ثقافة التحريم والتكفير
كان جدي كثير ما يحدثنا انه قبل نكبة 48 كان يعمل جزارا في ملحمة لرجل يهودي, وكانوا عندما يحضرون المواشي للذبح يقول جدي : بسم الله ويذبح , ويقول اليهودي : بسم الرب ويذبح . ويشتري الناس (مسلمون ومسيحيون ويهود) ويأكلون . وما خطر ببال احدهم سؤال: هل هذا الذبح حرام ام حلال؟. وتقول جدتي كان لنا جارات مسيحيات وكنا نتزاور ونتهادى وناكل ويهنيء بعضنا بعضا في المناسبات , وما سالت احدانا نفسها هل ما نعمله حرام ام حلال. قبل حوالي عشرين سنة عملت في احدى المدارس وكان في المدرسة معلمين سنيين ومسيحيين وشيعة , وكان كل منا يحضر طعاما من بيته ونجلس معا ناكل, وما خطر ببالنا ان نسال ذلك السؤال العجيب . حتى جاء يوم كان فيه عيد للمسيحيين , دخل طفل غرفة المعلمين فرحا يحمل سلة فيها بيض ملون , واراد ان يوزع منها عليهم , وهنا انبرى احدهم وكان خريجا جديدا وقال بأعلى صوته : ما بصير هذا حرام . واراد ان يلقي خطبة بهذا الشأن , فقلت : على رسلك يا هذا انتظر . وناديت الطفل واخذت منه بيضة وطلبت منه ان يوزع الباقي على المعلمين . وقلت للمعلم يا اخي هذا طفل صغير صفحته بيضاء نقية ارجوك لا تكتب فيها ذكريات اليمة . خذ البيضة اولا , ثم ناقشني في امرها , ولن افرض عليك ان تأكلها انت حر .
مرت الايام وتطورت لغة التحريم , وانتشرت كانتشار النار في الهشيم , وزاد عليها لغة التكفير, فكل من يخالف رايي اما عاص او كافر . وكل شيء حرام حتى يثبت العكس , مع ان القاعدة الشرعية تقول الاصل في امور الدنيا الحل ما لم يرد نص بالحرمة , فلماذا نحرم على انفسنا بعض ما احل الله دون دليل , ولماذا نسال عن اشياء ان تبد لنا تسؤنا . مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع جماعة من المسلمين على حوض ماء , فأرادوا الوضوء فسال احد المسلمين صاحب الحوض : هل الماء طاهر؟ فقال عمر على الفور: لا تخبرهم يا صاحب الحوض . توضؤوا وصلوا , فالأصل في الماء الطهارة , ولا تسالوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم . واعلموا جزاكم الله خيرا ان سلوكا طيبا يعمل في النفوس ما لم تعمله الاف الخطب , وان الدين انتشر في اكبر اللدان الاسلامية بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة والقدوة الصالحة , وان المغول دخلوا البلاد الاسلامية فاتحين سفاكي دماء وخرجوا منها مسلمين. طابت اوقاتكم.