اثار الضرب التي التصقت بجسدي كوشم يصعب أزالته ,
نعم كان من السهل جد له ان يتلاشى من جسدي مع مرور الوقت , ولكن ماذا عن الوشم الذي تركوه بنفسي !
يااه يا صغيرتي , لو تعلمين الليالي الطوال التي قظيتها بفراشي الصغير مرتعبه , متوجعه , يصعب عليّ النوم
تقلقني حركة بسيطة اتقلب بها من جهة لاخرى وانا في هذا الفراش الخفيف !
مرّت أيام ولازال والدي مصر على ان لا اذهب لمدرستي وكان هذا اقل عقاب يمكن ان يقدمه لفتاة في الثانية عشر من عمرها تقصد منزل ليس فيه سوى طفلة بسنها و شاب !
جربت ذات مرة ان اتوسله , اقبل يداه , ابكي على ركبتيه ! ولكن .. يال الخيبات التي تضرب خافقي ويال الام
الذي اسكتني نهائيآ عن طلب الرحمة والمغفره منه حتى كدت انسى ان هنآك شيء يدعى مدرسه مرة أخرى !
حالفني الحظ للمرة الاولى , في ذاك الصباح الذي قصدت به مديرة المدرسة بيتنا ! يااه كم انا محظوظه
“ المس “ بذاتها تترجى والدي ان يعيدني مرة اخرى الى مدرستي , ولكن هي لم تكن طيبة لتلك الدرجة التي من الممكن ان تجعلها تخاف على مستقبلي أنذاك .. كل ما كان يمهما هي المنافسة التي ستخوضها مدرستنا مع مدارس اخريات , ولانني كنت المتميزة من بين 60 طالبة ترجته ان يعيدني , وعلى كلا .. فأنا لازلت الى الان مدينه لها بالكثير , فبفضلها اخيرا عدت لمدرستي وبمعجزة عظيمة يحققها والدي انذاك !
رفرفي يا أجنحتي , أرقص يا قلبي , تطايري يا جذائلي , أسبحي في بحر السماء يا رهف , ها انت من جديد تسلكين الطريق اليه .. اقصد الى مريم وسامي .. وبحقيقة اوضح .. سامي فقط !
ولكن ...!
أين هي مريم ! رحلتنا خاليه منها تماما كما كانت خاليه مني , فتشت عنها في ساحة المدرسة , برك المياه , حتى الحرم الاداري , لا أثر لها أبدآ .. أخيرآ قررت ان أسال عنها أحد الطالبات واستدركت حينها انها منذ ان تغيبت انا غابت هي الاخرى !
أين انت مريم ! تكالبت علي الافكار السوداويه , خشيت أن يكون سامي قد منعها من المدرسة كما فعل ابي معي , لالا هذا امر محال , سامي شاب مثقف لايمكنني مقارنته بولدي , ولكن لم أذآ تغيبت مريم طوال الايام السابقه !
ربآآه , أني أتضرع الم , برود تام يتخلل الى اقدامي على غفلة , خيبة ما اصابتني , الدروس تمضي ولازالت اراقب ذكرياتنا المخطوطة على سطح مقعدنا “ رحلتنا “
احلام اليقظة , تخيلات , مخاوف , هواجس قاتله تحيط بي طيلة الوقت , اجفلني جرس المدرسة وهو ينبهنا على انتهاء الدوام , كنت اخر من خرجت من الصف , وأنا اودع مقعدنا بنظرات شاحبه مخذوله الملامح ..
عدت كجثه متحركة , غيرت ثيابي , وعدت لاشغال البيت , حيث لم يكن ثمة حس انثوي بهذا البيت سواي ..
لا اخت تخفف مواجعي وتضعني , ولا حضن ام يفهم نبضاتي العليله !
لكن لاتستعجلي الحكم يا صغيرتي , فالحياة افتعلت معي كل ما لديها من مغامرات “ اكشن “ كما يدعون
حيث حدث ما لم تتصوري حدوثه .. او ما لم اكن انا اتصور حدوثه , حين قضيت نهاري الثاني في الدوام
بنسخة مطابقة تماما لليوم الذي سبقه , من حزن , شحوب , خيبة , وايضا لهفة .. لا داعي ان أؤكد انني اعني لفهتي لسامي , فلا بد انك بدأت تفهمين حكايتي , أو بعض منها ..
خرجت بعد ان اجفلني الجرس مرة اخرى من المدرسه , ولكن كانت المفاجأة , وهي ما ام اكن احلم به حتى !
هي انني مشيت .. وبهدوء تام , اراقب تقعر الارض المرصوصة بالحجر الصغير المتعدد الالوان
خيم فوقي ظل ما , على ما اذكر اني صرخت من شدة هرعي لذلك الظل الذي من الطبيبعي ان اتخيله لاحد الجنود الاسرائيليين ..
ولكن .. انها خيبة اخرى , ولكن خيبة جميله , بل رائعه حقآ .. أتتخيلين يا صغيرتي انه كان ظل سامي !
سامي بذاته ! والاشد دهشة من هذا كله انه كان هناك من أجلي , من اجلي انا فقط ..
لا اعلم ان كان بأمكانك تخيل السعادة التي غمرتني عندها , والاحساس الغريب الذي اجتاح عمق احشائي , ارتبكت , تلعثمت , خجلت , تبعثر مظهري وما عدت اعرف بماذا انطق !!
