الفصل الثانى عشر
<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
وفى الصباح الباكر دقت طبول الحرب من جهة العرب وركب الأمير حمزة جواده الأصفران وتقدم ثم ركب الأندهوق بن سعدون والمعتدى حامى السواحل كل منهما فى ناحية من الجناحين ، وركب معقل البهلوان برجاله وقاهر الخيل بأبطاله وبشير ومباشر وأصفران الدربندى ، وكل فارس منهم يرغب أن يشفى غليله فى ذاك اليوم ، كما لبس عمر العيار ثوباً من الجلد الأسود المحبوك وتقلد أسلحته واستدعى رجاله ووزعهم كل عشرة فى جهة وأوصاهم بالمحافظة على الفرسان وأمرهم ألاّ يستقروا فى مكان ..
ولما انتظم الفريقان والتقت العين بالعين ، صاح الأمير حمزة بصوت كالرعد وزأر زئير الأسود واقتحم الميدان يصول ويجول ، ويطعن الرقاب والصدور فيمدد الفرسان على الأرض بالطول والعرض وكذلك فعل أبطاله وكانت واقعة عظيمة الأهوال تدفقت فيها الدماء كالأمطار فلله در الأمير حمزة الفارس المغوار ، فكم أباد من فرسان العجم الأشرار وهو يتنقل من مكان إلى مكان يبتغر لقاء زوبين الغدار ، وبين يديه أخوه عمر العيار ينطلق كالسهم الطيار ويجرى أسرع من الطير إذا طار ، ودام الحال على هذا المنوال إلى أن علت الشمس قشرة الاصفرار فرجع الفريقان عن الضرب والطعان لطلب الراحة من جراء ما لحق بها من التعب والكلال ، وتراجع الأعجام إلى الوراء وقد قتل منهم جم غفير وخلق كثير ، ولما اجتمع كسرى ببختك وبخه وعنفه وعاب عليه أنه كان يهون عليه الصعاب وأكد له مقتل حمزة بيد زوبين وها هو اليوم كأنه الغول لا ينجو من يده أحد ، وقال له : " لو كنت أعلم أنه حى لما أتيت إلى هذه الديار ، ولا رميت برجالى فى هذه الأخطار .." ولم يجد بختك ما يدافع به عن نفسه سوى أن يذكره بابنته التى سباها العرب وما زالت بقبضتهم حتى الساعة فسكت على مضض والغيظ والقهر يأكلان قلبه ، وبعد اليوم الثالث من القتال ورأى كسرى ما جار على رجاله ونقصهم الذى يتزايد ساعة بعد ساعة انقلب الضياء فى عينيه ظلاماً ، وجاءه بختك يهرول مذعوراً وقبل أن يصب عليه كسرى جام غضبه بادره بقوله : " الفرار الفرار يامولاى فإن اليوم ليس يومنا ، ومتى جاء يومنا أخذنا بثأرنا .." ثم أمر الحجاب فحملوا كسرى على بيكار الاشتهار وطاروا به فى البرارى هرباً ، ولما رأت عساكر العجم أن العلم قد سار إلى الوراء لووا أعنة خيولهم وتبعوا ملكهم وكان فى طليعتهم زوبين الغدار خوفاً من الوقوع فى يد حمزة والعرب خلفهم يضربون أقفيتهم ..
عاد العرب إلى المدينة بعد أن طاردوهم لمسافة ثلاث ساعات وأهلكوا منهم نحو الثلث ، وعندما اقتربوا من المدينة وجدوا الأمير ابراهيم وأعيان مكة قد خرجوا لاستقبالهم بالدفوف والمزاهر ، وتقدم الأمير ابراهيم من ولده فقبله بين عينيه وهنأه بالسلامة وشكر سائر الفرسان وأثنى عليهم ودخلوا المدينة وسط أهازيج النصر وأولموا وليمة فاخرة ووزعوا الأموال على الفقراء والأيتام وقسموا الغنائم بينهم ..
