ســي السيد
قديما على عهد آبائنا واجدادنا كانت ظاهرة (سي السيد) هي السائدة في كل بيت من بيوت بني عرب . (وسي السيد) تعبير مصري شعبي يعني : الزوج المتسلط المتجبر , الآمر الناهي, الذي اذا دخل البيت اثار الرعب , وهرب الجميع من وجهه , وبقيت الزوجة المسكينة تنتظر الأوامر ـــ كجارية من جواري السلطان في قصص الف ليلة وليلةــ وتنفذها بأسرع ما يمكن , فاذا جلس ‘ فعابس الوجه عاقد الحاجبين مقطب الجبين , وربما نهرته الام اذا راته لينا مع زوجته . هكذا كان العرف السائد , فعيب كبير ان يحب الرجل زوجته او يمازحها خاصة امام الحماة . والزوجة أصلا لم تُستأمر , ولم يكن لها أي راي في زواجها , لذلك فهي تلبي رغباته مع فروض الولاء والطاعة . يجلس على سرير الملك فتأتي مسرعة وفي يدها اناء وابريق ماء , يضع رجليه في الاناء وتقوم بغسلهما وتدليكهما ثم تجفيفهما , بعد ذلك تحضر الطعام على وجه السرعة وعادة ما يقدم له اطايب الطعام , في عصر شحّت فيه اللقمة الطيبة. وبعد ان يشبع هو تأكل بقية الاسرة مما تركه سي السيد حامدة شاكرة فضله.
في هذا المجتمع تقوم المرأة بكل شؤون البيت من طبخ وكنس وحلب للماشية وصنع الاغذية وتخزينها لأوقات الشدة , وتقف الى جواره تفلح الارض , وتحصد وتدرس وتخزّن . أي ان عليها العبء الاكبر في اعالة الأبناء , وبمجرد ان يكبر الولد يصبح نائب ابيه في الامر والنهي , أي ان مجتمعنا آنذاك ذكوري بكل ما تحمل الكلمة من معنى , فالمرأة ترى في زوجها السيد المهاب حامي الحمى , الفارس المغوار الذي لا يشق له غبار , ولا تستباح له ديار . بقي الحال هكذا الى ان وقعت حرب عام 1967 بين العرب من المحيط الى الخليج , وبين حفنة من اليهود . وهزم الجمع وولوا الدبر, وسلبت الديار . ولم تحمَ الذمار , فتخلخلت مع هذه الحرب كثير من القيم ‘ منها هيبة الرجل العربي بشموخه وسطوته . تقول الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان في احدى مقابلاتها التلفزيونية : كنا نعيش في بيت سوره بعلو ثلاثة امتار , ما كان يسمح لنا بالخرج منه الا للضرورة القصوى وبرفقة احد رجال الاسرة , حتى وقعت الحرب وحصلت الهزيمة , فاصبحنا نخرج ونزور الاسواق . ثم توالت الهزائم وتجرأت المرأة على الخروج اكثر , وفقد (سي السيد) سطوته شيئا فشيئا , وتحررت المرأة بنفس الوتيرة , وتعلمت فنافست الرجل في سوق العمل , وقاسمته لقمة العيش , وانزلته من عليائه , وجلست مكانه تامر وتنهى . فاختلت قوانين الطبيعة اذ هجرت البيت , وتركت مكانها للخادمة ومهدت الطريق لزوجة ثانية تحل محلها . اذن ايها السادة نحن قوم لا توسط بيننا, كما قال الشاعر العربي القديم
ونحن اناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين او القبر طبتم طابت اوقاتكم