أذكر تماما ما كان يقوله لي , اتتخيلين انني اتذكر نبرته المملوئة بالهفة والخوف بذات الوقت :
- أيا رهفي الصغيرة , فجعتي قلبي خوف .. منذ اكثر من 7 ايام وانا احج حول مدرستك ولا اثر لك !
دهشت , ذهلت , أنبهرت , أحقآ يكلمني أنا !! للتو كنت سألتفت وانظر ان كان احدآ ما يقف خلفي ! لربما كان يحدث أحد اخر غيري ! الا انه اضاف قبل افتعالي لاي حركة :
- لعلك تتسائلين عن سبب وجودي هنا بما ان مريم ليست معي !
أجبته بأرتباك :
- صحيح !
بنظرة يملؤها العطف “ أن اصح التعبير “ أكمل :
- ذلك الوحشي الجاهل حطم اعصابي حين كان يضربك بتلك الوحشية , أتعلمين !
والله لو انه لم يكن والدك لقضيت على امره حينها .
صعقت من هول ما يقوله .. أضاف :
- لم يترك لعيني نومآ , كنت افكر فيما ان كنت ستعيشين بعد الضرب الذي تلقيته
الان بدأت أحكم في نفسي , أستدركتني الخيبة حينما استنتجت انه كان مجرد عطف اصابه جراء الضرب الذي اشبعني اياه والدي !
لكن بطريقة ما كان يقتل استنتاجاتي , يبدلها , يغير مجرى افكاري , يحيرني ..
قال بعد صمت مني لم يتعد الثوان :
- ملامحك , بريئة لدرجة لا يمكن ان يمحيها كبر او عمر
تبادلنا نظرات غريبه , الاعين متقابله , الصمت يسود , الثوان تمضي ..
تجمدنا كتماثيل متقابله , ثم فجأة بدى وكأنه يحاول اخراج شيء ما من جيبه !
كان قلب زجاجي شفاف مملوء بسائل احمر خفيف يمكن ان ترى الاشياء من خلاله , و يطوف على سطح ذلك السائل والذي على ما اظن انه زئبق , قلب اخر ذو لون ابيض , مدون على احد جهاته اسمي “ رهف “
واما الجهة الاخرى منه فكانت تحمل اسمه .. أعني “ سامي “
قدمه لي وهو يعلق سلساله بأصبعه , ثم قال :
- اوصيت الشركة التي تزودت مكتبتي بالميداليات الصغيرة ان تصنع هذا القلب خصيصآ لك
ترددت مقدما في اخذه .. تابعت الصمت .. فأضاف هو :
- ارسلوا لي انا ايضا واحد مماثل , بالطبع كما طلبت انا , لعله يكون رابط ابدي بيننا !
يداي المرتجفه كثيرآ , كانت تود لو لها القدره على انتشاله للقلب بسرعه كبيرة من بين يديه ومن ثم ضمه الي احضاني بشدة .. الا انها لم تسعفني لفعل شي ..
اضطر حينها ان يجر كفي ويضع بها القلب ويعاود اغلاق اصابعي واحد تلو الاخر , ومن ثم يقف يتأمل ملامحي بوجهه الشاحب :
- مريم .. متعبه جدآ , ادعي لها يارهف !
سحبت يدي منه بسرعه نتيجة ما افتعلته كلماته المرعبه بي :
- مآآذا !!!! ما الذي حدث لها ؟ أين هي ؟
- منذ فترة وهي في غيبوبة مفاجآة , اصابتها حمى قويه اودت بها الى غيبوبة مفاجأة
هنا انهار بكاء , لا .. لا .. يااربااه ارجوك لا تفعلها هذه المرة معي , ارجوك لاتحرمني من مريم , أشفها يا الله
فلا احد لي بعدها .. هو يحاول أن يقول شيئآ لكن شفتاه كثيرآ ترددت !
وهنا تفرقنا فاجعة أخرى , لا اعلم كيف داهمنا الوقت هكذا , فنسيت ان اخي بشار كان سيأتي ليأخذني الى المنزل بعد انتهاء الدوام .. نسيت كل شيء , لا ابالغ ان قلت اني كدت انسى اسمي حينها !
وحدث ما يجب عليك ان تتوقعيه , وقعننا تحت انظاره للمرة الثانيه , وياليتنا لمرة واحد وقعنا تحت رحمته !
**
بعد الشجار الذي هز الشارع برمته بصوت حاد وضربات عنيفة , توسلت لاخي بشار ان لا يخبر والدي بشيء عما رأه وكنت اقسم اقسم له اني لم اكن على موعد مع سامي واني اتحدث معه للمرة الاولى وانه كان يحدثني عن اخته ليس اكثر !
حذرني واقسم على قتل سامي لو رأه مرة اخرى بصورة قريبة لي او حتى لطريقي , وكان قد شرط علي شرطه القاسي ذاك والذي بقبوله فقط يمكنه ان يخفي على والدي حقيقة ما رآه ..
لربما لو فصحت لك عن شرطه لتهاونتي به , لكنك لا تعلمين كما هو الاخر بأن سلسال الذهب ذاك الذي كان يطلبه مني مقابل صمته امام والدي , كان اكثر من كونه سلسال , هو اثمن ما كان يحتويه دولابي المعمر !
ليس لانه كان مصنوعا من الذهب , وليس لغلاء سعره . بل لانه الذكرى الوحيدة التي تبقت لي من امي
بل اول واخر هداياها لي ..
أتتصورين كم تمزقت بكاءا بعد ان اعطيته اياه !! يآآآه لازلت اذكر رطوبة وسادتي التي تشبعت دموع
ولم تجف حتى نهار يوم اخر ..