وبعد أن هدأت الأفراح حرص العرب على يقظتهم لعلمهم الأكيد أن ثمة جولة أخرى من جولات الحرب بينهم وبين العجم قادمة لا محالة ، فالنصر الحاسم لم يأتِ بعد ، وفى هذا الوقت كان على حمزة أن ينفذ وعداً قطعه على نفسه " للراعد " وهو الجنى الذى ساعدهم فى دحر العجم بسيفه الذى يبلغ طوله عشرة أذرع دون أن يراه أحد وهو ما أثار الذعر فى صفوف العجم وعجل بفرارهم ، وكان للراعد هذا عم جار عليه بعد موت أبيه وطرده من مقاطعته فى جبال قاف وأوصى كل من يراه بقتله ، ولجأ الراعد لحمزة لأنه هو الوحيد الذى يمكنه قتل عمه بسيفه الذى يقتل الإنس والجن وهو السيف الذى وجده فى قلعة النيل بمصر حيث سجنه سكاما وورقا ، ورغم معارضة فرسانه وحبيبته مهردكار إلاّ أنه ما كان ليخلف وعداً ، فسافر مع الراعد ليتحقق المقدور وينفذ المكتوب كما أشار بزرجمهر ، واضطر رجاله للتسليم بالأمر ، وكانت عودته حسب توقعه بعد سبعة أيام لكن المدة طالت لما يقرب من الثلاث سنوات رأى فيها ما لم يتخيله وتعرض للموت لولا أن عناية الله ترعاه ، وظهر له الخضر الأخضر مرتين حين استبد به اليأس وتعرض للموت عطشاً وطمأنه من جهة زواجه بأسمابرى بنت الملك أليون ملك الجان وكان يرفض ذلك الزواج رفضاً باتاً ، كما التقاه فى الثانية عند كنوز الملك سليمان حيث حصل ثوبه وجواده يقظان الذى ليس له مثيل فى الأرض ..
لما طالت غيبة حمزة شعر العرب بالقلق وأعلن عمر أنه ذاهب إلى المدائن كى يسأل بزرجمهر عن عودته وما حدث له ويستطلع أخبار العجم ، وبالفعل ذهب وعاد بأخبار سارة وقال إن الوزير طمأنه وأكد له أن حمزة سيعود غانماً من طريق بلاد مراكش وأنه من الأفضل أن يلاقوه هناك حيث ستدور حرب ضروس بينهم وبين العجم فاجتمع رأيهم على التحرك فوراً تنفيذاً لتوجيهات الوزير لثقتهم الكبيرة فيه وفى حبه للعرب وأخذوا معهم أموال كسرى والأميرة مهردكار خشية الغدر من جانب العجم عندما يعلمون بخلو المدينة ، وساروا فى اتجاه طنجة الغرب ونقل جواسيس العجم هذه الأخبار إلى كسرى فأرسل ولده فرمزتاج وزوبين الغدار على رأس جيش يبلغ الثلاثمائة ألف فارس ليقطع عليهم الطريق وهو مطمئن لعلمه بأن حمزة غائب عنهم وعسكر الجيشان فى مواجهة بعضهما وأرسل فرمزتاج كتابا إلى الملك النعمان يهدده فيه بوقاحة ويأمره بإعادة الأموال والأميرة مهردكار وبأسلوب استفز العرب فغضبوا غضباً شديداً ما عليه من مزيد ، وأعادوا الرسول بلا رد مكتوب ولكن بالوعيد والتهديد ، وأبلغوه ألاّ يفكر فى رؤية أخته الأميرة طيلة حياته ، وأثاره هذا الأمر حتى إنه انكب على الخمر يعب منها بغية النسيان لكن الخمر أشعلت شوقه لأخته وهيأت له أن يتنكر ويذهب إلى معسكر العرب ليراها وربما استطاع أن يعود بها ، ونفذ بالفعل ما هيأت له الخمر وسار حتى اقترب من صيوانها القريب من صيوان عمر الذى كان حريصاً عليها فعرفه عمر وأسرع إلى الأميرة ليخبرها أن أخيها بالخارج فقالت له دعنى من أخى وأبى فليس لى أهل سواكم ، وعاد عمر ووقف خلف فرمزتاج ورفسه رفسة قوية ألقته طريحاً فأوثقه وحمله إلى سادة القوم ليروا رأيهم فيه وتحيروا فى أمره إلى أن اقترح اندهوق أن يتركوا الأمر للأميرة فاستحسنوا هذا الرأى فعاد عمر للأميرة وسألها ماذا ترى فقالت اتركوه عندكم لحين عودة حمزة ، ووكل عمر بعض عياريه بحراسته ، ولما عرف زوبين من جواسيسه أن فرمزتاج أسر أحس بالرعب والخوف فمن فعل ذلك قادر على أسره هو أيضاً فقاد رجاله وأسرع بالفرار إلى المدائن ..
ساحة النقاش