جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
<!--
<!--<!--
-1-
ظهر الضيق والتأفف علي وجه الملك" شبسسكاف" عندما أخبره الحاجب أن كبير كهنة رع يريد لقاءه .. قال في نفسه " ماذا يريد هذا الرجل ؟ ألا يشبع أبداً ؟! " أشار بيده للحاجب أن يدخله ، فهو في الحقيقة لا يستطيع أن يفعل غير ذلك ، خرج الحاجب مسرعاً ، مال الملك علي كبير وزراءه قائلاً :
- لن يستريح هؤلاء الكهنة حتى يحصلوا علي العرش نفسه ..
- ليس هذا خطؤك يا مولاي ، إنه خطأ الملوك الذين سبقوك وسمحوا لهم بهذا التدخل في شئون القصر ، إنهم ما كانوا يجرؤن علي السير في الشوارع أيام الملك العظيم" خنوم خوفوي" ..
وانقطع الهمس إثر دخول كبير الكهنة" نب حبت رع" بكبرياء وخيلاء أثار في الملك الرغبة في الإطاحة برأسه لكنه ابتلع غيظه ورسم ابتسامة باهتة علي وجهه ، تقدم الكاهن ببطء في اتجاه العرش وانحني انحناءه خفيفة أمام الملك قائلاً :
- التحية للملك العظيم .. ملك الأرضين .. حفظه الإله المعظم رع ورعاه ..
- وحفظتك الآلهة يا كبير كهنة رع .. تفضل بالجلوس..
تراجع كبير الكهنة خطوات وهو رافع رأسه ، واتجه ليأخذ مكانه بين حاشية الملك وجلس صامتاً فيما واصل الملك حديثه الذي انقطع بدخول الكاهن معبراً عن أمله في إرسال بعثة للقيام بالحفائر واستخراج الصخور من أسوان في أسرع وقت ممكن ، وكان كبير كهنة رع يرمقه وهو يتحدث وعلي شفتيه ظل ابتسامة ساخرة وكأنه يقول له .." لن تعيش حتى تري أي من آمالك تتحقق ! " ..
كان الجهد والإعياء باديان علي وجه الملك ، ولا يدري أحد إن كان هذا بسبب السن المتقدم أم بفعل الأحداث التي تجري من حوله ، أو كلاهما معاً .. فهو قد تولي العرش وسنه يقترب من الخمسين ، وجاء توليه الحكم في فترة اضطرابات عنيفة ، اختلط فيها الخلاف بين أفراد الأسرة الملكية وصراعهم علي العرش مع المحاولات المستمرة من كهنة الشمس للسيطرة علي القصر والتحكم في الملوك ، حتى أن من لا يأتي علي هواهم ، يدبرون المؤامرات لإقصائه عن العرش ، وكان" شبسسكاف" يشعر أنه غير قادر علي فعل شيء ، فالموارد المتاحة لديه قليلة بعد أن أنفق جده العظيم "خنوم خوفوي" الكثير في بناء مقبرته الضخمة ، وحذا خلفاؤه" خفرع ومنكاورع" حذوه حتى أصبحت الخزينة خاوية أو تكاد .. وزاد الطين بله هؤلاء الكهنة الذين يرغبون في تحويل ما تبقي من موارد البلاد لبناء وتجميل معابدهم بعد أن تزايد نفوذهم وقويت شوكتهم في مقابل الضعف والوهن الذي أصاب كهنة بتـــاح
أدرك الملك أن كبير الكهنة يريد أن ينفرد به – وهذا دأبه دائماً كلما أراد شيئاً لنفسه أو لمعبد من معابده – فأشار للحاشية بالانصراف ، نظر إلي الكاهن نظرة تساؤل دون أن يبدأه بالكلام ، رسم الكاهن ابتسامة علي شفتيه واقترب من الملك هامساً بالرغم من عدم وجود أحد وقال
- لقد أمرت منذ الأمس بإقامة الصلوات للإله العظيم رع – باعث الضياء وواهب الحياة – كي يهب الملكة المبجلة ولداً ذكراً يكون ولياً لعرشكم بعد عمر طويل وسعيد لجلالتكم ..
- باركتكم الآلهة يا كبير الكهنة .. وأشكر لك اهتمامك وأقدره ..
