المجالسُ مدارسٌ بقلم علي الشافعي
حكمة اطلقها الاقدمون , صحيح ؟ ولا ادري على ماذا اعتمدوا , الا اذا كانت مجالسهم غير مجالسنا ومدارسهم ليست كمدارسنا . كيف ؟ سأحاول الاجابة على قدر المعلومات المتوفرة لدي من مسموعاتي او مقروءاتي او معايناتي عن الشق الاول , ومن تجاربي عن الشق التاني .
قديما قالوا اذا دخلت مجلسا فاجلس حيث انتهى بك المجلس ؛ أي لا تتخطى رقاب الناس , ولا تتخيّر افضل المجالس , ولا تفرق بين اثنين متحابين او يتحدثان او يتهامسان , وانما دع الناس يجلسونك في المكان الذي يرون انك اهل له . يوسع عادة في صدر المجلس لثلاثة : لعالم لعلمه , او كبير سن لسنه , وصاحب السلطان لسلطانه وجاهه . فهل نراعي الان هذا في مجالسنا ؟ ؟ وقالوا ايضا : في مجالس الرجال (اقول الرجال) اذا تحدث احدهم استمع الباقون مهما كان عددهم , وتعطى عادة اولوية الحديث لاحد الثلاثة السابقين , ثم يدور النقاش والحوار, حوار هادئ , بحيث كلما تحدث واحد استمع له الاخرون . فهل يراعى هذا في مجالسنا اليوم ؟ ؟ وكانوا يقولون كما قال الشاعر : ( ونصّ الحديثَ الى اهله ==== فان الامانة في نصّه ) أي اذا تحدثت بحديث او قصة فانسبها لأصحابها , ولا تجيّرها لنفسك , فقد تجد في القوم من سمع بها فيحرجك او يكذبك او يأخذ عنك فكرة غير طيبة . ثم التّثبُّت من نص الرواية , ولا تخلطها برواية اخرى فيقال لك : يهرف بما لا يعرف , فهل نراعى ذلك في مجالسنا اليوم ؟؟ و يقولون : ان من ادأب الحوار خفض الصوت , وترك المجال للمحاور حتى ينهي كلامه فترد عليه دون تسفيه او تعنيف او تقريع او نشنيع او ترويع او مخاصمة . فها يحصل هذا في مجالسنا اليوم ؟؟ ام قد بتطور في كثير من الاحيان وينتقل من تضارب الآراء الى التضارب بالأيدي , وقد تستعمل وسائل اخرى يستعان بها بسلاح او بصديق كما يحدث في برلماننا الموقر بين فينة واخرى . يقولون كذلك : ان الله سبحانه من حكمته ان خلق للإنسان فما واحدا واذنين اثنتين ؛ ليسمع ضعف ما يتكلم , فيعي افضل ما سمع , ويحفظ افضل ما وعى , ويروي افضل ما حفظ . هذا غيض من فيض ايه السادة الاكارم وكذلك هناك ادأب كثيرة تراعى ايضا ؛ كآداب الجلوس الى الولائم , وطريقة الاكل والشرب فاذا اكل فليسم الله وليأكل من امامه ومما يليه , ولا ينفض يده في الطعام ولا يكبر اللقمة , ولا يزدردها ولا يتخيّر من الطعام ما لذ وطاب يأخذه من امام جليسه , ولا يطيل الجلوس والاكل بعد فراغ القوم فيشعرهم بانه نَهِمُ يعيش ليأكل لا يأكل ليعيش .
اما المدارس (ايها السادة ) فقد تقلبت في كثير منها عندنا هنا وفي بعض البلاد العربية الشقيقة , على مدار ثمانية وثلاثين عاما , أي منذ 5/9/1967 وحتى 6/1/2014 , سأبيّن لكم كيف كانت المدارس وكيف اصبحت من خلال التجربة : قديما كانت المدارس اكثر انضباطا داخل الغرفة الصفية وخارجها , فاذا ما تغيب طالب لأي سبب عُمِلت سلسلةُ اجراءاتٍ تنتهي عادة بتعهد من ولي الامر . اما اليوم فتكفي رشة مطر لشل حركة التعليم في البلاد . فكل ام تخاف على فلذة كبدها ان يصاب بموجة برد , فتبقيه في البيت ثم يمضي سحابة النهار في الشارع . اما المعلم في هذا الوضع فلا هو عطّل ولا يستطيع اعطاء درس في صف تبلغ فيه نسبة الغياب حوالي 80% . قديما كان حرم المدرسة امنا فلا يدخله شرطي واحد , تحل جميع مشاكله عبر المدرسة فالمديرية او الوزارة اذا اقتض الامر , اما اليوم فيكفي ان يقوم طالب مستهتر بتقديم بلاغ لدى قسم الشرطة حتى يهرع رجال الامن لقطر المشتكى عليه معلما اكان او مديرا . سأذكر لكم ايها السادة الكرام حادثتين احداهما قديمة والاخرى حديثة لتقارنوا وتحكموا بأنفسكم , وتعرفوا الفرق بين مدارسهم ومدارسنا : سنة 1975 كنت اطبق في احدى المدارس الثانوية في العاصمة , احد طلاب الثانوية ( شايف حاله ويتحدث من منخريه , يضرب بسيف والده ) الذي هو من كبار التجار, تجادل مع احد المعلمين فأساء الادب , فما كان من المعلم الا ان صفعه . كبرت في راس الفتى ؛ كيف يهان امام زملائه ؟ فخرج من الصف بسب ويلعن ويهدد ويتوعد . في صباح اليوم التالي فوجئنا بوالد التلميذ يحضر الى المدرسة يقطر ابنه وفي يده عصا خيزران محترمة , دخل فسلم باحترام , ثم سال عن المعلم ووقف له وعانقه قائلا : اشكرك لا نك حطمت غرور ولدي وكبرياءه , عرفته مركزه الصحيح , وهذه العصا هدية لك , انا عملت له اللازم في البيت معه , فان عاد فعُدْ وكسرها على جسده . قلت سبحان الله قبل حوالي اربع سنوات احد المعلمين وبعد الفرصة حاول ان يدخل احد الطلبة المتسربين الى الصف , وحصلت مشادة بينهما واضطر المعلم لجذبه ومحاولة ادخاله بالقوة , هرب الطالب على اثرها وذهب الى مخفر الشرطة لنتفاجأ بسيارة امن تدخل فتأخذ المعلم والمدير , عرفنا بعد ذلك ان الطالب خدش نفسه واحضر تقريرا طبيا ارفقه بالشكوى . حاول اهل الخير التدخل وتكفيلهما قبل عرضهما على المحكمة , لكن الطالب وولي امره رفضا ذلك , لنكتشف فيما بعد انهما ناقمان على المدير والمعلم بسبب خلافات عائلية على خلفية انتخابية . طبتم وطابت اوقاتكم