عندما تذهب الجاهة الكريمة لخطبة ابنة الحلال لفلان بن علان, يتقدم المتحدث باسم الجاهة فيقدم للموضوع بالآية الكريمة التالية : ( ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها, وجعل بينكم مودة ورحمة , ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) . هل نتفكر فعلا بمعنى كلمة تسكنوا التي ورد ذكرها في الآية الكريمة . ما رايكم ــ ايها السادة الافاضل ــ ان نتفكر في معنى هذه الكلمة بصوت مسموع . تخيلوا ــ يا رعاكم الله ــ رجلا عاد الى بيته مثقلا بهموم الدنيا ومشاكلها , وقد امسى صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ,يتناول طعام عشائه , ثم يدس جسما مثقلا في الفراش ليجد الى جانبه انسانة حلوة المظهر والمخبر , تعلو وجهها ابتسامة حنونة , فتربت على وجهه فيبثها همومه فتهوّن عليه الامر , فيضع راسه في حضنها الدافئ فتسكن نفسه ويرتاح قليه وتقر عينه وينشرح خاطره , فترفرف على راسه فراشات المودة والرحمة . تخيلوا امرأة تعيش يومها بين قرقعة الاطفال ومشاكلهم وطلباتهم وتساؤلاتهم التي لا تنقطع من جهة , ورعاية المنزل ومتطلباته اليومية من كنس وترتيب وطبخ وجلي وغسيل من جهة اخرى . فاذا ما انتهى النهار دست نفسها في الفراش لتجد رجلا يوسد راسها الصغير ساعده , ويمسح على وجهها ويُقبّل جبينها , ويرتب بأصابعه خصلات شعرها , ثم يضمها الى صدره , فتسكن نفسها وتقر عينها ويطيب خاطرها , وترفرف فوق راسها فراشات المودة والرحمة . تخيلوا ليلة من ليالي الشتاء شديدة البرودة, وقد هيّأت الزوجة لزوجها فراشا دافئا وثيرا , فدسّا نفسيهما فيه والتصقا ببعضهما , وما هي الا ثوان حتى يسري الدفء في اوصالهما , فتسكن نفساهما ويطيب خاطرهما وتقر عيونهما , فيناما هادئين ترفرف عليها فراشات المودة الرحمة , ولو ابتعد احدهما عن الاخر لما شعرا بالدفء ولا بالسكينة . تخيلوا معي ــ ادام الله عزكم ــ زوجا وزوجته في الفراش يتحدثان عن الاولاد , تقول الام : الولد فلان عين الله حوله , ذكي جدا , كثير التساؤل , فيتخيلانه معا وقد كبر واصبح شابا ودخل الجامعة وتخرج بتفوق . والبنوتة الحلوة فلانة ما اجملها , وما احلى حركاتها , وما اخف دمها فيتخيلانها وهي تنشأ نشأة طيبة , فتدخل المطبخ وتساعد امها , ثم تتعلم فتتخرج من الجامعة , ثم تزف الى بيت زوجها لتكون معه اسرة سعيدة . يميل الرجل بنظرة حانية الى زوجته فيقول : اريدها بجمال وذكاء وحنان امها . فترد عليه : وانا اريد لها زوجا برجولة وكرم وشهامة ابيها . يطبع الرجل قبلة على جبين زوجته فتسكن نفساهما ويرتاح قلباهما وترفرف فوق راسيهما فراشات المودة والرحمة , فينامان قريري العين منشرحَي الخاطر . تخيلوا معي رجلا مغتربا يضرب في الارض بحثا عن لقمة عيش شريفة كريمة , شحت في وطنه يطعمها اهله , لا يمنعهم من الالتحاق به والعيش معه سوى قرار مجحف , لعصبة امم حاقدة , تلقفه قوم اغبياء فاصطنعوا حدودا لا تستطيع حتى النملة اختراقها الا بوابل من الشروط . تخيلوا حرارة اللقاء بين الزوجين عند عودته من ديار الغربة , ثم السكينة وراحة البال اللتان ستخيمان عليهما عندما يخلدان للنوم.
والان هل تفكرنا ايها السادة بمعنى هذه الكلمة وفلسفتها ؟ الا تعني اطمئنان النفس وهدوءها وسكينتها وراحتها , وكل المترادفات التي قد تخطر بالبال , ثم اثر ذلك في إسعاد الاسر وترابط العلاقات ومتانتها بين افرادها . والاسرة كما تعرفون نواة المجتمع وانعكاس له , فالمجتمع السليم من اسر سليمة . طبتم وطابت اوقاتكم.