وقبل أن يستطرد الكاهن في الكلام والمطالب رأي الملك أن يبدأ الهجوم بموضوع يعلم أنه يثير حساسية الكاهن فباغته قائلاً
- نما إلي علمي أن كهنة بتاح غاضبون ، وأنهم يرون أن معابد الشمس قد استأثرت باهتمامنا دون معابد بتاح ، وأنا أخشى أن يؤدي غضبهم وتذمرهم إلي عواقب وخيمة يمكن أن تؤثر علي الأمن والهدوء في البلاد .. فما رأي كبير كهنة رع .. ؟ كيف يمكن أن نرضيهم ؟
- هذا أمر يسير يا مولاي ، ولا أظن أنه يصل إلي حد تهديد الأمن ، ومع ذلك فقد فكرنا في هذا الأمر ، فنحن لا نرضي بإغضاب أحد ، خاصة الإله بتاح الذي نحترمه ونبجله، ولهذا الأمر جئتك اليوم يا مولاي .. لقد رأينا أن نعطيهم منصباً هاماً يكون فيه رضاهم ..
بلغ الغيظ والغضب بالملك حداً كبيراً بسبب لهجة الكاهن الذي يتحدث وكأنه هو الملك ، يعطي ويمنع حسب مزاجه ورغبته ، وعلي الجانب الآخر فطن إلي حكمة هذا الحل ورآه هو الحل الوحيد الممكن لهذه المشكلة العويصة ، ولكن .. أي منصب يمكن أن يرضي كهنة بتاح ! صحيح أنهم أقل عدداً من كهنة رع ، وصحيح أنهم أضعف شوكة لكن لا يمكن تجاهلهم كلية ، سدد الملك نظرة حادة إلي وجه الكاهن وهاله ما به من تجاعيد تنبئ بعمره الذي طال أكثر مما يود الإنسان وقال بلهجة غامضة لا يستطيع أحد أن يجزم بما تحمله إن كان سخرية أو استهزاء بمحدثه ، أو تعبير عن حقد خاص يكنه لهذا الرجل
- أرجو ألاّ يكون هذا المنصب هو العرش نفسه !
لم يتمالك الكاهن نفسه من الضحك ، والملك يرقب فمه المفتوح الخالي من الأسنان والوجه الذي يذكره بالجثة المحنطة
- لا..لا..لا .. لا أري أن غضبهم يمكن أن يصل إلي هذا الحد يا مولاي .. وليظل العرش مباركاً بك وبنسلك المقدس ..
وكف تماماً عن الضحك ، واتخذ وجهه هيئة جادة ، ومال علي الملك قائلاً ..
- يكفيهم يا مولاي الملك المعظم منصب الوزارة والقضاء
صاح الملك وقد فاجأته جرأة الاقتراح ..
- ماذا !؟ ماذا تقول ؟ الوزارة والقضاء !؟ ألا تعلم أيها الكاهن أن هذا المنصب قاصر علي ولي العهد.. وهذا ما وجدنا عليه آبائنا وأجدادنا .. ؟
لم يهتز الكاهن ولم يطرف له جفن ، هو يعلم جيداً أنه اقتراح جريء ، وأنه تغيير لناموس قديم راسخ ، لكنه كان علي يقين أيضاً من أنه إجراء ضروري ، وأن كهنة بتاح لن يرضوا بأقل من ذلك، بل ويعلم كذلك بعدم قدرة الملك علي الرفض رغم هلعه الواضح ، ورأي أن يخفف عن الملك قليلاً ، فأعاد إلي وجهه ابتسامته الباهتة وهمس قائلاً ..
- مولاي.. لا ضير من أن نغير بعض الأوضاع المستقرة منذ سنين طويلة ، فالعالم نفسه يتغير كل حين ، خاصة إذا كان هذا التغيير ضرورياً لأمن البلاد واستقرارها ، كما أنه يا مولاي لا ينقص من هيبة العرش وقداسته ، بل إنه سيبدو كهبة من الملك لرعاياه وعطية يجب أن يشكر عليها ويحمد ..
أخذ الملك يهز رأسه لأعلي وأسفل دون أن يرد أو يتكلم وبدا أنه استغرق في تفكير عميق يوازن بين ما عرض عليه وما يمكنه أن يفعل إزاء هذا الأمر، ولم ينتبه لوقوف الكاهن الأكبر طالباً الإذن بالانصراف وهو يكرر دعواته للآلهة أن تساعد الملكة وتهبها ابناً قوياً يرث عرشاَ عظيماً ..
تابعته عينا الملك حتى اختفي ، وتمني في نفسه ألاّ يري سحنته مرة أخري، وقرر أن يذهب إلي مخدعه ليستريح، لكنه فوجئ بأنه غير قادر علي النهوض بمفرده
المصدر: الكاتب
أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ ..
أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى ، كما أرجو أن تتواصل معى وتفيدنى بآرائك ومناقشاتك وانتقاداتك ..
ساحة النقاش