آفــــــــــــــاق

الموقع خاص بالكاتب ويتضمن إنتاجه الأدبى المنشور

 

<!--

<!--<!--

الدين فى مصر القديمة وعلاقته بالعنف

هل سجل التاريخ أن المصريين القدماء قتلوا أحداً بسبب الدين، رغم أنهم كانوا من أشد الناس ارتباطاً بدياناتهم؟

فى البداية يجب أن نلقى نظرة سريعة على العقيدة الدينية للمصريين القدماء – نشأتها خصائصها – منطقها – حتى يتسنى لنا دراسة احتمالات اقترانها بالعنف والإقصاء أو بالدعوة للمحبة والتسامح

أخذت العقيدة المصرية القديمة منذ نشأتها بما أخذت به معظم أو كل الديانات القديمة من تعدد للآلهة من منطلق الحرص على رد الظواهر الحسية إلى قدرة علوية تستحق التقديس فرمزوا إلى كل قوة عليا برمز حسى يعبر عن سر من أسرارها أو يحمل صفة من صفاتها واعتمدوا بالطبع على ما يوجد فى بيئتهم من طير وحيوان فالكبش الطلوق يرمز لأرباب الخصوبة والبقرة الوديعة توحى بالأمومة والحنو بينما يرمز بالسبع واللبؤات لآلهة الحرب وبفراسة القرد واتزان طائر أبى منجل للحكمة وهكذا ..

ومن خصائص هذه العقائد ..

- نجد أنهم لم يقدسوا حيواناً لذاته ولم يقروا لأربابهم بالتجسد المادى فى هيئة الطير أو الحيوان وإنما كان التركيز على صفة هذا الطائر أو الحيوان ..

- تقديس حيوان معين لا يعنى تقديس الجنس كله ..

-  لم تتضمن المعابد مكاناً مخصصاً لحيوان معبود ..

- بمرور الوقت قلت أهمية الهيئة الحيوانية للمعبود لصالح الهيئة البشرية فوجه أبو الهول انسانى مع جسم الحيوان وأحياناً يكون الجسد بشرى والرأس لحيوان ..

- لم يقدس المصريون حيواناً باسمه المادى المعروف به فالصقر مثلاً اسمه المادى "بيك" وقدس باسم "حور" والبقرة اسمها المادى "إحت" وقدست باسم "حتحور" ( تحول إلى هاتور) والتمساح اسمه المادى "مسح" وقدس باسم "سوبك" وقدست السماء باسم "نوت" بينما اسمها الطبيعى "بت" ..

- كانت بعض أسماء المعبودات التى أسلفناها صفات فى جوهرها فاسم "حور" يعنى العالى أو البعيد  واسم "سخمت" يعنى القادرة واسم "أتوم" يعنى الكامل واسم "آمون" يعنى الخفى ..

ورغم تعدد الآلهة الذى نتج عن تعدد مقاطعات مصر إلاّ أنه كان هناك إله واحد أجمعوا عليه وهو إله الشمس " رع " وفى بعض الأحيان كان يتم الدمج بين الإله المحلى للمنطقة وإله الشمس فكان هناك " آمون رع " ولقب ملكى مثل "سا رع " أى ابن الشمس  على سبيل المثال ومن المهم أن نذكر هنا أن "رع" – رب الشمس – صبغ الديانة المصرية باسمه فعرفت بالديانة الشمسية وهو وليد السماء الذى حملت به من قرينها الأرض حين كانت رتقاً فلما انفصلت السماء عن الأرض وضعت حملها فملأ ما بين السماء والأرض بنوره واستمرت بعد ذلك تحمل به تلقاءياً كل يوم تخرجه صباحاً وليداً باسم "خبر" فيمضى يشتد ويعظم باسم "رع" ثم تتلقفه فى جوفها بعد أن يتم عمله ويكتمل باسم "أتوم" وتعود الدورة من جديد أى أنه يمر بثلاث حالات فى اليوم أو ثلاث أقانيم ولهذا مدلوله فى علم الديانات ..  

كان الأساس الذى قامت عليه العقيدة المصرية هو البعث بعد الموت ثم الحساب وبعده الخلود للصالحين والفناء للأشرار ، ولذا لم يتركوا لنا آثار دنيوية وكل ما تركوه يتعلق بالموت ، سواء من مقابر ومعابد أو حتى الرسوم والنقوش التى تصور الحياة الآخرة بما فيها من حساب وثواب وعقاب ، وكذلك معاملة الآلهة وتقديم القرابين وغير ذلك ..

وربما كان هذا الاهتمام بالموت والحياة الآخرة باباً لترويج شائعات من قبيل أن الملك عندما يموت يجب على خدمه وأهله أن يموتوا كذلك لخدمته فى العالم اآخر ، وكل هذه الافتراضات لا تجد ما يؤكدها لا فى الرسوم والنقوش ولا فى المخطوطات والبرديات التى عثر عليها .. ومن جانب آخر لم تعرف الثقافة المصرية القديمة حالات التضحية بالبشر كما عرفتها حضارات أخرى وما قصة عروس النيل المشهورة إلاّ واحدة من تلك الشائعات التى سادت بفعل فاعل – والفاعل المجهول هذا سطر الكثير من الأكاذيب التى تخدم مصالحه ومصالح قومه ، وأعنى به يوسيفوس اليهودى الذى وصل بين الهكسوس وبين العبرانيين كفئة تابعة لهم وافترض أن النبى يوسف دخل مصر فى عصرهم وأنهم أى العبرانيين خرجوا معهم بعد جلائهم عن مصر وبالغ كثيراً فى أعدادهم ..  

لكن ما يهمنا أكثر بعد هذه المقدمة هو شكل العلاقة بين الحاكم والدين أو العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة الدينية ..

سبق وأن ذكرنا أن مصر كانت تتكون من مقاطعات مستقلة فى فجر تاريخها ، ومع الحراك السياسى الذى دفعت به عوامل عدة اجتماعية واقتصادية دفعت إلى شكل من أشكال الترابط على هيئة ممالك صغيرة وكفل الفريق الحاكم فى كل مملكة نوعاً من الهيمنة لمعبوده ، ولما أفضت الحوادث إلى انتظام هذه الممالك المتفرقة فى مملكة واحدة لفترات متقطعة فيما قبل الأسرات ثم للمرة الأخيرة فى بداية العصور التاريخية أصبح لمعبود الملك فى المملكة الكبرى سيادته الواسعة على بقية معبودات دولته وهو أمر يمكن افتراض مثله لكل من المعبودين أوزير ورع على التوالى فيما قبل الأسرات ثم المعبود "حور" معبود أوائل العصور التاريخية والذى أصبح معبوداً رسمياً للدولة مع ملاحظة أن الاعتراف به لم يثض على على المعبودات المحلية للوحدات الصغيرة من المملكة ويفسر ذلك التسامح على ضوء غلبة روح المحافطة على الموروث وغلبة روح التسامح التى احترمت تعدد المعبودات وحرص الملوك على عدم تركيز السلطة الدينية فى أيدى كهنة معبود واحد  ..

ولم يكن الإله الواحد ثابتاً فى كل العصور فبينما انعقدت الهيمنة للإله "حور" فى بداية الأسرات انعقدت الأولوية للإله "رع" فى أواسط الدولة القديمة ثم انتقلت الرئاسة للإله "آمون" فى الدولة الوسطى و"آمون رع" فى بداية الدولة الحديثة ثم إلى " آتون" فى عهد أخناتون الذى لم يخف ضيقه بانصراف الولاء الدينى لأرباب عدة وكذا انصراف أموال الدولة إلى معابدهم الكثيرة وملاحظته ثراء كبار كهنة آمون واتساع تدخلهم فى شئون الدولة ، ومن هنا بدأ الصراع مكشوفاً بين السلطتين وانتهى لصالح كهنة آمون بعد أن استغلوا الوازع الدينى لدى المصريين ضد محاولات التغيير التى بدأها أخناتون ..

وهنا نستطيع القول بأن الصراع كان علوياً وقاصراً على قمة السلطتين ، وأن دافعه الأول هو الحرص على المصالح الخاصة لكل طرف ، وكل ما أصاب الشعب هو الاضطرابات التى نتجت عن هذا الصراع من توقف المصالح وبعث روح الاحباط فى النفوس فى الداخل فضلاً عن تجرؤ الولايات الخارجية التى كانت ضمن الإمبراطورية المترامية الأطراف على الحكومة المركزية ومحاولاتها الانفصال عن الدولة  

-  المرجع  ..

الشرق الأدنى القديم – الجزء الأول (مصر والعراق) : د. عبد العزيز صالح – ط 2 – مكتبة الأنجلو المصرية – 1973 .

 

samibatta

أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى ، كما أرجو أن تتواصل معى وتفيدنى بآرائك ومناقشاتك وانتقاداتك ..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 325 مشاهدة
نشرت فى 27 ديسمبر 2014 بواسطة samibatta

ساحة النقاش

سامى عبد الوهاب بطة

samibatta
أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى على صفحات هذا الموقع .. كما أرجو أن تتواصل معى بالقراءة والنقد والمناقشة بلا قيود ولا حدود .. ولكل زائر تحياتى وتقديرى .. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

97,857